°° الخسارة الكُـبرىٰ °°

121 3 12
                                    


عوالِم

رُؤى

مَشاهِد

اماكِن

و آفاقٌ .. عديدة و مختلفة .
و شمسُ واحدة في قلب سماءٍ واحدة تحتضن تلك الروايات العديدة .
مشهد الشارع ليس كمشهدِ المنزل و إن تشابها ببعض المواقف التي يقوم بها البشر .
تلك المخلوقات التي تخبئُ وراء عاديتها ، مفاجآت عديدة بعضها سهلُ التوقع و الآخر يوقِعُكَ في هاوية الصدمة .
مثل جارنا ..
الرجل الطيب و المُحترَم بين سُكان الحيِّ و اصدقائهِ المقربين ، بـضمنهم والدي .
في ربيعِ مايو الماضي ، الإعتدال في الجو يبعثُ في الأنفس السكينة و الهدوء .
و خُضرةُ المزارع تُنعش الروح و تُهدأ القلوب .
زُرقة السماء الهادئة تجعلُ الاعصاب مسترخية ،
و الوان الزهور المختلفة تبثُ الحياة في الارجاء .
كما يُعيدُ عبيرها الارواح الضائعة ، الى جناتها الوردية .
غيرَ أنَّ أيًّـا من ذلك .. لم يبلُغ روح جارنا ،
مما دفعهُ لإرتكاب جريمة دموية ، في منتصف ذلك الفصل الزاهي و المورق ، بِحقِ عائلتهِ .
و كأنَّ روحهُ لا زالت عالقة في موقِد الشتاء المبلل بالأمطار الهدارة ،
و يباس اغصان الصيف و غضب الخريف العاصف .
كان وقع الخبر على اسماع اصدقائهِ و بقية الجيران ، اسوأُ من وقع الصاعقة .
صدمةٌ كأنها إعصار شاهين ، جرَفت كلَّ مشاعرنا بقوة و تركتنا حيارى يُطالعُ بعضنا في وجوه بعض بينما نهذي بذهول
( مستحيل ! لن يفعلها شخصٌ مثلهُ ! الجميع يعرف من يكون و من المستحيل أن يقوم بفعلٍ شنيعٍ كهذا !) .
لكن للأسف الشديد ..
اثبتت تحريات الشرطة تورطهُ بالجريمة ، و حُكِمَ عليهِ بالإعدام جزاءً لإجهازهِ على افراد عائلتهِ جميعهم حتى الطفل ذو السنوات الثلاث ، و رفضت الشرطة الإفصاح عن الاسباب للإعلام .
و هذا هو ما يشغلني الآن بينما انتظرُ وصول الحافلة الى المنزل الذي سأُقيمُ فيه لبضعةِ سنوات .
للآخرين سأبدو منهمكةً في قراءة اسطر الكتاب الذي بين يدي الآن ، بينما أنا شاردةُ التفكير عند هذا السؤال :
( ما الذي قد يدفعُ شخصاً طيباً و محترماً مثل جارنا للقيام بإبادة افراد عائلتهِ بوحشية حتى لأصغر طفل؟!)

و بين الحينِ و الاخر ، أنظرُ من وراء النافذة ، ليس الى الشارع إنما لمُحاولةِ إسترجاع بعض المشاهد في ذهني ..
لأوقاتٍ التقينا خلالها فيه _ جارنا _ بحثاً عن اي دليل يُشير لقيامهِ بالتخطيط أو حتى التفكير بإرتكاب جريمة ما .
لكن .. لا شيء !
ابتسامتهُ الدافئة ذاتها كل يوم ،
نبرتهُ الجدية تتحدى جدية الرجل الخفاش ،
لم تتغير ملامحهُ الوضاءة قط ، و لم يتذبذب هدوئهُ في اي وقتٍ من اوقات لقائنا بهِ و لم يُظهر علامةً على التغيير ..!
غير الخاتم الذي اهداهُ لهُ والدي في شبابهما ..
لم يرتدهُ في اليوم الذي يسبق يوم ارتكاب الجريمة ..
تُرى ما علاقة الخاتم بالجريمة؟
ءهناك سببٌ معنوي دفعهُ لخلعهِ قبيل ارتكاب الجريمة؟
كان الخاتم ذو قيمةٍ ثمينة لدى والدي ، و اخبرني أن صديقهُ ( جارنا)
كان يستحقهُ بجدارة ، لأنهُ تبرع بإحدى كليتيهُ لإنقاذ والدتهِ المعروفة بقسوتها عليهِ و اضطهادها لهُ .
و لهذا لا استطيعُ نسيان تعابير الصدمة الكبيرة التي ارتسمت على ملامح والدي حين سمع بخبر ارتكابهِ _ جارنا _ للجريمة .
إذ كيف يقوم من أنقذَ شخصاً كان ظالماً لهُ ، بقتلِ اشخاصٍ بريئين؟!
لندَع الكبار جانباً ، لكن الاطفال؟! كيف و لماذا؟!

11:59حيث تعيش القصص. اكتشف الآن