33..في القرية

1.8K 62 19
                                    

في قرية آغفا التي تقع في ريف مدينة إسطنبول بين نهري "كوك صو" و "يشيل جاي"

في قرية آغفا التي تقع في ريف مدينة إسطنبول بين نهري "كوك صو" و "يشيل جاي"

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

..أوقف ياغيز سيارته أمام منزل والدي هزان..منزل كبير متكون من ثلاث طوابق له بوابة حديدية خارجية سوداء يمتد منها مدخل حجري يؤدي إلى باب خشبي بلون بنيّ لامع..اندفعت هزان تجري نحو البوابة بحماس فتاة صغيرة تعود إلى منزل أهلها بعد فترة غياب..دفعت البوابة الخارجية و راحت تطرق الباب الداخلي طرقات متتالية و هي تصيح" بابا..ماما..أنا أتيت..أنا هنا..افتحا لي" فتحت أمها الباب و عانقتها بحرارة و هي تقول" هزان..يا روحي..أهلا و سهلا بك..لقد اشتقت اليك كثيرا" ردت و هي توزع قبلاتها على وجه أمها و يديها" و أنا اشتقت اليك كثيرا أماه..أين أبي؟ هل هو في المدرسة؟" أجابت فضيلة" نعم..سيعود بعد لحظات..تعالي..ادخلي" التفتت هزان إلى ياغيز الواقف خلفها و قالت" أمي..مع ضيف يريد أن يقابلكما" ابتسمت فضيلة و قالت"أهلا و سهلا بك و بضيفك..تفضل بني..تعالى..ادخل" صافحها ياغيز و تبع هزان إلى الداخل..اقتادتهما فضيلة إلى غرفة جلوس فسيحة بها أرائك بلون رمادي قاتم و عليه وضعت وسائد صغيرة بلون وردي تناسب لون الستائر..جلس ياغيز و هو يتأمل صور هزان مع أبويها التي علقت على الحائط و وضعت على الطاولة المقابلة..قطعت عليه فضيلة تأملاته بسؤالها" كيف حالك يا بني؟ و كيف هو عملك؟ هل كل شيء على ما يرام؟" أجاب" نعم..كل شيء على ما يرام و الحمد لله..كيف حالك أنت سيدتي؟ هل صحتك على ما يرام؟" قالت فضيلة" أنا بخير..أنتبه على نفسي و آخذ جرعات الأنسولين في وقتها و أتبع حمية غذائية مناسبة..و ها نحن نعيش و الحمد لله" ردد ياغيز" الحمد لله..الحمد لله" سمعوا صوت الباب ينفتح و يغلق و أطل أمين برأسه عائدا من عمله و ما ان رأى هزان حتى علت وجهه ابتسامة جميلة و فتح ذراعيه لها فاندفعت نحوه تعانقه بكل قوتها..دمعت عيونه و هو يقول" حبيبتي..صغيرتي..لقد عادت البسمة الى بيتنا بعودتك..أهلا و سهلا بك أيتها الجميلة..لقد مت من شوقي اليك" قبلت هزان جبينه و ردت" ها أنا هنا أبي..و أنا أيضا اشتقت اليك حبيبي..كيف حالك؟ هل أنت بخير؟" ابتسم و أجاب" انا بخير مادمت أنت بخير" ثم نظر الى ياغيز و قال" دكتور ياغيز..أليس كذلك؟ اهلا بك يا بني؟" وقف ياغيز و صافحه و هو يقول" أهلا بك سيد أمين..أرجو بألا أكون قد أثقلت عليكم بزيارتي المفاجئة" ربت الرجل على كتفه و أجاب" أستغفر الله..حللت أهلا و وطئت سهلا بني..عن اذنك..سأغير ثيابي و أعود" رافقته هزان إلى الطابق العلوي حيث غرفته..سألها" بنيتي..خيرا ان شاء الله؟ ما سبب زيارة الدكتور لنا؟ مع أنني أستطيع التخمين لكنني أريد أن أتأكد" احمرت خدود هزان و أجابت بخجل"السبب خير يا أبي..أمر خير يريد أن يأخذ موافقتك عليه" ابتسم أمين و همس بصوت خافت" كنت قد انتبهت عليكما عندما زرتك في المشفى..عيونكما فضحتكما..تحبان بعضكما كثيرا..أليس كذلك؟" هزت هزان برأسها بخجل فعانقها والدها و هو يقول" ها قد كبرت صغيرتي و صارت تحب و تعشق..حياتي أنت..لن يحدث سوى ما يرضيك و يسعدك..كوني واثقة من ذلك" طبعت هزان قبلاتها على يديه و نزلت تركض على الدرج أما هو فمسح دموعه و دخل الى غرفته لكي يغير ملابسه..بقي ياغيز جالسا في مكانه و هو يفرك يديه بتوتر..نظرت اليه فضيلة و ابتسمت ثم استأذنته في الذهاب الى المطبخ..عادت هزان فسألها بقلق" هاه؟ هل أخبرته؟ ماذا قال؟ هل سيوافق؟" أمسكت هزان يديه و أجابت" على رسلك حبيبي..لا تقلق..سيوافق..أبي لا يعارض سعادتي..كن مطمئنا..أتعلم..لقد انتبه علينا منذ زيارته الأخيرة للمشفى..قال أن عيوننا فضحتنا" مرر ياغيز يده على جبينه بتوتر و غمغم"أبوك رجل ذكي و لمّاح..و الأهم أنه يحبك جدا" ابتسمت هزان و همست" و أنا أيضا أحبه جدا..و أحبك أنت أيها الوسيم" و قبلت خده فنهرها قائلا" هزان..ماذا تفعلين؟ قد يرانا أحدهم..أرجوك..لا تزيدي من توتري" ضحكت هزان و قالت" أتعلم..توترك هذا يروق لي..انه يزيدك وسامة" قاطعت فضيلة حديثهما بدخولها..وضعت طبقا على الطاولة أمامهما به شاي و بعض المرطبات و هي ترحّب بياغيز بكلمات حارة و ودودة..بعد لحظات..انظم إليهم أمين و جلس قبالة ياغيز الذي كان جبينه يتصبب عرقا و حركات يديه تدل على توتره و ارتباكه..سألت هزان" أين أخي حقي؟ هل هو في الأرض كعادته؟" اجاب أمين" نعم..انه يعمل..و الحمد لله تحسن وضعه المادي كثيرا..اشترى شاحنة صغيرة و صار يتنقل عليها بين القرية و المدينة..لكنه مازال يعارض فكرة ارسال ابنته إلى اسطنبول لكي تواصل دراستها هناك..تعرفين أخاك و عقليته الرجعية..عجزت عن اقناعه..و لم يعد بيدي شيء أفعله" قطب ياغيز جبينه و قال" غريب..كيف يمنع أب أولاده من انهاء دراستهم و مطاردة أحلامهم..ألن تتغير هذه العقليات؟ الدنيا تطورت و تقدمت إلا بعض العقول..انها تصر على البقاء في الخلف" هز أمين برأسه و رد" نعم..معك حق يا بني..لقد عانينا أنا و خالتك فضيلة من أهل هذه القرية عندما قررنا إرسال هزان إلى اسطنبول..لم يتركوا أذى لم يلحقوه بنا..أحرقوا المدرسة..تهجموا علينا..أوغلوا صدور أبنائي علي..و لم أتراجع..و لم أستسلم..لأنني لو كنت خضعت لتهديداتهم لخسرت احترامي لنفسي و لما أصبحت مثالا يحتذى لبقية الآباء الذين صاروا يدعمون بناتهم و يشجعونهم على انهاء دراستهم و تحقيق أحلامهم..و الحمد لله..ها أنا أرى صغيرتي أمامي و قد أصبحت امرأة ناجحة و واثقة من نفسها..أنا فخور جدا بها" قال ياغيز" و أنا أيضا فخور بها..هزان طالبة مجتهدة و مميزة..و ستكون يوما طبيبة ناجحة جدا و مشهورة..كان لي شرف الاشراف عليها في فترة تدريبها الأولى..و أتمنى أن تسمح لي بأن أنال شرف التقرب منها أكثر..سيد أمين..لقد أتيت اليوم الى هنا لكي أفاتحك في موضوع يخصني و يخص هزان..أنا أحبها..و أريد أن أواصل حياتي معها..طبعا ان لم يكن لديك مانع..و إذا وافقت فسأعود الى هنا مصحوبا بأهلي لكي أخطبها بصفة رسمية..فماذا قلت سيد أمين؟" نظر أمين إلى فضيلة و سأل" ما رأيك أنت حياتي؟ هل ترين هذا الإرتباط مناسبا لابنتنا؟" ابتسمت فضيلة و أجابت" إذا كان هذا الارتباط يسعد ابنتنا فلم لا..أنا من جهتي موافقة..و الدكتور ياغيز انسان ناجح في عمله و صاحب أخلاق عالية و سمعته تسبقه..المهم أن تكون هزان سعيدة و مرتاحة معه" قال ياغيز" اطمئني سيدتي..هزان في عيوني..و لن أدخر جهدا لكي أجعلها سعيدة على الدوام" رد أمين" و أنا أيضا موافق..سننتظر عودتك مع أهلك لكي تتم الخطبة بصفة رسمية" ابتسم ياغيز و بدا الارتياح جليا على محيّاه فوقف و صافح أمين و هو يقول" شكرا لك سيد أمين..لقد أسعدتني بموافقتك على طلبي..و تأكد بأنني لن أخذلك أبدا" جذبه أمين إليه و عانقه بحنان الأب و راح يربت على ظهره و يقول" منذ اليوم ستكون إبنا لي..أبنائي الذكور لم يكونوا يوما على قدر تطلعاتي و خذلوني بإستمرار فلا تكن مثلهم و اعتني بصغيرتي و نور عيني لكي أغادر هذه الدنيا و أنا مطمئن عليها" نظرت اليه هزان نظرات عاتبة و قالت" ليسامحك الله يا أبي..ما هذا الكلام الذي تقوله؟ لن تذهب إلى أي مكان..لن أسمح لك بذلك" ضحك أمين و التفت الى فضيلة و قال" حياتي..هيا لنجهز العشاء" رفع ياغيز حاجبه استغرابا فهمست هزان" لا تستغرب..هذا هو أبي..لن يغير عاداته أبدا..يصر دائما على القيام بأعمال المنزل يدا بيد مع أمي..و لديه صوت جميل أيضا..ستسمعه بعد قليل و هو يصدح في المطبخ..و لأخبرك بسرّ..أكل أبي ألذ و أشهى من أكل أمي..إياك أن تقول هذا أمامها و إلا طردتنا أنا و أنت" ضحكا معا و راقبا أمين و فضيلة و هما يغادران الصالون و يدخلان معا إلى المطبخ..تنهد ياغيز بحرقة فاقتربت منه هزان و أمسكت يديه و هي تسأل" حبيبي..مالأمر؟ لماذا تجهم وجهك فجأة هكذا؟" رفع عيونه نحوها و أجاب بنبرة حزينة" لطالما تمنيت أن أرى أبي و أمي و هما يتصرفان كزوجين طبيعيين دون خصام أو عراك..لقد افتقدت هذا الشعور طيلة حياتي..هزان..أنت محظوظة فعلا بأبويك..الآن فهمت لماذا كنت تصرين على الحصول على الحب و على حياة زوجية تشبه حياة أبويك و علاقتهما الخاصة جدا..معك حق..من يملك أبوين كأبويك لن ترضيه علاقة جافة لا حب فيها..ليطل الله في عمرهما و لا يريك فيهما سوءا أبدا" لامست هزان وجهه بأناملها و غمغمت بصوت خافت" آمين..حبيبي..هما الآن أبويك أنت أيضا..و تأكد بأنك ستجد منهما محبة الأهل و اهتمامهم" صمتت قليلا ثم سألت" هل ترغب في القيام بجولة في قريتنا؟" رد بحماس" بكل تأكيد" استأذنت هزان أبويها في الخروج و اصطحبته في جولة في القرية..أرته مدرستها التي درست فيها و التي يديرها والدها..و بستان الجيران الذي كانت دائما تتسلق أشجاره و تقع من عليها..اصطحبته إلى النهر الممتد وسط المنازل

المُتدرّبةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن