31..راحة بعد التعب

2K 70 15
                                    

جلست هزان في الكافيتيريا صحبة نازلي في انتظار عودة ياغيز إلى المشفى..كان وجهها متجهما و عابسا رغم محاولات نازلي للتخفيف من قلقها..لكن دون جدوى..كانت تعقد يديها حول صدرها و عيونها لا تفارق المدخل الرئيسي للمستشفى

كانت تعقد يديها حول صدرها و عيونها لا تفارق المدخل الرئيسي للمستشفى

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

قالت نازلي" هزان..صديقتي..هوني عليك و اشربي قهوتك..ياغيز بخير..لا تقلقي..سيعود بعد قليل..هيا أيتها الجميلة..لا تعبسي هكذا" نظرت اليها هزان و أجابت" لا تلوميني نازلي..ليس بيدي..أخاف عليه كثيرا..جرحه مازال طريا..و يجب أن يرتاح لكي يلتئم..و لا أستطيع أن أفهم مالأمر المستعجل الذي دفعه للخروج من المشفى..انه يتصرف.." و توقفت عن الكلام فجأة عندما رأت سيارة أجرة تتوقف أمام المدخل و ينزل منها ياغيز..اندفعت تجري كالمجنونة نحوه و سألته بقلق" أين كنت؟ و كيف تجازف و تخرج و أنت على هذه الحال؟ مالذي جعلك تفعل هذا؟ هيا أجب" ابتسم ياغيز و اجاب" على رسلك هزان..ها أنا أمامك قطعة واحدة و لم ينقص مني شيء..لقاء ضروري لوضع النقاط على الحروف قبل أن يتكرر ما حدث..هذا هو الأمر المستعجل الذي جعلني أخرج..تعالي..لنصعد الى الغرفة و سأخبرك بما جرى" نظرت هزان الى يده التي وضعها على جرحه و رأت الدماء على أصابعه فقالت بعصبية" انظر..جرحك ينزف من جديد..انك تتصرف كطفل صغير لا يعرف مصلحته..ماذا لو غبت عن الوعي في الطريق لا قدر الله؟ ماذا كنت سأفعل عندئذ؟ اياك أن تفعل هذا بي مرة أخرى" رد بهدوء" حسنا..أعدك بأن هذا لن يتكرر مرة أخرى..اتفقنا؟ هلا هدأت الآن و رافقتني الى غرفتي؟" أمسكته هزان من يده و صعدا معا إلى غرفته حيث ساعدته على التمدد على سريره و رفعت قميصه لكي تغير ضمادة الجرح..فحصت المكان و قالت" قطبك قد انفتحت و يجب اعادة تقطيب الجرح من جديد..سأخدر الموضع و .." قاطعها" لا داعي لذلك..لن أشعر بالألم و أنت أمامي..سأشغل نفسي بتأملك و بإستنشاق رائحتك التي أحبها و أنت قومي بعملك..هيا" سألته" هل أنت واثق من ذلك؟" هز برأسه بالإيجاب فقربت طاولة المعدات منها و راحت تنزع القطب القديمة و تطهر الجرح و تعيد تقطيبه من جديد..لم يبعد عيونه عنها و لو للحظة واحدة..كان فعلا منشغلا بتأملها الى الدرجة التي جعلته ينسى ألمه..أنهت هي تضميد الجرح فوضع يده على رقبتها و جذبها نحوه و ألصق شفتيه بشفتيها و قبّلها بشغف..بادلته هي قبلاته الرقيقة و هي تضع يدها على صدره لكي تمنع تحركه..امتص شفاهها على مهل و كأنه يريد أن يرتوي ببطء من رحيقهما السحري..راوح بين تقبيل الشفة العلوية تارة و السفلية تارة أخرى سامحا للسانه بالغوص في فمها و اكتشاف دهاليزه و ممراته قبل أن يشتبك مع لسانها و يدعوه لرقصة خفيفة زادت من لذة قبلاتهما الممتابعة..أنشب أسنانه بخفة في شفتها السفلية ساحبا إياها قبل أن يغمغم بصوت خافت" شفاهك سحرية..لا أكتفي منها..كلما قبلتها وجدت فيها طعما جديدا مميزا لا أقوى على مقاومته و لا على الإكتفاء منه..بالمناسبة..هل غيرت ملمع الشفاه خاصتك؟" رفعت حاجبها استغرابا و سألت" و كيف عرفت ذلك؟" ابتسم و أجاب" و تسألين أيضا؟ في السابق كان ملمع الشفاه بطعم الكرز..أما الآن فهو بطعم الفراولة..لا تعتقدي بأن أية تفصيلة خاصة بك قد تغيب عن ذهني أو قد أتخطاها..كل ما يخصّك يخصّني..و كل تفصيل تابع لك يعنيني و يهمّني..لأنني صرت أؤمن بأن الحب يكمن في التفاصيل الصغيرة" ارتسمت ابتسامة رقيقة على شفتي هزان و قالت" أوووه..هل صرت فجأة دكتور حب؟ اخبرني إذا يا سيد ياغيز..مالتفاصيل الصغيرة التي تعرفها عني و تحبّها فيّ؟" استوى في جلسته و رد بنبرة جدّيّة"أعرف مثلا أنك تحبذين العطر الهادئ الذي يتفاعل مع بشرتك مختلطا برائحتها و تنفرين من الروائح القوية..أعرف أيضا أنك تبتسمين بسخرية إذا سمعت كلاما لست مقتنعة به..أعرف أنك تفضلين أكل المنزل على الأطعمة الجاهزة و لا تشربين النبيذ بمختلف أنواعه..كما تحافظين على الاعتدال في كل شيء خاصة في الملح و السكر..أعرف أنك تعشقين الأغاني الكلاسيكية القديمة..أعرف أنك لا تتحركين كثيرا في نومك لكنك تتحدثين بكلام غير مفهوم..أعرف أيضا أنك من هواة قراءة الروايات و القصص..و هل أخبرتك سابقا بأنك تستيقظين تدريجيا من النوم فتفتحين عيونك للمرة الأولى و تبتسمين ثم تعودين للنوم ثم تفتحين عينيك من جديد و تتمطّين بكسل و تبقين في مكانك للحظات قبل أن تغادري السرير..و .." قاطعته و هي ترفع يديها بإستسلام و تقول" حسنا حسنا..هذا يكفي..لقد فهمت بأنك حقا سيد التفاصيل..كم أنا محظوظة بك أيها البروفيسور العظيم" طبع قبلة رقيقة على ذقنها و على أرنبة أنفها و هو يجيب" صدّقي بأن هذا البروفيسور العظيم يتجرّد أمامك من كل ألقابه الرنّانة لكي يكتفي بصفة العاشق الولهان..و هذا يكفيه" همت بالرد عليه عندما انفتح الباب و دخلت أمه و هي تحمل علبة بين يديها..قالت" صباح الخير يا أولاد..ياغيز حبيبي..كيف أصبحت اليوم؟" ارتسمت ابتسامة جميلة على وجه ياغيز و أجاب" صباح الخير..لا تقلقي..أنا بخير..أشعر بتحسّن كبير" قالت هزان و هي تقف" صباح النور سيدة سيفنش..سأذهب أنا للقيام بجولتي الصباحية..ابقي انت و ابنك على راحتكما..بالإذن" ثم خرجت..تابعها ياغيز بعيونه فسألته أمه" انها فتاة رائعة..هل تحبّها حقا يا بني؟" أجاب بثقة" لا أحبها..أنا أعشقها..أتنفّسها..و أهيم بها..هزان أفضل ما حصل في حياتي على الإطلاق..إنها..كالحلم الجميل الذي لا أريد أن أستيقظ منه..لقد غيّرتني و غيّرت كل حياتي..إلى الأحسن..في كل شيء" ربتت أمه على يده و قالت" ليحميكما الله يا بني و ليدم عليكما السعادة..لا تفرّط بها أبدا مادمت تحبّها إلى هذه الدرجة" ثم فتحت العلبة و وضعتها أمامه و هي تضيف" انظر ماذا أحضرت لك..بعض البسكويت المحلّى بمربّى التوت..بعض المعجنات و الأكلات الخفيفة..لقد أعددتها دون أن أسألك عمّا تحب و تكره في الأكل..أتمنى أن يعجبك الطعام" نظر اليها ياغيز و قد اغرورقت عيونه بالدموع و تمتم بصوت مخنوق" شكرا لك..لدي فقط حساسية من الفراولة..أما بقية الأطعمة فلا مشكلة لدي معها..لقد أتعبت نفسك" أخذت أمه يديه بين يديها و راحت تقبلهما و تقول" أنا لم أفعل شيئا..الاعتناء بصغيري هو أكثر التعب راحة بالنسبة إلي" سأل بصوت مرتعش" ماذا قلت؟ صغيري؟" عانقته بحنان و اجابت" بلى..صغيري..و حبيبي..و ابني المميز..أنا آسفة ياغيز..و أعتذر لك من كل قلبي على كل لحظة حرمتك فيها من حبي و اهتمامي..أتمنى أن تغفر لي" تعلّق ياغيز بكتفيها و هو لا يكاد يصدّق ما يحدث..هاهو يعود طفلا صغيرا يلتجئ إلى حضن أمه لكي يخبئ فيه كل ضعفه و حزنه و مخاوفه..و هاهي أمه تغدق عليه من حنانها و اهتمامها و رعايتها كم حلم يوما أن تفعل..
في قسم الطوارئ..أنهت هزان تضميد جرح ولد صغير سقط من على دراجته و انجرحت ساقه جرحا عميقا ثم جلست على الكرسي تلتقط أنفاسها عندما اقترب منها باريش و قال" صباح الخير هزان" اجابت" صباح الخير دكتور" سألها" كيف حال ياغيز اليوم؟" أجابت" انه بخير و الحمد لله..لكن لماذا تسألني أنا؟ أليس الأولى أن تذهب للإطمئنان عليه بنفسك؟" ابتسم و همس" ألست حبيبته؟ لهذا سألتك" قالت و هي تنظر إليه" بلى..أنا حبيبته..لكنك أخوه..و وجودك إلى جانبه يعني له الكثير..اذهب إليه و اطمئن عليه عوض أن تسألني أنا" صمت باريش قليلا ثم سأل" هزان..لماذا لم تخبريني؟ كنت أتمنى أن أعرف بعلاقتكما منك أنت لا عن طريق الصدفة..أمي تتحدث عنك بإعجاب كبير..و هي من أخبرتني بأنكما حبيبان" ردت" أساسا نحن نخفي علاقتنا عن الجميع بسبب بروتوكولات العمل و قوانينه الصارمة..لهذا لم أخبرك..ها قد علمت و انتهى الأمر..لا تأخذ على خاطرك..و لا تحزن..أنت تعلم بأنك صديق أفتخر بصداقته و أتمنى أن تدوم صداقتنا" ربت على يدها بخفة و هو يقول" طبعا..نحن صديقان و سنبقى كذلك..كل ما في الأمر أنني تفاجأت فقط..سأذهب لكي أراه و أطمئن عليه ثم أعود..الطوارئ بأمانتك" ضحكت و قالت" لا تقلق..كل شيء تحت السيطرة" ..بعد أسبوعين..أنهت هزان امتحاناتها و عاد ياغيز إلى العمل بعد أن تعافى..كان الأطباء المتدربون بعد انهائهم لإمتحانات السنة الأولى يتمتعون بعطلة لمدة أسبوع قبل صدور نتائجهم..قالت هزان التي كانت جالسة بجانب ياغيز و هو يقود سيارته" ألن تخبرني إلى أين نحن ذاهبان؟" ابتسم و رد" لن أفعل..أخبرتك بأنها مفاجئة..لذا توقفي عن طرح الأسئلة أيتها الفضولية" تمتمت بعصبية" بغيض" انفجر ضاحكا و هو يقول" سمعتك" تأففت بضيق و قالت" على الأقل اسمح لي بأن أزيح هذه العصابة عن عيني لكي أتمكن من رؤية الطريق" اجاب" لن أفعل طبعا..كوني صبورة..و استمتعي بالاستماع إلى أغانيك المفضّلة و بقرمشة رقائق البطاطس المملّحة التي وضعتها في حجرك للتو..مازال الطريق طويلا" تحسست بيدها الكيس و قالت دون حماس" شكرا لك..رغم أنني ممتعضة منك..لكنني سأصمت..و لن أزعجك أكثر بأسئلتي سيد ياغيز" داعب بيده وجهها و هو يقول" أحسنت أيتها الفتاة المطيعة" ثم اهتم بالقيادة و هو يغني بصوته الرجوليّ الرخيم..و بعد ما يناهز الساعتين..أوقف ياغيز السيارة و ترجل منها ثم التف لكي يفتح لها الباب و يساعدها على الترجل..سألت بحماس" هل وصلنا؟" أجاب مبتسما" نعم..لقد وصلنا" ثم أزاح العصابة عن عينيها لتجد نفسها في مكان ساحر غطّته الثلوج و زادته بهاءا..تأملت هزان المكان و صاحت" واااو..إنه رائع..أين نحن بالضبط؟" أجاب" نحن في الشمال التركي..و تحديدا في مدينة طرابزون..و هذا البناء المقابل هو منتجع  ريدوس

المُتدرّبةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن