35..مَيِّتٌ من دونها

1.6K 61 31
                                    

حاول ياغيز أن يطرد تلك الفكرة البشعة من عقله و عاد يبحث كالمجنون عنها في كافة أرجاء المنزل..اتصل بها فوجد هاتفها يرن في غرفة النوم..سأل عنها الجيران فأخبروه بأنهم لم يروها..إستبدّ الرعب بقلبه و شحب وجهه شحوب الموتى و هو يجول ببصره في الفضاء و الدموع تتجمع في عيونه..أخذ يردد بصوت مرتعش" هزان..أين أنت حياتي؟ يا الله..أرجوك..لا تسمح بأن يصيبها مكروه..أرجوك..أتوسل اليك..احمها..و احفظها أينما كانت..أبعد عنها كل سوء و كل أذى..أرجوك يا الله..هزان..سأجدك يا قلبي..سأجدك..لن أتوقف قبل أن أجدك و أعيدك الى أحضاني..سأجدك..و سأحميك منها..مهما كلفني الأمر" ثم أطلق صرخة مدوية ينادي فيها بإسمها" هزاااااااااااان" و كأنه يستمد القوة من تلك الاحرف الاربع التي انحفرت عميقا في قلبه..يجب أن يبقى صامدا لأجلها..لا وقت لانهياره الآن..لا وقت للإستسلام و البكاء..يجب أن يجدها قبل أن يفقدها إلى الأبد..رن هاتفه فنظر الى الشاشة..انه العم يشار..و كأنه شعر به و جاء لمواساته..رد عليه" ألو نعم عم يشار" قال الرجل" عزيزي ياغيز..أين أنت؟ ألم نتفق على القيام بجولة في.." قاطعه بعصبية" آسف..لا أستطيع..هزان اختفت" سأل يشار بقلق" ماذا؟ اختفت؟ كيف؟" أجاب ياغيز بصوت مخنوق" انها..تلك..العاهرة..صدف..هي من اختطفتها..أتيت الى المنزل فوجدت هاتفها هنا و الباب مفتوحا و هزان..غير موجودة..لقد أخذتها" قال الرجل" اسمع بني..اهدأ..هل تستطيع أن تقود السيارة أم آتي لاصطحابك؟" رد ياغيز" أستطيع..هل سنذهب الى سركان؟" أجاب يشار" نعم..هو الوحيد القادر على مساعدتنا..سيجري التحقيقات اللازمة و سيتفقد كاميرات المراقبة في المحلات المجاورة لعل ذلك يوصلنا الى خيط نستطيع تتبعه للعثور عليها..اذهب الى المخفر مباشرة و سأوافيك هناك" أنهى ياغيز المكالمة و خرج من المنزل بعد أن أغلق الباب..في الطريق..كان يحاول أن يتنفس بهدوء و أن يسيطر على ارتعاشة يديه و هو يقود السيارة..كان كلما رمش بأهدابه تراءت صورتها أمامه و هي تضحك و تمازحه كعادتها..يسمع صوتها تناديه حبيبي..و يشعر بيديها تلامسانه..يبتسم بخفة ثم يعود للتجهم و الشحوب عندما يكتشف بأن كل ذلك تهيؤات و هلوسات..و الحقيقة مغايرة لذلك تماما..هزان مفقودة..و غير موجودة..و هي الآن تحت رحمة إمرأة معتوهة قادرة على الاتيان بفظائع يعجز العقل عن استيعابها..سمع فجأة صوت زمور سيارة ينطلق عاليا خلفه أيقظه من غفلته..لقد أوقف السيارة بصفة مباغتة وسط الشارع دون أن ينتبه لنفسه..استأنف السير نحو المخفر و ما ان وصل حتى اعترضه سركان و أبوه يشار..رافقاه إلى مكتب سركان و جلسا قبالته..نظر سركان إلى يديه المرتعشة و وجهه الشاحب فربت على كتفه و هو يقول" ياغيز..أخي..أعلم بأنك خائف على هزان و بأن الأفكار السوداء تضج في عقلك الآن..لكن..حاول أن تهدأ و تخبرني بكل التفاصيل التي تعرفها لأن ذلك سيساعدنا على ايجادها في أقرب وقت" أعطاه يشار كوبا من الماء فارتشف منه رشفتين ثم تكلم بصوت مرتعش" أنا..كنت..معها..كنا..معا..عدنا الى المنزل بعد انتهاء حفل الزفاف..و يوم حفل الحناء..كان قد وصلها تهديد..فيه صورتنا أنا و هي..لكن رأسها هي مقطوع..و كتب عليها كلام مخيف عن قتلها و انهاء حياتها لكي تمنعها من الزواج بي..لم تخبرني هزان عن ذلك في البداية..ثم حكت لي ما حصل..و اليوم..هذا الصباح..تناولنا فطور الصباح معا..ثم..خرجت لكي أذهب الى المشفى..و اخبرتني..هزان..بأنها ستنظف المنزل..في طريقي الى المشفى..اكتشفت بأنني نسيت محفظتي عندها..عدت..و وجدت باب المنزل مفتوحا..محفظتي واقعة على الأرض..و هزان غير موجودة..و هاتفها في المنزل..وجدت أيضا سطلا من الماء و فيه مواد تنظيف..بحثت عنها في الأرجاء..و سألت عنها الجيران..لكن..لقد اختفت..ماذا أفعل أنا الآن؟ كيف أتصرف؟ أرجوك ساعدني..لا أحتمل فكرة أن يصيبها مكروه بسببي" نظر اليه سركان و رد" ياغيز..تأكد بأنني سأفعل ما في وسعي" هز ياغيز رأسه و هو يقول" لا أريد ما في وسعك..أريد هزان..أعد لي هزان..هذا كل ما أريده..ساعدني قبل أن أُجنّ" وقف سركان و قال" من الجهة القانونية..نحن كشرطة لا نستطيع التحرّك قبل ثمان و أربعين ساعة و .." انتفض ياغيز واقفا و صاح به بصوت مزلزل" ماذا؟ ثمان و أربعين ماذا؟ و ماذا أفعل أنا خلال هذه المدة؟ هل أنتظر أن تصلني جثة المرأة التي أحبها لا سمح الله؟ هل اترك مجرمة حقيرة مثل صدف تستفرد بهزان و تفعل بها ما تشاء؟ أبدا..انسى..لن أنتظر و لو للحظة واحدة..ان اضطررت سأحرق اسطنبول بأكملها لكي أجدها و لن أتوقف قبل أن أفعل..هل فهمت؟ لماذا طلبت مني أن آتي الى هنا إذا؟ لكي تضيع وقتي؟ لا أكاد أصدق" وضع سركان يده على كتفه و رد بهدوء" ياغيز..توقف لو سمحت..أنت لم تسمح لي بإنهاء كلامي..لم أطلب منك المجيء الى هنا لكي أخبرك بأنني عاجز على مساعدتك..أنت أخي..و لن أدخر جهدا قبل أن أجد هزان..حتى و ان كان ذلك بصفة غير قانونية..سأسخر كل الفريق لكي نجد أي أثر لصدف..كن مطمئنا" تأفف ياغيز بضيق و تمتم" طمأنينة؟ هدوء؟ من أين أحصل عليهما؟ كيف أفعل ذلك و هزان ليست معي؟ أتعلم ماذا أشبه أنا الآن..أشبه ذلك الأعمى الذي فقد عصاه و لم يعد قادرا على التحرك لا يمنة و لا يسرة لكي لا يرتطم بأي شيء و يسقط أرضا..هكذا أنا دون هزان..لن يهدأ لي بال قبل أن أستعيدها و هي سالمة معافاة" ثم صمت قليلا قبل أن يسأل بحماس" أتعتقد بأنها قد تتصل بي لكي تطلب شيئا بالمقابل؟ أتراها خطفتها فقط لكي تضغط علي و تجبرني على اعطاءها أي شيء تريده؟" قطب يشار جبينه و سأل بدوره" و مالذي قد تطلبه منك يا بني؟" ذرع ياغيز المكتب جيئة و ذهابا و هو يفرك أصابع يديه ببعضها و أجاب" سأعطيها ما تريد مهما كان..لا يهمني..فلتطلب ما تشاء..المهم ألا تؤذي هزان" نظر إليه سركان و قال" لا أعتقد بأنها قد تطلب مالا أو ما شابه..ما يهمها الآن هو أن تهرب من قبضة الشرطة و ألا تعود إلى السجن مرة أخرى..أظن بأنها قد تطلب منك مساعدتها على الفرار الى خارج البلاد..سننتظر اتصالها لكي نتأكد من هذا التخمين" تفقد ياغيز ساعته و غمغم بنفاذ صبر" و لماذا لم تتصل الى الآن؟ ماذا تنتظر ؟ لقد مرت ساعتان..أليست هذه مدة كافية؟ لماذا لم تتصل إذا؟" اقترب يشار من ياغيز و وضع يده على كتفه و هو يقول" بني..لو سمحت..إياك أن تفقد أعصابك..آخر ما تحتاجه الآن هو أن تفقد ثباتك و صبرك..توقع أن يتأخر إتصالها بك لساعات و ربما لأيام..هي تحاول الآن أن تضغط عليك الى أقصى درجة لكي تفعل ما تطلبه منك مهما كان جنونيا و بعيدا عن المنطق..تعالى اجلس و لنفكر معا فيما سنفعله في الساعات القادمة..لو سمحت" تبعه ياغيز و جلس و هو يضع رأسه بين يديه..
في مكان آخر..فتحت هزان عيونها على مهل لتجد الظلام يلف الأرجاء من حولها لأن خرقة من قماش أسود وضعت على عينيها..حاولت أن تتحرك لكنها وجدت نفسها مقيدة إلى كرسي بحبال سميكة..عادت بذاكرتها الى ما حدث منذ ساعات..لقد فتحت الباب لتتفاجئ برجل عظيم الجثة يقف أمامها..لم يعطها الفرصة لكي تسأله عما يريده..رش ذلك الرذاذ في وجهها ففقدت الوعي و ها هي هنا الآن..ارتعد جسدها و خفق قلبها بشدة و هي تدرك بأنها في قبضة صدف التي قررت أن تنفذ تهديدها..و راحت الأسئلة تتدافع الى رأسها الواحدة تلو الأخرى..مالذي تنوي هذه المعتوهة أن تفعله بها؟ هل ستقتلها؟ هل ستستغلها لكي تحصل على ياغيز؟ هل ستجبره على فعل شيء؟ ..هزت هزان رأسها بعنف و كأنما لتطرد تلك الأفكار من رأسها..صرخت بأعلى صوتها" هااااي..صدف..أين أنت؟ أعلم جيدا بأنك أنت من خطفتني..تعالي الي..أريني وجهك القبيح أيتها المجنونة..لماذا تختفين؟ هل أنت جبانة الى هذه الدرجة؟ تعالي و أخبريني ماذا تريدين..آسفة..لقد نسيت..نسيت بأنك مهووسة بياغيز و تريدين الحصول عليه..سيحدث ذلك..لكن في أحلامك فقط..ياغيز حبيبي أنا..و خطيبي..و قريبا سيكون زوجي و والد أطفالي..هل سمعت أيتها الحقيرة السافلة؟ لماذا لا تجيبين؟ هل أكل القط لسانك؟ هل تخافين من مواجهة الحقيقة؟ حقيقة أن وهم حصولك على ياغيز لن يحدث أبدا..حقيقة بأن حلمك الحقير ذاك لن يتحقق أبدا..ماذا ستفعلين بي؟ هل ستقتلينني؟ و هل ستتمكنين ساعتها من الحصول على ياغيز؟ حقا؟ مسكينة أنت..أشفق عليك من كل قلبي..حتى الموت لن يجعل ياغيز يتوقف عن حبي..نعم..أنا واثقة من ذلك كإسمي..عصرك انتهى يا صدف..ذلك العصر الذي كنت فيه تضطهدين ياغيز و ترهبينه و تحاولين السيطرة عليه ولّى و انتهى..لقد أصبحت مجرمة و قاتلة و نكرة و كل ما تجيدين فعله هو الاختباء في الجحور كالفئران" تلقّت هزان ضربة قوية على فمها فسالت الدماء من شفتها السفلية و سمعت صوت رجل يصيح بها بصوت مخيف" اخرسي يا هذه..لست مضطرا لسماع هراءك المزعج هذا طوال اليوم..اذا سمعت صوتك مرة أخرى فلن أكتفي بضربك على فمك بل سأفعل ما هو أكثر من ذلك..هل فهمتي؟ لذا اخرسي و احتفظي بشجاعتك هذه لعلها تنفعك عندما تقرر السيدة مصيرك" ثم سمعت صوت صرير باب حديدي يفتح و يغلق..تحسست هزان شفتها فتذوقت طعم الدماء و راحت تحاول أن ترطب مكان الجرح بلسانها لعل الألم يخف قليلا..اشتمت هزان رائحة خشب في المكان الذي هي محبوسة فيه فرجّحت بأن يكون مصنعا للخشب أو قبوا لتخزين الأثاث القديم ثم سمعت صوت طائرات قريب جدا ففهمت بأن هذا المكان قريب من المطار..تمنّت لوهلة بأن تكون لديها وسيلة تتواصل بها مع ياغيز لكي تعلمه بمكانها لكنها كانت واثقة بأنه سيجدها و سينقذها من هذه المرأة المجنونة التي تحاول التفريق بينهما..تجمعت الدموع في عينيها عندما تراءت صورة حبيبها في مخيلتها..كيف هو يا ترى الآن؟ كيف هو من دونها؟ أتراه صامد و ثابت و يحاول أن يبقى قويا لكي يجدها بسرعة؟ أم تراه منهارا و خائفا عليها؟ ..أغمضت عيونها بقوة و كأنما لتخفي صورته داخل عقلها و لا تسمح لها بالاختفاء و قالت تناجيه بحب" ياغيز..حبيبي..حياتي..نبضي..أنا بخير..لا تقلق علي..و لا تخف..أنا قوية و متماسكة بسببك أنت..و بسبب حبك العظيم الذي غير حياتي..و لن أسمح لشيء بأن يزعزع ثباتي..و أنت أيضا..كن قويا حياتي..كن ثابتا و متماسكا..و لا تنهار..إياك أن تنكسر و تخضع لهذه المعتوهة..و إياك أن تفعل ما تطلبه منك..لا تجعلها تكسب و تربح على حساب حبنا..لست خائفة على نفسي منها..أنا خائفة عليك منها..خائفة أن تكسرك و تهزمك و تجعلك تفعل ما لا يليق بك و لا يشبهك..أنا راضية أن تفعل بي ما تشاء حتى و ان قتلتني..لا يهمني..المهم ألا تجعلك تكره نفسك بسببي..أنا واثقة بأنك ستجدني و ستنقذني منها..قلبك سيدلّك عليّ..و سنعود معا..و سنتخلص من هذه الحقيرة إلى الأبد..لذلك كن هادئا حبيبي..و لا تحزن..و لا تنكسر..أعلم بأنك تفتقدني و تكره البقاء من دوني..لكن هذا كله سيمرّ و سينتهي قريبا..أحبك ياغيز..و أتمنى لو كنت أمامي الآن لكي أخبرك بذلك..و لكي أجعل كل ذرة من كياني تعبر لك عن هذا الحب..لكنني واثقة بأننا سنلتقي قريبا..و قريبا جدا" ..
في المخفر..تابع ياغيز صحبة سركان تسجيلات كاميرات المراقبة الخاصة ببعض المحلات القريبة من منزل هزان..لم تظهر عملية الاختطاف سوى في واحدة منهم..رجل ضخم الجثة بشعر طويل و وشم على شكل نجمة على يده اليمنى حملها و هي غائبة عن الوعي و وضعها في السيارة التي اكتشف عناصر الشرطة بعد التحري عنها أنها مسروقة و قام الخاطفون بتغيير لوحة الأرقام الخاصة بها..ضرب ياغيز بيده على الطاولة و هو يقول بعصبية" اللعنة..و كيف سنعرف الآن الى أين أخذوا هزان؟ لوحة أرقام السيارة مزيفة و غير صحيحة..و وجه الخاطف لم يظهر بشكل واضح..و تلك الحقيرة لم تتصل الى الآن..فماذا أفعل أنا الآن؟ ماذا أفعل؟ هل أجلس مكتوف اليدين و أنتظر وقوع الكارثة؟ أم أعود الى المنزل و أتصرف بشكل طبيعي و كأن شيئا لم يكن؟ اللعنة على هذا العجز و قلة الحيلة..اللعنة على صدف..اللعنة على كل شيء..اللعنة" نظر اليه سركان و رد" ياغيز..أخي..أعلم بأن الموقف صعب و ثقيل جدا عليك..لكن ما عليك سوى أن تنتظر اتصالها بك لكي تعرف شروط المقايضة..و كن واثقا بأنها لن تؤذي هزان لأنها ورقة رابحة بالنسبة اليها و عن طريقها هي ستصل الى ما تريده..لذلك عد الى المنزل و انتظر اتصالها..هذا أفضل ما تفعله الآن..و نحن لن نتوقف عن العمل قبل أن نجد هزان و نعيدها اليك..كن واثقا من ذلك يا أخي" أخذ ياغيز جاكيته المعلقة و خرج و وجهه يكاد يتميز غضبا..ركب سيارته و انطلق بها لا يدري الى أين..و كأن الوسيعة كلها ضاقت به و لم تعد قادرة على احتواءه..كل الامكنة خالية و باردة و كئيبة دون هزان..و الوقت لا يمرّ..و كأنه متواطئ عليه هو الآخر..و كأن ثوانيه صارت أياما و سنوات و دهورا و هزان بعيدة عنه..أوقف سيارته بجانب البحر و وضع رأسه على المقود في محاولة يائسة للتفكير السليم..يريد أن يجد أية طريقة توصله الى هزان قبل أن تؤذيها صدف لكي تحرق روحه..ترجل من السيارة و راح يمشي بلا هدى على الشاطئ..وجهه عابس و جبينه مقطب و نظراته تائهة و قلبه منقبض من خوفه عليها..ظلّ في مكانه لما يقارب الساعة ثم امتطى سيارته من جديد و عاد الى منزله..فتح الباب و بقي واقفا في المدخل و هو يسمع صوت هزان يتردد في أذنيه و هي تقول" مرحبا حبيبي..أهلا بك..لقد اشتقت اليك كثيرا..تعالى..الطعام جاهز..أو ربما تريد أن تشرب القهوة أولا" و يعلو صوت ضحكاتها التي يعشقها و التي تدفئ قلبه كلما سمعها..ارتمى على الأريكة و هو يحاول جاهدا أن يمنع دموعه من الانهمار بعد أن تيقّن بأن ذلك الصوت لم يكن حقيقيا و بأن هزان غير موجودة..لم يستطع أن يطيل البقاء في المنزل..غيّر ملابسه و خرج من جديد..جال بسيّارته هنا و هناك قبل أن يوقفها دون وعي منه أمام منزل هزان..و كأنه يبحث عن آخر مكان كان فيه معها..لكي يستمد منه القدرة على المواصلة..تخيّلها تقف بالباب و تفتح ذراعيها له لكي يقترب منها فتعانقه بشغفها المعتاد و بلهفتها التي لا تتغير أبدا فتدفن وجهها في صدره و تطبع قبلات خجولة على بشرته من فتحة قميصه و تهمس بصوتها السيمفوني" لقد اشتقت اليك..الى رائحتك المميزة هذه حبيبي"..تخيّلها تجذبه من يده إلى الداخل لتنزع عنه جاكيته و تعلّقه ثم تركض الى المطبخ لكي تعدّ له القهوة التي صار مدمنا عليها و لا يستمتع بها إلا من تحت يدها هي..ثم تضع القهوة أمامه و تجلس بجانبه و تندسّ بين أحضانه كطفلة صغيرة تختبئ من الكون كله بين ذراعي والدها..تتمسك يداها بياقة قميصه لكي لا تسمح له بالذهاب..و دائما ما يبتدأ الأمر بينهما بخجل الطفلة الصغيرة و احتياجها الى الحماية ثم يتحول إلى شغف العاشقة و لهفتها و احتياجها الى حبّه و حنانه..فتتخلى تدريجيا عن ترددها و خجلها و تنتظر انتهاءه من احتساء قهوته لكي تأخذ الفنجان من يده و تضعه على الطاولة ثم تدفن وجهها في عنقه و تروح أصابعها المرتعشة تفتح أزرار قميصه الواحد تلو الآخر..تخيّلها و هي تنسكب أنوثة أمامه..تجنّ..ترقص..تغنّي..تتعرّى..تستفزّ رجولته و تثير كل ذرة من كيانه..تغدق عليه من حبّها الذي لا ينضب..و تسمعه كلماتها التي تشبه الشعر..تنعجن بين ذراعيه و تذوب كالشمع تحت نيران رغبته و هيجانه..يبلغان معا أعلى مراتب العشق و الهيام..ثم ينهدّان نائمين..و أنفاسها تلامس أنفاسه..و رائحتها تملأ رئتيه..تفتح عيونها قبله و تقضي بعض الوقت و هي تتأمله..ثم تنطلق فترة المشاغبة الصباحية و التي تدفع هي ثمنها غاليا كالعادة و ينتهي بها الأمر و هي تستسلم و تطلب الرحمة تحت وقع دغدغاته و مداعباته..إبتسم ياغيز لا إراديا و هو يتخيل ذلك و يسمع صوت ضحكاتها العالية..ثم اختفت ابتسامته و حلّت محلّها دمعة سخيّة سالت على خدّه..تنهد بحرقة و راح يمرر يده على رقبته و هو يشعر بأنه يختنق..فتح باب السيارة و ترجل..رفع عيونه نحو المنزل ثم نحو السماء و كأنه يدعو بصمت أن تتولى العناية الإلهية مهمة حماية معشوقته أينما كانت..رن هاتفه فانتبه من تفكيره العميق و تخيلاته و رد قائلا" ألو مرحبا" أجابه ياسين" ياغيز..مرحبا..أنا ياسين أخو هزان..أتصل بك من السجن..اتصلت بهزان لكنها لم ترد..أين هي؟ هل هي بخير؟" زم ياغيز شفتيه و سأل" و لم تسأل؟ و ما سبب اتصالك المفاجئ هذا؟" رد ياسين" اتصلت لكي أحذركما من صدف..لا بد أنك تعلم بأنها هربت من السجن..تلك المعتوهة فقدت صوابها عندما علمت بأمر خطبتكما و أنا واثق بأنها ستحاول إفساد زواجكما بأية طريقة كانت..لهذا اتصلت..لكي أنبهكما منها و " قاطعه ياغيز" ياسين..لحظة..من أين عرفت صدف بأننا سنتزوج أنا و هزان؟" قال ياسين" أنا من أخبرها..دون قصد مني..استفزتني بالحديث عن علاقتكما و بأنك تخدع أختي و تستغلها فرددت عليها بأنكما ستتزوجان قريبا و بأنك التقيت بأهلي لكي تخطبها منهم بصفة رسمية فجنّ جنونها و صارت تهدد و تتوعد..أرجوك ياغيز..كن حذرا منها..و احمي هزان..أنا أعلم جيدا ما هي قادرة على فعله..انها حقا إمرأة مؤذية..و لا أريد لهزان أن تتأذى بسببي..يكفيها ما عانته مني..هل تعدني أن تحميها؟..ياغيز..لقد كنت مخطئا بحقك..و الآن صرت واثقا بأنك تحب أختي لهذا.." قاطعه ياغيز من جديد" ياسين..صدف اختطفت هزان..و أنا سأجنّ لكي أجدها" صاح ياسين" اللعنة..تبّا لك صدف..أقسم بأنني سأقتلها ان آذت هزان..اللعنة..تلك العاهرة المجنونة الحقيرة..اللعنة عليها" قال له ياغيز" ياسين..إهدأ..أنا و أنت يجب أن نتحدث..سآتي اليك الآن..أعتقد بأنك قادر على مساعدتي" و أنهى المكالمة ثم انطلق بسيارته إلى السجن..
في مصنع الخشب القديم الذي تحتجز فيه صدف هزان..انفتح الباب الحديدي الذي يصدر صريرا مزعجا و دخلت صدف..عرفتها هزان من صوت طقطقة كعبها العالي فخاطبتها قائلة" و أخيرا قررت أن تظهري لي..لماذا تأخرت إلى الآن؟" ضحكت صدف بعهرها المعتاد و ردت" ها قد أتيت..ما رأيك في ضيافتي؟ هل هي في المستوى أم تريدين شيئا من الرفاهية الزائدة؟" قالت هزان" أولا ارفعي العصابة عن عيني لكي أرى وجهك القبيح و أنا أخاطبك" تلقّت هزان صفعة على وجهها آلمتها و خلفت تورّما على خدها الأيمن ثم قامت صدف بنزع العصابة عن عينيها ففتحتهما هزان على مهل و نظرت حولها..المكان كما توقعته تماما..مصنع خشب قديم به آلات عتيقة و بعض القطع الخشبية و الغراء..و أمامها رأت صدف و رجلين معها أحدهما هو الذي قام بإختطافها من المنزل..ابتسمت هزان بسخرية و قالت" أهلا بالعصابة..و أخيرا رأيت وجوهكم..ايي سيدة صدف..ماذا تريدين مني؟ لماذا أنا هنا؟" ضحكت صدف و أجابت" عجبا..و تسألين أيضا؟ أنت ورقتي الرابحة للحصول على ما أريد..حبيبك يموت عليك و هو مستعد لفعل أي شيء لكي تعودي اليه سالمة و هذا ما أريده أنا بالضبط..أرأيت ما يفعله الحب بأهله؟ يجعلهم أغبياء و ساذجين..يمكنك ليّ ذراعهم متى أردت..و أنا إمرأة ذكية و بارعة في موضوع ليّ الذراع..و ياغيز أكثر شخص عانى من براعتي تلك..منذ أن كان شابا صغيرا تحت رحمتي و تحت رحمة نزواتي..الى أن كبر و ظن أنه تخلص مني..لكن هيهات..من لديه نقطة ضعف يسهل الضغط عليه و ليّ ذراعه و اخضاعه..مسكين ياغيز..أشفق عليه صراحة..لم يكن يعلم بألا خلاص له مني..أبدا..سأظل دائما كابوسه المخيف الذي لن يصحو منه أبدا..كنت أرى خوفه مني في عيونه كلما اقتربت منه و لمسته..و كان خوفه و مقاومته لي يزيدان من شغفي به..و لن أتوقف قبل أن أحصل عليه..و سترين ذلك بأم عينك..ما رأيك هزان؟ تخيلي..اسمحي لخيالك بأن يصور لك لحظة الانتصار العظيمة تلك..حيث تريننا معا..في سرير واحد..و نحن نتطارح الغرام..مالأمر؟ لماذا شحب وجهك هكذا فجأة؟ هل غثت معدتك لمجرد تخيل المشهد؟ لا..ليسامحك الله..هل هذا مشهد مزعج الى هذه الدرجة؟ على العكس..سيكون الأمر ممتعا الى أقصى حد" صاحت بها هزان" خسئت يا هذه..لن يحدث ذلك أبدا..و ياغيز لن يخضع لتهديداتك العقيمة هذه..أفضل الموت على إجباره على عيش ذلك الكابوس الذي فرّ منه لسنوات طويلة..لن أسمح لك بتدميره..هل سمعت؟ لن أسمح لك" اقتربت منها صدف و أنشبت اظافرها في وجهها و هي تجبرها على رفع رأسها و النظر اليها و تمتمت بصوت مخيف" و هل أنت في موقع قوة لكي تتحدثي هكذا؟ ألا ترين أين أنت؟ أنت مسجونة عندي..أنت تحت رحمتي..و يمكنني أن أفلت رجالي عليك لكي يفعلوا بك ما يشاؤون لكي أخرسك الى الأبد..و سنرى عندئذ هل ستتحدثين بهذه القوة و الثقة أم ستتحولين الى قطة ضعيفة لا يسعها سوى المواء بصوت عالي..هزان..أنت عاجزة عن فعل أي شيء..سأستغلك لكي أحصل على ما أريد..ثم سأكون في غاية السعادة و أنا أنهي حياتك و أفرقك عن ياغيز إلى الأبد..جهزي نفسك لموت قريب أيتها الصغيرة" ثم أفلتتها و التفتت الى رجالها و قالت" انتبهوا لها جيدا..أحضروا لها بعض الطعام و الشراب..افتحوا يدا واحدة فقط لكي تأكل بها و قفوا فوق رأسها و ما ان تنهي حتى تعيدوا تقييدها من جديد..سأذهب الآن..لدي أمر مستعجل أقوم به و سأعود بسرعة..افتحوا عيونكم جيدا" صاحت هزان" صدف..توقفي..اقتليني..افعلي بي ما تشائين..لكن لا تؤذي ياغيز..و لا تقتربي منه..صدف..لا تذهبي..توقفي" لكن صدف غادرت و تركتها هناك مع الرجال الذين وضعوا لها الأكل في طبق و قربوه منها و فتحوا لها يدا لكي تأكل بها..لم تكن لهزان شهية للاكل..إضافة الى أنها كانت تشعر بغثيان قوي في معدتها..اكتفت بشرب العصير و حاولت أن تتصرف بسرعة و تفك يدها الأخرى لكن حارسها انتبه اليها و أعاد تقييدها..
في السجن..جلس ياغيز قبالة ياسين و أخبره بما جرى بالتفصيل ثم سأله" هل لديك فكرة عن هذا الرجل ذي الشعر الطويل الذي اختطف هزان؟ هل تذكر أنك التقيته من قبل؟" زم ياسين شفتيه و أجاب" لا أدري..لست أذكر ان كنت قد التقيته سابقا..هل لديه أية علامة مميزة أستطيع تذكره بها؟" رد ياغيز" بلى..لديه وشم كبير على شكل نجمة على يده اليمنى..هاه..هل تذكرته؟" صمت ياسين قليلا و هو يحاول أن يضغط على ذاكرته ثم صاح بحماس" بلى..لقد تذكرته..اسمه دوغان اتانلي..التقيت به ذات مرة في ورشة تصليح السيارات التي كنت أعمل بها..رأيته معها..و عندما سألتها من يكون أخبرتني بأنه قريبها و بأنها توكل اليه بعض الأعمال الصعبة التي لا تستطيع القيام بها بنفسها..لديه سوابق عدلية و قضى سنوات في السجن..مطلق و لديه ابنة واحدة اسمها ليلى تعيش مع أمها في منطقة اسكودار..رجل حقير و نذل يبيع أمه لأجل حفنة من القروش" قطب ياغيز جبينه و تنهد بحرقة و غمغم بصوت مرتعش" و هزان بين يديه هو و تلك الحقيرة..اللعنة..ترى كيف هي؟ أتمنى بألا يمسها سوء..و إلا لن أتردد و لو للحظة واحدة في قتل صدف بيديّ هاتين..و حتى ذلك لن يشفي غليلي منها" ربت ياسين على يد ياغيز و قال بثقة" ستجدها..انا واثق من ذلك..ستنقذها منهم و ستعيدها سالمة معافاة..ليتني كنت قادرا على مساعدتك..لكن..كما ترى..أنا هنا خلف القضبان..محبوس مع تعذيب ضمير يكاد يقضي علي..لا أدري ان كنت قد فعلت ذلك سابقا ياغيز..لكنني أعتذر لك من كل قلبي عن كل الأخطاء التي ارتكبتها بحقك..و لن أجرؤ على طلب السماح منك بسبب ما فعلته بأبيك..لأنه لا يغتفر..أنت رجل طيب و صادق و أتمنى أن تعتني بأختي و تسعدها كما يليق بها" هز ياغيز برأسه و وقف و هو يقول" ما فات مضى..و لا فائدة من تذكره..أثبت لنفسك بأنك عدت عن الطريق الخاطئ الذي كنت تمشي فيه..و حاول أن تتعلم درسا من أخطائك..و الباقي سيكون الزمن كفيلا به..سأعلمك بما يجري..تمنى لي الحظ لكي أصل الى هزان قبل فوات الأوان" رد ياسين" لست بحاجة الى الحظ..كل ما تحتاجه لديك..الحب الكبير و العقل النيّر..أنا أثق بك صهري" ابتسم ياغيز بخفة و هو يسمع هذه الكلمة الجديدة عليه ثم ودع ياسين و غادر..
في المصنع القديم..لم تعد هزان قادرة على السيطرة على شعور الغثيان الذي انتابها فتقيأت و أفرغت ما في جوفها و هي تشعر بدوار و صداع في رأسها..طلبت ماءا فسقاها الرجل الواقف بعضا منه و مرر يده على جبينها ليتفقد حرارتها ثم قال" لست محمومة..و لم تأكلي شيئا منذ أن أحضرناك الى هنا..فمالذي جعلك تستفرغين هكذا؟" و التفت الى زميله و علّق ساخرا" أيعقل بأنها تتظاهر بالمرض لكي نأخذها إلى المشفى فتهرب من هناك و تورطنا مع السيدة" تكلم دوغان من الزاوية التي كان قابعا فيها" المهم ألا تموت قبل أن تقرر السيدة قتلها و التخلص منها..و الباقي لا يهم" ..انشغلت هزان بالتفكير فيما يحدث لها..تذكرت لتوها بأن دورتها الشهرية لم تأتي في موعدها هذه المرة..و تأخرت لما يقارب الإثني عشر يوما..شهقت هزان بصوت مسموع و قد بدا الاحتمال الذي يفسر حالة الغثيان هذه جليا أمام عينيها..إنها حامل..نعم..لقد عادت بذاكرتها الى تلك الليلة التي قضتها مع ياغيز دون أن تأخذ حبة الدواء التي تمنع الحمل..و بما أنه هو أيضا تخلى عن اتخاذ الاحتياطات اللازمة كلما كان معها..فهذا يؤكد بأنها حامل منه..امتلأت عيونها بدموع الفرح و تمنت لو كانت قادرة على لمس بطنها و على تحسس رحمها الذي يحتوي على قطعة من ياغيز تكبر داخلها..و كأن القدر يؤكد لها بأن الرابط بينهما أقوى بكثير مما يعتقدانه..فهاهي بعيدة عنه الآن..و هو ليس معها..لكن قطعة منه داخلها..تطمئنها و تقويها و تشد من عزمها..روحه و روحها التقيا و اجتمعا في روح جنين قادم في الطريق..ضحكت هزان و بكت في نفس الوقت و الحارسان يتأملانها و هما يظنان بأنها فقدت صوابها و صارت تهذي من شدة خوفها..لم تعرهما أي اهتمام..و لم تهتم لتعليقاتهما الساخرة..كانت مشغولة بنفسها و بحبيبها و بتذكر كل اللحظات الرائعة و الخاصة التي عاشاها معا..لكن عقلها أيضا استرجع كلمات ياغيز التي قالها ذات مرة عن عدم رغبته في الانجاب و عن رفضه للفكرة في الوقت الحالي على الأقل..قطبت هزان جبينها و ارتعش قلبها خوفا من مجرد فكرة أن يرفض ياغيز هذا الحمل و أن يطلب منها أن تتخلى عنه..هزت رأسها و كأنها تأبى أن تسمح لهذه الفكرة بأن تسيطر عليها فياغيز يحبها و سيكون سعيدا جدا بحملها..و بالنهاية هما سيتزوجان قريبا..هذا ان قررت صدف إبقاءها على قيد الحياة..
في المخفر..أخبر ياغيز سركان بالمعلومات التي تمكن من جمعها حول دوغان..الرجل الذي خطف هزان..و طلب منه أن يعثر له على عنوان منزل طليقته لكي يذهب اليها لعلها تستطيع مساعدته في العثور على المكان الذي يحتجزون فيه هزان..حاول سركان أن يقنعه بعدم إدخال الطليقة و الابنة في هذا الأمر لكن ياغيز كان على حافة الجنون و يستحيل اقناعه بأي شيء..كان يتناقش مع سركان عندما رن هاتفه..نظر الى الشاشة فإذا هو رقم مجهول..رد قائلا" ألو نعم" أجابه صوت نسوي على الطرف المقابل يعرف صاحبته جيدا" ألو..ياغيز..مرحبا..كيف حالك؟" قال بعصبية" أهذه أنت أيتها الحقيرة؟ أين هزان؟ أريد أن أسمع صوتها..و إياك أن تفكري في إيذائها و إلا سيكون ذلك آخر يوم في حياتك..اسمعي يا هذه..أنا.." قاطعته" ياغيز..اصمت..و لا تتحدث الي بهذه الطريقة..و لا تنسى..حبيبتك بين يدي..و أعلم بأنك تكاد تجن لكي تعرف مكانها..أكاد أشعر بخوفك..فلا تمثل دور الرجل القوي أمامي..و اسمع ما أريده منك قبل أن تهدد و تتوعد" ذرع ياغيز المكتب جيئة و ذهابا و هو يحاول جاهدا أن يسيطر على أعصابه ثم رد" صدف..قولي ما تريدين..أنا أسمعك" قالت" أنت تعلم جيدا بأنني فارّة من السجن..و لا أخطط للعودة الى هناك أبدا..لذلك..أريد منك أن تجهز لي طائرة خاصة تحملني الى أي بلد أختارها..و طبعا لا تنسى أن توفر لي مبلغا من المال..و كن كريما كما عرفتك..و أمر آخر أيضا..أريدك أن تأتي للقائي غدا صباحا في المكان الذي سأحدده لك لاحقا" رد ياغيز" حسنا..أنا مستعد لذلك..سأفعل ما تطلبينه..لكن أولا أريد أن أطمئن على هزان..يلزمني دليل أنك لم تؤذيها..و إلا لن أحرك ساكنا..هيا..أعطني إياها لكي أسمع صوتها" ضحكت صدف بصوتها المزعج و أجابت" لا..لن تفعل..سأرسل لك مقطع فيديو على هاتفك لكي تطمئن عليها..و انتظر مني اتصالا آخرا أحدد فيه مكان لقائنا" و قبل أن تنهي المكالمة أضافت قائلة" ياغيز..قبل أن أنسى..أخبر صديقك سركان الواقف بجانبك الآن و الذي يحاول تحديد مكاني بألا يتعب نفسه لأنه لن ينجح في ذلك..ياغيز..ان كنت تريد أن تبقى حبيبتك على قيد الحياة فدع الشرطة تبقى خارج اتفاقنا هذا..هل فهمت؟ الى اللقاء أيها الوسيم" و أقفلت الخط..نظر ياغيز إلى سركان الذي قال" لقد تمكنّا من تحديد مكانها..انها تتصل من منطقة اسكي شهير..لكنها تأخذ حذرها و أعتقد بأنها تريدنا أن نضيع وقتنا في البحث عنها هناك بينما تتحرك هي بحرية في مكان آخر..سأرسل بعض العناصر المتخفيين لكي ..ياغيز..هل أنت معي؟ لماذا تبدو شاردا هكذا؟ فيم تفكر؟" مرر ياغيز أصابعه خلال خصلات شعره الكثيف و رد" لا شيء..يجب أن أذهب..أعطني عنوان المرأة لو سمحت" تأفف سركان بضيق و قال" عنيد..و رأسك كالحجر..خذ..هذا هو العنوان..و أعلمني بأية خطوة تقوم بها..و لا تتصرف لوحدك..و لا تنسى..نحن معك و سنساعدك على الوصول الى هزان..كن واثقا من ذلك" اخذ ياغيز العنوان و خرج..امتطى سيارته و انطلق بها..في الطريق..وصلته رسالة..فتحها فإذا هو مقطع مصوّر تظهر فيه هزان و هي مقيدة على كرسي و معصوبة العينين..خاطبته قائلة" ياغيز..حبيبي..أنا بخير..لا تقلق علي..كن قويا مثلما عهدتك..و إياك أن تفعل ما تطلبه منك صدف..اياك أن تخضع لها بسببي..سأكون بخير..أحبك أكثر من كل شيء..أكثر من حياتي حتى..لا تنكسر و لا تضعف..انا و أنت أصبح لدينا سبب أقوى لكي نحارب من أجله..أرجوك حبيبي..لا تستسلم لها و لتهديداتها..الى أن نلتقي قريبا..أحبك" و انتهى الفيديو..راح ياغيز يكرر الفيديو و يشاهده دون توقف و الدموع تملأ عينيه ثم قرب شاشة الهاتف و راح يطبع قبلاته عليها حيث وجه هزان و هو يغمغم بصوت مخنوق" و أنا أحبك حياتي..أكثر من نفسي و من كل شيء..أحبك..و أعدك بأنني سأجدك و سأنقذك من تلك المعتوهة المريضة..سنجتمع قريبا يا قلبي..لن أسمح لها بأن تؤذيك..أبدا..مهما كلفني ذلك" ثم راح يصيح بأعلى صوته" اللعنة..ليلعنك الله يا صدف..متى سأرتاح منك؟ متى؟ ماذا تريدين مني بعد؟ ماذا؟ ألا يكفيك ما فعلته؟ أتريدين أن تقتليني؟ لقد فعلت..و هل أنا على قيد الحياة الآن دون هزان؟ طبعا لا..أنا بلا روح..مجرد جسد يتجول كالشبح هنا و هناك..نعم..أنا ميّت من دونها..ميّت بكل ما في الكلمة من معنى..الحياة بلا طعم و لا لون..الوقت لا يمضي..النفس الذي اسحبه إلى أعماقي يحرق صدري و يؤلم رئتيّ..أحاول أن أخفي عن الناس احتضاري البطيء هذا..أشعر بوحدة مقيتة لم أشعر بها من قبل..حتى صديقي المقرب الذي اكتسبته بفضل هزان بعيد عني و لا أستطيع اخباره بما جرى لكي لا أفسد عليه فرحته..معها حق هزان..هذا ما كانت تخشى عليّ منه..كانت تخاف علي و تحاول أن تحميني من نفسي..لكن هذا جاء متأخرا جدا..لقد تورطت و انتهى الأمر..و صرت عاجزا عن البقاء من دونها و لو للحظة واحدة..كل الأشياء فقدت قيمتها و رونقها و معناها بمجرد أن غابت هي عني..صارت حياتي تتلخص في كلمة واحدة..هي هزان..هذه هي الحياة بالنسبة إلي..و سأستعيدها حتى لو كلفني ذلك هذا النفس البائس الذي أتنفسه و هذا النبض الحزين الذي يخفق به قلبي" ..

المُتدرّبةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن