Chapter Six

32 8 41
                                    

طوال حياتي القصيرة، اعتدت الغرق في دموعي التي لم أذرفها ..
وفي اللحظة التي سمحت لنفسي بالإنهيار الذي خشيته؛ كان وهمًا لعدم قدرتي على فعله..
الحقيقة الوحيدة كانت سيل البكاء الذي لم يتوقف حتى خروجنا من ذلك البيت وقد أقسمتُ على دفنه مع بقايا جسدي الذي ودّعته مسبقًا..

••••••
متعتي العظيمة كانت السيمفونية التي أعزفها بتمرير أناملي على لوحة مفاتيح حاسوبي المحمول لإختراق حسابات مواقع التواصل الإلكتروني البسيطة، لكن مع عقل مادي أشعر وكأنني أذكى بأضعاف مما كنت عليه..
لقد إخترقت البارحة عدة مواقع كنت أحلم في الوصول إليها قبل أن يدخل فرانك غرفتي مقاطعًا ما استمتعت به، كان قدومه آخر ما أردته في وضعي هذا، رؤيته تزيد من حالتي سوءً كرش الملح على جروح لم تبرأ بعد.
أراقبه يتلذذ بما فعله بي بعد جعلي كدمية غير قادرة على الحركة إلا بمساعدة أحد وها هو جالس أمامي على طاولة مكتبي يمثل الحب بإبتساماته البليدة الكاذبة.
على الاقل يبقى غريبًا بالنسبة لي، فالأسوء منه هم الأقرب.. عائلتي التي لم يرف لهم جفن على وفاتي.

- أكان من الصعب عليكِ الرد على مكالماتي التي باتت متراكمة في هاتفك؟

أطبقتُ حاسوبي خشية ملاحظته ما أفعله، وفمي كذلك..
فما كان منه إلا متابعة طرح الاسئلة التي لم تعنِ لي الاجابة عنها شيئًا، ولم أكن في حال يسمح بذلك او الاصغاء، حتى أمسك بذقني موجهًا نظري الباهت ناحيته لأهم ما لديه..

-لماذا تنازلتِ عن تهمة آيدن؟

حان وقت الرد، هذا ما أخبرني به عقلي وليته لم يفعل
-ليس مذنبًا!

دفع وجهي ليضرب بيده على الطاولة مفرغًا غضبه

- ما بال شاهدتنا التي من المفترض أنها فقدت الذاكرة؟ أم أنها محض تمثيلية خرقاء.. ماديسون!!

توغل القلق في قلبي وصولًا إلى لساني الذي عجز عن إيجاد أي مبرر ولو كان تافهًا، إرتجفت شفتاي بيأس بحثًا عن رادعٍ لشكوكه التي واصل صفعي بها لإضعافي

-أتظنين أني لم ألحظ فزعكِ عند رؤيتي أول مرة بعد الحادث؟ (همسَ بنبرة تهديد في أذني) مثيرة للشفقة.. لم تستطيعي اخفاء مخاوفك عند مقابلة من أجلسك في هذا المقعد.

دخل أليكس حينها فابتعد السابق ليحملق بأليكس الذي جاء في غير أوانه -بالنسبة إليه- ، المزعج الذي كان يزعزع هدوئي بات حلقَة الأمان التي لا احتمل الوقت خارجها لثوانٍ.

أعترتني الرغبة في الهروب من هذهِ البقعة الخانقة فأخذت بيد أليكس ألتمس الأعذار منه لأخذي بعيداً عن هنا

-أريد أستنشاق بعض الهواء هلّا ساعدتني؟

بيد أن أليكس كان يخوض حرب النظرات مع فرانك، يمكنني الشعور بحجم الطاقة السلبية المكبوتة داخل كل منهما بمجرد التحديق فيهما لوهلة ولست بعالمٍ سر هذا الحقد.
شددت على يده مجدداً علّه يطيعني

-أليكس، أعر وجودي بعض الأنتباه وأخرجني من هنا.

للأسف نبرتي خرجت مترجية وأستشعر أليكس ذلك مرتابًا مما قد فعله فرانك بي.

-هل من خطب ما؟

هل عليّ أن أقدم تفسير لكل ما أفعله هنا؟ نقطة مشتركة تقاسمناها أنا ومادي وهو واقعنا الذي أشبه بسجن أحكم تكبيلنا في هذا العالم بعلاقات رتيبة كالحب والصداقة وأهمها العائلة..

تتالى صدى رنين هاتف فرانك في جدران الغرفة الواسعة ليستأذن الأخير ذاهبًا إلى الحمام وأنتهز غيابه انا جارة رحال عبرتي خارج عتبة هذا القصر نحو الحديقة.

ما كانت إلا ساعة من الخلوة حتى مجيء كارلا لتبدأ معي حوار امرأة لإمرأة

- مادي.. بدأنا نفتقد مزاجك البغيض الذي كنتِ عليه قبل شهرين من الآن، أهناك ما تودين الإفصاح عنه عسى أن يساندكِ قليلًا؟

لو تعلمين يا كارلا، كل شيء بات مرهقًا حتى استيعاب كلامك أو التفت ناحيتك وأنتِ تتحدثين..

-ما شأن زيارتكِ لعائلة آيدن بهذا الصمت؟

ذلك السؤال فقط هو ماجعل قلبي يفزّ واكتفي بالإلتفات نحوها، فأجبت خوفًا أن تنجرف بالحديث عنهم

- كل ما أفعله هو التركيز على عودة ذاكرتي، لِمَ يقلقكم هدوئي لهذا الحد؟!

- ألا تعين ما يجري حولك؟ منذ الحادث ولم يعد شيء في مكانه الصحيح..انا لم افقد مادي وحسب، بل أليكس معها وهو يسعى في دوامة لا نهاية لها كي يسعدكِ فقط بينما يجرني للغرق معه دون فائدة تُذكر، هل يريحكِ تدميرنا لأجلك!!

- هل أبدو لكِ مرتاحة لهذه الدرجة؟ لِمَ لا تأخذين حبيبك وتغربان عني فحسب؟

نظرت إلي بيأس بعد استيعابها عقم النقاش معي لتتركني مع وحدتي التي أحببتها مجددًا،
لا أعلم كيف يشغل المرء فؤاده حين يكون خاويًا..
الحب، الشغف، الطمأنينة، البهجة، وغيرها.. ما عادت تلك المشاعر تلوح في أركان مُهجتي .. كل ما أملكه روحًا بائسة شارفت على الهلاك، مرهونة بهذا الجسد الذي فتكه المرض حتى صار ساكنًا كأي قطعة أثاث في الغرفة، ومع ذلك إستمر إبن العاهرة فرانك بتمثيليته التي باتت تستهلك ما لم يتبقى من طاقتي، محاولًا -بلا جدوى- التحقيق معي بين الفينة والآخرى عن صحة ما أدعيه.

Swevenحيث تعيش القصص. اكتشف الآن