[الجزء الثاني] البارت الثامن عشر (١٨)

246 14 0
                                    

تكبرني میرلا بأربعة أعوام. لا يأخذني منها سوى نداءات میندوزا۔
كم كنت أحسدها، فخشية جذي من آیدا حالت دون أن يجرؤ على
تکلیف ابنتها بشيء، كما أن الشخصيتها دورا في ذلك، ما أثقل كاهلي
بتلبية طلباته المتكررة
ال میرلا شخصية قوية، ذكية، قبادية منذ كانت طفلة. يخشاها صبية
الحي، لا تستخدم لسانها كثيرا كبقية الفتيات، ولكن بدها تعمل بشكل
تلقائي إذا ما غضبت.
ممشوقة القوام. طويلة نسبيا، بيضاء البشرة مائلة إلى الحمرة، شعرها
بني متموج. عيناها ملونتان، ما يجعلها مستیزا بامتياز، وان كانت تكره
هذه الصفة فيها. فملامحها الجميلة تذكرها بأبيها الأوروبي المجهول
الذي تكره. بسببه كرهت ملامحها وكل ما هو أوروبي بشكل فظيع.
توطدت علاقتي بها، منذ أصبحت خالتي آیدا نتكفل برعايتي في
الشهور الأربعة التي تقضيها والدتي في سكن زوجها كل عام، قبل أن
تستقر، بشكل دائم، في بيتها الجديد.
كم كنت أفتقدها وأنا هناك، بعيدا عن...
كنت أشتاقها كاشتياقي إلى اللون الأخضر الذي لم أعد أره.
أفتقدها كما افتقد رائحة العشب بعد اغتاله بالمطر، بعد أن تمتلئ
التربية بالماء، تتجشأ الأرض، وتنت انفاسها المنشعة تغسل أرواح الخلق.
ليتنا نتمكن من استعادة أيامنا التي مضت مع من فرقتنا عنهم
السبل، لنحياها مع غيرهم، ولكن، لا أحد في هذا الكون يمكنه أن
يأخذ مكان الآخر. فكيف إذا ما كان الأخر هو.. ميرلا؟ كم كنت أتمنى
لقاءها.
غامضة كانت، رغم الوقت الذي كنت أقضيه معها، فقد كانت
تخفي جانبا اجهله. بدأت أسئلتي لها منذ عادت إلى البيت، ذات يوم،
بحرفي MM موشومان على ساعدها.
- ميرلا.. حرفي الأول
كانت تجيب مبررة..
- ولأني أحب نفسي كثيرا.. فإن حرف M واحد لا يكفي.
لم أنتبه يوما إلى جمالها الصارخ.. أنوثتها الطاغية وجسدها
المنحوت، لونها، جنون شعرها، واكتناز شفتيها، إلى أن خلقت میرلا،
في عيني، بصورة أخرى جديدة. كنت قد بلغت الرابعة عشر للتو حين
زارتني في حلمي أول مرة. مجنونة كانت، وبالمثل کنت. صحوت
غير مصدق بأن تجربتي تلك لم تكن حقيقية، وبأنني سأكرر تجربتي
مع ميرلا كثيرا، ولكن، ليس خارج احلام ليلية رطبة تراود صبا بهم
بنزع ثوب الطفولة ليرتدي ثوب الرجولة. الاحساس الذي انتابني في
نومي.. الملمس.. الطعم.. الرائحة و.. الأثر المترتب على أحلام كهذه.
لم أتمكن من طرد مشاهد الحلم من رأسي كلما لاحت میرلا أمامي.
الفتاة نفسها التي كبر معها في بيت واحد. لم يطرأ عليها أي
تغيير. عيناي هما اللتان أصبحتا تنظران لها بصورة مغايرة. ليست الأنثي
بشكلها وتصرفاتها، محفزا لغريزة الرجل، بقدر الصورة التي يراها عليها
داخل رأسه. وداخل رأسي لم أكن أرى، إذا ما شاهدت میرلا، سوی
صورتها في الحلم.
لم يكن لنا أن نقيم علاقة غير التي خلقنا عليها، ففضلا عن فارق
السن، الذي كنت أراه كبيرا، كانت ميرلا ابنة خالتي.
قلت لوالدتي ذات يوم، عندما كنت في السادسة، في حين كانت
ميرلا في العاشرة
- ماما.. أريد أن أتزوج ميرلا..
انفجرت والدتي ضاحكة:
يبدو لي انك ستعتنق الإسلام بأسرع مما تصورتا
قالت أمي، في حين بدت الدهشة على ماما آیدا التي عاجلت
بالسؤال:
- وهل يجيز الإسلام زواج أبناء العمومة؟۱
هزت أمي راسها إيجابا. قلت لهما:
إذن فأنا مسلم..
وضعت ماما آیدا كفها على صدرها
إياك والتفكيرا أنا وابنتي كاثوليكينان..
بينما كانت تقهقه، أشارت بسبابتها نحوي متوعدة. أتمت:
عد إلى بلاد أبيك.. وتزوج من جدتك إن أردت
انزعجت، في ذلك اليوم، لأن هناك ما يمنعني من الزواج ب ميرلاء
فقد كنت أحبها، وكنت شديد الغيرة عليها، إلا أن ذلك كله لم يتجاوز
أحلام الأطفال التي سرعان ما تتلاشى، لتعود بعد سنوات، بشكل
مغاير.. أحلام ليست كأحلام الطفولة.
میرلا. جرأتها، تمردها وأحاديثها المجنونة.. تسكعنا، نحن
المراهقان، الفتاة ال Mestiza والشاب المArab ، في شوارع مانيلا،
نشرب الشاي المثلج أمام أكشاك العصائر على الأرصفة.. زيارتنا ل
فورت سانتياغو، المعسكر الإسباني القديم. رحلاتنا صعودا في الجبال،
نزولا إلى الوديان، ولوجنا كهوف بياك-نا-باتو 4). جلوسنا أمام بركان
-_______________________________________
(١٤) Bato National Park: منطقة صخرية، تحتوي على كهوف وانهار
ومرتفعات، تمتد بينها جسور خشبية معلقة وسلالم تسهل التنقل بين المرتفعات
والوصول إلى الكهوف
__________________________________________
( ١٥ )تا-آل الشهير، لا يفصل بيننا وبينه سوى بحيرة تطفو على سطحها
قوارب صيادين حمصت الشمس بشرتهم.
كنا نحصل، في رحلاتنا تلك، على سعادة مجانية كما تقول
ميرلا. نتفق مبلغا رمزيا من المال لوسائل النقل وحسب، وأحيانا..
نادرا، تفرض بعض الأماكن مبلغا لا يعتد به ثمنا لتذكرة دخول عالم لا
ينتهي، وكل شيء، عدا القطار أو الحافلة أو الجيبنيا) وتذكرة الدخول،
إن وجدت، هو مجاني.. لا أحد يسألك المال مقابل ساعات تقضيها
محدقا في الجبل البركاني، ولا أحد ينبهك لانتهاء الوقت إذا ما جلست
أسفل شجرة عملاقة نبتت من قلب صخرة عظيمة، ولا أحد يطالبك بالا
تستلقي على سطح البحيرة طافيا محدقا في الغيوم، تحصيها.. غيمة..
غيمتان.. ثلاث.. خمسون. وليس هناك من يمنعك من أن تمد يدك إلى
ثمرة شهية تقطفها.. تشارك بها من تحب.
تقول ميرلا: "آرایت؟! تمنحنا الطبيعة سعادة مجانية"
- ولكننا اشترينا تذكرتي الدخول!
قلت لها، ثم دسسث كفي في جيب الشورت. أخرجت ورقتين
صفراوین، أتممت
من يملك الحق؟!
نظرت میرلا إلى السماء ثم الأشجار والصخور من حولها قبل
أن تقول:
- لا ذنب للطبيعة إن فرض البشر رسوما مقابل ما لا يملكون.
تصمت قليلا قبل أن تردف:
- ثم اننا قمنا بشراء التذكرتين لتجاوز البوابة وحسب.. وكل ما

ساق البامبوحيث تعيش القصص. اكتشف الآن