#قلوب_غلف
#الحلقة_الخامسة_عشرة
#دُنيا_الشملول- فيمَ تفكر؟
سأل آدم الجالس إلى الأرضية يتابع مصطفى السابح في عمق أفكاره غير شاعر بالدنيا من حوله، فأجاب الأخير:
- ماذا سنفعل بعد التخرج؟
- سؤال عجيب! سنعمل بالتأكيد.
- وفي أي قطاع سنعمل؟
فكر آدم قليلًا قبل أن يجيبه:
- سنبيع الألبان عند كل صباح، أو يمكننا...
قاطعته نظرة مصطفى الساخطة فضحك لملامحه وهو يقول:
- أنت من تسأل سؤالًا عجيبًا يا رجل، سنكون خريجي هندسة معمارية، برأيك سنعمل ضباط شرطة!
- يا هذا اسمع ما أريد قوله، لا أريد أن نعتمد على مال والدينا في إنشاء مستقبلنا، سنبدأ من الصفر معًا، ونبدأ في تنشئة أنفسنا.
صمت المكان من حولهما لعدة دقائق، ثم تحدث آدم ببساطة:
- أقدر ما تود قوله وفعله، ولكن يا أخي لقد من الله علينا إذ وهبنا رزقًا من المال وفير، فلمَ نتمرد تحت مسمى الاعتماد على النفس، لطالما نعلم أن مالنا حلالًا، فدعنا ننشئ على قدره ما يمكننا من خوض حياة أعتى في صعوبتها، إن كنت تبحث عن الشقاء فليس هناك شقاء بقدر شقاء من يملك المال بوفرة ولديه ذمة وضمير.ران عليهما صمت خارجي لا يمت لضجيج الأفكار بصلة، ثم عاد مصطفى متحدثًا:
- لنتخذ عهدًا على أنفسنا ألا تنقطع لنا زكاة، وألا تلهينا الدنيا عما نسعى إليه، أود أن أنشئ من هذا القعر الاجتماعي الذي يظنه الناس علوًا -أجيالًا تقدر النعمة ولا تنحرف عن مسارٍ ما كانت لتسلكه حتى لو لم يكن الله قد من عليهم به.أومأ آدم مبتسمًا وهو يسأله:
- متى ستبدأ في تنشئة جيلك يا ترى؟
نظرة غيظ رُمق بها ليضحك آدم عليه وهو يقول بجدية:
- متى ستأخذ خطوة جدية في أمر قلبك الذي لم يُجن حتى الآن؟
- من قال أنه لم يفعل؟ لقد اكتشفت أنه جُن منذ أول يوم يا آدم، لكن الله لطيف بعباده إذ ربط على قلبي وأهداني لطريق ألتقيها فيه راضيًا مطمئن النفس.
- فليكتب لك الله سعادة الدارين يا صديقي، والآن دعنا نذهب للجامعة، لقد دقت الثامنة.تحركا بالفعل إلى الجامعة، وقد صادف مصطفى أن رأى آريان يوصلها إلى الجامعة، ولجت هي تحت جنون قلبه برؤيتها في ثياب أكثر عفة من ذي قبل، واقترب مصافحًا آريان، ولقد غادر الأخير بعد أن تبادلا بعض الحديث، نظر مصطفى لآدم وهو يقول بنية قد اعتزم عليها:
- سأتقدم لخطبتها هذه الإجازة، فخير البر عاجله، وطريق يسلكه اثنين أكثر أنسًا من أن يسير فيه واحد.
رفع أحد حاجبيه للأعلى، وتوقف عن السير قبل أن يرمق مصطفى بنظرة ساخطة، سأل الأخير عن سبب توقفه، فأجاب:
- طريق يسلكه اثنين أليس كذلك؟ هل أنا شعلة الإضاءة في هذا الطريق مثلًا لكيلا تذكرني؟
- شعلة الطريق ذات فائدة يا آدم، فهي تنير الطريق لنا كي نسير على هدى.
غمغم بكلمات غير مفهومة وتحرك ليتحرك مصطفى ضاحكًا عليه وهو يتمنى من الله ألا تفرقهما الأيام.💮------💮------💮------💮
تجلس إلى أحد المقاهي في عزلة ترتشف كوب النعناع خاصتها وهي تتابع أحد المواقع الذي يعرض رسومات حديثة بحثًا عن فرصة جيدة من أجل تقديم رسوماتها لإحدى الجوائز، شعرت بجلوس أحدهم أمامها، رفعت عينيها التي تغيب أسفل نقابها فلا يُرى سوى بريقها لتجد شخصًا لم يسبق لها أن رأته، كانت على وشك الذهاب سريعًا من المكان لكنه تحدث برجاء طفق على نبرته قائلًا:
- فقط اسمعيني ولا أريد شيئًا آخر.. أرجوكِ.
تخبطت حيرة، وارتجف جسدها كله وهي تقف حائرة في أمرها، لكنها عزمت عزيمتها وقالت:
- سأتحدث إلى أخي كي يكون ثالثنا.
- أنا هو أخاكِ.
قالها وقد فارت الدماء داخل عروقه، لقد تعب من كل شيء، يكفي إلى هذا الحد، ذاك ليس بأخيها، لقد عاش ما عاش من عمره وهو يمرح لوجود أخت مثلها بحياته في الحين الذي كان يتجرع هو العذاب في وحدته دونها، من تكمله كيانًا وروحًا تحيا مع أناس لا تمت لهم وهو موجود من أجلها، فليكن الأمر بقسوته دون تزيين إذًا. بينما كانت هي تقف في مكانها دون أن تناظره، ما سمعته جعل أقدامها تيبست أرضًا، وما يجعل جسدها ينتفض ليس إلا شعورها المؤخر تجاه نوار بالقلق من الاقتراب إليه كما السابق، وذلك منذ ما بدر منه. ابتلعت ريقًا مصحوبًا بغصة، وتحاملت على نفسها كي تغادر، لكنه وقف أمامها من جديد وانهارت عيناه وهو يناظرها برجاء، وكانت تلك هي المرة الأولى التي ترفع عينيها فتسقط في جوف عينيه المليئة بالعذاب، عيناه، خصلاته، ملامحه، نظرته، ارتجاف شفتيه، عبراته التي تنهمر وكأنها كانت حبيسة لسنوات وفاض بها، أخرجها صوته المليء بالشجن والحب لها في الآن ذاته:
- فرصة فقط هي كل ما أريده لأخبرك بحقيقة الأمر، أنا متعب للغاية يا تسنيم، أرجوكِ.
وقع اسم تسنيم على أذنيها كان غريبًا بعض الشيء، وكأنها ما سمعته طيلة حياتها، نبرته أحرقت كل قطرة دماء تسري بعروقها، ولكن أهو فخ؟ لقد سمعت كثيرًا عن طرق لاختطاف الفتيات، هل هذه إحدى الطرق؟! ليس هناك تفسير آخر يمكن لعقلها أن يفكر فيه، غادرته مسرعة في خطواتها كي تبتعد عنه، قلبها يكاد يقفز عن صدرها المتعب، وعقلها يكاد يودي بها، وأقدامها على وشك أن تخونها فتسقط، لكنها استقلت السيارة في عزيمة على المغادرة، رفعت عن عينيها غطاء النقاب من عند الجبين كي تتمكن من القيادة، وانطلقت بسيارتها في الحال، لا تدري على أي سرعة تسير، ولا أي طريق تسلك، ولا تدري ما كل هذه الضجة فجأة، هذا الصراخ، ثم الصمت المفاجئ، فالسواد.💮------💮------💮------💮
تتبع....