[الجزء الثاني] البارت الخامس عشر (١٥)

219 19 0
                                    

ما عادت الكويت تمثل لي شيئا منذ أخبرنا إسماعيل الكويتي عن وقوع أبي أسيرا في الحرب. انصرفت فكرة العودة إلى بلاد أبي من تلقاء نفسها. وبالرغم من ذلك، ما انفكت أمي تردد بين حين وآخر
"سيتحقق الوعد". تسألها خالتي آیدا:
- وماذا لو كان راشد..
تتردد. تبقي جملتها مفتوحة. تنقر الإثنتان على خشب الأريكة.
تجيب أمي - لو مات راشد.. وعده لن يموت..
كنت أشفق على أمي. أي إيمان هذا الذي لم يتزعزع طيلة هذه السنوات؟ ما زالت تبني آمالا على رجل فقد في الحرب منذ زمن. كنت قد فقدت لهفتي وأملي بالرحيل إلى بلاد العجائب، رغم إيمان أمي. ماذا لو تحقق الوعد؟ كنت أتساءل.. ماذا لو عاد ذلك الذي
يدعى راشد؟ أمصير نبتة البامبو ينتظرني؟
* *
في عام 1997 ، بدأت أمي في البحث عن عمل، وكان أول شخص فكرت في اللجوء إليه لمساعدتها هو إسماعيل الكويتي، ولكنه كان، في تلك الأثناء، قد عاد إلى بلاده بعد أن أنهى جميع التزاماته ومشاريعه في
الفلبين
تمكنت والدتي، بعد جهد، من العمل خادمة لدى عائلة ثرية تسكن أحد أحياء فوربس بارك في ماكاتي. تقضي النهار كله تعمل في منزلهم،
لتعود آخر اليوم، تتناول معنا العشاء، ثم ترحل مع أدريان إلى بيتها. ابتعدت أمي عني شيئا فشيئا، هكذا كنت أشعر، غيابها في العمل، وانشغالها مع أدريان واحتياجاته الخاصة، مزاجها السيئ، شرودها الدائم، ابتسامتها التي لم أعد أشاهدها. تغيرت أمي كثيرا، ولكني أتفهم أسباب كل ذلك. لست ألومها.
مقابل ابتعاد أمي، كان اقترابي من خالتي آيدا وميرلا. كنت قريبا منهما، رغم بعدهما عن بعضهما. لم أسمع ميرلا يوما تنادي خالتي با ماما، بل كانت تناديها باسمها: آیدا. تخرج من دون إذن، وتعود في ساعات متأخرة من الليل، وتقوم برحلات إلى مناطق بعيدة خارج مانيلا، ولا تستطيع خالتي آیدا أن تمنعها. ورغم أن خالتي كانت تحسن معاملة ابنتها بشكل مبالغ به أحيانا، رغم محاولاتها الدائمة لاسترضائها، فإن الأخيرة كانت على العكس، لم تحسن معاملة أمها قط.
سوء معاملة ميرلا ل آیدا كان له أثر في تعاطفي مع الأخيرة.
سمعتها ذات مساء تشکو لأمي: "هي لا تناديني ماما"، في إشارة إلى ميرلا. ومنذ ذلك الحين أصبحت أناديها: "ماما آیدا". وأي تأثير ترکه فعلي هذا على تصرفات خالتي من كان بوسعه أن يقبل بأن يكون له أكثر من أم سوی من تاه في
أكثر من.. اسم.. اكثر من.. وطن.. أكثر من.. دین؟!

ساق البامبوحيث تعيش القصص. اكتشف الآن