الفصل السابع

6K 151 8
                                    

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
وان شاء الله الفصل التاسع يوم الجمعة الساعة ١٠مساء أن شاء الله في موعدنا..😍😍😍😍😍
اعملوا لايك ولاتبخلوا بيه ياجدعان 🙂🙂🙂🙂

خدوا الفصل وانبسطوا😊😊😊😊

#هائمون_في_مضمار_العشق
الفصل السابع

سكنت عالم الاحلام
ووضعت رؤيتى للامام
و أمسكت الضعف بالزمام
و تحكمت بقيود الانتقام
عله يزيح كل الركام
و لكن القلب تعثر بالجدار
و بحور الخيبة و المرار
غرق بها دون رغبة بالفرار
و فقد كل طاقة الانتظار
كى يقبع وحيدا حائرا
ضائعا بمضمار العشق الفريد

خاطرة بقلم سالي sa Fmy
*******************************
الخدعة.. الكلمة تسيطر على دواخله بطريقة تستنفذ طاقته في جهاد نفسه وشرها..
وهي نصبت البيعة بشروط لا تقبل التنازل عنها والاستسلام, هي أنثى باتت تعلم تأثير تلاشيها من عالمه..
السؤال هنا .. هل أصبحت فريدة إحدى نقاط ضعفه ..؟! وكيف يخدعها؟..
كيف يخدعها فترحل بعيداً بعد أن دخل عالمها المغموس في بوتقة راحة؟!
زفر بعمق , يرفع يده يمسح بها خصلاته , يفكر وينازع.. بل ويحارب تلك الطاقة والنزعة التي تجبره أن ينتقم, وتلك الورود التي تغرز أشواكها بروحه , تستنزف منه دمه , وتضعه أمام حقيقة خسارة أخرى تلوح بالأفق لو طاوع صراع السقوط للجحيم مرة ثانية!
استقام من مكانه وهو يسير بخطوات رتيبة , يقلب عينيه بملل وشرود وهو يتابع طريقه حيث غرفته مع فريدة!
كانت هي بالداخل تحيا بعالم أخر وشريط العام الماضي لا ينقطع ولا يقف..
تجاهد هي أيضا وتقتل أي سخرية تقام داخلها تواجهها أن رهانها خاسر لا محالة!
غسان رجل غير قابل للتوقع, غير قابل للتراجع..
غير قابل للتنازل!
ولكنها هنا غير قابلة بل لا تقدر على منحه التنازل , هي تحارب حتى تشعر انها حظت بأي مقابل منه, تريد أن تشعر بسيطرة تسترد بها قوتها المسلوبة في صقيع روحها النازفة دون توقف حتى بات الجرح رتوشاً وندوباً تستلزم السحر لإزالتها!
صوته أخرجها من عالمها وهو يقترب منها , يقف أمامها بينما يده تمتد لخصلاتها يلمسها برقة هاتفاً بجمود تلتزمه هي منذ مغادرة شقيقها:
-وبعدين هتفضلي كده كتير..
ترفع نظراتها له وشهقتها تكتمها وهي تتأمل ملامحه الباردة , تسعى أن تصل لإنفعال يطمئنها يدمغها في سكينة الفوز بالرهان..
ولكن لم تجد سوى جمود , وتلك النظرة السوداء التي ألفتها في بداية الوقت معه, نظرات تغرز لها ألم الخسارة ..
نظرات تشعرها بالهزيمة , هزيمة ستكن الأقصى والأعنف..
بل ستكن هنا النهاية!
تجمع قوتها .. تعانق نظراته , تهاجمه داخل حصنه المنيع, تداهم كل قلاعه وتهدم جدرانها طبقة..
طبقة!
تحرقه بنظراتها المشبعة بقتامة تماثله وكأنها النسخة النسائية منه!
تزيح يده بعيداً , تمنحه ابتسامة انتصار غير معلن عنه داخل حربها معه.. تتحدث وهي تقف أمامه , تكاد تلتصق به.. تلفها انفاسه :
-هفضل كده لغاية ما اعرف انت نهايتك ايه..
تصمت تهديه مساحة رد , أو تهدي حالها مساحة تأمل , يباغتها سريعا:
-وانت نهايتك ايه..
ضحكة مشبعة بالتهكم وقربها منه كما هو لا يقل مثقال خطوة.., تمد يدها , تلامس بأناملها بشرة عنقه ..تهمس:
-نهايتي لسا هشوف مكانها
وهو النقيض هنا , ابتلعته الدهشة داخل حوافها وجوانبها تغطي عينيه بلمعتها المتفاجئة, قست ملامحه بعد أن أدرك انها تحاول اللعب كما كان يلعب في البداية ..!
يرفع يده , يقبض على يدها محافظا على ملمسها أعلى بشرة عنقه..
يغمض عينيه ثم فتحها يمنحها ابتسامة شيطانية .. يهمس وهو ينحني بالقرب من اذنها:
-نهايتك معايا يا فريدة..
يتسرب لأوردتها الجليد النابع منه بجانب حرارة جحيمه المطلة من عينيه , تبتعد عنه دون أن تقاومه .. تقابل همسه بصياح نبرة ثابته:
-نهايتي انا الي هقررها
تصمت وتبتر الحديث, تغيب عن عينيه وتكمل بثبات :
-انا مش جارية عندك هتقرر عني..
تبتعد عنه بخطوات متأنية , تمشط خصلاتها ببرود وهو يكتم دهشته..
تعقص خصلاتها وهو يكتم دهشته..
تضع طلاء باهت على شفتيها وهو يكتم دهشته..
تدخل الي غرفة الملابس ثم تلتفت لها هاتفة بابتسامة واسعة:
-مش عاوزاك معايا في الاوضة لغاية ماشوف هتعمل ايه..
وهنا زالت دهشته وهو يقطع المسافات بينهم وثباً , يمسك بمرفقها , متحدثا بغيظ:
-فريدة اعقلي , اعقلي وخليك بونبوناية..
يتنفس بحدة وانفعاله يسيطر عليه يشد قامته ويسيطر عليها , يحاصرها بينه وبين الجدار خلفها , يعاود لمس خصلاتها برقة :
-بصي انت خلاص قررت تبقى معايا انتهينا ..
يشاور بيده , يشمل الغرفة بنظراته وهو يكمل همسه:
-الجدران دي محدش فينا هيخرج براها , اللعبة انتهت.. game over
استوحشت نظراتها وهو تلتهب من داخلها بسعار نفي لسيطرته تهدر به وهي تبعده بيدها :
-انا مش لعبة , مش لعبة خلاص وكسبتها...
يمسح وجهه بتعب , لا يستوعب جنونها و وحشيتها التي تلبستها هنا :
-انت مش لعبة , انت مراتي..
يتهدل كتفيه بتعب وانهاكه يبلغ مداه النهائي, يعاود الحديث:
-خليك راحة يافريدة
تخبط أعلى صدرها بانفعال , تهز رأسها بجنون وخصلاتها كألسنة لهب تتطاير حول وجهها بعد أن تحررت من عقلتها:
-وانا ..
تصمت , تبتلع ريقها, تكمل بحده:
-انا مين هيريحني, انا راحتي فين!
خط النهاية يقع هو وهي على صراطه المشتعل فيسأل بهدوء رغم الضجيج :
-انت ايه يريحك , قوليلي ايه وانا هعمله..
جاوبته متسارعة دون أن تمنح نفسها مساحة تفكير ولو واهية:
-متلمسش مازن , متقربش منه.. انسى , انسى انا دفعت التمن..
كاد أن يخبرها أنه نبذ شقيقته لأنها دفعت الثمن!
كاد يخبرها أنه لا يتحدث معها , لا يمنحها جناحه تحتمي به كما كان دائما لأنها دفعت الثمن!
كاد أن يصرخ بها أن جزء من توقه لسقوط أخيها لأنها دفعت الثمن!
بل هو كان يود لكمه وركله, يود أن ينشب العراك معه كل هذا , لأنها وحدها دفعت الثمن!
يا الله : همسها بداخلها بانفعال مكبوت , همسها وهو يطالعها بدهشة نابعة مما وصل له..
هو يريد الانتقام لأجلها! وشقيقته ضمن المعادلة لن ينكر, ولكن هي..
هي تحمل أهم جزء في تلك الحرب!
كاد أن يمنحها جواب ولكن طرق الباب قطع تواصلهم عندما أخبرته إحدى العاملات بالمنزل أن هناك من يريده بالأسفل..
و بالأسفل كانت هي تجلس بتوتر ملحوظ, تشعر بالتحفز الممزوج بالخوف والرهبة!
ترتعش يدها بل هي يكتنفها ارتجاف لا يمكن اخفائه..
ارتجاف أثار ضيق هذا الملازم لها ينقر بتوتر أعلى قدمه, يتأملها وهي ترفع أناملها بتوتر تسوي خصلاتها داخله ولو لم توجد خصلات!
يهمس وهو يميل برأسه جانب أذنها بمرح :
-قومي بينا نمشي..
اجفلت من همسه ,عبست ملامحها وتوترت وهي ترمقه بصدمة تتأمل بملامحه الضاحكة فتنال معه قرب لم تناله من قبل, قرب من رجل دون أي قصد كما غسان بالماضي, أو اجبار كإلياس!
ابتعدت من هذا القرب الذي فرضه هامسة برهبة:
-انا خايفة
تبتر الحديث ويدها ترتعش أكثر والصقيع يحتل أطرافها, قدمها الان كهلام ورأسها يدور.. تتحدث معبرة عن امنية ربما تريدها وبشدة:
-كان نفسي عثمان يبقى معايا..
تجهمت ملامحه وهو ينظر لها ولتلك العزلة التي تحيا بها, لا يخدعه كونها تبتسم أو تشاركهم اليوم, يعلم بل هو على يقين أنها تبني حائط منيع ولا رغبة في إزالته!
مد يده عنوة يمسك يدها المرتعشة بصرامة وقوة أجفلتها وهي تلتفت له بأعين متسعة تستمع لما يقوله بتأني وهو يعانق نظراتها:
-اوعي تخافي وانا معاكي, اوعي تخافي وانت وسط اهلك..
يترك يدها يكمل بأٍف حقيقي:
-اسف اني مسكت ايدك..
تتمالك أعصابها وتسيطر عليها فيكمل هو :
-انت مش محتاجة عثمان ولا سارة ياخديجة..
تقاطعه بلهفة , تتعلق بأي أمل ربما هناك من يفهمها بينما هي لا تفهم نفسها:
-انا محتاجة ايه..
يبتسم وهو يهز رأسه بيأس , يغمض عين ويفتح الأخرى يضع الحقيقة كاملة والسر في حروف اسمها:
-خديجة, انت محتاجة خديجة , محتاجة نفسك..
حبست انفاسها من طريقة نطقه لاسمها وتلك النظرة الذي اختلطت فيها القوة مع الحنان , وكأنه يحميها بظله هو!
التفتت تنظر حولها واجابته داخلها تدور , تتنفس مرة تلو الاخرى !
ثم تلتزم الصمت وتتوقف عن التفكير في اللحظة الذي دخل فيها غسان...
وهنا توقف الزمن..
تاه المكان والملامح !
هنا كانت تقف عندما رأته , لحظة تأمل كل شخص منهم للأخر!
الذكريات كانت هنا كشجرة ,لحظة كان كل منهما فيه يجتر فيه الماضي, وكأنه غصن ينمو تلقائيا غصن قابل للكسر تتقاذفه الرياح! , تدور الذكريات داخله وداخلها , وكلما استعادت هي أو هو الصور القديمة تصيبهم الدهشة لقد فلتت كل الذكريات وتلاشت .. ولم يبقى سوى التوأم!
تظهر ابتسامة مرتجفة على شفتيها وهو تردف بخفوت :
-عامل ايه ياغسان..
سعادة تكتنفه , سعادة انها بخير بل هي أمامه بألف خير يتأمل حجابها بإعجاب , هالتها الملائكية تجعله غير قادر على الالتفات عنها, يبتسم هو أيضا قائلا:
- بخير..
يكتم أنفاسه مبهوتاً من طلتها مكملاً بعد لحظة تأمل:
- مبروك الحجاب يا ريتا..
تقاطعه بابتسامة حقيقية ' ثابته وهي تصحح له:
-خديجة ' اسمي بقى خديجة..
هز رأسه بتفهم ' يلتفت بنظراته صوب القابع أعلى المقعد الموجود بالغرفة..
يقف يوسف , يمد يده بجدية وبوجه أخر لا تعرفه الأخرى:
-اهلا ياغسان طبعا اتقابلنا فاكرني!
تذكره غسان وهو يشير لهم بالجلوس في الوقت الذي هتفت فيه هي مباشرة:
-البنات , البنات وحشوني!
كلمتها كانت أزمة لغسان , لا يعرف كيف يتصرف..
يسود الصمت فتهتف هي بهلع:
-انت مش هتخليني اشوفهم..
هز رأٍسه نفياً عدة مرات, هو أكثر من يرغب أن تتربى بناته مع والدتهم, أن يُمنحوا الحب والحنان منها, هو أكثر من يعرف معنى الأم..
استقام من جلسته وهو يردف باعتذار:
-ثواني بس هجيب البنات..
التفت للخلف ولكن فريدة كانت تقف عند الباب وبيدها التوأم!
فريدة تنظر له بطريقة لم يفهمها, تنظر له بحزن ربما.., تتقدم منهم وبرفقته الصغيرتين ..!
هي الوحيدة هنا القادرة على خلق جسر للوصال بينهم ووالدتهم, اغتصبت ابتسامة وهي تتأمل زوجة غسان السابقة..
جميلة..
نقية بطريقة ما..
تمنحها ابتسامة بل تقبل عليها بخطوات سريعة تمنحها عناق دون مقدمات!
عناق أوقف تفكيرها , جعل جسدها يتشنج بينما الأخرى تبتعد عنها وهو تعدل من طرف حجابها.. تواجهها بلطف:
-الحضن ده عشان بناتي وانك اخدتي بالك منهم..
اصابت قلب فريدة هنا بل اغتصبت داخلها عدة مشاعر تتعلق بالرفقة, تهمس لها وهي على صدمتها:
-حمد الله على السلامة..
لم تجيبها بل وبتردد اختلط باندفاع يثار بأوردتها كانت تحاول أن تلمس صغارها.. تحت انظار الجميع!
غسان..
يوسف..
فريدة..
المشهد كان مؤلم بطريقة غير عادية , كانت تتابعه فريدة وألمها يزداد , هناك نصل باتر يقطع روحها!
غسان كان يراقب بضعف, لا يعلم أي خطوة قد تساعد وهو بعيد عن توأمه منذ عام!
أما يوسف كان يراقب بحنان وهي تحاول لمس صغارها!
توترها وكل ما هي فيه جعل الأخرى تنظر للرجلين بمعنى أن يتركوا المكان !
جلست بعد انصرافهم في إحدى زوايا الغرفة , تهتف بهمس للصغار , وتكرر ما كانت تفعله منذ أن اخبرها هو بقدوم والدتهم.. تشير بيدها لها:
-دي ماما..
اعتادوا على إطاعتها, في العام الماضي كانت تتابعهم في كل خطوة.., تعلمت كيف تفرض كلمتها, وتعلموا كيف ينصاعوا لها..
كلمتها جعلتهم مترقبين بطفولتهم البريئة, بينما خديجة تود أن تقبل عليهم فتمنحهم عناقاً محموما بعاطفتها المختنقة بالحب والحنان لهم!
هذا الشوق الذي يضرب ثنايا قلبها , يهدر ويزأر مطالباً بالتحرر !
تصارع هي شوق جسدها لهم وتوق روحها لوصالهم, وتلك النفس التي تطلب الوصل بل وتلح فيه!
أخيراً نجحت أن تلمس بشرة وجههم وهو تبكي وتشهق بخفوت من فرط سعادتها وابتسامة تغالبها ترسم على ثغرها..
تتلكأ على ملامحهم وكأنها تحفرها وكأنها ترسمها!
وكأنها تخلق لهم وشماً بداخلها!
ترتفع أناملها لخصلاتهم وهي تنحني بمستواهم تقف على ركبتيها , تغالبها الشهقات رغماً عنها , تشعر بخصلاتهم النعمة .. تشهر بملمسهم !
كل ذلك والأخرى تجلس تغالب تلك العبرات التي طالبت بالتحرر, تلك الشهقات التي تكبتها, تلك القوة التي تدعيها وهي ترى أمامها أقوى أم خديجة!
تنظر للتوأم ولا تعرف هل تحسدهم لأنهم يمتلكوا والد كغسان وأم كخديجة!
شهقة عالية فلتت منها كبحتها وهي تضع كف يدها أعلى فمها تكتمه!
تساؤل يقف أمامها هل يعود غسان لخديجة؟!
الاخرى وتوأمها كانوا بعالم أخر حينما عانقتهم كل واحدة منهم بذراع يكتنفهم من الظهر , تدسهم بأحضانها ..
تكاد تضعهم داخل جسدها لو تملك المقدرة!
كانت تنال عناقهم في وصال تاقت له , وصال رفعها عاليا و كأنها تتأرجح بين الموت والحياة, تغمرها موجة من الحب ثم ترفعها, تغيب بذكرى مظلمة رغما عنها ولكنها تشد من عناقهم فتتبدل الظلمة بسحاب زرقاء تتوهج بلهيب الشمس, لتصل بالنهاية إلى شط الأمان!
لقد وصلت خديجة...
لقد استحقت صغارها القابعين بأحضانها في هدوء تام متقبلين ما تمنحهم من عاطفة.
هي أنثى كانت في بئر موحل , مياهه ضحلة , ملوثة, سامة..
هي انثى قاومت وحاربت أشباحها, هي من قتلت الشيطان, هي من عادت وتابت..
هي من دعت لربها في سجود منحها السلام في كل خطوة!
هي الان بدلت بئرها الموحل بمياهه الضحلة , بدلت السقوط فيه بالركض على شاطئ بحر تتهلل به النوارس, وتتلاطم الأمواج برماله وصخوره!
لقد نجت كماسة تكافح التفتت لشظايا أسفل مقصلة السقوط!
خرجت من عناق التوأم , تلتفت لفريدة تمنحها أجمل ابتسامة كتلك التي منحتها لوعد وعلا, تهمس لها وهي تستقم من مكانها , تقترب منها وهي تمد يدها وتأثرها يرسم لوحته عليها:
-انا مش عارفة اشكرك ازاي يافريدة
تكتم شهقتها ولا تفلح فتكمل بنبرة باكية:
-انت كنت بتربي روحي, هما روحي..
دمعت أعينها تأثرا , تكاد تسقط وتهوى , تكاد تموت..
تريد أن تخبرها أنها تحبهم, انهم صاروا جزء منها!
كيف تأخذهم؟ كيف؟!
وسؤال يناقض الأخير..
كيف أن تكن بتلك الأنانية؟!
دخل غسان في تلك اللحظة برفقة يوسف يتأمل تشبث خديجة بالبنات وكأنهم المنتهى لكل حياة, تلتفت لغسان تهتف بتلعثم ونبرة مختنقة داخل فمها, تتابع بسؤال يخشاه هو وبشدة:
-غسان ممكن اخد البنات..
عبراتها لا تكف ولا تتوقف ونبرتها معذبة :
-اصل قلبي كان واجعني اوي ..
تبكي بلا صوت وصغارها تمسك بهم كأنهم كنزها الثمين والوحيد:
-رجعلي قلبي ياغسان..
وغسان دوما رجل مختلف وهي تعرف, نظراته لفريدة التي تقف وكأنها تود الصراخ أن كل ذلك كثير!
يعاود النظر لبناته وتوأمه, وبداخله ألف صوت وصوت يتصارعون كل منهم يود النصر والخروج..
يقترب من فريدة يحاوط خصرها , يمنحها دعم , يخبرها أنها زوجته وكفي..
يهتف وهو يشدد من الصاقها لجسده:
-طبعا ياخديجة خليهم يقضوا معاكي كام يوم! وبعدين نتفاهم على كل حاجة!
أطلقها سريعاً وهو يشدد من الصاق فريدة لجسده, يشعر بها تتشنج وتكبح زمام قوتها الذي اوشك أن ينفلت منها!
انصرفت خديجة بعد قليل ومعها التوأم ,فتثور فريدة في تلك اللحظة بعد أن صعدت لغرفتها , تدور بها بفراشة تائهة تم حبسها داخل جدار زجاجي تتخبط داخله راغبة التحرر!
يتسلل هو من خلفها ويتأمل بحذر شديد , يراقب دورانها وثورتها , ثم سكونها المفاجىء , يتابع انهيارها الوشيك وهو يقع بالفعل وهي تنهار على السرير , تدفن وجهها وتحنيه , تحجبه وتحجب عبراته ويدها تضرب قدمها في حركة هستيرية!
يركض بخطواته نحوها , يمسك يدها بحذر فتبدل الضربات لصدره , تلكمه بقبضتها مرة تلو الأخرى ..
يسارع بدفن وجهها بصدره حيث تكتم بكائها بل يتحرر أخيرا , تهبط يده.. تلتف حولها وهو يدخلها لعناقه أكثر , وهنا يخرج اسمها بوهن من بين شفتيه:
-فريدة!
تصمت فريدة ولا تجيب , تصمت وعبراتها المفتعلة للوحتها الحزينة تجاوب وتواجه..
يعاود الهمس وهي تحاول التحرر والبعد:
-اهدي..
لا تمتثل لما يقوله بل تصارعه وتبعده فيكرر وهو يدسها لأحضانه عنوة وقسراً:
-اهدي..
يصمت ويتابع:
-اهدي..
والهدوء سلام نفسي لم تعد تنعم به ولم تعد تجد له سبيل!
يتركها.. يحررها , تبتعد خطوة وراء خطوة في بعد يبغضه, يغضبه, ودموعها تزداد فتحرقه دون ان يشعر ..
تثور براكينه وهي تمسك بحقيبة صغيرة, بل يهدر فيه جنون غضب وهو يراها تحاول الرحيل بجنون..
يقترب منها , ينظر لشفتيها المرتجفة, لملامحها الجميلة!
فريدة جميلة وهذا ما يشعر به, شفتيها تدعوه لشيء واحد يتوق لفعله رغماً عنه, ورغماً عنه أيضاً يخاف عليها , يخاف غضبها من اقتناص فرصة يتوق لها ..
يستجيب لإلحاح القرب والتواصل, يقبلها دون انذار..
دون مقدمات كان يقتنص..
يحتوي..
يتنصر!
يذوب وهي بلا حول معه, يرفع نظراته اليها هاتفاً بنبرة جديدة لم تطرق أذنها من قبل:
-دخلتيني جنتك وعاوزة تخرجيني..
ترفع نظرها له وتلك النظرات المعتمة تذهلها وهو يتابع :
-عاوزة تمشي, طب ليه استنيتي كل ده..
تضربه موضع قلبه وهي تلمح الوجع في مقلتيه وتتجاهله.. تصرخ بوجع :
-انا مش ملكك..
تكررها كثيراً وتبعد أكثر وهو يتابع البعد خطوة تبتره كل ما تقدمت, تهدر بعدم ملكيته ويقرن قولها بالضد حيث يثبت ملكيته بقبلة ثانية..
جائعة..
متطلبة..
أمرة..
يقتنص منها رحيق الراحة, تحتل كل ما فيه كأنثى في تلك اللحظة , تنكمش فوق صدره بعد أن تملكها واحتلها الانهاك , تصمت وهي تسمعه يهمس أخيراً:
-دموعك بقت غالية عندي..
كل هذا قبل أن يحتلها كلياً , قبل أن يعانقها دون رجعه, قبل أن ينشد معها راحة كما تنشد معه سلام!
يحاوطها اكثر , يمتلكها دون مزيد من الكلمات والحديث , يلغي عقله وشيطانه الذي يخبره أن هناك فرد ضال يجب الانتقام منه..
يهز رأسه ويتوه في مشهدها بين يديه..
تلك العاطفة النابعة منها وهي تستلم له.
هو وهي يدوران سويا في بوتقة الاحتياج والرغبة !
تتسلل له مشاعر دون أن يدرى..
تقع هي معه في منطقة : لا هو جنة ولا هو نار..
منطقة بين وبين..
هما هنا في المنتصف أما العودة وإما البتر وانتهى!
**********************************
طريق الندم يتسلل دائما عندما نقف على الحافة , نقع داخل روح احترق نصفها والنصف الاخر التهب بقيح وسموم لا خلاص منها..
عندما ظهرت الساحرة لسندريلا لم تطلب منها الأمير , لم تتلهف بطلب الزواج ..
لم يراودها شبح وحدة, بل كل ما طلبته فستان جديد..
حذاء جديد..
تاج جديد..
عربة تجرها الخيول السحرية حيث الحفل..
سندريلا لم تذهب من أجل ذلك الأمير المبتغى من الجميع الوقوع بسحرهم فيختار أنثاه بكل اختلال ذكوري ..
سندريلا أرادت الحفل من اجل رقصة..
من اجل حرية تتخللها بعد سنوات سكون وفقد!
بالنهاية سندريلا لم تنشد رجلاً!
دمعت عينيها وهي تحكم معطفها الصوف حول جسدها الذي فقد كل رونقه..
تتهرب من مرورها أمام المرأة, تنهشها فكرة أن انعكاسها نهاية لكل صورة ملتهبة لها..
تقف في الشرفة وهي متعبة..
منهكة..
منتهية..
عينيها غائرتان والهالات تظللهم, شحوبها مرتسم ببراعة أعلى ملامحها وكأنها لوحة اُتقن رسمها بلون قاتم فقد جاذبيته وبهت ..
اقتحم هو خلوتها التي تفرضها أحيانا في سكون تام, يلمحها وهي تجلس تشاهد قطرات المطر بشرود , تتجول نظراته عليها كلها , يهدر قلبه بعنف من المشهد , يقترب منها يهتف دون انذار وهو يخرج نفسه من شفقته:
-ميرال..
صدرت منها همهمة دون أن تلتفت له بعينيها فيتحدث وهو قريب منها:
-الجو برد ادخلي جوه..
بقيت على حالتها الجامدة فاقترب منها أكثر يمسك بيدها , يشعر أنها في حالة إعياء وهي تترنح بين يده , يحملها وقد باتت بخف ريشة ..
تجلس أعلى السرير , تتلعثم وتتردد أمام عينيه , تحاول طلب شيء ثم تتراجع ..
يحثها هو باقترابه :
-عاوزة حاجة.. اجيبلك مروان..
تهز رأسها قائلة بخفوت:
-مروان لسا نايم كان معايا طول اليوم..
تلمع عينيها بعبرات تود الانهيار خارج مقلتيها , تردف بخفوت ويدها تتلاعب بملابسها كطفلة:
-انا عاوزة منك طلب..
يهز رأسه بمعنى تابعي , تكمل بهمس لولا وجوده قربها لن يسمعه:
-ممكن تسرح ليا شعري..
تكتنفه دهشة وقسوته الذي اعتاد عليها تنفر منه ,تلك القسوة التي كانت نجاته وخلاصه من الماضي عندما غلف بها قلبه ..
يتهرب من عينيها المتلهفة للجواب بحذر, يستقم سريعا يحضر فرشاة شعرها , يتقرب من موضع جلوسها بتردد , يجلس خلفها ويده تبدأ بتمشيط شعرها..
خصلاتها كانت ناعمة , دائما كانت تلك الخصلات تمنحها هالة برية .. مغوية, خاصة وهو يتطاير حول وجهها كألسنة لهب سوداء قاتمة!
بحيرة وشتات , كان يمشط خصلاتها بشرود دون عاطفة.. كألة فقط تتبع ما طُلب منها..
يسمع تنهيداتها وهي تهتف بنبرة مرتجفة .. مختنقة بالعاطفة لذكرى قديمة :
-ماما كانت دايما تسرح ليا..
يشعر بابتسامتها المرتسمة غلى شفتيها دون أن يراها , يشعر بأنفاسها اللاهثة , المختنقة من ذكريات تخنقها باستحالتها:
-كانت بتعمل ليا ضفيرة..
يصمت , ويختنق مما تقوله, عاطفته غير قابلة للتطويع لها وقسوته غير ممكن أن تبتر لها..
بنظر لخصلاتها ويتابع التمشيط , يكبح شهقته وشعرها يتساقط بغزارة ..
تتسع عينيه وهو يتأمل أعلى رأٍسها بغصة استحكمت عقله في تلك اللحظة..
يلملم الخصلات المتساقطة سريعاً ثم ينزع نفسه من قربها هاتفاً بتهرب وهو يود الرحيل من الغرفة:
-خلاص انا خلصت همشي ..
يرحل دون أن ينتظر الاجابة ولكنه تهتف وهي تتطلب منه البقاء:
-خليك معايا شوية..
طلبها يجز روحه , تلك العاطفة التي طلبتها مريم من قبل وهي تطلبها الآن ..
هو غير قابل للعطاء , هو دحر مبدأ العاطفة وأبقى فقط الرغبة!
يهز رأسه ويجلس في مقعد بعيد عنها مما جلب الابتسامة الساخرة وهي تهتف بمرارة:
-انا مش هعديك..
ينظر لها بحيرة تبترها هي :
-الكانسر مش معدي عشان تبعد كده..
يتغضن جبينه, يبتلع ريقه.. يتعلق بخيوط واهية من قتامة روحه..
لا يتحرك هو ولا تهتم هي وهي تريح نفسها للخلف , تتحدث مبتسمة:
-كان نفسي لما اتجوز جوزي يسرح ليا شعري..
تزفر بعمق وهي تعتدل في جلستها تواجهه مكملة:
-كان نفسي اجري معاه تحت المطر, كان نفسي امسك ايده اطمن..
تبتر الحديث بضحكة عالية يشوبها التهكم وهي تعاود النظر له باختناق وصوتها يأتيه من بوتقة الفقد والموت:
-بس شوفت في النهاية محققتش حاجة
تهز كتفيها يوازيه هز رأٍسها أسفاً:
-ولا أي حاجة.. صفر.. صفر راجل حنين يحبني, صفر اصحاب, صفر عيلة سعيدة, صفر ولادي وانا بشوفهم بيكبروا..
تخنقها الدموع في لجة الحزن والنهاية تشعر أنها وشيكة ورائحة الموت مؤلمة:
-كل حاجة صفر ..
تكررها بهيسترية مغلولة من قاع الجنون , جسدها يهتز ضحكاً يتغلغل داخل نحيب قائم , تفرقع بأصبعها:
- صفر
يحاول أن يشاركها بحديث وهو يجلي صوته :
-اهدي ياميرال..
تمط شفتيها وهو تعاود الاسترخاء للخلف بجسدها كما كانت وكأن انهيارها الوشيك سراب.. تسأله كثرثرة :
-مين شهرزاد..
يرفع حاجبه بدهشة, يطوقها بنظره .. يتلقى سهامها المشبعة بالخسارة فتصيب قلبه:
-كانت مراتي..
الدهشة هنا كانت من نصيبها, دهشة لبثت لثواني قبل أن تتحول لضحكة صاخبة تبتر بسعالها المختنق..
-مراتك, انت معتقتش يا يامن..
تلهث بتعب وجسدها يسترخي أكثر من تعبه ..
تسأل مرة أخرى:
-حبيت مريم..
صمت تام بعد السؤال, صمت لا يناسبه اجابة وصخب..
بل عينيه برقت بوميض لأنثى كانت الورد , كانت أرض لراحته وسماء لقسوته..
أنثى على يده كفرت بالعشق .., أنثى كانت ضحية فلسفته في مقرر الحب المزيف كزيف حقيقة البقاء..
مريم..
الزوجة أم العشيقة بجسد كان رغبة تطوقه لها.., ام تلك الجامحة التي تمردت عليه وعلى الجميع.. بعد الخيانة والسقوط..
يبتسم تحت نظراتها الواهنة .. والسؤال لا يعلم اجابته رغم الوضوح..
يلعن نفسه مرة أخرى دون أن يدرى على فلسفته بالحب التي جعلتها كما هي الان..
-عارفة ساعات بقول ان الي حصل مع مريم خلاها اقوى..
بادرت سريعاً:
-ازاي..
يفرك جبينه وهو يستقم من مكانه يقف مستنداً بيده أعلى باب الشرفة, مطلقاً لعينيه جماحها في تأمل ما حوله..
-يعني دلوقت بقت زي زيك مبتؤمنش بالحب..
قاطعته بصوت شابه الحدة :
-انا بؤمن بالحب..
يهزأ وهو يلتفت لها بنصف حاجب مرفوع :
-وده من امتى..
تجيبه وهي تشعر بالنعاس :
-من زمان, مع كل خطوة, مع الخيانة ..انا بؤمن بالحب, بس هو مكنش مؤمن بيا..
كانت تعتدل رغبة منها في النوم ولكنها توجه له سؤال اخير:
-تفتكر مريم هتسامحني ولا مريم بقت نسخة باهته..
-باهته!
قالها بتعجب ازداد مع اجابتها القاسية :
-اه باهته زي انا كده, انا باهته..
تتثاءب هامسة بكلمة اخيرة قبل أن تقع في النوم دون ان تشعر .. مستسلمة لغيامه بصدر رحب وقلب منهك وجسد احتله التعب!
تركها يامن وخرج وكأنه يصارع اشباحه , تهاجمه الصور رغماً عنه..
ذكريات لا ترحمه وقلبه يتمزق مع كل صورة في ذكرى السقطة الاولى..
يمسك بهاتفه قاصداً الاتصال بمريم والتي مازال في عقله فكرة امتلاكها..
يأتيه ردها من الجهة الاخرى :
-الو..
يصارع انفاسه وصدره يلهث بهبوط وصعود , توتر يقتله وهو يجيبها بثبات:
-انا يامن يامريم..
ينقبض قلبها وتكتنفها غمامة سوداء وهي تستمتع لصوته الذي أدخلها في بوتقة الخسارة..
-عاوز ايه..
يغمض عينيه , يزفر بعمق, يحرر رابطة عنقه بإهمال:
-هتتجوزي خالي..
تحدي يهب بها وينبش روحها :
-اه هتجوزه..
تصمت وهي تكمل بانتشاء يشعلها بسعادة :
-هتجوزه وهخلف منه.. هظهر قدامك وانت مش هتطول مني حاجة..
يقاوم رغبته بالصراخ بها, ومبدأه بأن الحب يخالف كل اشكال العقلنة يدب به كفكرة مؤسسة وراسخة..
يهتف من بين أسنانه بغضب مكتوم وسخرية مقصودة:
-زوجة تانية..
ضحكة صاخبة كان ردها فيسأل هو مرة اخرى:
-بيحبك ..
تهزأ وصوته يصلها وكأنه سهم أطلق من قوس مسموم من العشق..
تجاوبه بكل ثقة:
-لا مش بيحبني اقلك حاجة كمان..
تلتقط أنفاسها من شدة الانفعال:
-ولا انا بحبه.. اصل خلاص قررت ابقى زي صاحبتي وطليقي..
يحذرها وغضبه يزداد:
-مريم..
ومريم تقاوم السقوط والغرق في دوامته, مازال له تأثير وان انكرت..
كيف تنكر رجل كان لها زوج يحفظ خطوطها, كيف تنسى رجلا احبته من قلبها يوماً ما فتستيقظ على كابوس وقعت تخت مقصلته المغموسة بالخيانة..
تتجاهل تحذيره وهي تسأل:
-ابنك عامل ايه..
يرتد برأسه للخلف و يتذكر هنا طفله منها , يتذكر سقطتها التي ألمته..
تتابع بصوت مختنق بالبكاء:
-فاكر ابننا, مات في نفس اليوم الي عرفت فيه اني حامل فيه..
تضحك ويدها تلمس بشرة بطنها بلهفة :
-انت عارف انت عملت ايه فيا..
يغمض عينيه مع اجابتها:
-انت موتني.. انا انتهيت..
يقاطعها وهو يترنح بين ما يريده منها هل هي الرغبة أم الامتلاك الذي اعتاده معها , والنتيجة نهائية المرء لا يرغب الا في مالا يمتلكه..
-انا اسف..
فقط اسف اطلقه قابلته هي بسخرية تامة:
-ميلزمنيش ولا عاوزاه.. بكرهك..
تغلق الهاتف بعد أن هدرت بكلمتها الاخيرة .. تتأرجح في ماضي قريب لا يرحمها في احلام يقظتها أو تلك المحاربة لراحتها في النوم.
وحقيقة واحدة تؤلمها رغم أنها تعرفها..
لم يعشقها يامن.. لم يحب بها سوى الجسد والجمال..
حبه كان فاني لذا النتيجة كانت بلا عشق!

النتيجة كانت بلا ألوان , نتيجة قاتمة فوجب حرقها والخلاص منها ..
اغلق معها ونظراته تستوحش لرغبة تجبره على إرجاعها..
وندم يضرب قلبه كيف حولها هكذا ببساطة لميرال أخرى..
هو رجل كفر بالحب وقتل العشق ونحر الهوى بفضيلة الرغبة المطلقة داخله!
وهي أنثى وردية قطفت أوراقها وبقيت الاشواك لتُغرز بأي رجل بل به أولا!
********************************
لو كان أمامها الأن لتملكتها رغبة بنحر عنقه, ثم شق جسده وربما بعدها تمسك بقلبه وتمزعه..
تمزعه ألف قطعة وقطعة وبعدها تنثره في طريق مظلم بحيوانات بريه تفترسه وجبة..
تلمس قلبها الخافق ..
الخائن..
النابض لصوته رغم ما كان..
تضربه بقبضتها , ضربة تؤلمها ولكنها تضغط اكثر فأكثر!
تغمض عينيها ومشاهد الخيانة تقتلها , تبكي وهي تفرق جفنيها ..
تشهق ولا تعلم متى يرتاح قلبها بعد أعوام جافة من الحب !
هدأت قليلا , ثم اعتدلت بجلستها , تمد أناملها لأعلى تمسح تلك الدموع وهي تفتح شفتيها في ابتسامة ساخرة..
تخرج مرآتها الصغيرة المحمولة بحقيبتها الشخصية , تفتحها وتتأمل ملامحها الباهته بعد مكالمته, تعدل خصلاتها ثم تمسك بالقلم الخاص بحمرة شفتيها..
تصبغها جيداً , تداري ارتعاشها بتوتر.. تهز رأسها برضا وهي تتذكر ان اليوم هو يوم خطبتها!
اقتحم احدهم غرفة مكتبها مما جعل عينيها تتسع وبين يدها مرآتها وقلم الحمرة..
تلتفت لذلك الدخيل بغضب يثور بها , تقف وهي ترمي ما بيدها بإهمال.. تنظر لتلك الهيئة التي اقتحمت المكان ...
يتغضن جبينها وهي تهتف بصياح عنيف:
-من أنت؟ ومن سمح لك بالدخول؟!
لا يجاوبها الغريب بل يدور بالغرفة بعد أن يلقى لها نظرة خبيثة..
نظرة سخرية مخلوطة بقتامة وعيد لا تعرف سببه..
يمط شفتيه وهو يجلس على المقعد المريح الموجود مقابلاً لمكتبها ..
تتابعه بنظراتها وهو يخرج قداحته ويشعل لفافة تبغ..
تهب من مكانها .. تسير باتجاهه بخطوات مسرعة .. تطل عليه بقامتها المتحفزة, يدها بخصرها تصرخ بعصبية:
-من أنت وكيف دخلت هنا.؟!
يحني رأسه قبل أن يرفعها في مقابلها , يثير بها رهبة.. وهو يقصد ذلك!
ينفس دخانه , يهتف ببرود :
-اهدئي..
تقابل بروده بهيسترية وهي تبتعد تنوي الاتصال بالأمن.. ولكنه كان الاسرع عندما اقترب منها بخفة فهد يلتقط الهاتف قائلا بنبرة هادئة على مقربة منها:
-اهدئي , انا عاصم ..
تحاول أن تتذكره , تبحث في صور العقل الذي لا يسعفها..
-عاصم من..
يبتسم بسخرية يجبيها باتراً حيرتها:
-هل الرجال بحياتك كتيرون ..
تتسع عينيها بصدمة من قوله , ولكنه لا يهتم وهو يعود لجلسته أعلى المقعد المريح, يسترخي عليه هاتفاً:
-انا عاصم التقينا بالأمس .. انا صديق ناصر..
تضيق عينيها وهي تتذكره ..
-خطيبك ..
قالها بتهكم بينما هي تقف في مكانها تستوعب الأمر..
تستعيد ثباتها بصعوبة , ترسم الجمود على ملامحها..
تجلس مكانها الرئيسي أعلى مكتبها وهي تعلن بصرامة .. ونبرة باترة لا تقبل الجدل :
-امامك عشرة دقائق سيد عاصم حتي تخبرني بسبب زيارتك..
رفع حاجبه بدهشة واعجاب لا ينكره ... بل ويسمعها تزيد من صرامتها وهي تعد من خصلاتها القصيرة المتراقصة مع حركات جسمها الثائر.. الغاضب, رغم الهدوء الظاهر:
-عشرة دقائق تخبرني ما تريد..
ترفع يدها وهي تعدد عليها بأصبع تلو الأخر مكملة:
-ثم تفسر لي بل وتعتذر أيضاً على طريقة دخولك الهمجية لمكتبي الخاص..
بصعوبة كان يستمع لها, يصمد أما نبرتها الصارمة.. يستنكر مع كل كلمة بطريقة مختلفة..
تخرج منه نبرة حادة:
-اعتذر..
خرجت بغضب تجاهلته , تهديه رد زاد من ضجيج غضبه:
-أجل تعتذر ..
ترفع رأسها بترفع يوازي رفعة كتفيها ،تمط ثغرها :
-وانا قد اقبل أو لا..
يود أن يمد يده في تلك اللحظة , يلمس رقبتها .. يؤلمها لو يستطيع على طريقتها ..
يهز رأسها وهو يملك زمام أمروه الغارقة في لجة الغضب.. يردف وقبضته تتكور أعلى قدمه :
-استمعي لي سيدة مريم..
لم ترفق ملامحها بأي رد فيكمل هو بغيظ:
-انت تهدمين منزل صديقي.. انت لا تعرفي كيف يحب عاصي..
ابتسمت بسخرية وهي ترجع بجسدها للخلف , تبتسم مكروهي تسأله بنبرة ملتحفة بالبراءة:
-لا, انا لا اعلم كيف يحبها!
عادت بجسدها للأمام , تنحني بمستوى نظره , تشبك يديها بعضهم البعض , تردف بكل هدوء:
-ما اعلمه أن عاصي قدمت لي بليلة تطلب يدي لزوجها..
تلوح بيدها أمام عينيه , تلوي فمها مكملة:
-واحذر من طلب منها ذلك..
رفعت يدها تصفق للحظة توازي قولها :
-ناصر, صديقك ناصر العاشق المتيم بزوجته هو من طلب منها ذلك..
توقفت وهي تشير لنفسها :
-بل هو من طلبني .. انا على وجه التحديد..
ترسم ملامحها أٍسف زائف وهي تقف مكانها قائلة بكل صلابة وجفاء:
-لذا وجودك هنا لا يحمل أي معنى سيد عاصم..
ساد الصمت بعد أن استمع لها بذهول ليس مما قالته بل من طريقتها الصلبة..
يراها وهي تحمل حقيبتها .. تدور حول مكتبها .. تقف أمامه ترمقه بنصر قبل ان تهمس:
-الحب كذبة يا عزيزي.. الحب مجرد وهم..
يجعد جبينه مما تقول بل من مبدأ يرى انها تتشبث بها..
ينفر مما تهمس به خاصة وهي تزيد بصوتها الجاف:
-لا تصدق أن ناصر يعشق عاصي..
استقام يواجها بعصبية وهو يهتف بصلابة وحزم:
-بل يعشقها.. عاصي لناصر الحياة ..
تغرق في الجمود أكثر فيزيد هو عله يرى لمحة غضب مما يقول..
-انا من عشت قصة حبهم, انا من شهد غرقهم في لجة الهوى..
يهز كتفيه وهو يقول بالنهاية :
-انت الدخيلة والخاسرة باللعبة
يبتر حديثه .. يقترب منها قائلاً وهو ينحني لمستواها:
-يا عزيزتي انت الفرد الزائد..
ابتسمت ابتسامة صغيرة وهي تختل عينيه بنظراتها القاتمة بلا تعبير:
-بل عاصي هي الفرد الضعيف.. عاصى ستضحى ذكرى..
تنظر لساعتها وهي تميل برأٍسها هاتفة :
-لا تراهن على الحب مرة اخرى سيد عاصم ..
توليه ظهرها وهي تنوي الخروج قائلة بنبرة بها لمحة حزن :
-الحب مزيف, انزع قلبك قبل ان تجد روحك تهوى تحت أرجل القطيع..
تهديه نظرة أخيرة من خلف دون أن تلتفت بجسدها له .. تضيف بنبرة قاسية وهي تدب في ارضية المكتب المصقولة بكعب حذائها العالي:
-وحينما تهوى روحك ستسحقها الاقدام..
قالت كلمتها الاخيرة حالة ذهول لا يعرف سببه ولا يعرف كيف يحدد نوع تلك الأنثى التي صرخت منذ قليل بوجهه أن الحب مقطوعة مزيفة من ألحان وهمية!
تلك الانثى التي تركته وخرجت وكأن هناك من يطاردها , هناك من ينوى رميها في عمق بركان مشتعل تحترق داخله ..
تسير بخطوات مسرعة وهي تتذكر سحقها ..
تتذكر سقوطها..
ضعفها..
ورديتها..
عشقها لرجل مزق أوصالها في الهوى دون أن يرف جفنه..
بل وبعد أن مزقها ونزفت , تذوق هو النزف وتلذذ به ..
رجل حطمها وفتتها لأشلاء وبعدها أقام حلبة للرقص أعلاها..
تخرج مسرعة تود الوصول لسيارتها التي القت نفسها داخلها وهي تسمح أخيراً لعبراتها بالتحرر تباعاً..
تسمح لشهقاتها بالتحرر..
تسمح لقلبها بالصياح لكذبها منذ قليل!
تسمح لروحها بالصراخ من ضجيج الأمس وأشباحه..
مريم أنثى كانت عاشقة بالأمس.. وفقدت العشق اليوم..
هي من هوت تحت أرجل القطيع فسحقتها الأقدام!
هي من سقطت بالقاع فهل نجاة!
*************************

للعشق طريق اخر(١+٢)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن