لطالما كانت رغبتي الجامحة للموت تشلّ ذهني من التفكير بأي حلول لمشاكلي، تغمر قلبي بالغلّ والحقد بدءً من نفسي وعائلتي فردًا فردًا ومجتمعي الساذج، لكني ومع ذلك كان رهاب الموت يعيقني من الإقدام على الانتحار حتى في أشدّ مواقفي صعوبة، وبالنهاية متُّ حيًا في ذلك المنزل الذي لا يجمع افراده شيء سوى جدرانه.
العيش مع أسرة متخلّفة أشد صعوبة من العيش دونهم، فشعورك بالعدم في وجودهم يثير اشمئزازك يومًا بعد يوم..
والحديث عن شيءٍ أمام فاقِده يثير غصة البكاء في حنجرته تذكّره بما لا يملكه
ماذا لو عشتَ تلكَ الغصة؟ وأنت ترى اهتمام العائلة بابنتهم التي هي ليست أنت، أشعر بالغيرة من تعاملهم الحنون مع مادي، بالنهاية هو ليس موجهًا لي وإن سرقت مكانها..
لطالما تساءلت، أين كان والديّ حين نُشِرت ثقافة الاهتمام بالابناء في هذا العالم؟ ربما كانوا تحت مظلة أفكارهم البغيظة!منذ معرفتي بما حلّ بي وانا ارغب بمعرفة حال بيتنا بعد غيابي؛ لا ريبَ بأنهم سعداء .. لن يتمرد أحد على أبي من بعدي، ولن يجادل أمي أحدٌ في أفكارها ولن يشارك أخي محبة ابويه لشخص غيره..
لكن وبرغم رغبتي العميقة في الابتعاد عنهم قبل وفاتي، لا أعلم لِمَ أفتقدهم الآن.. ليتَ الشلل أصاب قلبي لئلا أشعر بشيء ناحيتهم بعد كل ما أصابني.- لِمَ تبدين شاردة الذهن؟
همس بها أليكس في مسمعي لأنفر منه بسرعة واضعًا يدي على أذني لأجيبه بحنق:
- ماذا يمكن لشخص مثلي أن يفعل غير ذلك؟!
-بل لديكِ الكثير لفعله، كالتدرب على استخدام هذا الكرسي واستذكار مانسيته.
أمسكَ بجهاز التحكم الخاص بمقعدي الكهربائي الذي أعتليه فصفقتُ يده بخفة
-اعرف كيف افعلها بنفسي، لا احتاج مساعدتك.
ضغطتُ ازرار التشغيل وانطلقت لأتجول في ارجاء المنزل ليلحق بي أليكس منذهلًا..
-لكنكِ تكرهين الالكترونيات والتكنولوجيا!! وأيضًا.. لماذا انتِ متجهة للقبو؟!
توقفت لبُرهة مستوعبًا ما أنا ذاهبٌ إليه
- كيف لي أن أعرف أنى يؤدي هذا الطريق! أليس هذا عملك؟
-هل فقدان ذاكرتكِ استبدل هدوءك بحدة الطباع؟ لِمَ أنتِ غاضبة علي طوال الوقت وكأني من سرقت ذكرياتك منك!
أمسكَ بمقبضي الكرسي واستدار بي لتعريفي على المنزل، أم علي تسميته بالقصر؟
إنّه فخم وكبير جدًا يكاد المرء يضيع في أروقته وحجره العديدة، طُليَت جدرانه بالابيض والذهبي اللذان اضافا طابعًا ملكيًا إضافة الى ارتفاعها الذي سيكسر رقبتك إن أطلت النظر إليه لثوان، وسرقت عقلي اللوحات الرومانية التي اضفت حيويتها الخاصة لهذه الممرات الطويلة المفروشة بالبساط الاحمر المخملي، وأضيئت سقوفها بالثريا الفاخرة ذات المئات من الشمعدانات ، وأثناء سيرنا ينحني الخدم عند رؤيتنا خشية تلاقي أعينهم بخاصتنا وكأننا آلهة! لا افهم لِمَ يتوق الاغنياء لاستعباد الضعفاء، لكن اكثر سؤال يشغل ذهني الآن هو: هل هذا المكان الذي سأعيش فيه!! هل مصيري هو الفردوس بعد موتي؟ بالنظرِ الى ملابس ابن عمي أليكس الراقية على خلاف شخصيته والنبلاء الذين استقبلوني عند وصولي، فهذا قصر البروفسورة ماديسون لانكفورد الذي سأكمل به ماتبقى من حياتها.
أنت تقرأ
Sweven
Mystery / Thrillerإن كانت حياتي حلمًا مظلمًا، فما حياة الآخرين سوى قعر الجحيم .. * كل ما يذكر في هذه الرواية من معلومات هي واقعية وعلمية، عدا فكرة انتقال الارواح