°° كــالأُوبرا °°

17 1 17
                                    

فزفرتُ أنفاسي واهنةً الثبات امامها ، بعدما رمقت ساعة يدي و كانت عند التاسعة ، أيّ لا وقت للبحث عن سكنٍ آخر :
= فقط كوني واضحة ملاذ ، ارجوكِ ..

فقالت وهي تشيرُ بعيناها نحو المنزل ثم تعاود النظر إليَّ بإهتمام :
= كما ترين أمامك المنزل و كم يبدو عملاقاً من النظر الى الخارج فقط ، فما بالك و الداخل !
إنَّـهُ كبيرٌ جداً ، و عليهِ بدأتُ اشعر أنَّ كبرهُ سيغدو مضيعة لو لم أقم بإستغلال المساحات المتروكة فيهِ جيداً ، لذا قررتُ عرض غرفةً منهُ للأجرة ، و لا أخفيك الكم الهائل من الطلبات التي تجمعت في صندوق بريدي بعد مرور ربع ساعةٍ فقط من عرضي الغرفة للأجرة ، في ربع ساعةٍ تلقيتُ ٩٥ طلباً بعضها عُرِضَ عليَّ فيه مبالغ مغرية و طائلة ، و كان اصحابها من اولئك المفتونون بحكاية هذا الشارع بالإضافة الى رغبتهم الشديدة بتحقيق إحدى امنياتهم بأن يحتسوا قهوة بوابي على شرفة فخمة تقابل مقهى بوابي اثناء الليل ، و الإستماع الى الألحان الفرنسية التي تنطلقُ من المقهى ليلاً .
إحدى الطلبات كانت مغرية بحق حيثُ عُرِض عليّ مبلغ ٣ ملايين دينار للإقامة شهرٍ واحدٍ فقط من قِبَلِ رجل مع زوجتهِ و ابنتهِ ..
و كنتُ على شفير الموافقة ، لولا أن تلقيتُ طلبكِ في اليوم التالي
و لأجل غايتك .. طلب العلم ، تجاهلت جميع الدعوات و ضحيت بتلك المبالغ الطائلة ليتسنى لكِ الدراسة على شرفة فخمة امام اشهر المقاهي و أجملها .

ثم صمتت لتنظرُ رد فعلي و الذي باء بالتفهم نوعاً ما و الإستسلام
ثُـم استتلَـت :
= و كما فهمتي للتو ، حكاية الاشباح مبتدعة بغرض تحصيل الشهرة ، و لستُ اعرف حقاً من قام بها ، لكنني أودُ شكرهُ أن لفت انظار العالم الى هذا المكان الذي كان شبه مهجور ، و بوابي لم تكن بهذا الجمال و هذه الزينة قبل إنتشار هذه الحكاية .

فإستدركتُ بإستياء :
= لكنها حقيقية .. ملاذ أنتِ تقولين كل شيء عدا الحقيقة !
لماذا تتهربين ..!؟

فأجابت بعد تنهيدة :
= إنَّـها .. كالأوبرا ..
اصواتٌ تنبعثُ من العدم لـسبعِ دقائق ، خليطٌ قد لا يكون الإستماع اليهِ محبباً بقدر ما هو محفزٌ للأدرينالين .. لكنـهُ
لِـمَن إعتادوا عليهِ .. أُوبرا التحرر من الإصطناع و الزيف لأنّـهُ وخلالها يكشِفُ الظلام عن وجههِ الحقيقي و كم هو رهيبٌ و ساحر .. يوقد الرغبة الشديدة بالعودة الى الذات و النجاة من عبودية هوى النفس و كسر قيد الظُلمِ تحت وطأة الندامة المتأخرة .

فعقدتُ حاجباي و قلتُ بيأس :
= و كأنكِ تدورين بي في حلقاتٍ مفرغة !
ترفضين الافصاح عن الحقيقة فتخلطيها بالفن و الفلسفة لتتركي الخيار لي و لفضولي .. آه و لستُ ادري ما أفعل و قد تأخر الوقت حتى عن تقمص دور المشرد و النوم في الشارع .

فقالت بإصرار شديد :
= صدقيني هي لاشيء ، فوقعها سيكون حتماً كوقع الامطار الهدارة على سور الصين العظيم ، أتراهُ يتزعزعُ من مطر؟!

11:59حيث تعيش القصص. اكتشف الآن