الثاني والعشرين

10.7K 317 10
                                    

الفصل الثاني و العشرين
لمَ أحمل وزر غيري هل لان طبعي كريم كما اسمي
وهل في حمل الاوزار من كرم
زوجوني من كانت حليلة أخي ونسوا ان قلبي قد عشق في قلب وجع على محبوبتي
كسرت خاطرها المتها فكيف السبيل اليها بعد
وما ذنبي بركان عاصف في قلبي يهدر في روحي كأنني بين مطرقة وسندان
كلتاهما روح لها خطية وذنب
خاطرة لكريم
بقلم ربى جلال صقر
**************************
عندما يهوى القلب نفقد حدود المنطق للتفكير, نغرق ونغرق دون وعي أو إدراك!
نعشق دون أن نضع فواصل وحدود..!
في العشق نرى الأمل , في العشق نفقد الواقع!
في العشق نجد حياة!
وهي كانت عشقه, أمله في الحياة حقاً.. هي كانت أثيره وكفى!

كان قد وصل بسيارته أسفل العقار القاطنة به , أطفئ المقود ثم ابتسم بحالمية لقد أتخذ قراره وانتهى الأمر !
لما يؤجل زواجه من حب حياته ؟!, لما يترك نفسه لإغواء شيطانه وانجذابه اللحظي لنيرة!

وصل  أخيراً يقف أمام باب منزل أثير , فيطرق بخفة , وحقا هو اشتاق كثيراً لها حقاً!
فتحت هي له بطلتها الأثرة لقلبه بحجابها وابتسامتها الجميلة التي تفقده خفقات قلبه ولا يعرف ما عدد الخفقات هنا التي فقدهم لأجلها!

هتفت وهي تشير له بالدخول هاتفة بابتسامة عريضة يتخللها حنان حقيقي:
-مفتحتش ليه مش معاك المفتاح!
لم يجيبها وهو يغلق الباب خلفه  وفقط يتأملها بنظرات متوله بها وهنا عرف هو حقيقة واحدة(لقد أسرته أُثير)!
كانت تقف تنظر له بتعجب وهو يتأملها بتلك الطريقة  نظراته كانت تشملها بلهفة أثارت داخلها الخجل والخوف!

كادت أن تتحدث فتقطع تواصل النظرات الذي يثير بها مشاعر أنثى عاشقة لا تعرف من الحياة سوى الحب و..هو!
لكنه سبقها وهو  يقترب منها يمسك بيدها , يسير بها متجهاً إلى غرفة النوم, انقبض قلبها في تلك اللحظة وشعر هو بذلك ولكنه ما إن دخل الغرفة هتف بكلمات موجزة:
-أثير البسي وحضري شنطة معاك هنسافر كام يوم
تسرب الخوف من داخلها من تلك الأفكار التي داهمتها , ولكنها ما لبثت أن عقدت حاجبيها وتسمرت مكانها حائرة من طلبه, أرادات أن تتحدث ولكنه لم يمهلها الفرصة لأي شيء وهو يقترب منها محاولاً أن ينزع عنها ملابسها بعبث مما جعلها تتخلى عن جمودها وتخرج من طور التعجب , تشهق بخفوت وخجل يحتلها وهي تغادر نظراته فتغمض عينيها .. من كل ما يحيط بها, تشعر أنها مع كريم آخر جديد غير ذلك المراعي بنظراته الحنونة!
ولكن من أمامها الآن عابث, خاصة مع غمزة عينه تلك!
اقترب منها وابتسم دون أن تراه , رفع أنامله يربت على خصلاتها المموجة ببريق ساحر وبعدها .. طبع قبلة أعلاهم يهمس بخفوت مثير :
-أثير!
لم تجاوبه أثير هي ضائعة بعالم آخر, هي تائهة منه, فكرر كلمته محملة بتحذير خاص:
-أثير فتحى عيونك كده هضرب كل حاجة مرتب لها وساعتها متلوميش غير نفسك!
امتثلت لأوامره واستعادت قوتها وهي تدفع به خارج الغرفة وهو يمتنع عن الخروج وملامحه الوسيمة يحتلها الخبث المدمج لعبث خالص, أما هي فأناملها تدفعه بضعف ونظراتها تتحاشاه , تخاف السقوط في دجنته, إنها حقا تحبه كيف لها أن تشرح وتصيغ الأمر!
وما بين دفعها الواهي وتمنعه الضاحك , انتصر الدفع وخسر التمنع!
تغلق الباب خلفه بينما تستند عليه وابتسامة تشع داخلها, والأمل هنا يتجدد بكريم لها وحدها!
أما هو كان من الخارج يبتسم وهو يلمس الباب الخشبي وكأنه بذلك يلمسها ويحفرها داخله! فيغرق أكثر وأكثر!
وهل يمكن له أن يغرق أكثر من ذلك ؟!
**************
بعد فترة قصيرة ......
خرجت له وهي ترتدي فستان باللون الزهري بينما تحمل بيدها حقيبة صغيرة , رمقها بنظرات غامضة قبل أن يقترب منها بغتة , يمسك الحقيبة بيد واليد الأخرى يشبك أنامله بخاصتها متمتماً بخفوت:
-مش عارف إيه الغباء ده الشنطة دي ملهاش لازمة
انهى ما يقول وهو يخرج من باب شقتها دون إضافة حديث آخر! تحت نظراتها المتعجبة!
كان قد ركب سيارته وهي بجانبه , وبينما هو يقم بتشغيل مقود السيارة همست بتساؤل :
-احنا رايحين فين ياكريم!
كان يقود السيارة بالفعل بينما يمسك بيدها يطبع بباطنها قبلة حانية ونظراته صوب الطريق فيهتف بمرح مذيباً خوفها وتلك الرهبة المطلة من نبرتها بل من جسدها ككل:
-ياستي هاخطفك!
اتسعت عينيها بصدمة وشعر هو بذلك مما جلب له الضحك , فتنزع يدها من يده هاتفة بحنق:
-بتضحك على ايه!
توقف الضحك و لكنه حافظ على ابتسامته وهو يضيف بنبرة رجل متعب, تخلله الإنهاك وقتله ذلك الحمل فوق أكتافه, نبرة رجل يبحث عن الراحة والسكن وكفى!
-مرتاح فبضحك يا أثير
وبجملته تلك توقف الحديث.. توقف كل شيء ويده هي تلك المرة من تتسلل ليده تلمسها , فتمنحها راحة وسكن كما أراد وتمنى!
تعطيه وعد من لمسة وربته حانية أنها هنا معه ستواجه ذلك التعب وتهزم هذا الإنهاك الذي يتغذى على روحه..!
تعطيه وعد أنها ستعاونه وتساعده فتحمل عنه ما تستطيع هي!
وهكذا مر الوقت في طريقهم إلى المطار , فقط هدوء وراحة تتسرب لهم وكفى!
لم يتحدث أي منهم بشيء كانت تطيعه دون أن تهمس أو تعترض , فقط تحافظ على ابتسامتها , تهديه هدوء يحتاجه, تنسج له راحة ينشدها كما هي أيضاً!
***********************
كانت وما زالت أنثى باحثة عن الحب والهوى, أنثى لا تطلب منه هو سوى بعض الدفيء والراحة!
هي لم تحظى بأي منهم , رغم وجود أب وأم !
نائمة على صدره ويدها تستريح أعلاه , مستمتعة بهدوء تلك اللحظة و إن كان هو ملتزماً للصمت, أغمضت عينيها وتاهت بذكريات قتلتها!
رجعت إلى ذلك اليوم عندما قدمت من يومها الدراسي باكية لأن قدمها تؤلمها بشدة, كان والدها يجلس في تلك اللحظة بحديقة المنزل فاقتربت منه باكية..!
هنا كل ما أرادت الحصول عليه بعض الحنان الذي يفيض منه لأختها الكبرى !
انتبه عليها ولعبراتها فسألها بنبرة منزوعة الحنان:
-مالك يانورا
نغز حاد.. نغز حاد بقلبها الآن , تتألم ولا تعلم لما يعاملها بتلك الطريقة...!لما؟!
همست بصوت باكي وهي تقترب منه ربما بذلك تكسر ذلك الحاجز تخبره بجملة موجزة كما أختها تفعل دائما عندما يصيبها المرض:
-أنا تعبانة يا بابا..
انتظرت منه تلك اللهفة وذلك العناق الذي يمنحهم لفريدة بمجرد ذكر مرضها ولكنه خالف أمنيتها فأغمض عبد الله عينيه ثم فتحها مرة آخرى وهو ينادي على أحد العاملين بالمنزل:
-خدى نورا جوا واتصلوا بالدكتور!  يجي يشوفها!
وحينها تسمرت بمكانها بينما هو يستقم من مكانه قائلا بعملية وهو يقترب منها رابتاً على رأسها وابتسامة صغيرة شعرت هي أنها غير حقيقة مرتسمة على ملامحه:
-أنا عندى شغل يانورا ياحبيبتي , وماما هنا وهتاخد بالها منك!
قالها ببساطة وذهب لعمله, هل يعتقد حقاً أن جلنار تهتم بأحد؟!, هل هو أعمى عن حقيقة أنها لا تحظى بأي من لحظات الحنان التي تنالها فريدة ؟!
وهنا كانت أمنيتها أن تفقد جلنار فربما بعدها تحظى بالحنان الذي تنشده!
انتهت تلك الذكرى والتي تركت داخلها ندوب لم يمحيها الوقت, بل هي تتذكرها وكأنها كانت بالأمس!
وهنا داهمتها ذكرى أخرى عندما أنهت تعليمها الجامعي , فذهبت إليه تطلب منه أن تكمل دراستها بالخارج!
هنا توقعت منه الرفض والغضب كما فعل مع فريدة حينها ثار عليها وهتف بأمر لا نقاش فيه:
-مفيش سفر يافريدة أنا خايف علىك يا حبيبتي !
وذلك الخوف المنطوق بكلمته والنابع من قلبه لها .. أرادت الحصول عليه ولو منطوقا فقط!
ولكنه خالف كل توقعاتها  بل هو هنا صنع كسر لن يتمكن أحد من جبره أبداً , لقد كسر هنا فرصته الأخيرة وهو يقول بنبرة عادية:
-لو عايزة كده مفيش مشاكل !
كانت بعد كل لقاء بارد معه تذهب لغرفتها تبكى بينما والدتها تجلس جانبها تخبرها أنه يكرهها.. تزرع داخلها كره وحقد لأختها!
وهي كل ما تمنته منها مجرد حنان فقط حنان!
فتحت عينيها أخيراً تحدق بسقف الغرفة بشرود وبعدها التفتت لموسى الذى غفى بجانبها , فاقتربت منه تريح رأسها على صدره , تستمع لخفقات قلبه , وهذا كان الأمان والراحة لها!
**********************
وصل كريم أخيراً للفندق الذي تم حجزه من قبل بإحدى المدن الساحلية الكبيرة وهو يمسك بيد اثير والتي كانت في حالة تعجب مما يدور حولها..!
لقد اعتقدت أنه قادم للعمل ولكنه أخبرها في طريقهم للفندق أنه هنا لأجلها هي!
بعد أن دخل إلى غرفتهم أغلق هو الباب وهمس بنبرة متعبة:
-عاوزة أنام , يلا ننام عشان ورانا حاجات كتير أوى هنعملها النهاردة

هنا وقد طفح الكيل , ولم تعد تملك القدرة على الصبر أكثر من ذلك فهدرت بصوت يشبه الصراخ:
-كريم فهمني فيه ايه , أنا ساكته من الصبح ومش راضية اتكلم احنا بنعمل ايه هنا
أغمض عينيه والتعب يحتله وبشدة , اقترب منها ممسكاً بيدها يقبل ظهرها هاتفاً بنبرة ظهر فيها الإرهاق:
-أثير أنا هموت وانام, لو مش عاوزة تنامي براحتك..
ثم فتح عينيه وغمزها بعبث مكملاً:
-ولو انى شايف انك تنامي أحسن ورانا يوم طويل!
ثم تركها بعد ذلك وارتمى على الفراش بملابسه دون أن يكلف نفسه عناء تغييرها , كانت تتابعه بأعين متسعة خاصة أنه غفى سريعاً جداً!
بقيت على حالتها لدقائق قبل أن تستريح جانبه مستسلمة لغفوتها بعد أن تمكن منها التعب وهزمها الإرهاق كما هو أيضاً!
بعد ساعات قليلة كانت قد استيقظت من نومها, تنظر حولها بأعين ناعسة , اعتدلت من نومتها تتأمل الغرفة حولها , تبحث بنظراتها عن كريم ولكنها لم تجده!
انقبض قلبها في تلك اللحظة فهبت من مكانها تبحث عن هاتفها والذي لم تجده هو الآخر, نظرت حولها مرة أخرى بخوف كونها لم تجده خاصة أن الليل قد حل بالمكان !
طرق على باب غرفتها جعلها تهرول تفتحه وحينها وجدت أمامها شابة بشوشة تحمل بين يدها علبة كبيرة وخلفها أخرى تحمل حقيبة صغيرة!
هتف الأولى بابتسامة واسعة :
-حضرتك أثير!
هزت أثير رأسها فتهتف الشابة:
-تسمحيلنا ندخل احنا من طرف مستر كريم.
هتف هي مسرعة واللهفة تشملها:
-كريم هو فين..؟
تحدثت الفتاة بنبرة عملية قبل أن تدخل إلى الغرفة ومعها تلك الأخرى :
-مستني حضرتك تحت أتفضلي معانا عشان نقدر نجهزك..!
عقدت حاجبيها بتعجب وصدمة تسيطر عليها وهي تتابع الشابتين يحتلون الغرفة ينثرون أغراضهم , كانت الفتاة المبتسمة وكأنها ولدت بتلك الابتسامة تفتح تلك العلبة الكبيرة وأثير توليها كل اهتمامها!
وهنا كانت الصدمة فالعلبة كانت تحتوي على فستان زفاف بسيط كما تمنت وكما أخبرته دائماً!
وفي وسط تلك المفاجأة كانت تجلس بين يدهم من أجل وضع اللمسات الخفيفة على بشرتها  دون أن تعترض أو تهمس بكلمة والسعادة تعانقها فاليوم زفافها !

بعد ساعة تقريبا كان ينتظرها بالأسفل ممسكاً بين يده باقة ورد باللون الزهري كما تحب هي!
ابتسامته كانت متسعة وخفقات قلبه تتزايد, ولا يمكنه وصف مقدار سعادته أنه اليوم سيتزوج أثير!
كان غارقاً بأفكاره السعيدة عندما وجدها أمامه بطلتها ال... ! الخلابة!!
ساد الصمت يراقبها دون أن يتقدم منها, يستمتع ويتأمل خجلها وأناملها تتشبث بقماش الفستان , يراقب سحرها الذي أًصابه دون رحمة وبلا هوادة!
إنه عاشق والآن تأكد أنها ما تمنى !
هتف أخيراً بعد لحظات وهي أمامه تتحاشى نظراته والخجل يتسرب لأوردتها :
-أنت حلوة..
كلمة بسيطة قالها وكأن الكلمات والمعاني ضاعوا منه ..!
هو يريد إخبارها أنها الحياة وما فيها, أنها كل شيء واللسان هنا صامت لا يتحدث, اللسان هنا من فرط السعادة لا يجد الكلام!
وهي كحاله مأخوذة به وبطلته الساحرة ووسامته التي قد تطغي عليها هي !
امسك بيدها بغتة ثم خرج من الفندق  سريعاً وصولاً إلى سيارته هاتفاً بحماس:
-جاهزة للمفاجأة التانية..!
أومأت برأسها إيجاباً بينما هو يقود سيارته إلى مفاجأته الثانية!
******************
في قصر عائلة ابو العزم كان هو يقف مراقباً لها من خلف النافذة وهي تجلس مع والدته !
يفكر هل تلك الأنثى التي كانت معها الفترة الماضية قد تكون هي من ساعدت شقيقها على إجهاض شقيقته وكيف؟!
شقيقته وما حدث لها ما زال هو يتذكر .. يتذكر خوفه ولهفته عليها , يتذكر بكائه لأول مرة في حياته عندما وجدها على حالتها التي أدمت قلبه!
رجع بذاكرته إلى ذلك اليوم حينما كان منهمكاً بعمله ليقطع كل ذلك رنين هاتفه , كان رقم غريب تجاهله أول مرة ولكن بالمرة الثانية قام بالرد:
-الو مين !
وصله صوت الطرف الآخر :
-غسان ابو العزم..
-أيوه..
-اخت حضرتك في مستشفي.......
ثار قلقه وانتبه الهلع , شقيقته بالمستشفى هل أصابها حادث؟!
هل هي بخير ؟!
هل سيفقدها؟!
الوقت كان كسيوف تقتله , كان يحاول أن يصل للمستشفى بسلام خاصة بسرعته الجنونية تلك!
استغرق الوقت نصف ساعة وصولاً لها , ولكنهم بمثابه أعوام من شدة القلق والخوف!
كان يسير داخل المستشفى يسأل عنها بخطوات مرتعبة ونبرة متلهفة للإطمئنان عليها !
وأخيراً كان يتلقى صاعقته الكبرى والطبيب يخبره ببساطة:
-قدرنا نسيطر على الوضع والنزيف وقف بس طبعا الطفل نزل..
همس غسان بصدمة ونظرات مشوشة:
-نزيف.. طفل!
لا ينسى هو نظرة الطبيب يومها , تلك النظرة التي حملت استخفاف وشفقة في آن واحد فيكمل بنبرة هادئة:
-اخت حضرتك واضح انها كانت بتحاول تنزل الجنين!
وغسان هنا كان يقاوم السقوط بصعوبة , يقاوم أن يغرق في دوامة لا يصحوا منها مرة آخرى!
فيهمس بضياع.. تشتت .. تعثر:
-جنين واجهاض

الأمر بالنسبة له خارج حدود المنطق والمعقول
,اقترب منه الطبيب ثم ربت على كتفه بمواساة متحدثاً بهدوء أكبر:
-احمد ربنا احنا كنا هنضطر نشيل الرحم!
لم ينطق غسان وعقله يصله الحديث وكأنه أحجية صعب التركيب .. مستحيلة الفهم!
وأخيراً قبل أن يتركه الآخر قال مشيراً إلى غرفة خلفه:
-عموماً أختك جوا هنا بعد اذنك!
تركه بينما غسان كما هو يحاول الصمود بصعوبة كبيرة, أي جنين وأي إجهاض!
هل يتحدث عن نيرة.. نيرة ابنته وصغيرته التي يحافظ عليها!
قادته خطواته البطيئة إلى تلك الغرفة القابعة داخلها والتي لم تكن سوى عنبر! به العديد من الحالات!
منظرها وهي فاقدة للوعى وإحدى الفتيات من طاقم التمريض تغير لها المحلول, مظهرها كان يبكي الحجر وهي بتلك الهيئة المزرية خاصة في ذلك المكان البالي في نظره!
خرج من ذكرياته على صوت هاتفه من أجل العمل بينما الذكرى ما زالت تهاجمه بلا رحمة وكأنها كانت منذ دقائق!
استقام بعد ذلك من مكانه ثم خرج من المنزل وكأن الشياطين تلاحقه!
والذكريات تؤلمه وتغرقه في دجنة الانتقام!
فكيف له ينسى وضع شقيقته كيف؟! فبعض الذكريات لا يمحيها الزمن!
ولا يقتلها الوقت!
***************************
صباحاً كانت أثير تستيقظ من نومها بخجل وهي ترفع الغطاء أعلاها وذلك الثقل الذي يحاوطه ويأسرها لا يتركها أبداً!
ابتسمت وهي تتذكر ما كان ليلة أمس عندما وصل بها كريم إلى يخت كان مجهز فيه حفلة زفاف صغيرة !
الزفاف كان كما تمنته وأخبرته من قبل , الزفاف كان عبارة عن موسيقى هادئة في وسط البحر!
وهو وهى يتمايلون بخفة على إيقاع النغمات ,هتفت هي من فرط سعادته بنبرة متأثرة :
-ربنا ما يحرمني منك ياكريم , كل ده عشاني!
شدد هو من عناقها وهتف بنبرة محبة :
-انت غالية أوى يا أثير
ثم ابتعد عنها , يثبت نظراته عليها, بل هو كان يسيطر عليها مكملاً:
-لو أطول اعمل أكتر من كده كنت عملت!
أطلق وعده لها , أخبرها أنها غالية , فكانت تلمس بين يده النجوم!
كانت تسقط فيه أكثر وأكثر دون أن تدرى وتعلم! أن السقوط في عشقه جنة!
بعد وصولهم إلى الفندق وانتهاء ليلة زفافهم الخاصة وإلتقاط الصور وصل بها إلى غرفتهم والتي تبدلت تماماً عن أول اليوم!
تلك الزهور المتناثرة على أرضية الغرفة والشموع , تلك الدقات التي تقرع بقلبها كيف يمكنها المقاومة كونها تخاف الغد؟!
كيف يمكن أن تخبره بمخاوفها؟!
وكأنه شعر بها وهو يحتضن جسدها , يلصقها بظهره هامسا :
-أثير يمكن تشوفيني أناني , جبتك وقررت اعمل فرح واتمم جوازنا, بس صدقيني أنا بحبك!
أغمضت عينيها تستمتع لتلك الكلمة الأخيرة (أحبك)! لا تنكر خوفها ولكنها لا تنكر أنها تريده كما هو أيضاً!
لا تنكر فرحتها بحديثه ودت لو تخبره أنها في تلك اللحظة تعشق تلك الأنانية الذي يصف نفسه بها!
التفتت لها تقابل عينيه تخبره بحبها دون حديث , تسلمه دفتها ليقود هو القادم والآتي!
أما هو كان يجاهد نفسه أمام جمالها و.. خجلها , يهمس بتساؤل أخير قبل أن يقدم على شيء قد يندم عليه:
-موافقة نتمم جوازنا يا أثير, صدقى لو رفضت  انا هقدر ده!
وإجابتها كانت إيماءة رأس وابتسامة خجل , عبراتها كانت تتساقط منها دون أن تشعر فيمد أنامله يمسحهم برقه يهمس وهو يقترب منها:
-انا بحبك..!
والاعتراف المحفوظ تلاه قبله ..عناق!
تلاه عهد لا ينطقه اللسان!
وعد لا تعبر عنه الكلمات  !
تلاه إحتلال لكيانها كأنثى تتعلم معه السباحة في شاطئ الغرام حتى تجد القدرة وهي تتفادى الغرق بأعماق العشق, هذا العشق الذي كان لا يحتمل طريق آخر , العشق الناجي من معركة دامية من عزف مشاعر الهوى!
كانت ساهمة في ذكرى الأمس .. بينما هو يتأملها بابتسامة واسعة وأعين ناطقة بالحب!
الحب هنا كان خارج المعادلات والحسابات , الحب هنا كان من رجل وعد وأوفى لأنثى صبرت ووثقت !
همس وهو يداعب خصلاتها:
-أُثير
خرجت من شرودها .. توليه إنتباهها  , تعانق نظراته فيحتلها هو بعينيه , يأسرها كلها , صدرت عنها همهمة والسعادة تداعب أوتار قلبها ثم هتف باسمه:
-كريم
أمسك يدها يقبل باطنها يقابل همسها بهمس .. :
-انت احلى حاجة حصلت ليا يا أثير!
هي هنا تضيع ..
تغرق..!
تعشق!
تخاف أن تهلك, هتفت وهي تستقم من نومتها:
-مش هعرف أحبك أكتر من كده على فكرة
ضحك بخفوت وهو يمسكها ينام بجوارها , يريح رأسها على صدره متحدثا بنبرة خالصة العبث:
-بس أنا هعرف
همست بتساؤل يحمل لهفة:
-هتعرف ايه
اشرف عليها بنظراته قائلا بجدية مدمجة بحنان:
-هعرف احبك أكتر!
ثم تحولت نظراته للعبث فجأة وهو يميل هامسا بخبث يوازى غمزة عينيه:
-وعملى كمان!
خرجت ضحكتها بينما يدها ترتفع .. تحاوط عنقه تهديه عناقاً !
فيرد العناق غرقاً! يمنحها سلام و...راحة!
هو رجل كان يبحث عن ملاذه , وهي أنثى باحثة عنه!!
**************************
مجروح بطعن زماني..
سكين غدر بين أحضاني
يغرز الألم بوجداني
يوصم الدمع اهدابي
تسكن الخيبة شطآني
وتوغل القهر بهوائي
فلا انتهيت من الغدر
ولا الزمان نساني!!
خاطرة بقلم Sade butter fly

في الإسكندرية كانت تجلس بإحدى الفنادق المشهورة ..عندما وصلت بعد إنفصالها عن يامن  مباشرة…
ومازال اللقاء يتجسد أمامها , اللقاء الذى أظهر لها مدى سذاجتها المطلقة, ورديتها المزيفة!
اللقاء الذي وضع أمامها حقيقة واحدة, حقيقة غبائها وبجدارة!
ضحكت بسخرية ثم نظرت إلى البحر بشرود بعد أن خرجت من الفندق قاصدة الذهاب إلى عائلتها أو من إعتقدت أنهم عائلتها…!
كانت تتأمل الأمواج بشرود..! تخبره بحزنها تريه قلبها النازف والذي كانت تأتي له دائما تلقى له بالأمنيات داعية أن يجد الحب, ولكن كان الأمر ربما يحتاج لمعجزة! الأمر كان سراباً وعبث!
كانت تفضي له ما بداخلها تخبره إنها تائهة.. ضائعة..
لا تعرف من هي حقا..!
تسأله هو.. ألم يكن صديقها لسنوات تأتي له دوما تحكي له تشكي له.. وتلقى بالدعوات لخالقها فيكن هو الشاهد عليها!
تدمع عينيها .. تتساقط عبراتها..! فتتلاطم الأمواج تنشر رذاذها على صفحات وجهها الجميل تمسح عنها حزن ما…! ولكن الحزن كان هناك بالداخل بأعماق القلب!
الحزن كان يستوطنها كلياً , وهي كانت منتهية.. منهكة المشاعر والحب!
التفتت إلى السائق المرافق لها من قبل غسان هاتفة وهو تركب السيارة:
_يلا اطلع بينا على بيتنا..
في إحدى الأحياء الراقية بالإسكندرية ..
يجلس السيد عبد الرحمن رب أسرته في حديقة منزله الفخم..
الرجل الذي كانت دونا تناديه أبي.. بينما هو كان يجيب بجفاء..!
وبجانبه زوجته تلك المرأة التي لم تتوانى عن إلحاق الأذى بمريم…ولو للحظة!
كانت تدخل إلى المنزل لتجدهم يجلسون بالحديقة يتسامرون ببساطة أوجعتها, وابتسامة قتلتها دون رحمة!
اقتربت منهم ببطيء وخطوات متمهلة هاتفة بنبرة ساخرة:
_ازيك يا بابا.. ازيك يا ماما...وحشتوني..
التفتت لها زوج  من الأعين يرمقونها بصدمة جعلت والدها أو من كان والدها هاتفاً بلهجة مسرعة لهجة لا تدل على أبوته مطلقاً, رباه لقد كانت تأمل أنه ربما ما سمعته وعرفته بالأيام الماضية هو مجرد كذبة :
_ايه إلى جابك يامريم…دلوقت فيه حاجة حصلت
اقتربت  أكثر والصمت يسود المكان ثم قالت ببرود:
_ غريبة مش المفروض تاخدنى بالحضن برده داحنا بقالنا شهور
تهرب عبد الرحمن من نظراتها فأكملت هي دون إكتراث:
- أنا أطلقت
ارتسمت الصدمة على ملامحهم ولكنها لم تمهلم فرصة الرد والحديث في الأمر وأكملت:
_عاوزاك شوية..من فضلك…
نظراتها الباردة  .. نبرتها الغير مكترثة ,جعلته يتعجب منها و يتوجس!
دوما مريم كانت حنونة..رقيقة , مراعية للجميع , تخلق الأعذار لهم وتبتسم ببساطة كبساطة روحها!
إلا إنه الماثلة أمامه أبعد ما يكن عن مريم...ابنة شقيقته!
هز رأسه وهو يستقم من مكانه هاتفاً وهو يشير لها للداخل:
_تعإلى أوضة المكتب…
هزت رأسها لتلتفت هي إلى والدتها أو من كانت! هاتفة بجمود:
_وحضرتك برده...يا...ماما..!
حدجتها الآخرى بعبوس قبل أن تهب من جلستها والإمتعاض يشملها! تتبعهم إلى الداخل!

بعد دقائق كانت تجلس أمامهم والصمت يلف الغرفة ووالدتها تتحدث بنبرة بارده:
_ايه يامريم...ادينا قاعدين خير.. أطلقت ليه وازاي.اكيد استفزتيه كويس اصلا استحملك الفترة إلى فاتت
ابتسمت مريم في البداية , تطل من عينيها نظرات ساخرة..., وسرعان ما تحولت البسمة إلى ضحكة تهكمية عالية تدوي بأرجاء المكتب..!
مسحت وجهها ثم جلست أمامهم هاتفة بتساؤل صعب في إجابته:
_انا مين…؟!

ساد الصمت والصدمة تحتل الموقف قبل أن تكمل هي أمام نظراتهم المتعجبة:
_ ليه يا بابا دايما كنت تعاملي ببرود.. كل حاجة كنت بتعملها نحيتي كنت بتعملها وكأنها حمل تقيل…
ثم التفتت إلى تلك المسماة والدتها قائلة:
_ وانت ياماما...ليه دايما كنت بتتمني اني اغلط عشان تعاقبيني…ليه ودتيني جامعة في القاهرة بعيد عنكم..مع اني كان ممكن افضل هنا..
ساد الصمت ..صمت لم يجرؤ أحدهم على قطعة بكلمة واحدة..
صمت مشبع بنشيجها الذي بدأ للتو.. كانت تقسم أنها ستتحلى بالقوة ولكن كان الإنهيار وشيكاً , فانهارت وخارت قواها! عبراتها تبلل وجهها وقلبها يصرخ.. يستغيث إنه .. يموت!
اقتربت منهم تمسح عبراتها بظهر يدها كالطفلة المتعطشة للحب والحنان…تهمس بصوت منهك يبحث عن راحة في إجابة قد تحصل عليها:
_ليه…
أطلقتها وانتظرت الإجابة , لما ؟ لما أعادوها بعد كل تلك السنوات ! لما؟!
حاول عبد الرحمن أن يتكلم...هامسا بصوت خفيض ولا يعرف كيف يجاوب, كيف يريح تلك الماثلة أمامه:
_يابنتي..!
قاطعته صارخة عندما نطق بتلك الكلمة , لا تريد المزيد من الكذب هي متعبة وتستحق الراحة هتفت بحدة:
_انا مش بنتك...!
نظراتها القاسية وازت صدمته وهو يرتد للخلف فتكمل  تعرض له الحقيقة الغائبة:
انا بنت اختك..مش بنتك...صح..!!

***************************

للعشق طريق اخر(١+٢)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن