الحلقة الحادية عشرة

228 23 1
                                    

#قلوب_غلف
#الحلقة_الحادية_عشرة
#دُنيا_الشملول

اتخذ قراره بأن يعمل بنصيحة آريان، لقد علم بطبيعة حياتها الآن، ولكن قبل أن يأخذ أي خطوة كانت فلقد وجب عليه أن يسلك طريقًا يثق أنه سيلتقيها فيه، وقف إلى الشرفة ينظر لشروق الشمس المبهج، هناك شعور غريب يجتاح صدره، كأن الشمس تشرق داخل قلبه هو، أو ربما هذه شمس حياته التي سيسعى سعيه لأجل أن تبقى مشرقة على عكس شمس الدنيا التي تأفل ليلًا، استعان بالله على ما أراد، وخطا أول خطوة بصلاة الضحى بعد أن أقام الفجر في موعده، سيسلك الطريق حبيًا كي يتمكن من الوقوف بفراعة وثبات، أمعن النظر للسماء مجددًا وهو يتساءل "أمِن أجلها يفعل ما يفعل"؟ أجابته نفسه أنه لا عِلم لديها، سؤال جديد يطرق باب العقل "أيتراجع إن هي لم تقبل به"؟ أجابه القلب "حاشاه أن يراك تحاول ويخذلك".

أعلن الهاتف عن اتصال سحبه من عالمه، أجاب وهو يراه نوار، لقد هاتفه لعديد من المرات ليلة أمس لكنه لم يُجبه، وصله صوت نوار المتعب يخبره أنه بحاجة إليه

- أين أنت؟
سأل مصطفى في قلق ليجيبه الآخر بوهن كونه في المنزل، أغلق معه وانطلق بسيارته حيث نوار، ترجل ليجده يجلس عند المسبح بحال مزرية، جلس إلى حواره في صمت تام، وبعد مرور القليل من الوقت سأل:
- ما الذي وصل بك لهذه الحالة؟
- قلبي.
ضحك تهكمًا وهو يتابع:
- أو عقلي ربما، لا أدري، المهم الآن أنني فعلت ما لا يُحمد عقباه، ووصلت لما لا غفران فيه، أظنني غرِقت.
- تحدث.
زفر بقوة، ثم التفت بعينيه المتورمة إلى مصطفى يدحجه في تقصي، نطق وقد ثارت عينيه فتمردت عبراتها:
- أنا أحبها.
صمت يستنشق ما بأنفه، عاد بنظره للأمام، استند إلى الأرضية من خلفه بكلتا يديه رافعًا رأسه للأعلى كي يبتلع الجفن دموعه، لكن حتى الجفون أبت أن تهبه ما يريد، تابع بغصة تمر عبر طول فكه محدثة قشعريرة في أوصاله أجمع:
- لا أدري كيف ذلك، أظنني معتوه، أم أحمق؟ ما أشمل مسمى قد يمكن وصفي به!
- ولماذا تحمل نفسك ما لا طاقة لها به؟ إن أحببتها فما المانع من أن تكون معها؟ أنت محام جيد وإن كان هذا عامك الأول بعد التدريب، كما أنك على خُلق، ما الذي يجعلك تصل لما أنت عليه إن كنت تريدها والأمر به من اليسر ما لا تراه!
- هل تظن أن شخصيتي تشفع لي حبي لأختي؟
رياح غريبة هبت فجأة، أو ربما هكذا شعر مصطفى الذي صعقته جملة نوار، عن أي أخت يتحدث؟ بالتأكيد هو لا يقصد نوران، أو ربما سقطت كلمة من بين كلمات عبارته فخلت بالمعنى، وبينما هو غارق في أمواج فكره العاتية فإذا بنوار يدفعه للغرق أكثر وهو يضيف:
- كنت على وشك الاعتداء عليها ليلة أمس.
هل الرياح أشد عتوًا، أم أن ما هو فيه يجعله يتذبذب دون هوادة! تحدث والكلمات ما تسعف بشرًا يقع في مثل هذا الموقف:
- عمن تتحدث؟!
وقف وهو يهدر ويلوح يمينًا ويسارًا، علا صوته، وتسارعت أنفاسه، وغادره العقل وهو يصيح:
- إنه أنا يا مصطفى، أجل أنا هو الأبله والأحمق والمعتوه الذي وقع في غرام أخته، أنا هو المجنون والغبي والسفيه الذي كاد يعتدي عليها، أجل يا مصطفى إنه أنا صاحب القلب الأشد غباءً والنفس الأكثر سوءً والذمة الأوسع على وجه هذه الحياة البائسة، أنا يا مصطفى، إنه أنا الناظر لأخته، والضارب لجميع محرمات حرمة فعلتي عرض البحار والأنهار، أنا هو الزا...
لكمة قوية أطاحت به إلى المسبح قبل أن يكمل كلمته التي كادت تجعل قلب مصطفى يتوقف، هناك شيء ما خطأ في كل هذا الأمر، ما هو فيه ليس سوى حلم، حلم سيء سيخرج منه ويخبر به نوار ليضحكا بملء فمهما، أجل هو مجرد حلم الغرض منه هو إيقاظ ضميره تجاه صديقه المتروك على أرفف الاحتياط، حلم سيجعله يقسم ألا يترك صديقه يشعر بوحدة كهذه التي تحدث عنها في جلستهم المسائية، ولكن إن كان حلمًا.. فلمن هذه الشهقات النسائية والأنفاس المتسارعة؟! التفت بعينه ليرى والدة نوار تقف على بعد وتضع يديها على فمها في ذهول، والعبارات تتسابق فوق وجنتيها. هل سمعت ما قيل؟ أجاب السؤال ذاته مع هذا المشهد الذي لا يحتاج لتفسير أو تبرير، خرجت من المكان راكضة، وعلى ما يبدو فقد كانت هنا من أجل ابنها الذي صرح للتو بما لا يستوعبه عقل ولا تعترف به مِلة، التفت بنوار الساكن في المسبح ينظر تجاه أمه في سكون تام، بسط كفه له كي يسحبه، ولم يرفض نوار أو يقاوم، خرج في صمت والهدوء هو المسيطر على الأجواء، تركه يصعد لغرفته كي ينظف فوضاه ويستعيد ما يمكن استعادته من وعيه، وطلب من أحد الخدم أن يعد له طعامًا صحيًا، وقف إلى إحدى الشرفات يتابع الأزهار وميلها مع الرياح، خرج نوار واتخذ من أحد الأرائك مجلسًا، دفن رأسه بين يديه، يتمنى لو يفيق من كل هذا الكابوس الذي زج نفسه فيه بنفسه، لم يشعر بمصطفى وهو يقابله في جلسته، انتبه له يقول:
- هل شعورك تجاهها منذ زمن؟
- لا أدري.
قالها وهو يلقى بيديه فوق ركبتيه باستسلام، تابع مصطفى حذرًا:
- لقد كانت والدتك..
- أعلم.. ما ازداد الأمر سوءًا بقدومها المفاجئ، الآن لديها السبب الذي أتت من أجله.
- لم أفهم!
- لقد أتت لتسمع سبب ما فعلته ليلة البارحة، وها قد سمعته فرحلت، وكأنها كانت تهتم منذ البداية لتأخذ دور الأم الآن.
- هل أنت ناقم على أمك؟
- وعلى كل شيء في هذه الحياة
صوت طرقات على الباب تبعها دخول من لا يجب أن تكون أبدًا بعد ما حدث، ألقت بالتحية فحبست لها أنفاس الجالس فوق المقعد دون حراك، وقف مصطفى مرحبًا بها:
- كيف حالك يا نوران؟
- في زحام من النعم يا سيد مصطفى، وأتمنى من الله أن تكون على خير ما يرام.
- الحمد لله على كل حال.. ااا.. سأجري مكالمة هاتفية لبعض الوقت ثم أعود لك يا نوار.
قالها وغادر المكان تاركًا المجال لنوران كي تفعل ما يمكنها فعله. تحركت بحذر حيث يجلس موليًا ظهره إياها، وضعت حقيبتها وقالت بعد أن أجلت صوتها:
- هل تناولت طعامك؟
نفى دون حديث، فسألت من جديد:
- تبدو وكأنك قد أخذت حمامًا للتو، هل أديت فرضك؟
طالعها بأعين متعبة، وخرج سؤالًا ما كانت لتتوقعه:
- لن يُقبل مني صلاة لأربعين يومًا، لقد تجرعت الخمر بالأمس.
- وهل هذا يعني ألا تقترب الصلاة لأربعين يومًا؟
- لم أفهم!
- أنت مطالب بأداء فروضك وإن كانت لن تُقبل منك، الصلاة ما زالت واجبة عليك يا أخي، فقط عقابك من الله أنه لن يؤجرك على صلاتك لأربعين يومًا، أنت بحاجة للتوبة وطلب العفو والمغفرة، ومن تاب فعليه بتوبته، لأن من شروط التوبة لله ألا يعود التائب لفعل ما تاب عليه آخذًا على نفسه عهدًا بذلك.
كان يطالعها بتعجب كبير، هناك ألم يعزو جميع أنحاء جسده، والألم الاعظم يحتل قلبه، نظرته لها جعلتها تشعر بالعري، لقد بني حاجز ضخم منذ الأمس بينهما، ذاك نوار الذي ما إن تراه حتى تقفز إلى أحضانه! شعور بالقلق يعتريها لكنها لا تظهره، بينما يشعر به جيدًا، تحدثت تقتطع هذا الصمت:
- لا تفعل ما يغضب الله مجددًا يا أخي، حاول ألا تترك لشيطانك سلطة عليك، عد إلى الله تائبًا وسيتقبلك الله فهو التراب الرحيم.
- لماذا أتيتِ؟
كان سؤاله مُشاب بالاستنكار لموقفها، لكنها أجابت بثبات ومرح اصطنعته بجدية:
- لقد أتيتك كي تربط لي نقابي.
عقد حاجبيه محاولًا استيعاب قولها لكنها أفهمته الأمر بشكل أسرع وهي تخرج النقاب من حقيبتها، بسطت كفها به وقالت في سعادة ظهرت في نبرتها:
- لقد استخرت كثيرًا واتخذت قراري، أعلمت أمي بأمره يوم أمس ولم تعارضني، وأبي حاولت التواصل معه لكن لم أستطع، لذا سأعدها كمفاجأة.
ابتسامة ساخرة غير مقصودة تربعت فوق شفتيه، لكنه أزالها سريعًا وهو يزفر شهيقًا قويًا محاولًا مجاراتها في نسيان ليلة أمس، أخذ من يدها النقاب، ولته ظهرها فبدأ في ربطه على رأسها، عملت على ضبطه بشكل صحيح ورفعت وجهها الذي أصبح مغطى بدوره ليكتمل حجابها الذي تمنته منذ زمن، الآن فقط أشعر بالحرية، شكرته وهي تفرك يديها معًا، سألها وهو يشير ليديها لعلمه بحركتها هذه:
- ماذا تريدين؟
- أشعر بتوتر شديد، سأخرج لأول مرة وأنا أعطى وجهي، أتظن أن ثيابي واسعة كفاية؟ انظر.
قالتها وهي تقف متحركة أمامه، نظر لفستانها الزيتوني الذي يعتليه ادناءً بني اللون، كلاهما واسع، وهفهاف، ومن فوقهما خمار زيتوني، والنقاب أيضًا أحضرته زيتوني اللون، كانت كتلة من الحياء والعفة المتحركة، ما من خطوة تقبل عليها إلا وترفع من قدرها وشأنها، هل كاد يلطخ كل هذا العفاف بدناءته!

انتبه من أفكاره على صوتها تسأل عن رأيه، أجاب مومئًا لها:
- زادك حياءً فوق حياءك يا لؤلؤة
ابتسمت من أسفل نقابها باتساع لجمال الكلمة، وبدأت تتحرك في المنزل وهي تجربه، تحدثت فجأة:
- آه صحيح، يوم الجمعة سيتم عرض رسوماتي الجديدة، سأعتمد عليك كثيرًا هذا اليوم بأمر الله.
أكد أمر حضوره واهتمامه بكل شيء لتبتسم وهي تستعد للذهاب، لوحت له بعد أن ألقت عليه السلام وغادرت إلى وجهتها، هنا فقط سمحت لعبراتها أن تنعي وجع قلبها، ستكون إلى جواره حتى يتوب إلى الله ويسلك طريقه عاقدة معه حبلًا متينًا بينه وبين ربه، أما عما حدث بالأمس فستكون أكثر حرصًا وحذرًا، لن تفكر بالأمر سوى أنه كان على سُكرٍ.

💮------💮------💮------💮

تتبع....

قلوب غُلفحيث تعيش القصص. اكتشف الآن