#قلوب_غلف
#الحلقة_الثامنة
#دُنيا_الشملوليقف إلى شرفته في سكون تام ناظرًا إلى الفراغ من أمامه، تغازل عينيه خُضرة المكان التي يهتم بها بنفسه، وتملأ صدره نسمات الهواء النقية المحملة بروائح الزهور المختلفة ألوانها وأنوعها، منذ أن رآها أول مرة وقد تحولت حياته لشيء لا يعلمه؛ أصبح أكثر هدوءًا، وأسرع غضبًا، وأوسع فِكرًا وشرودًا، لم يحدث أن تحدث لها بشكل جدي، ولم يسبق لها أن أعطته اهتمامًا، لم يفكر في تتبعها ومعرفة أصل هويتها، ولم يركِن إلى التعرف إلى حقيقة علاقتها بذاك الشاب الذي يشك في كونه أخاها لما يحملانه من تقارب في الملامح، ومع ذلك لا يدري سببًا لسخطه على آريان كما عرف اسمه في ذاك اليوم.
خرج من دوامة فِكره على صوت هاتفه الذي أخرجه على مهل من جيبه وأجاب دون أن يرى هُوية المتصل، أتاه صوت آدم ساخطًا:
- هل تسحرك الخضرة كما العادة؟ أم أن أقدامك التصقت بأرضية الغرفة؟التفت بعينيه ليجده واقفًا إلى حديقته مستندًا إلى الحائط بأحد قدميه، زفر وأغلق الهاتف، ثم خرج إليه في صمت تام، جلسا إلى المقاعد المنتشرة بالمكان ليتحدث آدم محاولًا تغيير الأجواء:
- ما خطب أفكارك وسلوكك هذه الأيام؟
- أفكار المرء عادة ما تنطبع عليها سلوكه.
قالها وهو يعود بظهره إلى ظهر المقعد، فتابع آدم:
- وهل تظن أن الصمت والسكون سيكشف لك ما تجهله؟
- وماذا أفعل؟! هل أذهب إليها لأسألها من يكون؟ أم أخبرها أن حياتي انقلبت رأسًا على عقب بسبب ظهورها المفاجئ فيها.
صاحبت كلماته ابتسامة ساخرة وهو يتابع:
- هي حتى لم تدخل حياتي، نحن حتى لم نتحدث.
- لقد تعجبت ذاك اليوم الذي أخبرتني أنك ستسألها بالفعل، ظننتك قد وقعت وقع المغشي عليه، ولكن الآن أراك وقد عاد إليك رشدك، لذا سأتحدث إلى عقلك دون قلبك، تلك الفتاة تبدو اجتماعية جدًا، مرحة لأبعد حد، كما أنها تتعامل بحدود كبيرة مع الجميع، لا أدري مسمى لها، ولكن الجمال دومًا ما يكمن في الاختلاف، لذلك لديك حل من اثنين لا ثالث لهما.صمت ليرى مدى تأثير قوله، فوجد مصطفى يهبه جُل تركيزه مما جعله يتابع بعد زفرة قوية:
- إما أن تكون صريحًا معها ونفسك، أو...صمت من جديد وهو يناظر مصطفى المترقب لما سينطق به آدم، ولكن ما نطق به جعل العقل يثور ثورته الرافضة تمامًا، اعتدل مصطفى في جلسته أكثر وتحدث إلى آدم بشفافية:
- أتظن أن البُعد عن طريقها وإزالتها من العقل سهلًا؟! أتعلم؟ لو طالبتني بأن أُخرجها من قلبي لكان الأمر أيسر، لكنني لم أحبها بقلبي بعدُ يا أخي.
- ماذا تقصد؟
- ما أقصده أنني لم أرها بقلبي بعد، كيف لقلب أن يحب قلبًا لم يهبه اهتمامًا أو حنانًا، لقد رأيتها بعقلي، رأيت ردود أفعالها، تصرفاتها، حركاتها، ثيابها، رأيت منها ما جعل عقلي يقع لها وليس قلبي، العقل دائمًا ما يفكر بحكمة عن القلب، وحينما تراني طائشًا فاعلم أن قلبي قد مال ميلته.
- لقد حيرني أمرك يا مصطفى.
تزامنت جملته مع صوت هاتفه الذي أعلن عن اتصال من نوار، أجابه لدقيقة ثم تحدث إلى مصطفى:
- الشباب بالنادي، دعنا نذهب لنرى أمر الرحلة قبل أن تثقل الدراسة أكتافنا وتكبل حركتنا.