الجزء الثامن والعشرين

1K 53 3
                                    


وعلى جناح الشوق طار بها لعشهما الخاص بعيدًا عن أعين الجميع فقد اعد لهما ليلة خاصة وكأن الليلة ليلة زفافهما هما حتى يعوضها عن ليلتهما التي قضاها في نوبة بكائها ورعشات خوفها الصامتة، تفاجأت بفعلته وعلمت الأن لما رفض صعودها للمبيت مع والدتها بعد أن أوصلاها لمنزلها، فرحت كثيرًا واسعدها تخطيطه لتمضية ليلة حالمة تجمعهما سويًا كي تزيد جرعة ثمالتهما من الحب، بدأها برقصة هادئة على أنغام موسيقية ناعمة تسافر بهما لعالم مليئ بالرومانسية، ضمها له بأشتياق وكأن الأيام البسيطة التي قضتها في منزل والدها مرت عليه دهورًا جعلته يأن في بعدها ويغزل ابيات من الشعر في هجر الحبيب، دار بها ببطئ يسمعها ما خطه قلبه في أوقات عجافها.

لماذا أرى العالم دونك خاليًا
وكأن الحياة أصبحت صحراء نائية
ومثلي مثل طفل يتبع أمه ماضيًا
ثم تختفي صورتها  وتصبح خاوية
ليفزع من حاله الذي أمسى واهيًا
وأنفاسه التي خرجت عنها باحثة
ولسانًا مرتعشًا يصرخ بأسمها مناديًا
عودي يا حبيبة فحياتي بدونك ناهية
عودي لحبيب أضناه بعدك جافيًا
عودي لعاشق لو بات مخيرًا
بين روحه وروحك لأختار روحكِ باقية
فنفسه دون نفسك فانية

لتنظر له بحب غير مصدقة أن بعدها عنه جعله ينهل من شعر المحبين لها بيوتًا وكأنهما بات مثل أساطير الحب وابتسمت وهى تتخيل أنهما عادا بالزمن ليكونا (روميو وجوليت) من جديد، لفت يدها حول عنقه تضمه بقوة تعوضه عما شعر به من حرمان في فراقها، وكما غزل لها شعرًا، وجدها احاكت مشاعر ترجمها لسانها لكلمات أطربت قلبه.

يا من رأيت في عينيك حياتي
وكأنك شهدت كل سعادتي وأحزاني
وجدت في نظراتك سلامي وأماني
وكنت سبب في شفاء الآمي
عشقتك وعشقك أحياني
فحبك ترياق انتزع سم أهاتي
أهيم بك وأتمنى أن أحيا معك باقي أيامي
يا حبيب أرتقى بي لعرش أمنياتي
حتى حزت على جميع الألقابي.
أحبك يا فارس أحلامي.

- أمأ لها رصان غامزًا بطرف عينيه: الله....... يا أميرة حياتي، بحبك يا أحلى وعد في حياتي.

- اختلجت نبضات قلب وعد فرحًا وصخبت تعلن عن سعادتها فأوردت دمائها الساخنة لوجنتيها تعبيرًا عن خجلها من سهام نظراته التي باتت تتغزلها بصمت ونطقت هى بما شعرت به ناحيته بصدق وصل لقلبه سريعًا حتى نال منه: بحبك يا أجمل رصاني.

لم يكترث رصان لصوت هاتفه الذي صدح معلنًا عن مكالمة ورمى بكل شيئ خلف ظهره وحملها لفراشه كي يعيد معها أحياء ليلة رومانسية جديدة تسطر في كتاب حبهما كي يتذكراها كلما تقدم بهما العمر.

دخلت إلهام لمنزلها بعد أن أطمأنت على فلذة كبدها الصغرى هى الأخرى مع رجل خير يتقي الله فيها تنفست الصعداء وشعرت براحة تعمها وكأنها حققت جميع أحلامها التي تمنتها طوال حياتها، فماذا ستريد من الحياة أكثر من ذلك فقد ربت أبنتيها جيدًا واحسنت خلوقهما وجعلتهما فخرًا لها ولزوجها الراحل الأن فقط أكملت جميلها وحفظت أمانته لها وأدتها على خير وجه، حمدت ربها على أعانته وتوفيقه لها ووقوفه بجوارها دائمًا، ثم ولجت لحجرة نومها تستقبل فراشها بتعب بعد أن اجهدت نفسها في تجهيز منزل صغيرتها وفراشه طوال الأيام الماضية وتحملت ألم صدرها ولم تبدي به خاصة أمام (وعد ونور) اللتان وما أن خطرا على بالها مجددًا حتى انقلبت سعادتها فجأة لضيق، فزفرت بقوة تنفس عن نفسها الأختناق الذي كبلها من عنقها دفعة واحدة وجثم على صدرها فهى ولأول مرة تبيت في منزلهم بدونهما، فرت دموعها تأنيبًا على كل لحظة ضاعت منها دون أن تشبع روحها منهما وسخرت بحزن من نفسها أو ليس هذا الذي لطالما تمنتي، أن تزوجهما كي تطمئني عليهما وترتاحي من عبء مسؤوليتهما، وراحت تسأل نفسها لم الأن تشعر بالحزن وتأنيب الضمير يجتاحها، جلست بتختها بعدما أبدلت ملابسها بملابس النوم، واسبحت بعقلها في بحر ذكرايتها تتذكر يوم أن دخلت لهذا البيت عروس ثم ذكريات حلوة وأخرى حزينة تجمعها بزوجها الراحل كما تذكرت يوم مولد وعد والفرحة التي غمرتهما بمجيئ قطعه منهما للحياة ثم طفولتها الهادئة كطبعها، لتأتي بعد ذلك نور تلك الشقية التي قلبت هدوء حياتهم لشغب محبب لقلوبهم وحازت على قلوبهما كما وعد، كم تمنت أن يكون زوجها مشاركًا لها في يوم كهذا لكن قضاء الله رأف بحاله من مرارة ألم المرض الذي جعله يعاني لسنوات، هدها التفكير وراحت تتقلب على فراشها وكأن تحتها جمرًا يقلق ويؤلم منامها، حاولت مرارًا أن تغفو ولو قليلاً لكنها عجزت عن ذلك فنهضت وذهبت للمرحاض تتوضأ ثم وقفت على سجادة صلاتها تصلي القيام علّى الله يهون عليها فراق احبتها، وفي نصف الصلاة شعرت بثقل ناحية قلبها جعلها عاجزة عن أخذ أنفاسها واحست بخدر يسري في أعصاب نصفها الأيسر وتصبب جبينها عرقًا ثم خرت تلحم جسدها بالأرض بعد أن مادت بها.

عهد الغادرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن