الحلقة الأولى

1.4K 41 6
                                    

#قلوبٌ_غُلف
#الحلقة_الأولى
#دُنيا_الشملول

بعض أشعة من نور الصبح تسللت من بين فتحات أخشاب النافذة، اخترقت ستائرها البنية في لونها، والتي تتماثل مع لون خصلاتها التي بدأت العبث بأناملها داخلهم كحركة لا إرادية اعتادت عليها منذ الصغر. أشرقت عينيها بعد أن أيقظها الهاتف مُعلِنًا عن بلوغ الساعة السادسة صباحًا مُنبهًا إياها بحلول أول أيام دراستها الجامعية. بسطت ذراعيها على وسعهما وهي تتثاءب، ثم نهضت مسرعة بنشاطٍ كي تبدأ مغامراتها التي هي على جهل تام بها. ومن مِنا يأمن تقلبات الدهر؟ ومن مِنا لا يؤمن بالأقدار؟!
خرجت من غرفتها بعدما أدت فرضها، ورتبت فِراشها، وأخذت تصيح وتهلل كعادتها عند كل صباح، خرجت والدتها من المطبخ وهي تضحك بقلة حيلة، جذبت أذنها بمزاح وهي تقول في غيظ مصطنع:
- ألن تتوقفي عن القفز في المنزل كالقرد!
- القرد غزال في عين أمه.
قالتها وهي تلاعب حاجبيها عبثًا، ضربت السيدة حنان يديها معًا، ثم تحدث وهي تتخذ المطبخ وجهتها:
- الصبر يا الله، أيقظِ أخاكِ.
فركت يديها معًا في شغف، وتحركت تجاه غرفة أخيها وهي تفكر في طريقة لإيقاظه فزِعًا، وتتخيل بين جنبات عقلها مصيرها الذي ستناله ما إن يستيقظ، ضحكت فجأة وهي تتذكر كيف انتفض صارخًا منذ يومين حينما هسهست بجانب أذنه وهو نائم.

ولجت الغرفة تجر قدميها لئلا تُحدث صوتًا، ثم وقفت فوق رأسه تطرق بأناملها فوق وجنتيها ناظرة له وهو يغط في نوم عميق واضعًا وسادتين من أسفل رأسه وأخرى فوقها، وغيرهم بين أحضانه، كأنه يحصن نفسه بالوسادات! انتقلت نظراتها للملاءة من أسفله، وابتسمت من فكرتها، وفي حركة هادئة للغاية أمسكت بطرف الملاءة، ثم جذبتها فجأة بكل قوتها فانتفض في مكانه بعيون متسعة بعدما خرجت عن حنجرته شهقة فزع، نظر تجاهها وهي جالسة بجانب خزانته أرضًا غارقة في نوبة ضحك متواصلة، وتضرب كفيها معًا بعدم تصديق لكونها فعلتها به مجددًا. كز على أسنانه غيظًا وهو يدور حول نفسه باحثًا عن شيء يُمَكِّنه من الانتقام منها على أفعالها، نهضت راكضة من أمامه ليلحق بها، صرخت باسم والدتها تطلب النجدة، لكنه جذبها من دُبُرِها مُثَبِّتًا إياها فوق أحد مقاعد الصالة الواسعة، جذب الوسادة الجانبية ووضعها فوق وجهها، وأخذ يضغط بها وهو يتحدث بغيظ منها:
- ألن تتوقفي عن حركاتك الصبيانية تلك! هل تنتابك الفرحة يا قوقع عندما توقظينني بهذه الطريقة!
بقيت تتلوى من أسفله ولا تزال تضحك، لتتحدث والدتهما وهي متجهة إلى غرفة الطعام حاملة الأطباق بيدها:
- كفاكما يا أطفال، توقفا عن هذا وأقبلا؛ الطعام جاهز هيا.
ابتعد عنها وهو يرمقها بتوعد، فتحدثت من بين ضحكاتها محاولة التقاط أنفاسها بانتظام:
- لا أعلم كيف ينتفض لقدومك جميع من يعمل بالشركة وأنت تُفزعك حركة مفرش فراشك فقط!
نظرة سخط من طرف عينه وُجِّهت لها قبل أن يتركها عائدًا لغرفته، لكن ابتسامة حنونة ارتسمت فوق ثغره على مشاغبَتِه الصغيرة، لطالما أحبها بكل ما تملك من بهجة وحيوية، إنه يراها ابنته لا أخته فقط؛ فهذا هو العام العاشر الذي يكون المسؤول الأول والأخير عنها في كل شيء يخصها، عبثت ملامحه حزنًا وهو يتذكر معاناته من بعد رحيل والده، لقد تركه مُذ كان في السابعة عشر من عمره، ترك من خلفه زوجة تعاني مرض القلب، وفتاة لا تفقه من الدنيا شيئًا، فأصبح هو الأب والأخ والصديق لكليهما. تنهد بقوة جاذبًا منشفته، ثم أنهى طقوسه سريعًا، وقف ينظر لهيأته بالمرآة، ثم رفع فرشاته مهذبًا خصلاته التي تشبه في لونها أخته، سحب أغراضه الشخصية، وتحرك تجاه منتظرتيه.

قلوب غُلفحيث تعيش القصص. اكتشف الآن