الحلقة الثالثة عشرة

220 23 1
                                    

#قلوب_غلف
#الحلقة_الثالثة_عشرة
#دُنيا_الشملول

توالت الأيام والحال هو الحال، نوار لا يترك المنزل، فقط يتحدث مع نوران عبر الهاتف، وقد أعلمها كونه في سفر حتى لا تأتيه أو تطالبه بالذهاب إليها، ومصطفى في تقربه المستمر لربه، وقد أخذ معه آدم الذي كان مستغربًا في البداية، لكن قلبه قد تعلق بما تعلق به قلب مصطفى قبله، يذهبان للجامعة لحضور محاضراتهما، ثم يتناولان الغداء خارجًا، وينتهي بهما اليوم في منزل أحدهما يستذكران دروسهما لبعض الوقت، والبعض الآخر في حفظ كتاب الله، وقد قاما بإلغاء أمر الرحلة لكونها كانت مختلطة ما بين شباب وفتيات، وميار شغلت جُل وقت فراغها في دراسة الأدب وعلوم اللغة، بدأت تصبح مدمنة كتب، تقبل عليها وكأنها قطعة حلوى رآها طفل صغير، في حين أن حسام يغرق نفسه بالعمل أكثر كي يزيلها من تفكيره، أصبحت تشغل حيزًا من حياته وهو لا يرغب بذلك، لكن منذ متى والقلب يطيع النفس؟! أما عن أسيل فكان يعتريها التعجب وهي ترى مصطفى لا يرفع عينه تجاهها كما السابق، بل ولا يرفع عينه عن الطاولة التي يجلس عليها ما دام جالسًا، لحيته طالت بعض الشيء وقد لاحظت ذلك، وفي كل مرة تنهر نفسها عما تفعله، وتعود لله تائبة حتى اتخذت قرارها بعدم التواجد في مكان يتواجد به؛ تجنبًا لأي مما يغضب الله.

أتى يوم الجمعة، وأقام الناس صلاة العصر، بينما كانت ترتدي ثيابها حينما ناداها آريان كي تنجز ما تفعله، خرجت إليه صائحة:
- ما بالك يا رجل؟ إنه مجرد معرض.
- تحركِ وكفاكِ حديثًا، لا يجب أن نتأخر.

تحرك بها في الحال إلى حيث أعلمه نوار بالعنوان، وقد أخبره مسبقًا أن الجميع سيحضر وأن هذه ما هي إلا مفاجأة من أجل أخته، وصل أخيرًا فهاتف حسام الذي أخبره بوصوله منذ مدة، ترجلا إلى داخل المعرض بهدوء، بدآ يطالعان رسم المناظر الطبيعية الخلابة، ورسومات الكارتون الملونة وكأنها رسوم متحركة بالفعل، والعديد من الرسومات الفنية البديعة، ألوان المكان مريحة للنفس والعين، لكن هناك ما يجذب النظر وهو عدم وجود صورة واحدة عليها وجه إنسان، وهذا ما أثار تعجب غالب الحضور، اكتمل الجميع عند الرابعة، وما هي إلا دقائق حتى خرجت نوران من غرفة جانبية، التفت الجميع إليها، وقد انبهرت بها أسيل حقًا؛ أنيقة فيما ترتدي من ثياب، منتقبة بنقاب يكاد يجعل حتى عينيها لا تُرى، ملابسها فضفاضة لدرجة تتسع لأكثر من شخص معها، وبرغم ذلك فهي أنيقة جدًا ومرتبة فيما ترتدي مع تنسيقها للألوان، اقترب نوار طابعًا قبلة هادئة فوق جبينها وهو يقول بفخر للجميع:
- إنها صاحبة المعرض، فتاتي الجميلة وتوأم روحي نوران الصيرفي.
ابتسم لها الجميع في ترحيب لتومئ لهم بامتنان، بدأت تتحرك مع الفتيات لتخبر كل واحدة عن سر كل رسمة من بين الرسومات.

تحدث آريان إلى أسيل مقترحًا:
- يمكنك الذهاب والتعرف عليها إن أردتِ.
- أنا أتوق لذلك حقًا، انظر لثيابها وعفتها، أريد أن أصل لهذه المرحلة يا آريان.
قالتها بأعين تشع رغبة وعزيمة، ابتسم لها قائلًا:
- كنت أعلم أنك ستغارين إن رأيت من تسبقك لله خطوة، لذلك كان إصراري على مجيئك معي اليوم، هيا اذهبي لها وكونا خير عون لبعضكما.
ابتسمت له في امتنان، ذهبت سريعًا حيث تقف نوران مع مجموعة فتيات، تصافحتا وتعرفتا إلى بعضهما، تحدثت أسيل مستفسرة:
- كيف اتخذتِ هذه الخطوة لتصلي إلى هذه الدرجة من العفة؟
ابتسمت نوران من أسفل نقابها، وتحدثت لها بلطافة:
- الأمر وما فيه أنني أحب الله أكثر من أي شيء سواه، وأطمع في الآخرة مما يجعلني أزهد الدنيا وزينتها، لن أقول أنني وصلت إلى هنا بيسر، لقد عانيت كثيرًا، وتجاوزت ألف اختبار من ربي على صبري وصدق نوايا قلبي.
- أود أن أصبح مثلك.
قالتها أسيل فجأة ومن دون مقدمات، مما جعل نوران تعود خطوة للخلف، وتحدثت:
- فليغفر الله لي ما خُفي عنك يا أسيل، ولكن لا تطمحي للوصول لدرجتي، كوني على قدر أكبر، اطمعي في درجة زيادة، اعقدي النية ونقي قلبك وتوكلي على ربك.
ابتسمت لها أسيل برضا تام، وقد تعلق قلبها بالله أكثر، تعترف أنها مع سعيها للالتزام كانت تتخاذل، تلتزم بأشياء وأخرى لا، تؤمن بحرمة أشياء، وأخرى رغم علمها بحرمتها إلا أنها تفعلها في غشاوة من نفسها الأمارة بالسوء، الطريق إلى الله بحاجة لزج كل عرقلاته  إلى هاوية سحيقة كيلا يصادفها من جديد. هكذا اتخذت قرارها، وهكذا ستسير.

تبادلتا أرقام الهواتف، وتحركت أسيل تجاه ميار التي تقف أمام إحدى اللوحات تناظرها بتمعن، بينما أتى شاب بطول متوسط، عمره لا يتعدى الخمسة أعوام بعد العشرين، يملك خصلات شعر نارية ورثها عن والدته المتوفاة منذ زمن، وأعين فيروزية كخاصة والده الراحل، ملامحه هادئة للغاية ولطيفة، لكن نوران لم تلحظ أي من هذا لكونها لا تناظر الرجال، تحدث بصوت بدا مشحونًا بوجع أخرس:
- مرحبًا.
- مرحبًا بحضرتك، كيف أساعدك؟

لم يصلها رد منه، فسألت من جديد:
- هل من مشكلة يا سيد؟ وقفتك هذه غير لائقة على الإطلاق.
- ولكنني أحق الناس بها.
قالها بقلب منفطر، وعينيه أبتا أن تُبقيا على عبراته التي تمردت من جديد.. شيء ما كان يدفعها للنظر له لكنها بقيت متماسكة على ذاتها لئلا تترك لنفسها إمرة التصرف، ولسانها قد استمسك على نفسه فلم تحاول النطق من جديد، عنف ضربات قلبها يكاد يفتك بها، وما كان له من تفسير سوى الخوف، أنقذها من الموقف صوت نوار الذي تحدث متعجبًا وقوف الشاب يناظر نوران هكذا، وسكون نوران حيث هي:
- ما الذي يحدث هنا؟
- أخي، انظر ماذا يريد من فضلك حتى أرى الفتيات.
تحركت من بينهما إلى حيث مجموعة من الفتيات، بينما بقى نوار يناظر الشاب بعين متفحصة، هيئته، ملامحه، عينيه الباكية، حالته المزرية، نظره تجاه نوران حتى بعد أن غادرتهما، تحدث من جديد يسأله:
- بما أساعدك يا سيد؟
ما حصل عليه هو مغادرة الشاب للمكان بسرعة، وكأنه يصارع شيئًا ما بداخله، والآن ترك الصراع بداخل نوار الواقف في مكانه يحاول أن يفهم ما يحدث، هذا الشبه، هذه الدموع، هذا الخوف الذي تملكه هو شخصيًا.. هو ليس بالغبي لهذه الدرجة، هناك أمر ما يجب أن يكتشفه.

انتهى اليوم على خير، وقد استقلت أسيل مع حسام كي يوصلا ميار إلى منزلها، تحدثت أسيل تسأل بشغف:
- لأي درجة من القراءة وصلتِ؟
- لقد بدأت قراءة في كل الأنواع تقريبًا: علم نفس وتنمية بشرية، جاهلي وعصري وما إلى ذلك، سنتنافس قريبًا.
ضحكت أسيل وهي تقول بشغف:
- إذًا لتكون الإجازة بداية المنافسة بيننا.
بقيا يتحدثان بأمر الكتب والقراءة، بينما شرد حسام في ليلة عيد مولده حينما أوصلا ميار إلى بيتها، وبينما هما عائدان تحدثت إليه أسيل:
- لا تعلقها بك لو لم تكن تنوي خيرًا معها يا أخي.
- ماذا؟
- الفتيات رقيقات القلوب، بكلمة تميل لك، وبكلمة تُكسر، ولسنا متشابهات أيضًا، منا من يُميلها القول الطيب، ومنا من تميل لمن يتحداها طوال الوقت، وهكذا.. لذلك إن لم يكن ما بنيتك خيرًا لها فاتركها دون ألم.
تنهد بقوة قائلًا:
- ولكن يا أسيل أنا لم أعِدها بشيء، ولم...
- لم أطالبك  بتبرير يا حسام، فقط كن حذرًا يا أخي.
عاد من شروده حينما وصل لوجهته، ترجلت ميار بعد أن ودعت أسيل، تنهدت الأخيرة بقوة وهي تقول:
- أريد أن أذهب لمول تجاري للمحجبات.
- الآن؟
- خير البر عاجله.
عقد حاجبيه في عدم فهم لتبتسم مصرحة كونها قررت ارتداء الخمار فتحدث مشيرًا لحجابها:
- وما الفرق؟ حجابك طويل بالفعل.
- ليس كما أحب أن أكون.
ابتسم لها حينما تذكر نوران، وتمنى بداخله لو تتمكن أسيل من سحب ميار معها، سيكون يوم سعده، ابتسم قلبه وهو يحن لتلك المشاجرات والتحدي بينهما، وقد اتخذ قرارًا لاستعادة هذه الأيام، ولكن هذه المرة بالطريقة الصحيحة.

💮------💮------💮------💮

تتبع....

قلوب غُلفحيث تعيش القصص. اكتشف الآن