Chapter One

79 9 31
                                    

بين عالمين مختلفين، وحياة جديدة مُنِحَت لي قسرًا، وحقيقة مُرّة جعلت من أيامي الرمادية كوابيسًا مظلمة لا مفرّ منها، وعلى ذكر الكوابيس فإنّي قصدتها بكل ما تحملها من معانٍ مظلمة
إذ لا يمكن أن تحدث في واقعنا
لكنها حدثت لي..

حُرِمتُ من أبسط حقوقي كمراهق في السابعة عشر من عمره نتيجة ضغط تلك العبودية التي تُدعى بـ"العائلة" ، وأشدّ مراحل التعذيب النفسي التي تلقيتها على أيديهم لجعلي الأفضل -كما يعتقدون- في حين أنها لم تكن سوى ممرًا للهاوية التي أُلقي فيها عفوية طفولتي ونضوج عقلي في أشرس مرحلة من العمر، وما كانت نتيجة حبّهم لي وحرصهم علي؟

شابٌ مستهلك الوعي، معدوم الثقة، مهزوز الشخصية، متبلد الاهتمامات والابشع من ذلك إنكاره لكل ما ذكرته
بالطبع لن يعترف أحد بامتلاكه تلك الصفات التي ذكرتها فهي تبدو اقرب لكونها شتائم مهينة بدلًا من إعتبارها مسائل صحة نفسية أخطر من امراض القلب المميتة، لكن يتجاهلها الجميع إذ لا يمكن ملاحظتها بفحصٍ مادي أو دليل، أو دون اعتراف الشخص نفسه..

نحاول احيانًا تغطية امراضنا هذه بالتفاخر وتصنّع الثقة او وضع أنفسنا في أماكن لا تليق بنا فقط لنثبت وجودنا، فالشعور بالعدم ليس ممتعًا إطلاقًا .. إنّه مُدمّر لما في دواخلنا.

حاربت ذلك حين وقوفي في وجه والدي الذي لطالما جعلني أستقتل لتحقيق رغباتي دون جدوى، بنزاعٍ كلامي أعلن كلٌ منا تخليه عن الآخر حتى الممات وخروجي بدراجتي التي قدتها بجموحٍ فاقدًا أعصابي تمامًا..
وعلى ذكر دراجتي فهي أحدى الممنوعات لدى عائلتي بحجّة الخوف من حوادث السير متجاهلين إرادتي الجادة في قيادتها، وعنادًا لكلام والدي الذي خالطه السُمّ اكثر من عاطفته، لم يعلم أنّه لن يستطيع رؤيتي مجددًا بعد خروجي من باب منزله اللعين، ليست مشيئتي ولكنني فارقت الحياة ذلك اليوم..
••••

نيويورك
مستشفى هوران
مساء الأحد/

أشد المواقف صعوبةً على الطبيب فقدان الروح التي أُودعت بين يديه، وأصعب منها إبلاغ ذويه بذلك خاصةً إن كان المتوفى شابةً في ربيع أعوامها ، كيف سيحول صفو ضحكات عائلتها الصباحية الى ليالٍ ماطرة بالدموع؟
توجب عليه ان يستجمع شتات نفسه وإخبارهم بلا تتردد فهذه ليست مرتّه الاولى،
ولم يكن الوحيد تلك الليلة فطبيب العائلة الأخرى قد أبلغهم مسبقًا.
وقف المسكين امام عائلتها بوجه تآكله الهم والأسى مبتدئًا كلامه بالمواساة وقبل أن يصعق آذانهم بنبأ الموت قاطعه صوت الممرضة التي تسارعت انفاسها مع خطواتها المنهكة، لقد حالت السماء دون ذلك.. يكفي أن تحزن عائلة واحدة في هذا المساء البائس.

-سيدي الطبيب انتظر.. يجب أن تأتي معي حالًا!!

ما كان رعب وجهها كافيًا لتراجعه عما كان على وشك فعله، فقد وصل لنقطة النهاية بعد حرب ذاتية في رأسه

Swevenحيث تعيش القصص. اكتشف الآن