الحلقة الثامنة عشر والأخيرة

433 35 16
                                    

#قلوب_غلف
#الحلقة_الثامنة_عشرة
#الأخيرة
#دُنيا_الشملول

كانت تقف على بعد منه وعيناها مسلطة على ذاك الذي يهيم قلبها به عشقًا، تراه وهو يشير للعمال كي ينسقون كل شيء في مكانه الصحيح، بقيت تتأمل ملامحه السعيدة، وضحكته مع آدم التي تجعلها تبتسم لا إراديًا. أجفلها آريان وهو يحيطها من الخلف مستندًا بذقنه على كتفها:
- إنه أهل للحب.
- عمن تتحدث؟
قالتها بتوتر وخجل ليضحك عليها وهو يجيبها:
- ذاك الذي تنتفض له كل نبضة بقلبكِ.
انتابها بعض الخجل من جديد، فابتسم لها بحب قبل أن يأتيهما صوته المغتاظ قائلًا:
- هل ستضيع أو شيء من هذا القبيل؟
- من؟
- من تحتضنها وكأنها ستطير منك.
ابتسم آريان باستفزاز وقال:
- الأمر وما فيه أنني أحب احتضانها هكذا، كما أحب فعل شيء آخر أيضًا.
- ماذا تقصد بشيء آخر!
قالها مصطفى متعجبًا فأجابه آريان وهو يقتطف قبلة عن وجنة أسيل على مهل مما جعل مصطفى يضغط أسنانه غيظًا، دفعه عنها وهو يقول:
- صمتنا له أتى بحماره أم ماذا!
- أمثلتك ستقتلني يومًا ما.
قالها آريان بضحكة عالية فجذبه مصطفى من ياقة قميصه، تحدث آريان زامًا شفتيه بمزاح:
- اترك ياقتي واحترم لباقتي.
ضحك ثلاثتهم قبل أن يغادرهما آريان، فتحدث مصطفى إليها:
- توقفي عن إثارة غيرتي يا فتاة.
- لم أفعل، ثم إنه أخي.
قالتها وهي تزم شفتيها ليقترب منها قائلًا:
- وأنا رجل يغار على ممتلكاته.
- توقف عن كلماتك، أنت تخجلني.
قالتها والخجل يعتريها، ضحك وهو يصرح:
- لقد كتبت كتابي لأقول ما يحلو لي يا فتاة.
بقيا على حالهما من المغازلة والخجل وبعض الضحك. ما إن تعتمد الحياة على حلال الله حتى تبتهج وتزهر، فمن يسير في النور لا يُضلل.

بينما على جهة أخرى، فقد جلس آريان منعزلًا بعض الشيء، يتذكر نوران التي تقدم لخطبتها منذ أشهر، كان قد مر على وفاة نوار عام بأكمله، يذكر تفاصيل مقابلتهما، كيف سألته عن قربه لله فأخبرها أنه ما زال يحاول، وهو بحاجة لمن تعينه، سألته عن رؤيته للزواج فكان رده أنه استقرار وأمان، احترام متبادل واهتمام بأدق التفاصيل، سألته عن نظرته للاختلاط  فأجاب أنه لا يمانع إن كان في الحدود دون تعدٍ بالقول أو خلافه، كما يكون لضرورة فقط، لكن الرد الذي وصله بعد أسبوع من تلك المقابلة قد أمات الحياة بقلبه، لقد رفضته، ولكنه لم يستسلم، فطالب بالتحدث إلى نسيم الذي برر له أنها تود أن تختار من يكون على نفس طريقها حتى لا ينهار ما سعت لبنائه، فالبناء قد كلفها حياتها، والهدم لن يأتي سوى فجأة ودون شعور أو مقدمات، فما كان منه إلا أن رد بتسرع بما جعلها القاسمة حيث أخبر نسيم كونه على استعداد للتقرب من الله وأن يكون كما تتمنى، فخرجت عليهما في هذا الوقت قائلة بثبات:
- لا يجب أن تكون كما تتمناك حواء، بل أن تكون كما يريدك الله، ومن لم يسعَ من أجل الله سيُهدم بناءه قبل أن يُقام.
لقد كان رفضها اختبارًا له، كانت ستتقبله كما هو وتأخذ بيده، لكنه تعجل وضع النهاية بتسرعه.

انتبه من شروده على صوت حسام الذي ضرب كتفه بخفة قائلًا:
- فيم شرودك يا أخي؟
- لا شيء، كيف الحال؟
- بخير الحمد لله، سامر طلب رؤيتك بالمناسبة، لقد أتى للشركة اليوم.
زفر وهو يضرب إحدى الحصوات بالحائط:
- أيملك عينًا بعد ما بدر منه!
- أظنه أتى للاعتذار، لقد قال لي أن تلك الصفقة الكاذبة كانت فقط من أجل تنفيس غضبه، لكنه لم يتابع الحديث حيث طلب رؤيتك أيضًا.
أومأ مرددًا:
- سنرى ما يمكننا فعله. هل أتت زوجتك؟
- أجل، لقد صعدت لأسيل من أجل ترتيب المنزل.
أومأ وهو يتنهد بقوة، ثم نظر لساعة هاتفه وقال:
- لنتحرك من أجل صلاة العصر، نادِ الرجال.

بعض الأشياء التي تتمناها لحياتك قد تكون ورقة الوردة المندية، وقد تكون الشوكة المختبئة، لذلك مهما كان اختيار الله فهو غاية الخير، وبعض الصدمات أيضًا هي النور لطريق أفضل عند الله، وهذا ما آمن به آريان، فمنذ ذلك الوقت وقد أصبح قريبًا من ربه أكثر، ليس من أجلها، ولكن من أجل نفسه وقربه من ربه. لقد أعطته درسًا لن ينساه ما حيا.
بينما هناك بالأعلى، فقد خلعت ميار عنها حجابها بعد أن أخبرتها أسيل كون لا أحد يصعد إلى هنا طالما هي بالداخل، بدأت تساعدها في ترتيب الأشياء حتى سألت فجأة عن مكان المكتبة الخاصة بها، أخبرتها أنها بغرفة نومها فركضت كي تنظم هي الكتب، ضحكت أسيل وهي تقول بقلة حيلة:
- أخشى أن تسحبي منهم شيئًا.
- هذا تحديدًا ما سأفعله مع كل ما يعجبني.
ركضت أسيل خلفها وهي تصيح بها أن تترك مقتنياتها الثمينة من الكتب، لتخبرها ميار أنه ما من أحد قد ضربها على يدها فتغرقها في عالم القراءة.

توقفت الفتاتان وهما ينظران لبعضهما بابتسامة، خاصة أسيل محبة، وخاصة ميار شاكرة على كل ما سعت إليه أسيل من أجلها، لقد تعلمت عنها الكثير، ولم تبخل عليها بكل ما تملك من حب وصدق.

أتاهما صوت الباب فركضت أسيل لترى من الطارق، وجدتها نوران ففرحت بذلك كثيرًا، قالت وهي تحتضنها:
- ظننتك آريان أو حسام، كنت أتجهز لإفزاعهما.
- لم أفهم! كيف تفزعينهما؟
- دومًا ما أوقظ آريان فزعًا، أو أفكر في أحد المقالب التي تفزع حسام أيضًا.
وضعت حقيبتها جانبًا، ثم صافحت ميار وانضمت لمساعدتهما، قالت بروية:
- أتعلمين أن الإسلام قد نهانا عن الترويع يا أسيل؟
- كيف؟
ابتسمت لها وهي تقول موضحة:
- الترويع في الإسلام منهي عنه لكونه قد يعود بالضرر على من تم ترويعه، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"لَا يَحِلّ لمسلم أن يُرَوِّعَ مسلمًا".
- ما من مرة أجالسكِ فيها إلا وأتعلم شيئًا جديدًا.

ونحن أيضًا بحياتنا الكثير من الدروس الني نتغاضى عن النظر والتفكير بها ظانين أنها أمور عابرة، لكنها تحمل بين ثنايا تفاصيلها الكثير مما لو تدبرناه لكان لنا هدى ونورًا.

بين كل ضفتين نهرًا، وبين كل كلمتين فاصل، بين كل عينين غرة، وبين كل شفتين شق، بين كل زفيرين شهيق، وبين كل شخصين علاقة بمسمى ما، وكذلك بين كل عسرين يسرًا، لنصل في النهاية لكون بين العبد وربه رباط إن متُن بالتمسك والثبات وصل.
💮------💮------💮------💮
تمت بحمد الله
💮------💮------💮------💮

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: May 31, 2021 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

قلوب غُلفحيث تعيش القصص. اكتشف الآن