#قلوب_غلف
#الحلقة_الرابعة_عشرة
#دُنيا_الشملولأعلن هاتفه عن اتصال طال انتظاره له، أجاب في ترقب ليصل إلى مسامعه خبرًا تمناه ودعا بعدم صحته في الآن ذاته، لكن أتت المكالمة تثبت صحته، نوران ليست له أختًا، هل هذا يعني أنه ليس بحيوان ينظر لأخته! كيف سيكون التعامل بينهما بعد الآن؟ ومن تكون إذًا؟ ووالديه هل يعلمان؟ الكثير والكثير من الأسئلة تحوم حوله، عاد بذاكرته لما قبل أيام حينما طالبه مصطفى بعمل تلك التحاليل كي يرى إن كانت أخته حقًا، وقد كان ذلك بعدما أخبره بأمر الشاب في معرض نوران، لقد أخذ بعضًا من خصلاتها الساكنة داخل فرشاتها وطالب أحد الأطباء الذين يعرفهم بإجراء التحليل في سرية تامة، وها هو البيان.
ارتدى ثيابه وغادر إلى وجهته، وقف أمام الباب ينظر إلى شرفة والدته المفتوحة، منذ ذلك اليوم الذي سمعته يتحدث فيه إلى مصطفى بشأن ميوله إلى نوران وهي ترفض تمامًا رؤيته، بل وشبه انقطع خروجها من غرفتها إلا لضرورة قصوى، تعلم والدته شيئًا بالتأكيد، ويجب أن ينهي هذا الأمر عاجلًا.
ترجل إلى البيت، وصعد لغرفة والدته، طرقها عدة مرات قبل دخوله، رآها تستند إلى شرفتها ناظرة للفراغ أمامها، أغلق الباب عليهما وولج حيث توليه ظهرها، تحدثت دون مقدمات:
- هل عرفت بحقيقة الأمر وارتاح قلبك يا نوار؟
صمت تام لا يتخلله سوى أنفاسه التي تتسارع، تابعت من جديد:
- بماذا ارتاح قلبك؟ هل لأن من أحببتها بكيانك ليست أختًا لك والآن لا مانع من أن تكونا معًا تحت مسمى آخر؟ وماذا عن توأمك إذًا؟
- أخبريني بما حدث.التفتت له وقد لمعت عيناها بعبرات لا يعلم لها سببًا، لكنها جلست إلى أريكة مجاورة، وبدأت تتحدث بهدوء تام:
- لقد تزوجت والدك وأنا بعمر العشرين، بقيت لثلاث سنوات دون إنجاب، ولم يكن هناك أي سبب لهذا، حتى علمت ذات يوم أنني قد نُفخ في رحمي بحياة، ومرت الأيام حتى علمت بقدوم توأم، لقد كان العوض، وتم الوضع وحملتكما بين ذراعاي، قلبي كان يرف محلقًا بسعادته بكما، ولكنكما كنتما ضعيفين للغاية، فتم إدخالكما لحضانة خاصة.
تمردت العبرات وكأنها تعلم تحديدًا بداية المأساة، استنشقت ما بأنفها وهي تتابع:
- وحينما حان وقت خروجكما، كانت الفتاة غريبة، لا أعلم كيف أفسر معنى غريبة، هي بلون خصلاتها النارية كما ابنتي، لكن شعوري لم يكن أمومي أبدًا تجاهها، ولكنني أعدت حكم الأمر على مرضي، فكيف لمشفى بهذه الضخامة سيتم تبديل أطفالها؟! مرت الأيام ثم السنوات وقد تناسيت ذاك الشعور تمامًا، حتى طرقت بابنا زائرة، امرأة تبدو عليها مطحنة الحياة، علمت أنها كانت تعمل كممرضة بالمشفى الخصوصي التي وضعت فيها، وقد أخبرتني بما لم أستطع عليه تحملًا.
زادت شهقاتها، وعلا نحيبها وكأنها تنعي وفاة قريب من قلبها وافته المنية للتو، بينما لم يحرك نوار ساكنًا، وبقي ينتظر بقية حديثها حتى استرسلت ما بدأته:
- أخبرتني أنه قد انفجرت رئتي ابنتي في حضانتها نتيجة نقص الأكسجين، وكان هذا عائدَ عطل كان سيتحمله طبيب الحضانة، وقبل ولادتي بيومين فقط كانت قد وضعت أخرى توأمًا، فما كان من الطبيب سوى تبديل الفتاتين، فابنة المرأة التي وضعت قبلي تملك نفس لون خصلات ابنتي، وهذا كان على حسب قول الطبيب "من حسن حظه"، وقد كانت عائلة هذه الفتاة ضعاف المادة جدًا، وقد أتوا بها إلى تلك الحضانة لعدم توافر واحدة لها في المستشفيات الحكومية، وتم التكتم على الأمر منذ ذلك الحين.رفعت كوب الماء المجاور لأريكتها ترتشف منه القليل كي يرطب حلقها الذي جف، ثم تحدثت من جديد:
- الممرضة المساعدة لذاك الطبيب هي من أتتني وقتها، وقد أخبرتني أن ضميرها لا يجعلها تهنأ في نومة، كما أنها أتتني ما إن توفيت ابنتها نتيجة مرض بالرئة فعلمت أن الله لا يحب ظلم عبد لعبد، وما إن خشيت على ابنها الذي بقي لها من الدنيا حتى قررت ألا تصمت أكثر.صامت دون حديث، دون دموع، دون حراك، ما يسمعه أكبر من احتمال عقله على الاستيعاب، هل لهذه الدرجة تدنت ضمائر الناس؟ هل لهذه الدرجة ماتت القلوب؟! نظر تجاهها حينما نطقت:
- وقد كان ذلك سبب انفصالي ووالدك، هو لا يريدها، لكنني تمسكت بها، لا أدري لتمسكي بها سببًا، لكن ما أعرفه أنني وُضعت في اختيار بين والدك وبينها، ولقد اخترتها. ولأجل عدم وصول الأمور للإعلام وغيره تكتمنا على الأمر، وأظهرنا انفصالنا للعلن دون ذكر أسباب.
- ولمَ لم تهتمي لها لطالما تمسكتِ بها؟
- كنت أعلم أن فطرتها ستتغلب عليها، وها هي نوران التي نشأت بين وسط اجتماعي رفاهي، وقد انعكفت على نفسها متخذة لذاتها طريقًا بعينه لم يستطع أي منا جعلها تحيد عنه ولو قيد أُنملة، لم أستطع أن أكون لها أمًا، لكني أيضًا ما كنت بهذا القدر من السوء كي أزج بها إلى حيث لا أدري عنها شيئًا، لقد تمكنت من أن تشغل حيزًا يخصها وحدها بداخل قلبي، فطمع بها.
تحرك من الغرفة في صمت تام، عرف ما أراد، وبقي أن يعرف كيف سيتصرف، وقف في موضعه دون حراك حينما قالت له:
- أخبرتني الممرضة أنها اعترفت بالأمر لوالدتها أيضًا، لكن والدك هددها بابنها كيلا تتحدث، ولقد رحلت والدتها عن الحياة منذ عامين، وأخاها ما عاد يبحث عنها منذ ذلك الحين. فكر جيدًا قبل أن تخطو أي خطوة يا نوار.تذكر ذاك الشاب يوم المعرض، أيعقل؟ ولمَ لا؟ لقد انتابه الشك بأمره منذ أن رآه يبكي، ولقد قرر بعد أن رأى هذا التشابه بينهما أن يقوم بالتحليل، هذا يعني أن الشاب يعلم تحديدًا من تكون، وأين تكون أخته! إذًا لماذا لم يأتِ وينتشلها من بين أعين الجميع عنوة، وما من أحد سيتمكن من قول كلمة في وجهه حتى! حتى هذا الأمر محموم بالأسرار.
💮------💮------💮------💮
تتبع....