كطالب جامعي مجتهد توجهتُ إلى موقف الحافلات في الصباح الباكر حتى لا أتأخر على محاضرتي الأولى.
وصلت الحافلة لأستقلها و اجلس بهدوء بجانب النافذة واضعًا سماعات الأذن في أذناي مستمعًا لبعض الألحان الهادئة التي تخترق روحي و واضعًا يداي بجيبي معطفي طالبًا بعض الدفء، فقد اقترب الشتاء و بدأت نسمات الهواء تداعب جلدي الشاحب مرسلةٌ له إنذار بالبرودة القادمة في الشتاء القريب.
أسندتُ رأسي على مسند المقعد خلفي و أغمضتُ عيناي متذكرًا بعض من الذكريات التي صاحبت استماعي لهذه الأغنية.
أتذكر انه تم إصدار هذه الأغنية قبل بداية العام الدراسي الجديد بيوم ، فقد كنت اسمع لها في طريقي إلى المدرسة في يومي الأول في سنتي الجديدة ، و قد كانت السنة الثانية من المرحلة الثانوية .
يومها لم أكن أرغب بالذهاب إلي المدرسة ، ليس لدي حماس لهذه البداية الجديدة ، بل لا أرغبها من الأساس .
حاولتُ الترفيه عن نفسي فخرجتُ من منزلي مبكرًا و وضعتُ سماعاتي و استمعت إلي أغنيتي الجديدة المفضلة ، مررت بإحداي المتاجر و اشتريتُ مشروبي المفضل و بدأت اتجه إلي مدرستي علي مهل ، غير مستعجل فقد كان لدي متسع من الوقت .استمتعتُ بنسمات الصباح و أنا أتجول و قد شد نظري إحدى الشجيرات ذات الورود المتفتحة و لسبب ما وقفتُ و أخرجتُ هاتفي ملتقطًا صورة لها ،رغم أن مظهرها لم يكن مبهرًا للدرجة و لكني شعرت برغبة في التقاط صورة لها ،ربما تخليدًا لتلك الجولة الصغيرة التي سمحت لنفسي بأخذها ؟
وصلتُ أخيرا للمدرسة و بحثت عن فصلي الجديد ، دخلتُ فصلي و بحثت عن مقعد يكون بجانب الحائط ، لا اعلم لماذا لكني أجد دائما أن الجلوس بجانب الحائط أكثر راحة . وجدت مقعد فارغ و قد كان المقعد الثالث في الصف ، فلا بأس به طالما بجاني حائط استند عليه .
لم يكن لدي الكثير من الأصدقاء حينها علي اي حال لكي ابحث عنهم و اختار مقعد بجانبهم ، و ليس كأنني منبوذ و ضعيف و لكن أغلب علاقات سطحية إلي حد ما ،و هذا ليس باختياري لكني سابقا كان لدي عادات جعلتني لست المفضل عند احد ، و لكن كما أن هذه العادات و شخصيتي القديمة قد تلاشوا ، فقد تلاشت معهم أغلب علاقاتي الوطيدة، ما عدا واحدة.
و لكن لا بأس ، فأنا أصبحت شخص غير المحب للتجمعات و العلاقات الكثيرة و التنزه في مجموعات و كذلك صديقي الوحيد المتبقي ، فكما قلت ، نفسي القديمة قد تلاشت .
لا اعلم أين ذاتي القديمة الآن و لا اهتم ، حتي عندما أفكر بعض الأحيان بذاتي القديمة و كيف تلاشت و هل من الممكن أن أجدها مجددا في أحد الأشياء أو الأشخاص ، أعود بعدها متمنيا أن لا تعود
. لم يكن يومًا حافلًا ، فقد مر بسلام و عدت إلي منزلي و فور دخولي لاحظت أختي جالسة علي الأريكة تشاهد التلفاز . وضعتُ حقيبتي أرضًا و اتجهتُ إليها جالسًا بجانبها و واضعًا نفسي بعناقها ، فرغم كل علاقتي الشبه سطحية مع الجميع ، و لكن الأمر يختلف عندما يتعلق بعائلتي ، فليس لي أغلي منهم .
ضمتني أختي إليها فاستكنت و لم أسأل عن ابي و أمي لعلمي انهم في العمل ، تنهدت فسألتني إن كنت بخير فأومأتُ و لكنها شكت بي فأعادت السؤال فأعدت الإجابة و لكني أضفت أنني فقط مرهق من استيقاظي المبكر و أن المدرسة تستنزف طاقتي فقط لا أكثر .
اقترحت أختي أن أنال قسط من النوم حتي عودة والداي فوافقت و حررت نفسي من بين ذراعيها و اتجهت إلي غرفتي لينتهي يومي الأول من هذه السنة الدراسية ، مع انتهاء الأغنية التي أعادت إلى كل هذه الذكريات و سماعي إلي صوت تنبيه الحافلة معلنا اسم المحطة إلي سيتوقف بها و التي هي وجهتي .عندما تعود إلي ذكرياتي بعد أن تلاشت نفسي القديمة أشعر بالفخر لأني تخلصت من نسختي السيئة ، و لكني بعد ثانية أتذكر انها استبدلت بوحوش تعدو بقوة داخلي جالبة كل الذكريات السيئة و جاعلة إياي أصارع نفسي و أفكاري .
اسكتُ وحوش عقلي أخيرا استقمت من مقعدي و حملت حقيبة ظهري خارجًا من الحافلة و متجها إلي جامعتي ، و من ثم إلي مدرجي لحضور أولى محاضرات اليوم .
انتظرت بضع دقائق أتصفح هاتفي حتي دخول المحاضر و الذي بدأ بتسجيل الحضور ، لتلتقط أذني صوته و هو يقول « كيم سونجمين » فرفعت يدي قائلا : « حاضر .» فأتجه بعدها للاسم الذي يليني .
هذا أنا ، كيم سونجمين ، طالب في السنة الثانية ، كلية الهندسة .
أنت تقرأ
Hellevator
Fanfictionللحظة شعرتُ و كأن كل الأصوات حولي قد اختفت ، و أنا وحدي بهذا العالم ، مع ذاتي التي للتو ادركتها . ذاتي الحقيقة التي اختبأت وسط العاصفة التي كانت تضرب عقلي و كياني أجمع و للتو قد هدأت فقط بتلك اللحظة . لحظة إدراك الذات #قصة_نظيفة بدأ نشرها في الساد...