[الجزء الرابع] البارات الثامن (٨)

150 9 0
                                    

في شقة غسان» بعد عودتنا من بيت جدّتي» عرفت ما دار في تلك
الجلسة. غسان كان آمام خيارين» أولهما أن يُسلم الأمانةء التي هي أناء
إلى بيت الطاروف» ويحقق بذلك رغبة أبي. وثانيهما هو الترتيب لسفري
مرة أخرى إلى بلاد أمي. خولة سعيدة باكتشاف أمر الأخ الجديد. ولأنء
على حد قولهاء لو أنجبت أمها من زوجها الثاني فلن يكون الاخوة
قريبين في السن منها كما هي الحال معي» فهي مصرة على بقائي:
"سأعلمه العربيةء وسأهتم بكل شؤونه. لا تحملي همه ماما غنيمة"“
قالت لجدتي.

عمتي عواطف» الكبرى» سعيدة جدا. لا مشكلة لديهاء وهي
متحمسة لبقائي في منزل جدتي لأنني كما تقول: "هذا ولدنا". ورغم
تجاهل الآخرين لرآيها أصرت على الاعتراف بي: "انه ابن آخي» والله
لا يرضى أن نتنكر له". أسعدني غسان حين أخبرني بما قالت» فرحت
لوجود الله في تلك الجلسة يسمع ما يدورء وان لم أره فوجوده في
قلب عمتي عواطف يطمئنني» فهو قریب. صلیت للّه آن يسكن قلبي
أنا الآخر. نورية رفضت رفضا قاطعا وجودي بينهم» غضبت من عمتي
عواطف» محذرة إياها مما قد يحصل لو علم أحمد زوجها بهذا الأمر.
ترددت عمتي عواطف حين مس الأمر زوجهاء ولكنها تداركت: "أحمد
زوجي رجل یخاف الله» ولن یکون ذا موقف سلبي لو علم بالأمر".
ازداد حنق آختها نورية» ارتفع صوتهاء وطالبت» إن كان الأمر لابد
منه» بالإبقاء على اسمي الثلاثي» عيسى راشد عيسى» والغاء اللقبء
الطاروف» من أوراقي الثبوتية» والبحث عن مكان يأويني بعيدا عن
بيت العائلة» أو تسوية الأمر ماليا وإرسالي إلى بلاد أمي من جديد.

فقدت أعصابها: "الكويت صغيرة والكلام ينتشر بسرعة. لو علم فيصل›
زوجي» وأهله بأمر هذا الولد ستهتز صورتي أمامه.. أفقد احترامي في
بيت العادل» وأصبح أضحوكة لأخوات فيصل وزوجات اخوته"» حملت
حقيبتها غاضبة تاركة المكان. قالت قبل ن تخرج من بيت جدَتي: "لدي
ابن وابنة في سن الزواج» لن أسمح لهذا الفلبيني أن يعرقل زواجهما".
لم أستوعب ماقاله غسان نقلا عن نورية. لماذا كل ذلك؟ ما الذي يهز
صورتها ويجعلها أضحوكة أمام أهل زوجهاء وما الذي يعطله وجودي
في أمر زواج ابنها وابنتها؟! هي الكلمات ذاتها التي قالتها جدتي غنيمة
لأبي قبل سنوات عندما اكتشفت حمل أمي: "وأخواتك يا أناني؟ يا
حقير! من سيتزوجهن بعد فعلتك؟!". هذه أمور لست أفهمهاء ولم
يكن بوسع أمي» عندما كنت هناك آن تشرحها لي. سألت غسان عن
معنى ذلك. أجاب: "مثل هذه الأمور لا يمكنني شرحها لك يا عيسى..
ويصعب عليك فهمها". كان وضعي صعباء بين وقوف خولة وعمتي
عواطف إلى جانبي» والرفض القاطع من قبل نورية.

عمتي هند كانت في حيرة من أمرها. هي هند الطاروف» الناشطة
المعروفة في حقوق الإنسان. "مصداقيتيء أمام الناس» على المحك..
واسمي كذلك". کانت تقول. وکان لا بد أن تضحي بأحدهماء مصداقیتها
أو اسمها. أن تتمسك بحقي كإنسان» يعني أن تضحي بنظرة الناس
لاسمها البراق إذا ما عرفوا بأمر زواج أخيها الشهيد راشد الطاروف
من الخادمة الفلبينية. الأمر الآخر.. أن تضحي بمبادثها لتقف ضد حقي
كإنسان يعني محافظتها على بريق اسمها ونظرة المجتمع لها.. أو.. أن
تحافظ على الإثنين» مبادئها أمام الناس واسمها عن طريق التضحية
بوجودي بينهم قبل ان يکشف آمري» ولکن» هل في عدم قبولي بينهم
وطردي أي تضحية بالنسبة لهم؟ لو كان الأمر كذلك لأسعدني الأمر.
فاختیارها التضحية بي يعني بأني شيء ذو قيمة بالنسبة لهم. فالتضحية
الحقيقية هي آن نتخلى عن الأشياء التي لها قيمة لدينا لصالح الآخرء
آشياء لا تعوّض. آما أناء فلا قيمة لدي على ما أظن. لا حاجة لهم بي.
ليس في ابتعادي عنهم خسارة لهم ولا هم بحاجة لما يعوض غيابي
إن آنا غبت.

"وجدتي.. جدّتبي يا غسان.. ماذا کان رأيها؟". سألته بعدما
أخبرني بما دار من حديث لم أفهمه حينما كنت بينهم. نفث دخان
سيجارته قائلا: "الخالة غنيمة.. بيدها القرار الأول والأخير". ثم أطرق
یفکر. نظرت إلى وجهه باهتمام. سألته: "وماذا کان قرارها؟".

- هل سمعت لها صوتا في تلك الجلسة؟

سألني غسان. آجبته:

- كلا.. فقد كانت صامتة تراقب الوجوه طيلة الوقت..

سحق سيجارته في المنفضة. نظر إِليّ قائلا:

- لماذا تسألني رأيها إذن؟.. لعلها تحتاج وقتا لتفكر..

سکت قلیلاء ثم ابتسم يطمئنني:

- اترك الأمور لخولة.

res

آمور كثيرة لم تخبرني بها أمي عن الجنة التي وُعدتٌ بها. حدثتني
كثيرا عن تحقيق الأحلام وضمان مستقبل آمن وفرص كثيرة لا تتوفر
لأي شخص في بلادها. سنوات عدة عشتها في أرض ميندوزا أستمع
فيها إلى حديث أمي: "يوما ما ستعود إلى بلاد أبيك"» وحين عدت إلى
بلاد أبي وجدتهم متورطين بي» يريدونني ولا يريدونني» بعضهم سعيد
بعودتي» بعضهم في حيرة» والبعض يطلب تسوية الأمر ماديا ويطلب مني
العودة: "إلى بلاد أمك". وأناء أقف على أرض لست أعرفهاء باحثا عن
أرض تأويني بين بلاد آبي وبلاد آمي!
ماكدت أقبل اسمي الجديد» عيسى الطاروف» متحررا من أسمائي وألقابي القديمة هوزيه وال Arabo وابن العاهرة حتى وجدت من يسيئه

ان احمل اسمه. أنا لست ميندوزا الذي لیس له أب. أنا عيسى» ولي

أب اسمه راشد الطاروف. ‎٠‏

***

ساق البامبوحيث تعيش القصص. اكتشف الآن