Chapter Three

35 8 52
                                    

الانتحار ليس سوى مهربًا للضعفاء من مواجهة واقعهم،
انا لستُ ضعيفًا
انا فقط تعِسٌ بحياتي الجديدة هذه..
اعني؛ كنت ارغب بعيش حياة أخرى لكن ليس بجسد فتاة معاقة.
••••

حين هشّمت وقعات الحياة جسدي لم تجد روحي بغيرها ملجأ، لكن ملجئها هذا بات سجنًا يحبس مكنونات نفسي من التعبير عن مواجعها.

كنت مشتت الذهن لولا دخول طبيبي و الممرضة قاطعين الحرب الطاحنة داخلي

-عذرًا، اريد الذهاب الى الحمام.

وبكل ود ورحابة أخذا برفعي من بقعتي التي بت امقتها و وضعي على كرسي متحرك لتتوجه بي الممرضة إلى الحمام.

-هذا يكفي سأتكفل بالباقي، شكرًا.

على كلٍ منا مواجهة حقيقته السيئة والجيدة، لكني لستُ مثلكم.. فحقيقتي وهم بحد ذاتها!
لا أعلم إن كنتُ أواجه نفسي أمام المرآة الآن ام شخص آخر، من جنس مغاير وهيئة مختلفة تمامًا عما كنتُ عليه، انصهرت دمائي براكينًا في عروقي لشدة غضبي بعد أن عانيتُ الأمرّين لأُصبح ما أنا عليه في هذه اللحظة، يصرخُ الناس لتنفيس غضبهم ولكن حتى هذا لن يُجدي مع حالتي فليس صوتي الذي سأسمعه.

على كل شيء أن يتوقف حالًا، ما عاد لي القدرة على استكشاف مساوئ هذا الجسد العليل، يكفيني ما مررت به من بؤس في حياتي السابقة..
حدقتُ في المرآة حتى اشمئزت نفسي مني لأتخذ قراري القطعي بهدم الماضي والحاضر منازعًا لُهاثَ الموت للمرة الثالثة.

انتشرت دمائي على شظايا المرآة التي حطمتها بقبضتي لألتقط أحدّها وألقي نفسي في الجحيم بجرحٍ عميق قطعت به وريد معصمي الذي كان يربطني بهذا الهراء.
تمالكتُ نفسي من الصراخ منغمسًا بتجرّع هذا الألم الذي كان أشدّ مما يبدو عليه في الافلام، او ربما جسد الفتاة ضعيف على تحمله ولا يهم إن كان كل شيء سينتهي بعد لحظاتٍ قليلة، استغرق الامر بضع دقائق حتى تلوّنت الارجاء بدمي جاعلةً من زفير انفاسي مُرهِقًا كآلة معطّلة و تشوش رؤيتي حتى الاغماء.
••••••

-ألم تكفيكِ الجراح التي أصبتِ بها حتى الآن لتتسببي بالمزيد؟

أليكس حال دخوله غرفتي وكعادتي ممددًا على سريري اللعين لكن تم استبدال محلول المغذي بالدم لتعويضي مافقدته ،
هل أخبرتكم من قبل أن الانتحار للضعفاء على عكس ما أنا عليه؟
ليس عليكم أن تستغربوا تصرفات متناقضٍ في كلامه فكما أخبرتكم من قبل، أمثالي يضعون أنفسهم في مواقف ليسوا أهلًا لها لتمويه ضعفهم.

اخترتُ صمتي جوابًا فلا طاقة لي على الكلام، ليستأنف هو

-كيف لطبيبة ألا تعلم حقيقة أن قطع الشريان خرافة سينمائية لن تقتلكِ إلا في حالة النزيف لساعاتٍ حتى الموت؟ أم أنّ فقدان ذاكرتك ينسيك ماتعلمته في دراستك بدلًا عن الأفلام.. لا أصدقك يا دودة الكتب!

حبًا بالله ليغلق أحدكم فم هذا الاحمق الثرثار الذي يعمل لسانه اكثر من عقله، وكأن ما حلّ بي لا يكفي لتنهال عليّ مصيبته هو الآخر!!
إقتربَ من سريري ليجلس بجانبي مطبطبًا على رأسي

-مادي، سأكون لكِ قدمين وذاكرة لكن أرجو ألّا تدعيني أعايش ما حصل قبل ساعتين.

كزّ على أسنانه اثناء نطقه جملته الأخيرة لتوكيد ما قاله، فأجبته ببرود:

-أقتلني إن كنت تحبني لذلك الحد.

استوقف حديثنا تلك الهالة التي اقتحمت غرفتي كانفجارٍ داخل محيطٍ راكد، وأعني فرانك هارفي، الشخص الوحيد الذي اتذكره من حياة مادي لكونه قاتلي.

بتلك الابتسامة المُهيبة و الكاريزما المشابهة لحاكم دكتاتوري يعرفه العالم جيدًا لا يحضرني اسمه الآن.

بجدية كيف سيشعر المرء عند رؤيته لقاتله؟ أصابني الهلع فور تلاقي أعيننا ببعضها وانتابتني رغبة شديدة للهرب اثناء تقرّبه مني وقد لاحظ أليكس ذلك من اتساع عيني، تعرقي المفاجئ وتسارع انفاسي ونبضات قلبي في مؤشر الجهاز الحيوي ليضطرب هو كذلك من رد فعل شخصٍ فقد ذاكرته وبروده مع الجميع إلّا فرانك.

قال بصوته الأجش بعد أن جلس على الكرسي المجاور لسريري:

-حبيبتي، لا تؤاخذيني على تأخري فقد كنتُ منشغلًا بحل قضية الشاب الذي تسبب بالحادث، وقعت التهمة على عاتق عائلته بعد وفاته.

قُطبَ حاجبيّ لهَولِ ماسمعته أذنيّ، واللعنة أي مصيبة أوقعهم بها؟ كأن موتي لم يكفِهم!

أجابه أليكس على الفور: أتظن أن الوقت مناسبٌ لهذا الحديث؟ مادي مرهقة وليست ب..

قاطعه فرانك: معكَ حق فإجهاض طفلنا بسبب حادثِ سير ليس بسهلٍ على أيٍّ منا.

ممتاز، ألقى بالحطب وسط الحريق الذي جاهدَ أليكس لإخماده فتدخّل الاخير بنبرة غضب: أنت لا تعلم حتى ما مرّت به مادي فأغلق فمك واخرج حالًا!

ليجيب الآخر ببرود: عذرًا؟ أراهن على معرفتك بأنّها كانت حبلى أساسًا! لا أحد غيري هنا يعلم ما أعلمه لذا اتساءل من عليه الخروج.

نظر الاثنان إليّ باستفهام عن رغبتي في من يبقى معي، الحبيب أم الصديق؟ القاتل أم المزعج؟
وإن عادَ الأمر إليّ، فأنّي اختار نفسي ..
نفسي القديمة التي افتقدها بشدّة، لساني السليط وعُقَدي النفسية ومعرفتي بكل شيء بدل هذا الضياع الذي لا اعرف حتى كيف أتعامل معه والسيطرة على انفعالاتي وكتمان ما بدواخلي، افتقد حياتي المبتذلة التي كانت كمزحة اطفال مقارنة بما أمرّ به الآن..

Swevenحيث تعيش القصص. اكتشف الآن