الحلقة الثانية

369 31 1
                                    

#قلوبٌ_غُلف
#الحلقة_الثانية
#دُنيا_الشملول

- ما الأمر يا أسيل! وكأنك صادفتِ عِفريتًا من الجن!
ابتلعت ريقًا جافًا وهي تتحدث باستنكار شديد:
- أين حجابك؟
- تخليت عنه.
- بهذه البساطة؟ لماذا يا ميار؟ إن الحجـ... 
قاطعتها الأخرى في ملل وهي تتابع عنها:
- عِفة واحتشام... إلى نهاية ما تودين قوله، ما زلت أذكر حديثكِ منذ الثانوية، أعترف أنني ارتديته على غير اقتناع، لكن الآن أنا أحب نفسي هكذا، كما أنه من الغريب أن تُخفي فتاة جمالها! لمَ خُلِق الجمال إن كنا سنُخفيه؟!
كانت على وشك أن تجيبها أسيل، ولكن تابعت مِيار لئلا تترك لها فرصة اللعب بعقلها من جديد وهي تتحرك من المكان بعد أن قالت في حزم:
- من أجل من يستحقه. أعلم ثوابت إجابتكِ، كما أتمنى مجالستكِ للتشاور فيها مجددًا، لكنني مضطرة الآن للذهاب، فوالدتي بانتظاري، أراكِ لاحقًا.
ما تزال على حالتها من الذهول، كيف لمن تذوق حلاوة التقرب من الله أن يختار طريقًا سواه؟! استغفرت ربها، ودعت لها بالهداية، ثم أكملت طريقها إلى محاضرتها وهي تنعي ما آل إليه حال قلوب البشر.

بينما وصلت ميار إلى النادي الرياضي حيث طالبتها والدتها بالمجيء، ألقت بالتحية التي لا تمت للإسلام بصلة عليها، ثم جاورتها الجلوس، مر بعض الوقت في ملل، والدتها منشغلة مع عروض تصاميمها الصيفية، لطالما كان هذا شغلها الشاغل، تحدثت مِيار بتململ:
- أمي، هل سنبقى هكذا لوقت طويل، لقد مللت.
- للتو أتيتِ عزيزتي، السيدة أمينة على وشك الوصول، سنجلس سويًا لبعض الوقت، ثم لكِ حرية التصرف بوقتك. اتفقنا؟
أومأت مِيار بضيق يعتمل نفسها، لكنها أبدت ابتسامتها في وجه والدتها بهدوء تام، لم يمر الكثير من الوقت حتى أتتهما سيدة خمسينية يبدو من ملامحها الهدوء والرزانة، يسير إلى جوارها شاب في أواخر العقد العشرين على ما يبدو، ملامحه هادئة، وبشرته تميل للاسمرار بعض الشيء، ولكنه اسمرار محبب يليق مع جسده الرياضي وشعره حالك السواد، سقطت عيناها داخل عسليتيه التي تتشابه في لونهما مع والدته، يبدو أنها ليست الوحيدة التي تبغض هذه المقابلة، فالضيق الذي يعتمل ملامحه قد أكد عدم رغبته في التواجد هنا هو الآخر، جلس الاثنان بعد التحية والترحيب الحافل من والدة مِيار. تحدثت السيدة أمينة بهدوء تام:
- كيف حالكِ حبيبتي ميار؟ وكيف حال جامعتكِ؟
- جيدة.. جيدة جدًا، شكرًا لاهتمامكِ.
قالتها مِيار وهي تحاول اصطناع ابتسامتها في وجهها، لتقوم السيدة أمينة بلكز ابنها من أسفل الطاولة وهي تتابع الحديث مع مِيار:
- هذا عامكِ الأول. أليس كذلك؟
- بلى.
- موفقة حبيبتي، هذه حسام ابني، تخرج منذ خمسة أعوام مضت، لقد درس إدارة الأعمال، وهو الآن شريك بإحدى شركات الاستيراد والتصدير الخاصة بالأجهزة الكهربائية هنا بالقاهرة.
اصطنعت مِيار ابتسامة جديدة وهي تتحدث من أسفل فكها:
- سُرِرت بالتعرف إليكَ سيد حسام..
أنهت جملتها مع سحبها لهاتفها عن الطاولة وسحب حقيبتها عن المقعد المجاور لها، ومن ثم تابعت:
- أستميحكم عذرًا، لقد أتيت من الجامعة مباشرة، والآن أنا بحاجة لبعض الراحة.
ازدردت والدتها ريقها وهي تلكزها في قدمها متحدثة:
- ما زال الوقت مبكرًا حبيبتي.
- أعذريني يا أمي، لا بد من الاجتهاد في أول العام.
- معكِ كل الحق حبيبتي.
قالتها السيدة أمينة بابتسامة، وفي ظرف ثانية كانت قد لوحت أمامها فكرة ما، وقبل حتى أن تفكر فيها نطقها لسانها في الحال:
- سيوصلكِ حسام في طريقه.
هم حسام بالاعتراض، لكنه أومأ بصمت حينما لكزته والدته في قدمه ليصمت ويوافق دون أن يتفوه بشيء، تحدث بابتسامة مزيفة:
- تفضلي.
- شكرًا لك، فرصة سعيدة سيدتي.
- بل أنا المسرورة لرؤيتكِ عزيزتي، انتبه لها يا حسام.
ابتسم الأخير ابتسامة مزيفة وهو يكز على أسنانه، كم يتوق لخنق هذه الفتاة ويُريح فكه من ضغطه عليه غيظًا.

قلوب غُلفحيث تعيش القصص. اكتشف الآن