[الجزء الثالث] البارت التاسع (٩)

156 13 0
                                    

ظهر أرنب آليس» من دون سابق إنذار» في اليوم الخامس لوفاة
ميندوزا. أتراه كان ينتظر موت جدّي؟

لطالما انتظرتك يا أرنب» تظهر أمامي بشكلك الغريب» أتبعك..
أتعثر.. أسقط في حفرة تفضي إلى بلاد أبي» ولكن» يبدو ان السقوط
في الحفرة ليس بالسهولة التي تصورت: "قبل أسبوع» تسلمت عائثلة
الطاروف رفاة راشد من إحدى المقابر الجماعية في جنوب العراق".
قال الأرنب ليضع نقطة في آخر سطر من حياة أبي القصيرة.

***

ظهيرة اليوم الخامس لوفاة جدّي. سيارة ليموزين فخمة؛ محمّلة
بأعداد هائلة من الزهور» كانت تحمل جثمان ميندوزاء جدّي الذي لم
يركب مثل هذه السيارة في حياته؛ يركبها ميتاء محمولا إلى المقبرة
القريبة من أرضه.

تدور عجلات السيارة ببطء شديد» وأفراد العاثلة والمعزون»؛ على
كثرتهم؛ يسيرون خلفها على أقدامهم» حاملين باقات الزهور» يرفعون
شمسياتهم فوق رؤوسهم. يشيّعون ميندوزا إلى مثواه الأخير.

في تلك الأثنداء؛ كان أرنب آليس ينتظرني في مكان ماء مرتديا
معطفه الشهير» حاملا ساعته؛ يعد بواسطتها الوقت.

قبل تشييع ميندوزا بأسبوع واحد» كان الأرنب هناك؛ يشيّع؛ هو
الآخر، صديقه بعد فراق دام خمسة عشر عاما.

***
كانت ماما آيدا في البيت. لم تذهب معنا لتوديع جذّي ميندوزا.

ورغم إلحاح آمي وخالي بيدرو» تمسكت برفضها قائلة. "مات آبي منذ
زمن طويل.. منذ كنا أطفالا.. لا جديد اليوم سوى إلقاء جثمانه في
حفرة مظلمة تشبه الحفرة التي دفعني إليها عندما كنت في السابعة عشرة
من عمري.. اذهبا أنتما.. وخذا معكما الأولاد".

بعد عودتنا إلى البيت» حيث اجتمع أفراد العائلة بعد وداع ميندوزاء
قالت ماما آيدا أن أحدهم اتصل يسأل عن أمي» "طلبتٌ منه معاودة
الاتصال بعد ساعتين"» وفي الوقت المحدد.. اتصل الأرنب!

"نعم.. أنا جوزافين"؛ قالت أمي للمتصل» ثم انتصبت واقفة
والدهشة تعلو وجهها: "كيف لا أتذكرك! بالطبع أتذكرك يا غسان!".

غسان! صعقني سماع الاسم. صديق أبي.. صائد السمك..
العسكري.. الشاعر الذي يعزف على آلة العود!

احتشدت الذكريات في رأسي واستفزت لها حواسي. صوت
نغمات الآلة التي استمعت إليها في بوراكاي» ورائحة سمك تصاعدت
إلى أنفي» ورائحة أخرى مقرفة؛ لعلها رائحة الطم في الكيس
البلاستيكي الذي كان يحمله وليد في الصورة القديمة.

ما إن لفظت أمي اسم غسان حتى وجدتني أقفز إلى السلم»
متجاوزا درجاته مسرعا باتجاه غرفة ميرلا حيث الهاتف الآخر. حملت
السماعة.. ألصقتها بأذني أستمع لحوارهماء أمي وغسان:

- أتصور أن الوقت قد حان لعودته..

قال غسان بصوت غليظ لا يشبه صوت شاعرء لعله صوت
العسكري. واصل:

- كانت هذه رغبة راشد» منذ خمسة عشر عاما..

تسارعت أنفاس أمي حين سمعت اسم أبي. واصل غسان:

- اوصيته بامي إن اصابني مكروه.. وفي المقابل» اوصاني هو

أن أتكفل ب عيسى إذا ما حدث له مكروه.

بصوت خفيض, بالكاد سمعته؛ قالت أمي ل غسان:

- راشد؟!.. مكروه؟!

- كان أملي كبيرا بعودته من الأسر..

قال غسان بعد أن رقّ صوته؛ ثم تردد قبل أن يردف:

- يؤسفني ذلك.. ولكن..

اختفى صوت العسكري.. ثم واصل حديثه بصوت الشاعر:

- قبل أسبوع» تسلمت عاثلة الطاروف رفاة راشد من إحدى
المقابر الجماعية في جنوب العراق.

لم تفه أمي بكلمة. سألها غسان:

- أليست لديه رغبة في العودة إلى الكويت؟

شرعت أمي في البكاء؛ في حين أجبته من الهاتف الآخر:

- بلى.. أريد أن أعود.. أريد أن أعود..

وعدنا غسان أن يتكفل هو بكل شيءء؛ "أعرف أناسا يمكنهم
مساعدتنا في شأن عودته"؛ قال لأمي. وعدني: "أمهلني بعضا من
الوقت لأقوم بتحضير أوراقك» واستخراج جواز سفر كويتي". قال انه
كان يتمنى لو يحضر إلى الفلبين» ليصطحبني إلى الكويت بنفسه؛ ولكن
سببا كان يمنعه من ذلك.

ساق البامبوحيث تعيش القصص. اكتشف الآن