الثالث و العشرين

10.9K 323 23
                                    

الفصل الثالث والعشرين
صمت هو , لا يجد  مفردات للحديث , ولا يجد القدرة على المواجهة , فالأمر كان فوق استطاعته.. لتهتف في تلك اللحظة زوجته بكل تجبر وبرود:
_طب مانت عارفة اهو..واجعة دماغنا ليه..
هدرت بها مريم وهي تقترب منها تشملها بتهكم .. وجنون:
_اه عرفت...
توقف عن الحديث ثم مالت برأسها تقترب أكثر مكملة ببرود وهي تشير بيدها حولها:
-وزي مانا عرفت برده أن كل العز إلى انتم عايشين فيه ده بسب بي انا...صح..!
حاولت السيدة صفعها ولكن مريم أمسكت بيدها هاتفة بحدة:
_ده كان زمان..دلوقت خلاص إلى قدامك مريم جديدة
همت بتوبيخها وهي تخلص يدها من مريم إلا إن زوجها صاح بحدة:
_سيبيني مع مريم واطلعي بره..!
تركتهم على مضض , وما إن خرجت جلس هو على المقعد خلفه قائلا:
_اقعدي يامريم…
اخمدت نارها بصعوبة ثم استجابت له بهدوء ليكمل هو بتفهم لحالتها:
_قولي كل إلى نفسك فيه..عاوزة ايه يامريم..
احنت كتفيها بتعب وطلت من عينيها الخيبة المخلوطة بفقدان الأمل هامسة تواجهه بتساؤل تريد هي معرفته:
_ليه روحت لعيلتي عشان تبعدني عنكم!
لم يجاوب  سؤالها فرفعت نظرها له مكملة . تلح على الإجابة بل وتصر عليها:
_رجعتني ليهم ليه … ايه حصل لكده..
ثم أشارت إلى نفسها بألم ونبرتها تقطر وجعاً:
-هو أنا كنت حمل تقيل أوى كده!
هز رأسه وكلمتها الأخيرة ألمته هو , ينظر لها  يخبرها بوجعه وليتها تفهم .. ليتها , أطلق كلماته بتعثر .. كلمات خرجت منه بدون ترتيب :
_انا كنت بعتبرك بنتي.. صدقيني يامريم بس ..
كان يحاول أن يكمل  ولكن ذكريات شقيقته وتعبها ووفاتها إلى الآن تؤلمه ولكنه رغم صعوبة الأمر وقسوته عليه وعليها قال يعرض كل ما يدور داخله بتشتت:
-كل مابصلك افتكر اختي..تعبها بعد موت ابوكي..افتكر جدك وهو بيطردني وانت شايلك بين ايدي...
طلت من عينيه نظرة حنين وندم, وهو يخبرها ببساطة إعتراف هو موقن منه:
-بس من جوايا بحبك..
يبتلع ريقه بصعوبة ثم يقول حقيقة هو يشعر بها وإن لم يقدر هو على تمثيل أبجديتها والالتزام بقواعدها:
-انت بنتي..!

أدمعت عينيها فتعيد السؤال بإصرار وهي تهز رأسها بتعب :،
_رجعتني ليه..ليه..؟
لا يعرف مالذي يجب أن يخبرها بها ,فهمس بعذاب وهو يتحاشى النظر لها يخبره بوجعه  طوال تلك الفترة الماضية:،
_عشان عمار كان عارف انك مش اخته..
عمار! شقيقها الأكبر أو من كان شقيقها باعتبار كشف الحقائق ,عقدت حاجيها بتعجب هاتفة باستنكار:
_وده ايه علاقته برجوعي ليهم..!
تهرب بنظراته مرة أخرى وكأنه لا يجد كلام يقوله لها ..!
أو هو ببساطة لا يعلم ما الذي يجب عليه قوله.. كيف يخبرها بما تريد معرفته كيف..؟! لما لا تتقبل الحقائق بظاهرها؟!
لما هذا الضغط , هو لا يريد فتح الماضي .. لا يريد حقاً!
اقتربت منه  عندما لمست تهربه من الإجابة هامسة بلوعة ونبرة تحتل بين طياتها الترجي:
-رد عليا ده ايه علاقته  بيا , ابيه عمار ايه علاقته بجوازي ورجوعي ليهم..

لم يتحدث ما زال ملتزما للصمت إلا إنها ضغطت عليه أكثر بدموعها وتوسلها الذي قتله , مما جعله يصيح بما تريده هي فربما ترتاح وينتهي الأمر, يضع أمامها السبب ببساطة .. وحينها تمنت هي لو أنها لم تعرف شيء وهو يصرخ بها:
-عمار بيحبك, ماشفكيش اخته شافك حبيبته..بيحبك
الصمت التام هو ما كان بالغرفة هي مصدومة تنهار على أقرب مقعد , تدفن وجهها بين راحة يدها !
وبداخلها تهتف ليتها لم تعرف!
ليتها لم تعلم أن شقيقها الأكبر كان ينظر لها بطريقة آخرى!
وياله من أمر مثير للإشمئزاز... والألم!
أما خالها  فعاد بعقله مسترجعاً ذكري ماضي لا يحب أن تعود صوره مرة أخرى, عندما دخل عمار إليه منذ أكثر من عام متحدثاً بنبرة جادة:
-بابا عاوزك في موضوع مهم..
ترك عبد الرحمن ما في يده ونظر له بإمعان هاتفاً:
-خير ياعمار قول يابني..
صمت عمار قليلا وكأنه يجمع كلماته وهتف أخيراً بنبرة واثقة اعتراف صريح لا يحتمل الشك:
-انا بحب مريم..
لم يتوقع والده للحظة مقصده! , بل لم يتخيل الأمر إطلاقاً  فسأله:
-مريم مين..
صمت عمار قليلا  يعرف هو أن الأمر غاية في الصعوبة, بل ربما مستحيل , ولكنه استجمع قوته وتحدث بثقة يعرض حقيقة هو يعلمها جيداً:
-مريم بنت عمتى
هب عبد الرحمن من مكانه ثم نظر له بحدة هاتفا وهو يقترب منه , يقف أمامه مباشرة وهو يمسك به:
-مريم مين.. مريم اختك.. انت اتجننت..
أجل هو أصابه بعض الجنون والكثير من السقوط في عشقها , فأزاح هو يد والده برفق قائلا بنبرة معذبة كحالته من الداخل:
-مش اختي.. مش اختي.. مريم بنت عمتى.. بحبها, انا عاوز اتجوزها..
الصدمة هنا تتمكن من والده , نظراته كانت متسعة من الإعتراف الغير قابل للتفاوض , يستوعب تلك الورطة, بل إنها كارثة وحلت عليهم , ستكن فضيحة وسط الجميع لو حدث ذلك..! وظهر الماضي للجميع, بل ربما سيكن هناك أكثر مما يسمى ويندرج أسفل خانة الكارثة!
خرج من ذاكرته  الأليمة على صوت مريم الباكي والتي كانت تسأله بلوعة وتوسل أن يكذب مافهمته , فما وصل إليها يؤذيها :
-بيحبني ازاي..
تهرب بنظراته وانحنى رأسه للأسفل قائلاً بلهجة منتهية .. منهكة:
-بيحبك يعني عاوز يتجوزك يامريم..
رفع نظره لها ثم أكمل بتبرير لموقفه الذي أرغم هو عليه, يطلب منها أن تقف بمكانه :
-قوليلي كنت اعمل ايه واروح لمين.. وقتها اول حاجة عملتها روحت لعمك , وهو جوزك لابنه.. صدقيني مكنش بايدي غير الحل ده.. قوليلي انت كان ممكن اعمل ايه..
هنا وانهارت أكثر وهي تنظر إليه متحدثة بتعب  وإرهاق:
-عشان كده ابيه عمار سافر صح.. عشان كده بعد..
أومئ لها وهو يهز رأسه بضعف هاتفاً بتعب:
-انا إلى اجبرته يسافر..
استقامت مريم ثم نظرت إلى والدها او خالها, وربما هي لا تعرف حقا من هو..!
فحياتها بأكملها كذبة وهي لم تعد تفهم الصدق!
امسكت حقيبتها وتمالكت حالها ثم هتفت بجمود يعاكس انهيارها من الداخل:
-انا همشي انا عرفت إلى انا عاوزاه خلاص..
تحدث هو مسرعا يمسكها من يدها:
-تمشي فين خليك يابنتي انت مش اطلقتي..
ابتسمت بسخرية  ونزعت يدها من يده قائلة ببرود:
-اطلقت اه.. بس البيت إلى هناك ده ليه فيه حق.. والناس إلى هناك دي اهلي.. وانا هرجع لهم..
ورحلت سريعا ً دون أي حديث اخر..
رحلت دون ان تنظر خلفها..!
رحلت ولا يعلم هل من أمل للرجوع أم لا؟!
أخبرته أنها عائدة لعائلتها الحقيقة و كذبت  هي عندما قالت أنها عائدة, فأي عودة تبغاها إلى ذلك المكان..
وربما هي تعود..!
تتغير.. تتلون..
تحب مثلاً أو تقع بعشق اخر..
وربما تغدوا مريم اخري .. وحينها تحين العودة..

للعشق طريق اخر(١+٢)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن