الفصل الثاني

9.8K 205 25
                                    

...

😍😍😍😍😍

الفصل الثاني

هائمون فى مضمار العشق
أسماء رجائي

****************

المواجهة دائماً وأبداً صعبة وبعض الأحيان تمكث أسفل متاهة المستحيل!
وإن كانت هي توقعت وتخيلت أن مواجهته لا شيء يذكر, مجرد عبث فارغ لا ضرورة له بالمرة .. فهي حقاً خاطئة !
ابتسمت داخلها بسخرية عارمة تجتاحها بكل هدوء , تضع أمام عينيها كل الحقائق عارية دون غطاء ستر تحت مسمى النسيان !
والنسيان هنا كذبة وربما وهم عاشت فيه وأقنعت دواخلها به !
وهنا أمام ملامحه كانت تقف جامدة وغضبها يتسارع .. يتقافص ثم يشتعل ثم يقتلها كل ذلك بهدوء قاتل .. بارد .. حاد كحد سيف صدأ يقتلها ببطيء متلذذ بأنينيها ونزفها حد الثمالة !
نيرة كانت تجلس كما هي لا تقوى على تحريك أي من أطرافها تنقل نظراتها بين مريم تارة وتعود لشقيقها تارة أخرى !
تتعلق نظراتها بالصغير الذي بدأ بالاستسلام لسلطان النوم تاركا لزوج من الأعين تتبارى في حرب نزف باردة !
فلا خاسر هنا ولا منتصر !
خرج صوته مرة أخرى يكرر سؤاله بنبرة مختنقة بعض الشيء وإحساس يكتنفه داخل فقاعة من الندم :
-اخبارك يا مريم!
مريم لا تجاوب ولا تفلت نظراته , كانت تتأمله بغموض قبل أن تتقدم من الحاسوب أكثر ,ترفع أناملها بارتعاش وصل لنيرة , وبعدها أغلقته بحدة , توجه صدمتها له ولها!
ابتعدت ثم جلست على السرير المواجه لنيرة تهتف بنبرة صلبة تطلق تساؤلها بجمود يخالف ضجيجها الداخلي:
-هو يامن خلف من ميرال
تشنج جسد الأخرى .. تبتلع ريقها وهي ترمقها بحذر ثم أومأت برأسها دون أن تضيف أي حديث يلازم الإجابة, تلتزم بالصمت , تشعر وكأنها على صفيح ساخن ..
تود أن تهرب من مريم , فالموقف لا يحتمل ولا هي كذلك!
مطت مريم شفتيها , تطلق ضحكة ساخرة تسألها بوجع يحتل نظراتها غير منطوق بلسانها وحديثها:
-اسمه ايه!
والحيرة من نيرة وهي تتأملها بحاجب معقود فكانت وكأنها تحيا التيه ولا تعرف عن من تسأل :
-مين!
استقامت من مكانها , تسير بعض الخطوات ببطيء تقف أمام المرأة تتأمل نفسها بقنوط تام..!
تمسك إحدى الخصلات .. تتلاعب بها تعيد السؤال بصيغة مالحة لجرح قد أقيم الآن مراسم فتحه من جديد وكأننا بالأمس حيث السقوط والصدمة:
-ابنه اسمه ايه يانيرة
أجابتها بتوتر وهي تعض شفتيها .. ويدها تتلاعب بقلم أسود ترسم به بعض الخطوط الوهمية علي ورقة بيضاء:
-مروان!
استمعت للاسم والتفتت لها ترمقها بنظرة ثابته لا إهتزاز فيها أو شرود .. تبتسم وهي تحمل حقيبتها هاتفة بهدوء :
-يتربى في عزه ..
ساد الصمت للحظات قبل أن تخرج مريم هاتفها رادفة دون النظر لنيرة:
-أنا هطلب بيتزا , تطلبي معايا!
اهتزت نظرات نيرة وهي تولي مريم كل التأمل والمحاولات لسبر أغوارها ..
هل هي لا تهتم فعلا أم أنها تحترق خلف قناع
الجليد ؟!
اقتربت منها بتردد , متحدثة بتأثر والعبرات باتت وشيكة من التحرر تبحث عن اعتذار مناسب لأجلها:
-انا اسفة يامريم
ابتسمت بتهكم .. تلقي بهاتفها داخل حقيبتها مرة أخري, تشملها بلا مبالاة حقيقة , تقف عند باب الغرفة توليها ظهرها رادفة ببرود:
-شكلك مش جعانة , تصبحي على خير!
خرجت من غرفة نيرة دون أن تنتظر الرد وبسرعة الريح كانت تسارع الخطوات حتى وصلت أخيراً إلى غرفتها تفتح بابها بأنامل مرتعشة , تدخلها سريعاً وكأنها تلقي نفسها داخل هوة من الحجب , هذا الحجب الذي تريده الآن حيث تستطيع الصراخ!
وكانت هنا الصرخة بين طيات وسادتها البيضاء , والصرخة تبعها عبرات حارة لا هوادة في تحررها!
والعبرات تبعها تشنج جسد فتحت جراحه تواً!
وتشنج جسدها تبعه ألم نابع من داخلها يحثها مرة أخرى على الصراخ , فتعود الدائرة مرة أخرى من البداية!
استقامت من مكانها تمسح عبراتها بظهر يدها كطفلة !-
تستل هاتفها , تضرب بعض الأرقام فيأتيها رنين الجهة الأخرى تنتظر هي الرد!
_الو, ازيك يامريم..
باغتت مريم بسؤال سريع , يحمل بين طياته الاتهام:
-انت مقولتيش ليا ليه ان يامن خلف يا ماما!
أغمضت منى عينيها بتعب وملامحها المنهكة منذ عام مضى لم تشفى بعد من إنهاكها تهتف بخفوت بارد:
-وده يهمك في ايه, أو هسأل بطريقة تانية ده يخصك يامريم!
قاسية وهي تعلم.. تعرف أنها الآن تصارع انفعالاتها ومخاوفها وبشدة!
تعلم أنها تكبح أنينها وتكتمه بصعوبة , تعلم أنها تتم نحرها هنا في تلك الليلة!
ولكن هي تعلم أن بعض الأشياء يجب نحرها كنحر الشاة حتى لا تتعذب!
همست مريم بنبرة تحمل من الألم ما يكفي:
-عندك حق , عندك حق ميخصنيش في حاجة !
رقت منى في الحديث تهتف بنبرة متعاطفة تسأل بطريقة مباشرة:
-مريم انت لسا بتحبي يامن!
السؤال كان طرحه بسيط وجوابه مفقود داخلها , تسارع بيده تكتم شهقاتها بصعوبة , تهز رأسه نفياً ووجعاً وقهراً ..!
هل يمكن أن تخبرها ببساطة أنها لا تعلم الإجابة وإن ادعت القوة والجمود؟!
وإن ادعت الصمود والمضي قدماً دون الإلتفات للخلف! رغم أنها تلتفت وتلتفت مرات ومرات!
هل يمكن أن تصرخ بوجع يطاردها في أحلامها يوماً بعد يوم, يحتل نور نومها .. يحيله لظلام معتم .. دامس!
-أنا مبقتش عارفة حاجة , أنت عارفة أنا عاملة زي ايه!
أحنت منى كتفيها بتهدل متحدثة بهمس هادئ .. حزين:
-زي ايه فضفضي يامريم!
انفجرت مريم بالبكاء دون أدنى سيطرة , تاركة لنفسها العنان بإخراج ذلك الألم الحادث من رؤيته..!
لم تتوقع أبداً أن رؤيته ستعيد الماضي من جديد, رؤيته ببساطه أعادتها عند تلك النقطة حيث فقدت جنينها وعرفت حقيقة نسبها..!
ومنى تستمع بقلب يتألم لأجلها ينشطر لحالتها..
تهتف مريم بصوت متقطع من بين شهقاتها بنبرة مريرة:
-أنا تعبانة, مش كويسة , انا هكدب لو قلت نسيت, أنا لسا مريم الي عاوزة يطبطب ويحن عليها , وفي نفس الوقت مبقتش اصدق الحب بقيت أكره واشوفه وهم وسراب..
توقفت عن الحديث وهي تشعر أن كل ما يحدث فوق طاقتها ثم تكمل بخفوت بارد:
-انا اسفة تعبانة وهنام!
هتفت منى وهي تغمض عينيها علي الطرف الأخر, تستوعب حالتها جيداً:
-نامي يا مريم , واعرفي ان الحب مش وهم!
أغلقت معها وبقيت مكانها كما هي على السرير شاردة وبتمرد انغمس بلا منطق استلت هاتفها تلمس شاشته بأنامل باردة.. مرتعشة , تدخل على الحساب الخاص بميرال على الفيس بوك تتصفحه بتردد يزداد كلما لمست شاشتها تمر عليها بنظرات مترقبة ..!
وفجأة كانت صورة ميرال مع صغيرها , الصورة كانت تؤلم .. تشطرها وكأنها في مهب ريح !
عبراتها لم تتوقف بل ازدادت وقلبها كان يموت!
اغلقت هاتفها ثم رفعت عينيها لسقف غرفتها تنظر للفراغ بتعابير شاردة حتى غلبها النوم
والنوم أصاب الجسد ولكنه نفر من القلب والروح!
نامت والسؤال هنا مطروح وبقوة ..
هل حقيقي أن الحب لذته ساعة وألمه طوال العمر؟!..
أم هو مجرد سراب يناوش القلب بحماس ينهكه فيتركه بعدها يتألم, يحيا بتيه دهاليزه المعتمة دون أي إضاءة حتى لو من جحيم مستعر!

للعشق طريق اخر(١+٢)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن