الفصل الثاني

21.2K 503 43
                                    

الفصل الثاني...

عندما تشعر بشيطانك وهو يتوغل بداخلك يزرع نفسه أكثر....!

يتعمق بك ,يحتلك يقاومك ويقاوم أنفاسك النقية , يزرع بدلاً منها أنفاس بدلائل عَتِمَة...!
في تلك اللحظة تطلق مقاومتك تحاول أن تبحث عن سماء أخرى غير تلك الملوثة ...!
إلا أنه بالنهاية تجد أنه قد تمكن منك, أصبح مكان تلك الروح النقية التي كانت تميزك يوما ما....!
خرج من غرفة شقيقته بروح مثقلة بالهموم لأجلها غضبه يتفاقم , ولا يعلم كيف له أن يخمده..؟
كيف أن ينسي هذا الكابوس يوما؟!, فنيرة صغيرته ربت على يده كان سعيداً بها عندما ولدت وكأنها ابنته لا شقيقته ...!

كان يُحَمل نفسه مسؤولية ما حدث لها عندما انقطع تواصله معها خلال فترة سفره إلى الخارج, فقط ثلاثة أعوام وكانت شقيقته كالغريبة عنه...!
تتجنبه تتحاشاه, ولا تتقبل منه أي كلمة فقط ردود مقتضبه, وليته وعى لها أكثر من ذلك.. ليته..!
ولكن لا عودة بالزمن..!

كان غارقا بأفكاره عما مضى متحسراً على شقيقته الصغرى وما أصابها حتي وصل إلى جناحه الخاص به ...
أمسك بمقبض الباب يفتحه بهدوء ينافي ما بداخله قاصداً غرفة بناته حتى وقع نظره عليهم ,يراهم نائمين كالملائكة على أسرتهم الوردية, وهنا تحولت نظراته المتعبة الغاضبة إلى أخرى تشع حناناً وحباً لأجل ملائكته..

اقترب منهم طابعا قبلة حانية على جبينهم, شارداً في توأمه تلك النقطة البيضاء التي نتجت عن زواجه بريتا...
وهنا دارت أفكاره بريتا أو الخائنة.. تلك المخادعة زوجته وأم بناته..!
ابتعد عن بناته بعد أن دثرهم جيداً يمنحهم مرة أخرى قبلة أبوية ,ثم ذهب إلى غرفته المشتركة مع زوجته..!
بعد ثواني كان يدخل إلى الغرفة فوقع نظره عليها ينظر لها بجمود فتبادله النظرات بين ساخرة وباردة.. !
وكأنها لا تهتم..!
هائمة هي بعالم آخر , شاردة بأفكارها الخاصة, والتي لا يعلمها أحد..

تلكأ قليلا قبل أن يجلس على إحدى المقاعد الموجودة بالغرفة هاتفاً ببرود :

-انا هتجوز كمان يومين ....

لم تهتم لما يقول بل لم تلتفت بالمرة جامدة هي بلا انفعالات.
ساد الصمت قليلا قبل أن يتبع حديثه بابتسامة باردة وبداخلها يتمني استفزازها فتغضب ولو لمرة واحدة:
-ايه رأيك يا ريتا...
أشاحت بنظرها تبادله تلك الابتسامة الباردة , تكمل عبثها بهاتفها الخاص , تقريراً منها أن الأمر لا يعنيها بشيء....

اقترب منها مبتسماً بسخرية, بينما هي تجلس ممددة على سريرها بغلالتها العارية...تظهر بشرتها الخمرية بسخاء .. وبجانبها كأس من النبيذ الذي من الواضح أنها شربته بالفعل رغم تحذيره عن فعل ذلك بالمنزل..
كان يقترب منها وهي مازالت على وضعها تنفث سيجارها بلا مبالاة وبرود, تأملها بنظراته لثواني أو لدقائق ...
قبل أن يستمع إلى همسها الناعم الذي كان يجعله في الماضي داخل هالة وردية زائفة...
إلا أنه الآن لا يشعر بشيء فقط يشعر بحيرة وتشتت :
-اااه ...وهتتجوز بقي بنت لسا انت أول حد في حياتها

لم يتأثر ...باقياً في مكانه كما هو , وبداخله يتساءل كيف كانت تفتنه ...!
ذلك الهمس الذي كان يحمله لعالم العشق والهوي ..
ينغمس فيه..
يصبوا إليه..
بل ويتوق للمزيد...!

ولكن الآن شيء آخر ,ورغم ذلك هو من داخله لا يكرهها...لا يعلم هناك شيء يثير حيرته!
وهنا كان قد نسي أن الوردي لا يليق بعالمه...!

ساد شروده قبل أن تقترب منه تتلمس حنجرته بأناملها الناعمة .. تهبط إلى بشرة صدره السمراء الظاهرة من فتحة قميصه الأبيض , لتقترب من أذنه هامسة بنعومة صوتها :
-وياتري هتكون مرتاح معاها ...
تشنج جسده بعد كلماتها التي أثارت حيرته وغضبه فأي راحة تلك فمنذ زواجهم وهو يعيش بحيرة وتشتت, و فقط استغرق الأمر..

ثانية...
اثنان ...
ثلاثة...
وصوت الصفعة كان يجرح سكون الغرفة...
وتلك الصفعة قبل أن تقع عليها كانت تصل داخله مدوية كالانفجار ...
بالنهاية هو من اختار.. والنتيجة زوجة خائنة وبناته التوأم...!
القى نظرة عليها إلا أنها كانت تنظر بعيدا شاردة دون أن تذرف دمعة واحدة, ولولا تلك الكدمة التي تزين خدها من أثر صفعته لأعتقد أنه لم يفعلها.. من شدة جمودها وتصلبها..

كاد أن يصفعها مرة اخري يود أن يرى دموعها ولو لمرة واحدة , فحتي عندما علم بخيانتها هي لم تدافع فقط ألقت عليه نظرات جامدة وكأنها لا تهتم..!
اعتقد أنها ربما تهرب منه عندما ينوي السفر ولكنها لم تهرب وتشبثت به بل وسافرت معه إلى وطنه مصر..

هي حقاً تثير حنقه وتعجبه بنفس الوقت..!
تشعل بداخله الحيرة... لا تريحه وهو يتمني لو فقط تريحه!

صوت هاتفه الخاص اخرجه من تفكيره بها واوقفه عن صفعها مرة اخري مخرجا طاقة غضبه عليها بل وغضبه من كل شيء...
أجاب هو بصوته القوي , وحينما أتاه صوت الطرف الاخر يخبره بعض الأشياء الهامة كما أمره , وتحولت نظراته للقسوة...
فابتسم ابتسامته القاسية.. قائلاً بعدها بهدوء قاتل :
- انا جاي حالا ...جهزوا نفسكوا

اغلق الخط ثم التفت إلى ريتا هاتفا بنبرة باردة .. جامدة:

-انا رايح اتجوز ياقلبي سلام..
**********************************
في قصر عائلة الشيخ...كان قد وصل موسى وبرفقته والدته (فاطمة) ...في انتظار المأذون ليعقد قرآنه على حبيبته (فريدة).
كان ينظر لها بحب و من داخله لا يصدق أنه وبعد دقائق ستكتب هي على اسمه أخيراً..

أما هي كانت تجلس بجانب والدها تتنظر تلك اللحظة التي ستكتب بها على اسم موسى حلمها منذ الطفولة, هذا الحلم الذي بات وعد لحياتها الجديدة بالأمان والدفيء..
رفعت نظرها له لتجده يغمز لها بمرح مما جعلها تشهق من الخجل.., فأبعدت نظرها عنه وهناك قبضة بداخلها غصة تجتاحها ألم , تود أن تصرخ!
هي الآن تبحث عن من يطمئنها ولكن من يطمئنها فهي ربما في غضون دقائق تصبح زوجته...وهكذا ينتهي هذا الكابوس الذي ظهر فجأة ,قاصداً أن يحيل عالمها الوردي إلى رماد...
وربما.. لا!

بعيداً كانت هي جالسة على إحدى المقاعد بثقة ونظرات متشفية بالقادم.. لقد قامت بالفعل بالاتصال بأحد الأشخاص المكلفين من غسان بمراقبة قصرهم, بعد أن استطاعت شرائه ..

لقد أخبرته بخبر هذا الزواج, وبالتأكيد هو أخبر سيده..

ازدادت ابتسامتها المتشفية مقدماً فهي اخيراً ستنتقم في شبح تلك المرأة الذي يطاردها إلى الآن بابنتها, ستنتقم من روح غريمتها تلك التي ظهرت بحياتها ليهيم بها عبد الله بن العم الوسيم ...
كانت ترسم عالمها كما تشاء منتظرة ذلك اليوم التي ستتوج به كعروس لابن العم...إلا أنه فاجئهم برغبته بالزواج بها...(ورد)والدة فريدة ********************************
خرجت من شرودها عندما وصل المأذون , وعندها اطلقت فاطمة والدة موسى زغرودة فرحاً بذلك ...

فتطلعت هي إلى مدخل القصر.. ينتابها القلق والتوتر من تأخره ..إلا أن كل هذا تبدد إلى فرحة وتشفي عندما كان هو يدخل إلى جلستهم هادراً بصوت قوي ونبرة ساخرة :
-ازيك ياعبد الله بيه , ولا اقول ياعمي ولا حمايا.. اختار وانا هنادي...شوفت انا مؤدب ومحترم ازاي...!
لم يستطع أحد أن يتفوه بكلمة بعد ما قاله ربما من الخوف, وربما من الصدمة...!
جال هو بنظره بغطرسته المعتادة وربما يشعر بلذة الانتقام لهذا الرعب والخوف والقلق... من أجل ابنتهم, المرتسم على وجوه الجميع..
كم كان سعيدا وهو يري هلع عبد الله على ابنته وملامح الخوف تتغلغل مع علامات تقدم السن..

بينما كتفيه المتهدلين من الصدمة وشحوب وجهه كان شيء أخر, أجل هو سعيد بذلك لأن تلك هي كانت حالته عندما وجد شقيقته بالمشفى..!
جلس على إحدى المقاعد يضع قدم على الأخرى. ينتظر منهم الحديث, حتي انطلق موسى بصوت قوي غير مبالياً بشيء اخر ولا بقوة الجالس أمامه, فقط هو كان يفكر بشيء واحد هو لا يستطيع أن يخسر فريدة:

-حماك ازاي يعني , انت متعرفش ان انا وفريدة فرحنا اخر الاسبوع...انا شايف انك تاخد بعضك من سكات وتمشي...
انتهي من حديثه .. ليرمقه غسان بنظرات لامبالية , ثم امسك بهاتفه يعبث به قليلا ثم رفع شاشته أمام أنظار موسى القريب منه والتي كانت تعرض صورة لفتاة !
ليقف من مكانه يقرب منه شاشة هاتفه اكثر لتضربه الصدمة, تشنج جسده واشتعل بداخله الغضب من حقارة الماثل أمامه..

فالصورة لم تكن إلا لشقيقته الصغيرة (منار) , انقض موسى بعصبية وغضب على غسان يلكمه بقبضته فاقترب حينها حرسه الخاص من موسى يمسكون به ,ليرمقه غسان بعدها بنظرة باردة هاتفا وهو يشير لرجاله أن يتركوه :
-انا مش هردلك الضربة دي, انت معذور برضه اختك الوحيدة إلى لسا في ثانوي , واكيد في ميت سيناريو جه في دماغك

انخفضت نبرة صوته لتصبح كالفحيح :

..امممم بص بقي اختك دلوقت في شقتكم لوحدها لسا واصله من الدرس حالا احنا ممكن نخطفها و....

صمت قليلا يتابع بعدها بلهجه وقحة:
-وبصراحة رجالتي عاوزين يتسلوا فممكن يتسلوا بيها...
رمقه موسى بشراسة وبداخله نار شقيقته بين يد هذا الشيطان...أو حبيبته ...!

أيهما أهون ...؟
من يختار؟ , انتابته الحيرة وتملك منه العجز... شعور بوخز قاسي وحاد ينحر قلبه بلا رحمة...
سكاكين تغزر بقلبه.. وهنا هو منتهي لا محالة..!
أما هي كانت ساكنة بأحضان والدها الذي كان يربت عليها بأيدي حانية وربما مرتعشة ...
ترى المشهد بأعين باكية اهتزاز جسدها كان يزداد بينما يدها موضوعة على فمها تكتم صوت نحيبها والتي تحاول التحكم به بصعوبة, فالصورة توضح مصيرها لا شيء قد ينقذها الجميع يجلس ف قبضة يد هذا الشيطان ,رمقت موسى بحيرته التي تؤلمها بالخيار بينه وبين شقيقته , وخالتها الباكية بلا حول ولا قوة...
ولا تعلم ماذا تفعل, القت نظرة على كريم والذي كانت نظرات الشر تنطلق منه عينيه بل هي تخرج من جسده ككل تراه يقترب من غسان قابضا على سلاحه ..شهقت بخفوت فأخيها قد يضر حاله  في لحظة غضب وينهي مستقبله..

شردت بشيء واحد حينها وهو أن نجاة الجميع من هذا الفخ بيدها هي وحدها ,ستلقي بنفسها للجحيم , وربما تبيع روحها للشيطان , وتنقذهم...!
وكم كان ذلك في غاية الصعوبة عليها وهي تبتعد عن أحضان والدها ثم وقفت من مكانها تنهي بصوتها الضعيف الصراع الواقع بالمكان:
-ملوش لزوم , لا تخطف ولا رجالتك يتسلوا...
غصة من البكاء حالت بينها وبين أن تكمل الحديث ولكنها رغم ذلك أكملت بصوت باكي:
-انا موافقة اتجوزك...

التفت موسى يصرخ باسمها بنبرة متألمة وكريم يصرخ بغضب بينما والدها يغمض عينيه بقلة حيلة فلقد أُحكم الأمر وأنتهى ولكنها اشاحت بنظرها عنهم جميعاً , فقلبها يتألم لأجله ... ولأجلها..
كان القلب باكياً على حالها الذي تبدل من الاقتران بحبيب إلى الاقتران بغيره, وغيره لم يكن سوي شيطان ...!
اقترب غسان منها, وهو يراها للمرة الأولى هو لم يهتم بمعرفة شكلها من قبل... الأمر بالنسبة له كان مجرد انتقام أسود, يحيل روحها للقتامة ...
ولكنه ابتسم ابتسامته القاسية فالضحية جميلة وهادئة وربما قوية... وهذا يزيد الانتقام من نظره متعة..

شملها بنظرات جريئة يتخللها بعض الوقاحة ,ثم هتف بهدوء مريب ونبرة خبيثة:
-وااو...مكنتش اعرف انك بونبوناية كده...
اشاحت بنظرها عنه مشمئزة من نبرته وتلميحاته ...فيكفيها ما هي فيه هي بالكاد تستوعب ما يحدث, وكأنها تحيا داخل كابوس سينتهي ما أن يأتي النهار..!

إلا أن النهار لم يأتي ولن يأتي ما تحيا به واقع يتمثل أمامها .. فانهارت من الداخل  كل ثوابتها ترفض ذلك الواقع..

ليلتفت هو لوالدها وشقيقها كريم قائلا بصوته القوي ونبرته المتهكمة الساخرة:
-طبعا مش محتاج اوضحلكم انكم لو رفضتوا انا هاخدها دلوقت وحالا وبدل ماكنا هنتسلي باخت الامور...
مشيرا بيده إلى موسى ثم اكمل:
-هنتسلى بالمحروسة بنتك ...ها ايه رايكم , نقول مبرووك...

لم يستطع أي شخص أن يعترض على حديثه خاصة كريم الذي يعلم جيدا ان الزواج هو الحل الأفضل فأحني كتفه بخزي من أنه لا يملك شيء بيده...
ليزفر غسان بانتصار صائحاً بصخب وهو يصفق بيده :
-يبقي نقول مبروك...
ثم التفت موجها حديثه إلى المأذون الجالس على إحدى المقاعد يرمقهم بتوجس :
-يلا ياعم الشيخ , خلصنا واكتب الكتاب...
ليلتفت إلى فريدة يهتف بنبرة وقحة:

-اصلي مستعجل أوي على ...البونبوناية...
وفريدة حينها هبطت على المقعد الجالس خلفها وبدلاً من أن تتحول إلى عروس فرحة بعقد قرآنها تتلهف إليه, تحولت إلى عروس تتمني الموت الآن وحالا..!
القت نظرة جانبيه على موسى الذي ينظر لما يحدث بعجز ألمها وبشدة..,  تشعر أنه على شفا أن يبكي دون اعتبار لشيء..!

تشنج جسدها عندما اشاحت بنظرها عنه فتقابلها تلك الأعين الخبيثة التي تطلق شرارة غاضبة تخترقها وتؤلمها.. فأغمضت عينيها تهرب من كل شيء..! , مكتفية بذلك الصخب المشتعل بداخلها يقيم حفلا على أشلاء قلبها ومشاعرها..
************************************
تأملت انعكاس صورتها بالمرآة...تتلمس ملامحها البسيطة بأناملها الناعمة .. وبداخلها عدة أسئلة لِمَ تزوجها؟ ...
هل تعجبه؟...
هل يراها جميلة...؟!
التفتت ترمقه بنظرات ولهه بحبه ,تتأمله وهو منهمك بالعمل على حاسوبه الخاص ... وخصلاته الناعمة تتدلى أعلى جبهته بتمرد..

ولا تعلم هي هل هو يزداد وسامة أم أنها تعشقه أكثر فتراه أجمل..!
يامن أبو العزم الوسيم الذي لم تتخيل يوما أن يصبح زوجها بيوم من الايام , زوجها الذي احتلها منذ اللقاء الأول !
اقتربت منه ببطيء ونظراتها مثبته على ملامحه تحفرها بالقلب أكثر وأكثر, وتود لو أنها تملك القدرة على حفره بداخلها لتوشم روحها به مدي الحياة..

همست بنبرة ضعيفة ...ناعمة وهي تقف أمامه مباشرة بغلالتها الحريرية:
-يامن ممكن نتكلم شوية ولا انت مشغول اوي...

رفع نظره إليها بتهكم وسخرية مجيباً إياها وهو يعاود العمل على حاسوبه دون أن يبدى لمحة إعجاب واحدة إلى هيئتها المثيرة, فيفقدها دون أن يشعر جزء من ثقتها بالنفس, تلك الثقة التي لا تملك منها شيء بنسبة كبير:
-انت شايفة ايه يامريم...
كتمت غصتها بصعوبة ودموعها توشك أن تخرج من مقلتيها ثم ابتعدت عنه قاصدة سريرها لتنام أو لتهرب من رده الجاف الذي ينحرها وبشدة..!
ولكنه هب من مكانه ثم امسك بها بعد ان لفت انتباهه غلالتها العارية الملامسة لجسدها , تستفزه وتستفز رجولته ... تظهر ظهرها كاملا..
رمقها بنظرات راغبة مشتعلة, نظرات هي تعرفها جيداً ولكنها تبحث عن شيء آخر, هي تبحث عن الحب..!

ارادت أن تسله .. ولكنه لم يعطيها فرصة للحديث غير أنه انقض على شفتيها ينهل منهم ما شاء ...
غيامه وردية لفتها لتدخل في عالمه للعشق الذي لا تعرف غيره ليكون اخر ما تتذكره صوته وهي يهمس بحروف اسمها(مريم)....ينطق هو الحروف الخاص باسمها..
فتهيم به..
تعشقه..
تتمني أن يخبرها ولو لمرة أن ينطق اسمها مسبوقاً بحروف تتمناها(بحبك يا مريم)...

بعد فترة ليست بقليلة ابتعد عنها, يسترخي على ظهره لاهياً بنظره للأعلى بسقف الغرفة...
اقتربت هي منه هامسة بسؤالها المعتاد بنبرتها الضعيفة:
-يامن انت بتحبني..
شعرت بتشنج جسده العاري تحت يدها التي تلامسه ,ثم ساد الصمت قليلاً قبل أن يبعدها عنه , ليهب من مكانه مبتعدا عنها إشارة منه بانتهاء الحديث عند تلك النقطة..

إلا أنها ورغم ما فعله كررت السؤال بضعف واحتياج أكبر, ضعف مثير للشفقة بنبرتها المغلفة بالبكاء:
-يامن مش بترد ليه , انت بتحبني..
لم يلتفت لها مباشرة يجاهد نفسه ومشاعره الداخلية الغاضبة من بداية اليوم إلى الآن لتأتي هي تسأله عن مشاعر هو لا يؤمن بها من الأساس مسح وجهه براحة يده ثم التفت لها قائلا بنبرة قاسية :
-انت مبتزهقيش يامريم...قلتلك كتير انا مليش في الحب...
استقامت من مكانها تلف حول جسدها الشرشف بإحكام تقف أمامه تستجديه بضعفها المرتسم داخلها وخارجها,  فهمست وهي تبكي :
-بس انا بحبك ...!
هز رأسه بسخرية مبتعداً عنها ليخرج سيجاره هاتفا ببرود:
-مش مشكلتي يامريم.. وبعدين انت مبتزهقيش من كلمة بحبك إلى كل شوية تقوليها , انت مملة أوي ...
طالعته بصدمة من طريقته الباردة والتي تزداد مع الوقت فليزداد بكائها ويرتفع مستوى شهقاتها تتحدث بصوت متقطع :

-ولما انا مملة ..ومش عجباك ..ماتطلقني.
نطقت الجملة الأخيرة بصعوبة فأكثر شيء قد يؤلمها أن يبتعد هو عنها..
رمقها ببرود وهو يسير بخطواته باتجاه حمام غرفتهم هاتفاً بنبرة هادئة وهو يلتفت لها مرة أخرى :
-بس انت عجباني يا مريم...عجباني اوي والدليل إلى حصل بينا من شوية... ولو تحبي نكرره عشان اثبتلك انك عجباني , عادي نكرره...

اشاحت بنظره عنه تتألم من داخلها عن نظرته لعلاقتهم بتلك الطريقة المتدنية , يرفع هو كتفيه بلامبالاة قاصداً الحصول على حمام دافئ يسترخي به , وكأن شيء لم يكن..!
بينما هي تطالعه بنظرات مصدومة وأعين باكية. تطلق تساؤل بهمس خافت لنفسها:
-بتعمل فيا كده ليه يايامن ...ليه؟!
سؤال كررته العديد من المرات ولم تكف عن طرحه لما يفعل بها ذلك , يجرحها بتلك الطريقة , لما تشعر أنه يفعل ذلك قاصداً ومتعمداً..
ألا يحق لها أن تستمع لكلمة جميلة منه, ألا يحق لها أن يخبرها أن لها معزة خاصة بقلبه..
هزت رأسه ثم انخرطت مرة أخرى في نوبة بكاء مريرة ككل مرة تطلب هي منه الحب..! وبالنهاية تحصل على سراب..!
***********************************
بقصر الشيخ, كانت تنطق بموافقتها على الزواج من غسان بنبرة منكسرة شاردة , وللمرة الأولي هي تشعر بالضعف والهوان, تشعر بالذل , فيكفي أن هذا الرجل الذى تراه للمرة الأولي بحياتها الان وهي تتزوجه , كررت الكلمة بداخلها لقد أصبحت متزوجة منه هو..
ولا تعلم هل تضحك أم تبكي فاليوم عُقد قرآنها , إلا إنها لا ترى الفرحة , ولكنها تنهار
تموت..!
بل هي تقتل بسكين بارد..!
اجفلت على صوت المأذون وهو يقول:
-بالرفاء والبنين , ان شاء الله ..بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير...

وفي تلك اللحظة ايقنت أنه لا مفر من الواقع الذي باتت فيه لقد أصبحت زوجة لشيطان... وربما أسوء..
اقترب هو منها بنفس النظرات الجريئة التي تثير نفورها, يحيط خصرها بيده هاتفا بوقاحة وخبث:
-طيب استأذنكوا انا بقي ياجماعة هاخد مراتي وامشي ..
وهنا لم يستطع كريم ان يصمت اكتر من ذلك فيكفي شعوره بالخزي من صمته الذي أجبر عليه خوفاً على شقيقته فهدر بصوت مصدوم عالي:
- تاخدها فين انت مش هتعملها فرح...
انفلتت ضحكة ساخرة من غسان, ليزيد من ضم فريدة لجسده وكأنها ملكه وتم شرائها هاتفا بتهكم:
-فرح مين يا....
لم يكمل حديثه بل صمت قليلا ثم نظر له بدونية مكملا:
_الفرح مش لبنتكم .. وبعدين انا هاخدها اذلها انا كنت واضح من البداية ..زي ماعملتوا هعمل...بس انا محترم هتجوزها وبعدين انتوا عارفين اني اقدر اخدها من غير جواز مفيش اسهل من كده...
ثم اختتم جملته وهو ينظر بأعين كريم:
-حاسس دلوقت أنا حسيت بإيه ولا لسه ..حاسس بالعجز مش كده..!
ثم التفت ملقيا بنظراته على عبد الله موجها كلمة اخري:،
_شايف الي انت فيه ده...انا عشت الأصعب منه تخيل انت بقي...!
لم يجيبه ،،فوجده يهز رأسه بقلة حيلة ويأس ...يعلم جيدا أنه لا يمتلك حق للاعتراض , وكما قال غسان أبو العزم يكفي أنه سيتزوجها....
وحقا الآن يشعر بما حدث لابنتهم!

اقترب من ابنته التي تخلصت بصعوبة من يد زوجها كما يقال , ثم ارتمت بأحضان والدها تتلمس منه الحنان الذي ربما لن تحصل عليه بعد الان...
تود أن تطلب منه أن يخبأها.. تود لو أن العالم يقف عند تلك اللحظة وهي بأحضان والدها..
اقترب منها غسان يقبض على يدها بقوة ينتشلها من أحضان والدها بقسوة وكأنه يستكثر عليه تلك اللحظة التي تنشد فيها أمان ربما لن تحصل عليه, ثم ألق بنظرات باردة على الجميع هاتفاً:

-طيب باي بقي ياجماعة , كان بودي اكمل السهرة معاكوا , بس عريس بقي.. بنويه...
كان يمسك بها وهو يغادر من المنزل , فتمر هي من امام موسى الذي يرمقها بنظرات تكاد تكن باكية مختلطة بقهر , مما جعله يبطئ من خطواته ..يزيد من المها على حبها الضائع على يده هو.
لاحظ نظراتها المتحسرة التي رمقته بها ليزيد من قوة قبضته على يدها , هامساً في أذنها :

-انت بقيتي مراتي , اهلك معلموكيش ان غلط تبصي لراجل غير جوزك ...ولا انت زي اخوكي...
رفعت نظرها له بصدمة من حديثه تود لو تصفعه فقابل هو نظراتها ببرود وقسوة ,يخرج بها من المنزل إلى جحيمه...!
وخلفهم أعين باكية قلقة وأخرى يملأها الغضب والخزي والمرارة, والأخيرة شامته فرحة...
*****************************
بعد خروجهم من المنزل القي بها داخل سيارته بحدة ثم أشار إلى سائقه بالقيادة لوجهتهم وخلفه سيارة أخرى من الحراسة الخاصة به.. تتبعه ..

كانت ترتجف في جلستها تكاد تلتصق بباب السيارة الداخلي نتيجة لخوفها من قربه ومما يريده منها, وكأنه شعر بها وبخوفها, فيبتسم ابتسامته القاسية متوعداً بالمزيد... والمزيد لن يكن سوي عذاب يؤلمها..
وصلت السيارة اخيراً إلى إحدى الفلل الخاصة بعائلته الواقعة في إحدى المدن الجديدة التي تمتاز بالصمت ...

فخرج هو من السيارة أولاً ثم انحنى هاتفاً لها بسخرية وهي منكمشة بالداخل خائفة من الخروج تنظر له بتوجس من القادم :

-يلا يابونبوناية ...انت هتفضلي عندك
نظرت لها بخوف إلا أنها خرجت بتردد وقلق من القادم بعد ذلك... تكبح رغبتها في البكاء والصراخ ف آن واحد., يجرها خلفه وهو يسير في إتجاه مدخل الفيلا ...
دخل اولاً ... فتبعته هي بخطوات مرتعشة ...
وجدته يجلس على إحدى المقاعد الوثيرة كباقي اثاث المنزل الفخم...يتخلص من سترته ورابطة عنقه .. يرميهم بإهمال على الأرض قبل أن يرفع نظره لها وهي تقف مبتعدة عنه... بخوف ورهبة..
اعتدل في جلسته يشملها بنظراته المتفحصة قائلاً بصرامة:
-قربي...
لم تنفذ أمره بل تشنج جسدها من الخوف, فيعيد هو بنبرة أقوى تحمل تهديد:
-قربي والا هقرب انا...وساعتها متلوميش الا نفسك...
امتثلت لكلامه خوفا من تهديده ...
ثم ساد الصمت لعدة ثواني ..تنظر له بصدمة شعور برعب حقيقي يتسلل إلى خلايا جسدها بعد أن قال :
-جه وقت تنفيذ جوازنا وحالا ..

واتبع حديثه بنظرات حادة..!
********************************







للعشق طريق اخر(١+٢)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن