"Let everything happen to you
Beauty and terror
Just keep going
No feeling is final"Rainer Maria Rilke.
•••••••
بين كل تلك الامتيازات والشهادات المعلقة باسم ماديسون لانكفورد على الجدار الخلفي لمكتبها، جذب نظري ذلك البيت الشعري الذي كُتب باللون الاسود على لوحة بيضاء بمنتصفها، لامسَ قلبي بطريقة ما .. شعرتُ كما لو أنّ مادي تخاطبني شخصيًا مطالبة إياي بمواصلة ما عُدت لأجله رغم كل تلك المصائب وتقبّل قدري المحتوم، لتنتشلني من التمادي في كره نفسي وجسدها وحياتنا البائسة، فاتخذت قراري بأن ماسيحدث اليوم هو آخر ما يربطني بلعنة الماضي..-أريد زيارة العائلة الذين فقدوا ابنهم في الحادث.
قلت لأليكس الذي بات يثرثر لأكثر من ساعة على رأسي ليُصدم بردي الذي لا صلة له بحديثه فسألني: ماذا عن رأيك؟!
-لستُ مهتمًا.
-حسنًا لا تهتم.
أجابني بصيغة الذكر كما فعلت مع نفسي لألعن غبائي للمرة الألف، من الجيد أنّه لم يحقق معي على الأقل..
حدّق بي قليلًا ثم انصرفَ لأغير ملابسي مرتديًا البناطيل والقمصان العريضة خافيًا كل ما يذكرني بحقيقة كوني فتاة..••••••
تقابلنا في باحة القصر الواسعة والمزينة بجمال الطبيعة الخضراء الآسِرة للحواس، برفقته شابة في ربيع عمرها ذات قامة قصيرة ووجه مدوّر طفولي بشوش ينتهي بغَمّازة في ذقنها، شعرها بني مجعد متوسط الطول ونمط ملابس غير رسمي، مرتدية فستانًا أرجوانيًا قصيرًا لا يكاد يغطي منتصف ساقيها الرشيقين.
-مساء الخير مادي، أُنا كارلا.. حبيبة أليكس للأسف.
قالت معرّفة عن نفسها ولحسن الحظ أنها لم تصافحني كوني ابغض الرسميات بشدة، وكما هو بديهي فأن أليكس مصدر ازعاجٍ للجميع..
أومأتُ لها برأسي دون تعابير فتدخّل مهرّجنا
-بل كيرلي.. وليس كارلا.
-يااه أليكس، توقف عن تشويه اسمي!
- لكنه يناسبكِ أكثر!
قاطعتُ جدالهما الساذج بنبرةٍ جادة: هل لكما أن تتركا جدال الاطفال ونستعجل الذهاب؟
••••••
اللعنة على شعر مادي الطويل، يعشق الالتصاق بمؤخرتي كلما غيرت مكان جلوسي.. ولا يمكنني رفع نفسي لإبعاده فتظل رقبتي متشنجة حتى يساعدني أليكس في إبعاده، هو لم يغفل الاهتمام بهذه النقطة حتى.. وكما من المفترض أن تجاوره حبيبته في سيارته الا أنه اختار لصديقته المقعد الأمامي، لكن الصدمة الكبرى كانت هي هدوء أليكس طوال طريقنا لتأخذ حبيبته دوره وتملأ جوّنا ثرثرة.. يا إلهي اذا اجتمع المذياع بشريط التسجيل كيف سيكون بيتهما المستقبلي؟قاطع افكاري وصولنا الى منزلي إذ انصبّ بصري كاملًا عليه، تواطنت التساؤلات في ذهني عما يكمن وراء هذا الباب الذي سندخله الآن.. لأجد اجابتها حال فتح والدي الباب بوجهٍ متجهم قد أضاف موتي سبعين عامًا على معالِمه، وقلبي.
التصق ظلام الحزن حول عينيه وشعره الأشعث على رأس جسده الهزيل، بشفاهٍ متشققة نطق مرحبًّا بنا بعد أن عرّفه أليكس عمّن نكونجلسنا في غرفة الضيوف داخل منزلي الصغير، قابلت فيها أمي التي كنت لأقفز وأعانقها لو لم أكن معاقًا، والتي أفصح جفناها المتورمين عن بكاء ليالٍ طويلة..
كل ما أردت النطق به تلك اللحظة.. كل ما كبحت قلبي من الأفصاح عنه هو..
لماذا
لماذا الآن؟
أؤمن أن المرء لا يعرف قيمة الشي حتى يفقده، لكن هل كنت بتلك القيمة عندكم؟ هل أستحقيت رسم التجاعيد في وجه أمي واصطباغ الشيب شعر أبي؟
ماذا عن أخي الذي لا أود رؤيته؟ أكان يجب أن أرحل من عالمكم لتبصر قلوبكم العمياء منزلتي وتشابه خاصة أخي؟احمرّت عيناي خجلًا من دموعي التي حبستها لأن أليكس ابتدء حوارًا معهم
- تعازيًا حارة لخسارتكم ولدكم آيدن، كان من المؤسف فقدانه بهذا العمر لذلك أصرت ماديسون على التنازل عن قضية الحادث وأتت لتتعهد بتلبية كامل أحتياجاتكم.
- عن أيّ آيدن تتحدث..؟
أجابت أمي لتتقافز علامات السؤال على رؤوسنا.. فأكملَت..
- الأبن الذي لم ينفك عن توريطنا بمشاكله ومتطلباته السخيفة؟ حتى بموته لم يذهب للجحيم وحسب بل أقحمنا في قضية الحادث!!
تحدثت كارلا باستغراب: كيف لك أن تتكلمي عن ولدكِ الميت بهذه الطريقة وإن كان سيئًا..؟
ردّ عليها والدي: عذرًا يا سادة، إن أنهيتم زيارتكم يمكنكم المغادرة..
تدخلتُ قبل أن ينصاع كل من أليكس وكارلا لطلبه: ماذا عن ولدكما الآخر..؟
أليكس مجيبًا: إن كان لهما إبن آخر فليكن الإله بعونه.
- لقد قُتِل هو الآخر بسبب آيدن!!
ارتفع صوت أمي بحرقةٍ مفصحة عما حدث
-لقد تورط آيدن مع إحدى العصابات الذين طلبوا اشياءً فوق طاقته ولم يجد سوى الانتحار مهربًا ليدفع أخوه تايلر الثمن بحياته..
إنفجرت باكية كقنبلة الكذب التي ألقتها للتو، يا لها من مسرحية هزلية أرغب بالضحك عليها بدلًا من الغضب والبكاء..
نهضت لأقف على قدميّ صارخًا بهم :هل تسمّون أنفسكم عائلةً حتى؟ أنتم لا تُصَدَّقون! ألم تكفِ سبعة عشر عامًا من إذلالي في البؤس وتجاهلي كأن لا وجود لي حتى بعد موتي.. كنت واثقًا أن لا أمل لي بينكم لكن مارأيته في بادئ الأمر.. هل كان كل شي من نصيب أخي كالمعتاد؟! لسامحتكم لو تظاهرتم بالحزن على الأقل لكن كل ماحصلت عليه هو اللوم واللوم على اشياء لم أفعلها حتى.. الذنب ذنبي لشفقتي على أمثالكم..!!
أنت تقرأ
Sweven
Mystery / Thrillerإن كانت حياتي حلمًا مظلمًا، فما حياة الآخرين سوى قعر الجحيم .. * كل ما يذكر في هذه الرواية من معلومات هي واقعية وعلمية، عدا فكرة انتقال الارواح