الحلقة الخامسة

285 25 2
                                    

#قلوب_غلف
#الحلقة_الخامسة
#دُنيا_الشملول

تجلس إلى الأريكة وهي تتابع أحد أفلام الكارتون، منتظرة قدوم نوار الذي هاتفته وأخبرته بسفر والدتهما ليومين، وأنها تشعر بالوحدة في هذا المنزل الكبير.. غفت على حالها من الانتظار قبل أن يصل بقليل، فتح الباب ودخل بهدوء تام، ألقى نظرة على غرفة الجلوس فوجدها نائمة كالملاك البريء، بدأ يخطو خطواته إليها في تردد، هل ما يحمله بنفسه وقلبه من تعلق وحب لها معقول؟ إنها توأمه، شقيقته، ابنة نفس الرحم الذي لُفِظ عنه، هل ما يشعر به تجاهها طبيعي لأن يحمله أخ تجاه أخته، يراها في كثير من الأحيان بعين أخرى، ليست رغبة؛ بل اكتمال، هناك بعض من تقلصات معدية تحدث له كلما كانت قريبة منه، رعشة طفيفة تكاد لا ينتبه لها تحتل أطرافه وهو يراها تركض أثناء لعب السلة أو غارقة في الرسم، هناك شعور يختلف عن شعور الأخوة يعتمل قلبه ويكاد يجعله يقسم أنه خطر عليها، هو لا يتخذ السفر مع والده سوى سبيل للابتعاد عنها قدرًا كافيًا لئلا يُخطئ في تقدير مشاعره تجاهها.

تنهيدة قوية خرجت عن رئتيه ما إن وصل إلى حيث ترقد، جلس القرفصاء إلى جوارها، بدأ يحاوط ملامحها بنظراته، تحركت أنامله تُملس وجنتها شاعرًا برقتها ونعومتها، اتخذ ابهامه طريقه لشفتيها، شرد فيهما كثيرًا دون أن ينتبه لاقترابه منها، صوت تصادم نشب فجأة هو ما أجفله، انتفض من مكانه بسرعة، وأخذ قلبه يضرب بعنف، زحف التوتر بدوره لأطرافه، اتجه بنظره للجهاز الذي لا يزال يعرض أحد أفلام الكارتون، ومن دون تفكير ذهب لدورة المياه الملحقة بغرفة الجلوس، فتح الصنبور وزج برأسه أسفل الماء سامحًا لها بالانهمار فوق رأسه شاعرًا ببرودتها، وفي أقل من دقيقة كان قد خلع عنه ثيابه جميعها ملقيًا إياها أرضًا، أغلق الباب ودخل بكامل جسده أسفل المياه، أغمض عينيه بقوة، وأخذ يضرب بقبضته على الحائط، ولسان عقله يردد "هذه أختك، أختك يا أحمق". جلس إلى حافة حوض الاستحمام تاركًا المياه تسلك طريقها، دافنًا رأسه بين يديه، لقد كان على وشك أن يفقد جميع حصونه أمامها.
استيقظت نوران من غفوتها، وصل لمسامعها صوت المياه القادمة من دورة المياه، انتقلت بعينيها للطاولة لترى هاتف نوار ومفاتيح سيارته، فعلمت أنه قد أتى، أغلقت الجهاز، وصعدت للأعلى، اغتسلت، ومن ثم رفعت شعرها بإهمال فتمردت بعض خصلاته ونزلت حول وجهها معطية إياها مظهرًا ساحرًا، نزلت للمطبخ وبدأت في إعداد وجبة سريعة لهما، وأيضًا أقبلت على عمل بعض الفشار الذي يحبه نوار كثيرًا، قامت بتحضير عصير طازج ووضعته في الثلاجة، ثم جهزت صحنين من المسليات، وتركت كل شيء في مكانه، وذهبت بالطعام لغرفة الجلوس.

وجدته يقف أمام الشرفة بصدره العاري تمامًا، لا يرتدي سوى سرواله، والمنشفة حول رقبته، وضعت الطعام فوق الطاولة وركضت مسرعة تجاه النافذة، أغلقتها بغضب، ثم جذبته من ذراعه ليواجهها، صرخت بوجهه في ذهول وكأنه طفل قد أذنب:
- كيف تقف هكذا يا نوار؟ لقد اغتسلت توًا، وتقف عاري الصدر في مهب الهواء! ستُسأل يوم القيامة عن صحتك.
جذبته من يده واتجهت به للأعلى، أخرجت له مما تحتفظ به من ثياب له، وضعت ما انتقته فوق الفراش ووجهت سبابتها أمام وجهه في تحذير، وبطفولية أمرته:
- دقيقة فقط وأراك في الأسفل وإلا سأقرض أذنك.
تركته وخرجت غافلة تمامًا عن صمته وسكونه واحمرار عينيه بسبب فتحه لهما تحت المياه لفترة طويلة، وقف وارتدى ما أخرجته له، هبط بهدوء حيث هي، فرآها تعطيه ظهرها باحثة عن مجموعة قصصية جديدة لتكون سهرتهما اليوم، كما العادة بينهما إن أتى لها أو ذهبت إليه يختاران سلسلة من قصص الأنبياء أو الحيوان ويتابعانها معًا في سهرة لطيفة، ودومًا ما ينتهي الأمر بها ممددة حيث هي غارقة في سبات عميق قبل أن تنتهي السلسة التي يختارانها.

قلوب غُلفحيث تعيش القصص. اكتشف الآن