16..رائحة الموت

2.5K 80 16
                                    

في الحمام..أطبقت شفاه فرمان على شفتي نازلي تتذوقان رحيقها و تنهلان منه دون إكتفاء..في الثواني الاولى..طغى الذهول و الجمود على نازلي..فهذه القبلة الغير متوقعة فاجئتها و باغتتها و أخذتها على حين غِرّة..و عقلها توقف للحظات أمام ما يجري عاجزا عن استيعابه

ثم أطلق قلبها صفارات الإنذار معلنا بلوغه لغايته و تحقيقه لحلمه الذي طال انتظاره

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

..ثم أطلق قلبها صفارات الإنذار معلنا بلوغه لغايته و تحقيقه لحلمه الذي طال انتظاره..فإستيقظ عقلها من سباته و أمر جسدها بالتفاعل مع ما يحدث..فوضعت يديها على صدر فرمان و تعلقت بياقة قميصه ثم راحت تبادله قبلاته المجنونة..غرق كلاهما في الآخر و انقطعا معا عن الكون بأسره..و لم ينتبها حتى للإنقطاع المفاجئ للكهرباء..و لعله أتى في مصلحتهما فأضفى الظلام رومانسية محببة على ما يفعلانه..بعد لحظات..رفع فرمان رأسه و نظر إليها..في عيونه ارتسمت علامات السعادة بما حدث و تردد خفيف أيضا..لقد انساق وراء غيرته و مشاعره الغامرة و لم يستطع أن يمنع نفسه من تقبيلها رغم أنه ما يزال رجلا مرتبطا و رغم أنها طالبته و هو أستاذها..و على وجهها هي ظهرت ظلال خجل شديد و خوف مما سيأتي..انفصلت الشفاه و تباعدت الأجساد و عاد الواقع يلقي بظلاله عليهما..يحاولان السيطرة على أنفاسهما المتهدجة و على ارتعاشة يديهما..يهرب أحدهما من عيون الآخر..و تختنق الكلمات في حلقيهما..
في الخارج..بحثت عيون هزان هنا و هناك عن ذلك الشبح الذي قبّلها بسرعة و اختفى..تكاد تجزم بأنه هو..برائحة عطره..بأنفاسه الدافئة..بطعم قبلاته المميز..بحضوره الطاغي..لكنها تعود و تقول لنفسها بأنها تهذي و بأن عقلها يخدعها و يصور لها أمورا عارية عن الصحة..فلو كان موجودا في المطعم لكانت رأته او لمحته على الأقل..لكنها لم تفعل ذلك..فرجحت بأنها تتوهم و راحت تقاوم صوت قلبها الذي يؤكد لها بأنه هو..أغمضت عيونها و مررت إصبعها على شفتيها متلذذة بذلك الأثر الخفيف لقبلته العميقة عليهما عندما شعرت بيد توضع على ظهرها..التفتت على الفور ظنا منها بأنه هو..لكنه كان باريش..سألته مباشرة و هي تحاول اخفاء ارتباكها" هل اصطدمت بك قبل قليل بسبب الظلام؟ هل كنت أنت من منعني من السقوط؟" هز رأسه بالنفي و أجاب" لا..لست أنا..الظلام باغتني و جعلني أقف في مكاني دون حراك لكي لا اسقط او أصطدم بأحدهم..و ما ان عادت الاضاءة جئت للبحث عنك..هل أنت بخير؟" همهمت بالإيجاب و ظلت عيونها تبحث في المكان عن ذلك الوجه المألوف لكن دون جدوى..
في الحمام..قال فرمان بعد صمت دام لدقائق طويلة" نازلي..أنا..لا أدري.." قاطعته بهدوء" لا عليك..لا تقل شيئا..لم يحدث شيء..لننسى..فقط..هذا ما علينا فعله" و همت بتجاوزه لكنه أمسكها من ذراعها و رد و هو يحملق فيها" ننسى؟ بهذه البساطة؟ أنا واع جدا بما حدث..و لن أنكره أو أتجاهله..لطالما وقفت بثبات خلف أفعالي..ما قصدته بأنني لا أدري من أين أتتني الجرأة لفعل ما فعلته..ما أستطيع قوله الآن هو أن ما حدث مميز و خاص جدا بالنسبة إلي..و أتمنى أن يكون كذلك بالنسبة إليك" نظرت إليه بعيون دامعة و سألت" و كأنك لا تعرف؟ لطالما كانت كل ملاحظة أسمعها منك مميزة..و كل نظرة ترمقني بها خاصة جدا..و كل لمسة و لو عفوية منك إستثنائية..فكيف يكون ما حدث منذ قليل؟..لكن..أنا..خائفة..من الآتي..أنت..مازلت.." قاطعها" نعم..أعلم ذلك..معك حق..الأمر يحتاج إلى قرار حاسم..و أنا على وشك اتخاذه.." لم يستطع انهاء كلامه لأن الصوت المدوي الذي سمعاه كان قويا جدا..إنه صوت طلقات نارية متتابعة..و صوت صرخات فزع و هلع عمت المكان..انطلقت نازلي مسرعة نحو الباب و همت بفتحه لكن فرمان منعها قائلا" الى أين انت ذاهبة؟ ألم تسمعي صوت إطلاق النار؟ ابقي هنا..سأخرج و أتفقد الوضع ثم أعود إليك" هزت رأسها بالنفي و أجابت" كلا..لن أسمح لك بالخروج لوحدك..نعم سمعت الصوت..و أريد أن أطمئن على هزان و البقية..لنذهب معا" قال" حسنا..لكن ابقي خلفي..و إياك أن تقومي بأية حركة غير محسوبة..اتفقنا؟" همهمت بالإيجاب و خرجا معا الى القاعة..الوضع هناك كان كارثيا و فوضويا..الطاولات مقلوبة و الكؤوس و الأطباق مهشمة و قطع الزجاج متناثرة هنا و هناك..بركة دماء موجودة على الأرض..و الناس منقسمون بين من فر يجري فزعا و بين من اختبئ في هذا الركن أو ذاك..ما حدث منذ لحظات كان كالتالي..رجل في أوائل الأربعينيات من عمره..يرتدي سترة سوداء و يضع قبعة على رأسه..دخل إلى المطعم و وقف لبعض الوقت و هو ينظر يمنة و يسرة و كأنه يبحث عن شخص بعينه..و ما ان رآه جالسا على الحانة يحتسي نبيذه حتى أخرج مسدسا كان يخفيه تحت ثيابه و صاح به قائلا" و أخيرا وقعت في يدي يا عديم الشرف..أيها القاتل اللعين..و أخيرا سآخذ بثأري منك..هل تذكرتني؟ أنا صالح ابن محمود كوروغلو الذي قتلته عامدا و هربت..أظننت بأنني لن أعثر عليك أيها الحقير..مت و اذهب الى الجحيم يا قاتل أبي" و اطلق عيارا ناريا اصاب صدر الرجل و عندما هم بإطلاق عيار ثان جذبه أحد الموجودين و تعارك معه و حاول انتزاع المسدس من يده فانطلقت رصاصة أصابت سيدة كبيرة في السن كانت مارة في الطريق قبل أن يتمكن صالح من افتكاك المسدس ليوجهه الى رأسه و هو يقول" لقد أخذت بثأرك يا أبي..و لن أدخل السجن بسبب هذا السافل..سألحق بك لكي أرتاح" و أطلق النار على نفسه ليقع على الأرض و الدماء تنفر من جبينه..عندها اندفعت هزان تجري نحو المرأة التي أصابتها الرصاصة في بطنها و ضغطت على جرحها و هي تصرخ بصوت عالي" فلتتصلوا بالإسعاف..بسرعة" ..أما فؤاد و باريش فإهتم كل منهما بالقاتل و المصاب الآخر..و ساعدهما جينك و داملا..
بعد خروجه من المطعم..ركب ياغيز سيارته و انطلق بها و إبتسامة رقيقة ترتسم على شفتيه..ثبّت المرآة الصغيرة على وجهه و ظل يسترق النظر إلى ملامحه المبتهجة بتلك القبلة السريعة التي سرقها من هزان و كأنها إنجاز تحقق بعد طول انتظار..لم يكن يصدق يوما بأنه سيتصرف بهذه الطريقة الطفولية و كأنه فتى مراهق يعيش مشاعرا غريبة عنه للمرة الأولى..لمعت في عيونه فجأة نظرة خوف و تردد لم يستطع اخفاءها..خائف هو من فيض المشاعر الذي غمر قلبه بغتة دون إرادة منه..مشاعر لم يصدقها يوما و لم يؤمن بوجودها حتى..مشاعر لطالما سخر منها و استهان بها و هرب منها..مشاعر تسلّطت عليه و هزمته و جعلته ينجرف في إتجاه طريق كان يأبى أن يسلكه أو يقترب منه..مشاعر يخشى الإعتراف بها حتى بينه و بين نفسه و يحاول بأن يفسرها بطريقة خاطئة لعل ذلك يطرد الخوف من داخله..لأن مجرد فكرة وقوعه في الحب و استسلامه له ترعبه و تفزعه فهو شخص قد نشأ و كبر مع حقيقة تخلي كل من يحبهم عنه و بقاءه وحيدا و منبوذا و حزينا..تأفف بضيق من تواتر الأفكار على رأسه و أراد أن يشغل نفسه عن التفكير و التحليل و التبرير ففتح الراديو لكي يؤانسه في طريقه إلى المنزل..كانت الأغنية الرومانسية التي انطلقت منه قد شارفت على الانتهاء عندما سمع ياغيز صوت المذيع يقطعها لإعلان خبر عاجل مفاده بأن حادثة إطلاق نار جدّت في مطعم " اللؤلؤة" وسط مدينة إسطنبول و بأن هناك أنباء عن وقوع اصابات متفاوتة الخطورة بين بعض الموجودين هناك..داس ياغيز على فرامل السيارة في حركة حينية مباغتة حتى كاد رأسه يرتطم بالمقود و ارتسمت على وجهه علامات الخوف و القلق..ارتعد قلبه وسط ضلوعه و راح يردد بصوت مرتعش" هزان..لا..لا سمح الله..يارب..احمها و احفظها..أرجوك يا الله..لا تسمح بأن يصيبها أي مكروه..أتوسل إليك يا الله" ثم أخذ هاتفه و اتصل بها  لكنها لم ترد..زاد ذلك من رعبه فأدار السيارة و عاد الى المطعم بأقصى سرعة ممكنة و هو يردد اسم هزان و كل الأدعية التي يعرفها لكي تتكفل بحمايتها..دقائق قليلة و كان قد أوقف سيارته في الشارع المقابل للمطعم..و على الجانب الآخر..رأى سيارتي إسعاف تطلقان أصوات صفارتيها و مجموعة من المتطفلين الذين يريدون معرفة ما يجري..إضافة إلى بعض الصحفيين الذين يرغبون في الحصول على تغطية حصرية للحادثة الصادمة..عبر الشارع و هو لا يشعر بثقل قدمية على الأرض..و كأنه يطير إليها لكي يطمئن عليها..لم يجدها في سيارات الإسعاف فإتجه إلى الداخل..اعترضه أحد المسعفين و هو يحمل مع صديقه جسدا مغطى لأحد ضحايا الحادثة..سأل بصوت طغى عليه الخوف" أيها الأصدقاء..جثة من هذه؟" أجابه المسعف" إنها جثة الرجل الذي تم إطلاق النار عليه..لقد أصابت الرصاصة قلبه و مات على الفور" هز برأسه بشيء من الارتياح و تجاوزهما إلى الداخل..كانت بقع الدماء في كل مكان..و الشرطة تحاول أن تجمع الأدلة و تسمع إفادات الموجودين..بحث عنها بعيونه هنا و هناك..و لمحها أخيرا تخرج من الحمام فركض نحوها كالمجنون و جذبها إليه يعانقها بلهفة

المُتدرّبةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن