°°همسة مُخدرة °° 1000°°

19 1 10
                                    

فأجابت :
= خلال تلك الدقائق السبع ، كنتُ منشغلة في العزف لئلا استمع لتلك الأوبرا .. و اثناء ذلك سمعتُ صوت صراخ والدتي ، و في البداية إعتقدت أنها محاولة الأشباح لإجتذابي الى فخهم و النيل مني ، لكن لم اقوى على تجاهلهِ طويلاً و هرعتُ اليها لأجدهـا واقعةٌ في منتصف السلالم بلا ساقين و تملئها الدماء .. لحُسنِ الحظ ان هرعتُ اليها سريعاً و اخذتها للمشفى و تم اسعافها على الفور ، و لما استيقظت استفهمتها عما جرى فأخبرتني بأنها تتبعت صوت الاشباح و لم تشعر بنفسها بعد ذلك الا وهي تتألم بشدة من مكان ساقيها و لا تعلمُ أنهما ليسا موجودتان كما لا تعلمُ كيف فقدتـهما .
وتلك الندوب على فخذيها ، هي من فعل تلك الاشباح إذ تطفلت أِمي عليهم و اربكت طقسهم .

فأومأتُ متفهمة :
= ولعل الأمر ذاته حصل مع جارنا .. حقاً إن لبعض الفضولِ قاتل.

فقالت وهي تُشيحُ بعيداً كأنها تستذكرُ شيئاً قديماً :
=  دفعتني معاناة والدتي لإعتزال العالم لفترة ، قضيتُها في القراءة و الرسم و الكتابة .
لذا تلك الحشود التي تملئ المنزل ، هي حصيلة فترة الانعزال .

فإبتسمتُ برقة و قلت :
= واجهتي الأذى و الظُلم بالفن .. أنت شخصٌ فريدٌ من نوعهِ حقاً ..!

فإبتسمت وقالت :
- إسمحي لي ، أن أُرشِدكِ الى غرفتكِ .

فإستفهمتها عن قلق :
= هل تؤذي الاشباح الجميع أم المتطفلين فقط .

فقالت في إبتسامة باهتة :
= ها انا امامك ، سالمة معافاة من كل خدش و جرح .

فأومأتُ و تبعتُـها بينما تغادر غرفة والدتها متوجهة الى غرفتي.
ذكرت ملاذ انها ستكون اجمل بكثير من غرفة والدتها ، لنرى
الى اي احد ستفوقها .
دلفتُ الغرفة في إثر ملاذ و كان اول ما
وقعت عيني عليه هو بيانو مرصوفٌ الى الزاوية الشمالية
من الغرفة . ظللتُ احدقُ في تفاصيلهِ الخشبية
الخلابة مدهوشة ، و بدى الامر لوهلة و كأنني
في ارض الخيال مع جميع الاشياء و التفاصيل التي
احبها و اتمنى رؤيتها ، بدءاً من منزل بواجهة
روسية و باطن كلاسيكي مختلط و مكتبة كبيرة
إلى غرفٍ ملكية و بيانو في غرفتي الخاصة !
اشعرُ برغبةٍ للبكاء !
البكاء من السعادة لحصولي على جميع احلامي بمبلغٍ زهيد ، قدرهُ ٧٥ الف دينار !
بات جنتي و لن اغادرها !
لا انكر أني رغبتُ بالمغادرة فور رؤيتي لوالدة
ملاذ و ماكان ليقف بوجهي شيء حتى مأساة ملاذ
و حاجتها للرفقة ، لكن من اجل هذا البيانو ، سأبقى
و ربما حتى اهرم .
تجاهلتُ الغرفة بأكملها و سرتُ نحو البيانو ،
تحسستُ مفاتيحهُ برفق يبدي ثم اومأتُ لملاذ
بـ( هل استطيعُ العزف؟)
فأومأت لي مع ابتسامة دافئة ، و إتكأت الى طرف
الباب في انتظار ما ستنتجهُ أصابعي النحيلة .
كنتُ قادرة على عزف معزوفة تعود الى عازف شاب يُدعى جوريان ڨان هوڨين ، سمعتها في سنة ٢٠١٥
بعنوان ( القدر faith) عاطفية و حزينة بعض الشيء .
نالت اعجابي نعومة الحانها و هدوئها ، لذا عكفتُ
على ممارستها لمفردي من دون مساعدة ، واستغرقني
اتقانها ٣ اشهر .
و كنتُ اعزفها لنفسي كل يوم قبل أن انام .
وها انا أُعيد عزفها بعد أن هجرتها لشهور ، بذات
اللحن الناعم .
استطيع الشعور بملاذ تحدقُ فيَّ مأخوذة
بألحان هذه المعزوفة الجميلة .
و بلا شكٍ ستأخذها الى عوالم تتعمد الابتعاد عنها و الانشغال ، لكنها عادة الموسيقى أن تأخذنا الحانها رغماً
عنا إلى كلُ ما نحاول الهرب منه .
دقيقتان من التأمل بالماضي و مشيئات
القدر التي جرت خلاله ..
دقيقتان من الوقوف و التأمل في ذاتنا في
الماضي وذاتنا الآن ، و مشاهدة كم التغييرات
التي طرأت على شخصيتنا و طرق تفكيرنا .
كـمٌ هائلٌ من التغييرات حتى لنعود لا نعرف
ما كُنا عليه قبل الآن .
فالإنسان قد يتغير بين ليلة و ضحاها ، فما بالك
و السنين بأيامها الثقيلة و متاعبها و مأسيها .
دقيقتان تمران برتابة ، معهما اطياف رقيقة ،
و تنتهيان فيُهيمنُ الصمتُ مجدداً مع ابتسامةٍ
وضاءة تغمرُ وجه ملاذ ، فتتدفقُ الدماء الى وجهي
خجلاً لتشرع هي بقولها اللطيف :
= لديكِ مهارة جميلة في العزف ، لابد أن مشرفكِ كان فخوراً بك .

11:59حيث تعيش القصص. اكتشف الآن