28..في اللحظة الأخيرة

1.9K 66 15
                                    

سمع ياغيز صوت طرقات على باب مكتبه فقال بعصبية" من هذا؟" أطلت هزان برأسها و هي تقول" هذه أنا..خيرا ان شاء الله..لم تبدو غاضبا هكذا؟" رسم على وجهه ابتسامة

لم تبدو غاضبا هكذا؟" رسم على وجهه ابتسامة

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

و أجاب" لست غاضبا حياتي..لكنني متعجب من أمر البشر..تعالي..أدخلي و اغلقي الباب خلفك" فعلت ما طلبه فجلس و أجلسها على ساقه و هو يضيف" تخيلي من أتى إلى المشفى اليوم؟" سألت" من؟" رد" السيدة سيفنش..أمي..و التي لا تليق بها هذه الكلمة أبدا..زوجها مريض و يحتاج الى عملية مستعجلة..و طلبت مني انقاذ حياته لأنها لا تقوى على العيش بدونه..و أتعلمين ماذا؟ طلبت مني ألا أنتقم منها بأذيته هو..تصوري..و هل أنا مريض نفسيا لكي أفعل هذا؟ ماذا تظنني هذه المرأة؟ هل رأيت وقاحة أكثر من هذه؟" داعبت هزان وجهه بأصابعها ثم همست بحنان" اهدأ حبيبي..و لا تهتم لهذا الكلام..لا بد أنها خائفة من فقدان زوجها الذي تحبه..و لا تدري ما تقول..اعذرها..انت الآن رجل عاشق و تستطيع تفهم مشاعرها و تخيل مدى خوفها على حبيبها..معك الحق بأن تغضب من أمك..لكن..اعذر الزوجة الخائفة على زوجها" تنهد ياغيز بعمق و قال" معك حق..لكن..كلامها استفزني..و أعادني الى تلك الأيام السوداء التي كنت فيها طفلا وحيدا و منبوذا..هذا الرجل كان و سيظل خيارها الوحيد الذي تفضله على الجميع" عانقته هزان بقوة و هي تقول" انسى كل هذا الآن..و لا تفكر به..قم بواجبك تجاهه كطبيب و لا تهتم لمن يكون..أنت بارع فيما تقوم به..أنقذه و ليكن ضميرك مرتاحا..و هي ستدرك قيمتك..حتى و ان كان ذلك متأخرا جدا" صمتت قليلا ثم سألت" نسيت أن أسألك..هل وضعه حرج؟" اجاب" لديه احتشاء في عضلة القلب و ضعف في الصمام الأيمن..انني أنتظر صورة الأشعة لكي أحدد الخيار الجراحي الذي سأقوم به" نهضت هزان من على حجره و قالت" فهمت..من سيكون مساعدك في العملية؟" قال" جينك..و إذا أردت الانظمام إلينا فلا مانع لدي..على العكس..وجودك سيعطيني الدعم الذي أحتاجه" همت أن تجيبه عندما سمعا صوت طرقات على الباب و صوت جينك يستأذن للدخول..سمح له ياغيز فدخل و أعطاه نتائج التحاليل و صور الأشعة ثم التفت إلى هزان و قال" هزان..هناك رجل و إمرأة يبحثان عنك..إنهما أمام قسم الطوارئ" استأذنت في الانصراف و خرجت..تفحص ياغيز النتائج ثم وقف و هو يقول" جينك..جهز غرفة العمليات..وضع المريض حرج كما خمنت..سيحتاج لتغيير صمام قلبه الأيمن إضافة إلى عملية قسطرة تخلصه من الإحتشاء..هيا بسرعة" ..
أمام قسم الطوارئ..وقف أمين و فضيلة ينتظران هزان..اقتربت منهما و ابتسامة سعادة تعلو شفتيها..عانقت أباها بقوة و هي تقول" أبي..أمي..ما هذه المفاجأة السارة..لقد اشتقت اليكما كثيرا" قبل أبوها جبينها و رد" و نحن اشتقنا اليك صغيرتي..و كثيرا أيضا..تمنينا أن نأتي في ظروف أفضل..لكن أخاك مصر على تعكير صفو حياتنا الهادئة" ربتت فضيلة على كتفه و همست بصوت خافت" حبيبي..ليس هذا المكان المناسب لحديث كهذا" التفتت اليها هزان و عانقتها ثم قالت" سنذهب إلى الكافيتيريا..و هناك نتحدث براحة أكثر..تعالا معي" لمعت عيون أبيها و هو يراها ترتدي مئزرها الأبيض و تمشي بثقة..لطالما كانت مصدر فخره و سعادته..و حبه لها يفوق حبه للجميع..أما هي فكانت سعادتها برؤية والديها أكبر من الوصف..وجودهما هنا معها و بجانبها يعني لها الكثير..وصلوا إلى الكافيتيريا و جلسوا حول طاولة منعزلة فأحضرت لهما هزان شايا ساخنا و بعض المرطبات ثم جلست قبالتهما..أمسكت يدي كل منهما و هي تقول" كم أنا سعيدة برؤيتكما..الشهور مرت ثقيلة و أنتما بعيدان عني..لكنني نجحت في إرساء حياة خاصة بي هنا..نازلي..صديقتي التي أسكن معها ساعدتني كثيرا و دعمتني و كأنها أختي الحقيقية إضافة إلى زملائي و أساتذتي..طمئناني عنكما..كيف حالكما؟ أمي..هل تعتنين بصحتك؟ امازلت تتبعين الحمية الغذائية التي نصحك بها الدكتور؟" أجابت فضيلة" بلى..لا تقلقي..كل شيء على ما يرام..و السكري صار جزءا لا يتجزأ من حياتي..تعودت عليه و تعود علي..أنا بخير حبيبتي..اطمئني" التفتت هزان إلى أبيها الذي اغرورقت عيونه بالدموع و هو يتأملها و سألت" و أنت حبيبي؟ كيف حال صحتك و عملك في المدرسة؟" ربت والدها على يدها و أجاب" كل شيء على ما يرام..آه بنيتي..لو تعلمين كم أنا فخور بك..قلبي يرفرف بين اضلعي و أنا أراك تتمخترين في مئزرك الأبيض..لطالما كنت ابنتي الرائعة التي ارفع رأسي و أفتخر بها أمام الضيعة بأكملها..على عكس إخوتك الأولاد..كل واحد منهما ينافس الآخر على جعلي أفقد صوابي..و هاهو أخوك ياسين يختتم كتاب الاستهتار و التسيب خاصته بجريمة قتل..لا أكاد أصدق بأن ابني أنا يرضى على نفسه هذا..بم قصرت معه؟ أيعقل بأنني لم أربه جيدا؟ ابني أنا يجلب لي العار في آخر عمري..لماذا يا الله؟ لماذا؟" لامست فضيلة يد زوجها و قالت" اهدأ لو سمحت حبيبي..أنت لم تقصر لا معه و لا مع غيره..لكنه أصر على اتباع طريق الخطيئة و الانحراف الى أن أوقع نفسه في مصيبة لا خلاص له منها..أنا و أنت حاولنا كثيرا أن نرده و نمنعه لكنه لم يستمع الينا..فليتحمل إذا مسؤولية خطئه الشنيع..كف عن لوم نفسك..لا ذنب لك في كل هذا" طأطأ الرجل رأسه و غمغم بصوت مخنوق" ليتني استطعت أن أردعه..ليت..ماذا سنفعل الآن؟ و أي مصير ينتظره خلف القضبان؟ لقد دمر حياته بغباءه و استهتاره و لم يعطني حتى الفرصة لمساعدته..كلما مددت له يدي ردّها و رفضها..و انظري أين هو الآن..لا حول و لا قوة إلا باللّه" وقفت هزان و اقتربت من أبيها تعانقه و تقول" سنفعل ما بوسعنا لكي نساعده..سنوكل له محاميا يحاول أن يخفف من حكمه..و لنأمل بأن تكون هذه المحنة هي بمثابة الدرس بالنسبة إليه" رفع أمين عيونه نحو ابنته و ردد بنبرة يائسة" أتمنى ذلك..أتمنى ذلك" لمحت هزان نازلي تقف أمام المشرب فنادتها قائلة" نازلي..تعالي لأعرفك على أبي" اقتربت منهما نازلي و رحبت بهما بحفاوة ثم جلست معهم تسأل عن أخبارهم و أحوالهم..
في غرفة العمليات..أنهى ياغيز تغيير صمام قلب فكرت بنجاح ثم انتقل الى عملية القسطرة التي كشفت عن انسداد بعض الشرايين الإضافية..عمل على توسعة الشريان الرئيسي و على ازالة خثرات الدماء المتجمعة في أوردة مختلفة و التي تمنع وصول الدم بصفة طبيعية إلى القلب..امتدت العملية على مدى اربع ساعات ثم خرج ياغيز ليطمئن أمه و أخاه..اعترضته سيفنش و هي تسأل بتلهف" ياغيز..طمئنّي..كيف سارت العملية؟" أجابها بهدوء" العملية كانت ناجحة..قمت بتغيير الصمام المتضرر و ازلت الخثرات التي كانت تعيق وصول الدم إلى القلب..وضع المريض مستقر و سينقل بعد لحظات إلى العناية المشددة..لن يستفيق قبل ساعتين من الآن..حمدا لله على سلامته" و تحرك مبتعدا من أمامها لكنها لحقت به و أمسكته من يده و هي تقول" شكرا لك بنيّ..شكرا لأنك أنقذت فكرت..أتمنى أن تغفر لي ذات يوم..و أتمنى أن تعطيني فرصة لتعويضك على تقصيري معك..أنا فخورة جدا بك و بما وصلت اليه..و حتى لو لم تصدق ما سأقوله..لكنني أحبك من كل قلبي بنيّ" ابتسم ياغيز بسخرية و انتزع يده من يدها ثم قال" تحبينني؟ حقا؟ كيف ذلك؟ من بعيد..دون لقاء..دون اهتمام..دون رعاية..دون السؤال عن حالي و دون القلق علي..دون الوقوف إلى جانبي و الحنوّ عليّ..لا تكرري هذه الكلمة أمامي مرة أخرى..لو سمحت..أنت لم تحبّي سوى هذا الرجل الذي يغادر غرفة العمليات الآن..تحبينه بكل جوارحك..أرى ذلك في نظرة عيونك..في لهفتك و خوفك عليه..في بقاءك الى جانبه و في حرصك على صحّته..في قلقك عليه و نبرة صوتك..هكذا هو الحب سيدة سيفنش..الحب أفعال..و ليس مجرد أقوال تضحكين بها علي و تحاولين خداعي بها..ليس هذا الوقت المناسب لهذا الحديث الذي تدركينه أكثر مني و تعلمين جيدا بأنني محق فيه..اذهبي و اهتمي بالرجل الذي تحبين..أما أنا فخلّيني لآلامي التي لن تشفى بكلمة تقولينها و أنت لا تعنينها..عن إذنك" و خطى خطوتين ثم التفت اليها و أضاف" أمر آخر..حاولي أن تقنعي زوجك بالإقلاع عن التدخين لأن قلبه و شرايينه لن يصمدا طويلا إذا لم يفعل ذلك..حمدا لله على سلامته" و مشى بإتجاه مكتبه و هو يخلع غطاء الرأس الذي كان يضعه على شعره خلال العملية..
في الكافيتيريا..جلست هزان مع والديها اللذان خيّرا الذهاب إلى المنزل لكي يرتاحان قليلا قبل الالتقاء بإبنهما المحبوس و بالمحامي الذي أعطتهما نازلي إسمه..قبل مغادرتهما..التقيا بكل من فرمان و ياغيز اللذان كانا قد أتيا إلى المشرب لإحتساء القهوة..سأل ياغيز فضيلة عن صحتها فطمأنته بأنها تتبع نصائحه حرفيا ثم انهمك مع أمين في حديث عن التدريس و أهل الضيعة..قاطعت هزان حديثهما بقولها" أبي..الأستاذ ياغيز هو الإبن الوحيد للمرحوم حازم إيجمان..الرجل الذي تورط أخي في قتله..رأيت من واجبي أن أخبرك" شحب وجه حازم بشدة و نظر إلى ياغيز و قال بنبرة ضعيفة" بني..أنا آسف..و أعتذر منك عمّ فعله ابني..أعلم جيدا بأن الاعتذار لن يغير من الأمر شيئا..لكن..لن أستطيع أن أنكر ابني أو أتبرئ منه..نعم..هو مجرم و قاتل و منحرف..لكنه ابني..و أنا مسؤول عن أعماله التي يقوم بها لأنني لم أحسن تربيته..لهذا أعتذر منك بني..ليرحم الله والدك و ليكن مكانه الجنة..سامحني بني..سامح مربّيا و رجل تعليم عجز عن تربية إبنه بالشكل اللائق و تعليمه كيف يعيش بكرامة و يحترم حياة الآخرين..سامحني" أمسك ياغيز يدي أمين بين يديه و رد" ماذا تقول سيد أمين؟ و ما ذنبك أنت فيما اقترفه ابنك؟ أنت رجل محترم و طيب تحسن التربية و هزان أكبر دليل على ذلك..انها فتاة محترمة و راقية و خلوقة..من رباها و علمها؟ ألست أنت؟ هاهي اليوم تقف أمامنا كمتدربة ناجحة واثقة من نفسها و تسير بثبات نحو مسيرة مهنية مميزة..أرجوك سيد أمين..لا تخلط الأمور ببعضها..ياسين حاد عن الطريق و السويّ و تلاعبت به زوجة أبي التي يعتبر الشيطان ملاكا أمامها..انه ابنك..نعم..لكن افعاله ليست نتاجا لتربيتك له..بل لميولاته و أطماعه و طباعه السيئة..و أنا أعي ذلك جيدا..لا تحمل نفسك فوق طاقتها و لا تخجل بتربيتك لأنها مدعاة للفخر و الاعتزاز..و أنا شخصيا فخور لأنني أستاذ هزان و لأنني تعرفت عليك و على والدتها لكي أشكركما على هذه التربية الصالحة..و سيزيد من فخري و امتناني أن تعتبراني ابنا لكما" ربتت فضيلة على كتفه و قالت" هذا من دواعي سرورنا بني..شكرا لك على كل الكلام الذي قلته" نظر إليه أمين و أضاف" شكرا لك بني..و أتمنى أن تحقق كل ما تتمناه في هذه الحياة و تكون سعيدا إلى الأبد" ثم التفت إلى فضيلة و قال" هيا لنذهب..يجب أن ننهي ما جئنا لأجله ثم نعود الى الضيعة قبل حلول الظلام" سألت هزان بحزن" ألن تبيتا هنا؟" أجابت فضيلة" أنت تعلمين بأننا لا نستطيع ترك المنزل و المدرسة لوحدهما..سنحاول أن نزورك مرة أخرى..و لم لا تأتين أنت و زملاءك و أساتذتك لزيارتنا هناك..ما رأيك؟" قال فرمان بحماس" سيكون ذلك رائعا حقا..أنا شخصيا أحبذ قضاء الوقت في الطبيعة و في الأماكن البعيدة عن ضجيج المدينة" ربت ياغيز على كتفه و قال" و أنا مثلك يا صديقي" ابتسمت هزان و ردت" ليكن إذا..سنأتي لزيارتكم في أقرب فرصة" ثم رافقت أبويها الى البوابة لكي تودعهما..التفت ياغيز الى نازلي و بادرها قائلا" كيف حالك يا فتاة عيد الميلاد؟ عيد ميلاد سعيد نازلي..و لتكن هذه السنة أجمل من كل سنواتك التي مضت" احمرت وجنتا نازلي خجلا و ردت" شكرا لك أستاذ..أتمنى ذلك من كل قلبي" قال ياغيز" كنت سأسألك أين تريدين أن تحتفلي بعيد ميلادك ثم تذكرت بأنك مناوبة هذه الليلة..سنعوضها في يوم آخر ان شاء الله" قالت" لا عليك أستاذ..لست من محبذي الاحتفالات..يكفيني أن أصدقائي و من أحبهم حولي..و هذا يغنيني عن الاحتفالات و الهدايا..الناس المحبة و الصادقة هم أثمن هدية بالنسبة إلي" رد ياغيز" معك حق..و أنت أثمن صديقة يمكن أن يحصل عليها انسان..كوني سعيدة دائما كما يليق بك" ابتسمت نازلي و تمتمت بخجل" شكرا لك أستاذ" سألها فرمان الذي لم يبعد عيونه عنها و لو للحظة واحدة" كيف حال لودوس؟ هل هو ولد مطيع؟" أجابت" نعم..إنه رائع..لقد نام بقربي ليلة البارحة..سرعان ما تعود أحدنا على الآخر" علق فرمان دون وعي منه" كم هو محظوظ!" تنحنح ياغيز لكي يلفت انتباهه لوجوده ثم انفجرا ضاحكين معا..عادت اليهم هزان و الانزعاج باد عليها..سألها ياغيز بقلق" خيرا هزان؟ لم تبدين منزعجة هكذا؟" تنهدت بعمق و أجابت" أبي..انها المرة الأولى التي أراه فيها مكسورا هكذا..يحاول أن يخفي ذلك عني لكني أراه في كل نظرة و في كل حركة..ما فعله أخي هزه من اعماقه..و أثر فيه أيّما تأثير..لم يكن يتوقع أن تصل به الأمور الى هذا الحد..قلبي ينفطر عليه و لا أجد كلمات اواسيه بها..أبي رجل حساس جدا..و أخشى عليه من هذا الذي حدث..انه يفوق طاقته على التحمل" اقتربت منها نازلي و عانقتها و هي تقول" هوني عليك أختاه..ما حدث حدث..و ليس في أيديكم ما تفعلونه..أخوك اقترف جرما سيحاسبه عليه القانون..و ما عليكم سوى أن تقفوا بجانبه و تحاولوا أن تثبتوا له بأنه ليس وحيدا..لندعو الله بأن تكون هذه التجربة بمثابة الدرس القاسي لكي لا يفكر مرة أخرى في تكرار ما فعله" قبلتها هزان على خدها و همست" أتمنى ذلك..بالمناسبة..انا لم أنسى عيد ميلادك..كل عام و انت بخير حبيبتي..و لتكن كل أيامك جميلة كقلبك" صاح بهما ياغيز" هاي..نحن هنا..هل نسيتما امرنا أم ماذا؟ كفا عن هذه الرومانسية و اتركاها لأهلها" ضحكت هزان و همست بصوت خافت" أيها الغيور" قطع وصلة مزاحهما وصول بيليز و تعلقها بذراع فرمان و هي تقول" مرحبا جميعا..كيف حالكم؟ أتمنى أن تكونوا بخير" ثم أضافت و هي تنظر إلى فرمان" حياتي..أريدك أن ترافقني لكي نشتري أغراض ابننا..لقد رأيت سريرا جميلا في أحد المحلات و اريد أن أشتريه إضافة إلى بعض الألعاب و الهدايا" قطب فرمان جبينه و نظر مباشرة إلى نازلي التي هربت بعيونها منه ثم استأذنت في الانصراف بصوت لا يكاد يسمع..تأمل ياغيز بيليز لوهلة ثم سأل" بيليز..كيف تستطيعين المشي بهذا الحذاء ذي الكعب العالي و أنت حامل؟ ألا يؤلمك ظهرك؟" ردت بصوت متلعثم" يا إلهي..ياغيز..من يسمعك يعتقد بأنك جربت الحمل؟ نعم..يتعبني قليلا..لكنه لا يضايقني..و لا تنسى أنا في الأشهر الأولى..سأحرص على عدم ارتداءه عندما يكبر بطني" ثم قالت لفرمان" هيا لنذهب لو سمحت حبيبي" فتبعها على مضض أما هزان فتمتمت بصوت خافت" مسكينة نازلي..انظر إلى الوضع السخيف الذي وجدت نفسها فيه..سأقتلك بيدي هاتين ان وضعتني في نفس الموقف ذات يوم..هل فهمت؟" ابتسم ياغيز و رد" اطمئني..لا نية لي لفعل ذلك..و ان حدث و اقتنعت يوما بفكرة الانجاب فستكونين أنت أم ابني..كوني واثقة من ذلك" ..
في المخفر..جلس ياسين في زنزانة الإيقاف منتظرا عرضه على النيابة ثم الذهاب الى المحكمة..كان الندم ينهشه نهشا..و عقله يوبخه على الجريمة التي تورط بها بسبب إمرأة جاحدة و أنانية لا تفكر إلا في نفسها..لقد خدعته و كذبت عليه و استغلت انبهاره بها و مشاعره تجاهها لكي تجعله أداة لمخططها القذر..كانت هي أيضا موقوفة في الزنزانة المجاورة له..سمع صوتها تقول" ياسين..هل تسمعني؟" أجابها بعصبية" ماذا تريدين أيتها الحقيرة؟" اقتربت من القضبان و همست" مالذي تريده مقابل اخراجي من هنا؟ أطلب ما تريد و سأحرص على حصولك عليه..المهم ألا تورطني في الجريمة..احمل أنت وزرها لوحدك و أنا سأحقق لك مطالبك دون تأخير..ماذا قلت؟ هل تريد مالا؟ لدي مجوهرات كثيرة لا اعرف مكانها سوى أنا..سأعطيك اياها..ما رأيك؟" صاح بها ياسين" أيتها الكاذبة المخادعة..ألم تكتفي بعد من هذه الألاعيب القذرة؟ ألا يكفيك ما أوقعتني فيه؟ بماذا سينفعني المال الآن؟ هل سيخرجني من السجن؟ هل سيقوم بتبرئتي؟ هل سيخفف عني عذاب الضمير؟ هل سيساعدني على النظر في وجه أبي و أمي؟ هل سيمحو شعورهم بالخزي و العار الذي تسببت لهم فيه؟ طبعا لا..أنت من ورطني و خدعني و أنا سأحرص على تدمير حياتك كما فعلت معي..و إياك أن تتحدثي الي مرة أخرى و إلا قتلتك بيدي هاتين..هل سمعت أيتها السافلة؟" ضحكت صدف و ردت" و لم كل هذا؟ ألم تفعل هذا لأجل المال منذ البداية؟ فلماذا لا تحصل عليه الآن و سأبذل قصارى جهدي لتهريبك من السجن لكي تستمتع بالأموال التي سأعطيها لك..فماذا تريد أكثر؟ تريدني أنا..أليس كذلك؟ ألم تقل بأنك تحبني؟ بمجرد أن أخرجك من هنا سأتزوجك..أعدك بذلك..فماذا قلت؟" ضرب ياسين القضبان بيديه و زمجر غاضبا" اخرسي يا هذه..لست أحمقا لكي أقع في شباكك مرة أخرى..لقد نجحت في خداعي ذات مرة و ها أنا أعاني و ادفع ثمن ذلك غاليا..أي حب هذا الذي تتحدثين عنه؟ أنت لا تحبين سوى نفسك..تعشقينها و تموتين بها..حتى ياغيز المسكين الذي طاردته و ركضت خلفه و دمرت حياته أنت لا تحبينه..هو فقط هوسك بالحصول عليه..و ما ان تحصلي عليه حتى تلتفتي الى غيره..الحمد لله أنه تخلص منك و من شرك..أنا واثق بأنه سيجد سعادته من فتاة تحبه فعلا..و ليس مع شمطاء مثلك" صاحت به صدف" طبعا سيجد من تحبه..و من تكون غير أختك الحبيبة التي وهبت له نفسها و سمحت له بمعاشرتها كأية عاهرة أخرى..أنت لا تعلم ما .." قاطعها بغضب" اخرسي يا هذه..أغلقي فمك المسموم..أختي أشرف منك و من كل سلالتك و لن تسمح لنفسها بإرتكاب خطيئة كهذه..أنت لا تعرفين كيف رباها ابي و كم وثق فيها..هزان لا تفعل ذلك..كفاك كذبا و افتراءا يا هذه" ضحكت بعهر كعادتها ثم قالت" لا تصدقني..أنت حر..ليتني كنت أملك تسجيل الفيديو الذي يثبت صحة كلامي لكنت جعلتك تشاهده لكي تتوقف عن ادعاء الطهر و العفة أمامي..كان لدي الدليل..لكن ياغيز أصر على اتلافه لكي لا تنفضح أختك المصون..مسكين انت ياسين..لا تعلم مالذي يجري وراء ظهرك..اذا جاءت أختك الحبيبة لزيارتك فواجهها بالأمر و لا اعتقد بأنها ستنكر..هل تراها تأتي لزيارتك أم تراها تخلصت منك و من مراقبتك لها و حرصك عليها لكي تلهو كما تشاء مع ياغيز و مع غيره؟ أنا أرجح الاجابة الثانية بصراحة..أنا فعلت ما يمليه علي ضميري و أخبرتك بالحقيقة و أنت حر..صدق أو لا تصدق" جن جنون ياسين و صار يصرخ بأعلى صوته و يضرب الحائط بيديه و هو يهدد و يتوعد و يقول" سأقتلها..لن أرحمها..سأذبحها..كيف تفعل هذا بنا؟ كيف؟ اللعنة عليك هزان..اللعنة عليك" أما هي فعادت للجلوس و ابتسامة خبيثة ترتسم على شفتيها..
في المشفى..انزوى فرمان في مكتبه بعد أن انهى جولة التسوق الاجبارية التي فرضتها عليه بيليز..لم يستطع أن ينسى تلك النظرة الحزينة التي لمحها في عيون نازلي..تلك النظرة التي انغرست في اعماق قلبه كخنجر مسموم..لقد خذلها و أذاها رغم أنه لم يقصد ذلك أبدا..ارتكز بيديه على الطاولة و وضع رأسه بين كفيه بعجز و قلة حيلة..سمع صوت طرقات على الباب ثم أطل ياغيز برأسه و هو يقول" هل تسمح لي بالدخول يا صديقي؟" ابتسم و أجاب" لو تعلم كم أنا محتاج للحديث معك يا أخي..تعالى..ادخل" دخل ياغيز و أغلق الباب خلفه ثم جلس قبالة فرمان و سأل بقلق" بيليز و الطفل و نازلي..أليس كذلك؟ هذا هو ما يؤرقك و يعكر صفو حياتك؟" تنهد فرمان بحرقة و أجاب" نعم..انه هذا الوضع المزري الذي وجدت فيه نفسي..في الوقت الذي عثرت فيه على الحب الحقيقي الذي لطالما حلمت به و انتظرته..خسرته من يدي و بقيت تائها من دونه..من جهة..لست رجلا يتخلى عن مرأة حامل منه..لست نذلا و لا حقيرا الى هذه الدرجة..لطالما كنت شخصا يتحمل مسؤولية أفعاله و أخطاءه..و سأكون كذلك دائما..و من جهة أخرى..هناك نازلي..و حبي العظيم لها..أشعر بالقهر كلما رأيت نظرة حزن في عيونها و أنا أدرك جيدا بأنني السبب فيها..أريد أن أمسح دمعتها..و أن أواسيها..لكنني أعجز حتى عن ذلك..و لا أستطيع ربطها بي أكثر من ذلك..سأكون أنانيا و سافلا عندئذ..و سأخسر احترامي لنفسي..أريد أن أراها سعيدة..حتى و ان كانت مع غيري..رغم أن ذلك يقتلني و ينهيني..لكن ماذا أفعل؟ ..لقد تقرب منها فؤاد و هي وافقت بأن تعطيه فرصة..أريدها أن تكون سعيدة معه من كل قلبي..لكنني أموت من غيرتي عليها كلما رأيتها معه..هل رأيت ما يحدث لي؟ بصراحة أنا مستغرب من عدم فقداني لصوابي الى حد هذه اللحظة" ربت ياغيز على يده و هو يقول" هون عليك يا صديقي..معك حق في كل كلمة قلتها..و أنا أحترم فيك شهامتك و رجولتك..لكنني أحزن لأجلك و لأجل نازلي..كنت أرى فيكما مثالا للحب الصادق النقي..و كنت أتمنى أن تتواصل قصتكما و تنتهي نهاية سعيدة..لكن..انها الحياة..هي الحياة هكذا..لا بد أن تختبرنا بأقسى الطرق الممكنة..ليتني أستطيع مساعدتك يا أخي..لكن..ما باليد حيلة" ابتسم فرمان و قال" دعك مني و أخبرني عنك و عن هزان..ماذا ستفعل الآن بعد أن اكتشفت بأن أخاها هو قاتل أبيك؟ كيف ستكون العلاقة بينكما؟ و هل أنت مستعد لخوض مرحلة جديدة معها؟ هزان تحبك بصدق..فلا ترتكب حماقة كالتي فعلتها أنا و تضيعها من يدك..اياك أن تخسرها مهما كانت الظروف..قدم التنازلات اللازمة لكي تكون معها..و لا تتردد و لو للحظة واحدة في المحافظة عليها مهما كلفك ذلك..هل فهمتني؟" أجاب" نعم..أعلم ذلك..لست مستعدا أن أخسرها..هزان كل حياتي..لا أقوى على التنفس من دونها..فكيف أسمح لنفسي بأن أضيعها من يدي؟ لا..لن أفعل ذلك أبدا" رن جهاز الاستدعاء في جيب ياغيز فابتسم بسعادة و هو يقول" انها هزان..لقد أعدت مفاجأة لنازلي احتفالا بعيد ميلادها في غرفة المساعدين..هيا لنذهب" بدا التردد واضحا على وجه فرمان و تمتم بصوت خافت" لا..دعك مني..اذهب أنت..لا شك بأن فؤاد سيكون هناك..فلأعطها فرصة لعيش حياتها الطبيعية بعيدا عني و عن الحزن الذي أتسبب لها فيه..اذهب أنت و احرص على أن تكون سعيدة كما يليق بها" بقي ياغيز ينظر اليه لوهلة ثم فتح الباب و خرج..
في غرفة المساعدين..جهزت هزان كل ما يلزم لاقامة حفل صغير..زينت هي و باقي المساعدين الغرفة بالبالونات و الشرائط الملونة و أحضرت كعكة عيد ميلاد كبيرة الحجم و وضعت الهدايا على الطاولة و جهزت الموسيقى الاحتفالية..و ما ان اكتمل نصاب الموجودين حتى أطفأت الأنوار و قامت باستدعاء نازلي و اخبرتها بأنها تحتاج مساعدتها في أمر مستعجل..لحظات و كانت نازلي تفتح الباب..أضيئت الأنوار و راح الجميع يغنون أغنية عيد الميلاد و يصفقون..وقفت نازلي جامدة في مكانها تحملق في الحاضرين بعيون ملأتها الدموع..اقتربت منها هزان و عانقتها بقوة و هي تقول" عيد ميلاد سعيد أختي العزيزة..أتمنى لك سعادة الكون" ربتت نازلي على ظهرها و قالت" شكرا لك أختاه..شكرا لوجودك في حياتي..أنت حقا أختي التي لم تنجبها امي..أحبك كثيرا" قبلتها هزان على خدها و ردت" و أنا أيضا..انظري..كل الزملاء و الأصدقاء و الأساتذة أرادوا أن يشاركوك هذا اليوم المميز لأنهم يحبونك و لأنك غالية على قلوبهم" نظرت نازلي الى الحاضرين و بحثت دون وعي منها عن فرمان لكنها لم تجده..قالت بصوت حاولت أن يبدو طبيعيا" شكرا لكم جميعا على محبتكم الخالصة و على تقديركم الغالي..و أتمنى أن أكون دائما عند حسن ظنكم بي" تجمع الموجودون حولها و راحوا يقدمون لها التهاني و الهدايا..عانقها ياغيز و هو يهمس"لا تبحثي عنه..انه مختبئ في مكتبه..يريدك فقط أن تكوني سعيدة و أن تكوني بخير..لكن الوضع صعب عليكما..كوني سعيدة يا نازلي..هذا كل ما نتمناه لك" نظرت اليه و قالت" شكرا لك أستاذ" ..قطعت نازلي كعكة الميلاد و وقفت في أحد الأركان تتحدث مع هزان عندما اقترب منها فؤاد و هو يقول" عيد ميلاد سعيد أيتها الجميلة" انسحبت هزان لتعطيهما فرصة للحديث معا ..طبع فؤاد قبلة على خدها و هو يعطيها علبة صغيرة كهدية..فتحتها فإذا بها إسوارة ذهبية كتب عليها اسمها و معها بطاقة كتب فيها" لتكن أيامك ذهبية و لامعة كهذه الإسوارة..أتمنى أن تكوني سعيدة دائما..و شكرا لأنك منحتني شرف التقرب منك و التعرف عليك أكثر..فؤاد" رفعت نازلي عيونها نحوه و ردت" شكرا لك فؤاد..لقد أخجلتني..لم يكن هناك داع لهذا" اقترب منها و همس" هذه هدية بسيطة..لدي مفاجأة أخرى في انتظارك..الليلة أنت مناوبة..لكن في الغد..سنكون على موعد لحضور حفل موسيقي كلاسيكي ثم نتناول طعام العشاء معا..و عندها نتحدث أكثر و أخبرك بالمفاجأة..ما رأيك؟" صمتت قليلا ثم اجابت" لم لا؟ نلتقي غدا إذا..و الآن اسمح لي أن أهتم بضيوفي" تابعها بعيونه و هي تبتعد..أما هي فكانت تحاول أن تستمتع بوقتها و أن تبدو على طبيعتها رغم أن عقلها كان مشغولا بالتفكير في فرمان الذي كان قد وقف لبعض الوقت امام النافذة يراقبها عن بعد و ما ان رأى فؤاد يقترب منها و يقبلها حتى انسحب و عاد للاختفاء في مكتبه..
بعد انتهاء الاحتفال..غادرت هزان صحبة ياغيز الذي أصر على ايصالها بسيارته..في طريقها اتصلت بأبيها و سألته عن ياسين فأخبرها بأنه التقى به و حاول أن يخفف عنه لكنه بدا صامتا و متجهما و كأن أمرا آخرا يشغل باله..أما المحامي فلم يكن متفائلا بوضعه في القضية لأنه اعترف بجرمه و ثبتت ادانته و هذا يعني بأنه سيحاكم معتقلا و سيسجن لمدة طويلة..وضع ياغيز يده على يد هزان يواسيها و هو يرى حزنها على أبيها و على أخيها يرتسم في عيونها..و عندما وصلا الى المنزل..هم بالمغادرة لكنها طلبت منه أن يبقى لأنها تحتاج وجوده بجانبها..أعدت الشاي و بعض الحلويات و جلست بقربه و هي صامتة و تفكر بعمق..جذبها لكي تجلس بين أحضانه فتعلقت بياقة قميصه و أراحت رأسها على صدره

المُتدرّبةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن