34..إختفاء

1.8K 66 23
                                    

ضغط ياغيز على الفرامل بحركة مفاجئة فتوقفت السيارة و راح هو يضرب المقود بيديه بعصبية..و كانت هزان قد سمعت الخبر لأن ياغيز كان يضع العم يشار على مكبر الصوت..نظرت إلى ملامحه التي غلب عليها الغضب و قالت" ياغيز..حبيبي..اهدأ لو سمحت..العصبية و الغضب لن يغيرا من الأمر شيئا..خذ نفسا عميقا..هيا" التفت إليها ياغيز و غمغم بصوت مزمجر" و كيف لا أغضب و لا اغتاظ؟ هذه المرأة المقرفة لا تنفكّ تظهر من جديد كلما قلت أنها اختفت إلى الأبد..وضعتها في السجن و لم أتخلص منها بعد..ماذا أفعل أكثر؟ هل أقتلها لكي أرتاح منها بصفة نهائية؟ ثم كيف أضمن بأنها لن تتعرض لي أو لك لكي تسمم حياتنا و تفسد علينا فرحتنا؟ ها؟ لا تطلبي مني أن أهدأ لأنني لا أستطيع أن أفعل و أنا أعلم بأن تلك الحقيرة حرة طليقة" وضعت هزان يدها خلف عنقه و جذبته نحوها و عانقته بكل قوتها..هناك..وجد السلام كعادته..و سحب نفسا عميقا مجبولا برائحتها التي تتغلغل الى أعماقه و تشفيه بسحرها العجيب..لف ذراعيه حولها و دفن وجهه في عنقها بينما أخذت هي تداعب خصلات شعره بأناملها..همست بصوت خافت" حياتي..اهدأ..و لا تفكر..سيلقون القبض عليها و ستعود خلف القضبان كما كانت..تنفّس أنت بعمق..و دعك من الأفكار السوداء لأنها لا تنفع إلا في تعكير صفوك فقط..أنظر..أنا و أنت معا..تضع رأسك على كتفي..و أنا ألاعب شعرك الذي أحبه..و هذا كل ما يهمنا الآن يا زوجي المستقبلي" رفع عيونه نحوها و ابتسم ثم سأل" كيف تنجحين في فعل هذا كل مرة؟ كيف تتمكنين من امتصاص غضبي و عصبيتي بسلاسة هكذا و كأنك تلقين علي سحرك فتهدأ العواصف في داخلي و أستكين؟ كيف؟ أنظري..لقد جعلتني أبتسم و انا في عز غضبي..فكيف تفعلين ذلك؟" طبعت قبلة رقيقة بين عيونه و أجابت" هذا سهل..تكون غاضبا و عصبيا فأغمرك بحبّي و أحتويك بين ذراعي فتهدأ و تطمئن..هذا هو الحب أيها الوسيم..إن لم أكن قادرة على إذهاب غضبك و تحويله إلى إبتسامة و طمأنينة فمالذي أفعله بجانبك إذا؟ أحبك ياغيز..أحبك حبيبي..هذا هو السر" عاد هو يخفي وجهه في عنقها و هو يتمتم" و أنا أحبك هزان..أنت كل حياتي" و أخذ يمرر شفتيه على رقبتها ببطء فسرت القشعريرة في جسدها و قالت بصوت مبحوح" ياغيز..توقف..نحن في وسط الطريق" ابتسم بخبث و رد" ماذا أفعل؟ لقد اشتقت إليك كثيرا" ابتعد عنها و انطلق بالسيارة و قد أسعده ارتباكها و احمرار وجهها بسبب اقترابه منها..رن هاتفها فأجابت" ألو نعم نازلي" قالت نازلي" هزان..أخبريني بأنك في الطريق الى هنا..لن تتركيني لوحدي في ليلة الحنّاء خاصّتي..أليس كذلك؟" ردت هزان" طبعا لا..و كيف أفعل ذلك؟ لا تقلقي حبيبتي..نحن في الطريق..هل أنت بخير؟ لماذا تبدين متوترة هكذا؟" تأففت نازلي بضيق و قالت" موعد الزفاف بعد يومين..و رغم أن كل شيء يسير على ما يرام إلا أنني أشعر بأن هناك أكثر من تفصيل ناقص..لا أعلم..تعالي بسرعة أرجوك..أنا أحتاج اليك كثيرا" ضحكت هزان و أجابت" لا تقلقي عزيزتي..تنفسي بعمق و حاولي أن تهدئي..سيكون كل شيء على ما يرام..ساعتان و أكون بجانبك ان شاء الله" قالت نازلي" حسنا أختاه..أنا أنتظرك على أحر من الجمر" و أنهت المكالمة..
في منزلها..سمعت نازلي صوت طرقات على الباب..فتحت فإذا باقة ورود ضخمة حمراء اللون تخفي وجه حاملها..ابتسمت بسعادة لأنها كانت تعرف من يقف خلف الباقة..تكلم فرمان و الباقة ماتزال تخفي وجهه قائلا" مرحبا سيدتي..هل تسمحين لي بالدخول؟" ضحكت و أجابت" طبعا سيدة باقة..تفضلي بالدخول..هل تستطيعين المشي أم أحملك؟" أطل فرمان برأسه و رد و هو يقطب جبينه" ليسامحك الله حياتي..أستأخذين الباقة و تتركينني أنا واقفا بالخارج؟" اخذت نازلي الباقة من يده ثم ارتمت بين أحضانه تعانقه و توزع قبلاتها على وجهه..ابتسم و همس" اشتقت اليك..المشفى من دونك باهت و بلا روح..يوم واحد كان كالدهر بالنسبة إلي..لكن..كل هذا سينتهي قريبا..و سنصير معا إلى الأبد..أليس كذلك يا عروسي الجميلة؟" جذبته من يده إلى الداخل و أغلقت الباب و هي تقول" معك حق يا زوجي المستقبلي..لم يبقى الكثير على اجتماعنا تحت سقف واحد..تعالى..اجلس..سأعدّ لك القهوة" نزع فرمان سترته و وضعها على ذراع الأريكة قبل أن يتبعها إلى المطبخ..سألها" هل اتصلت بهزان؟ هل ستأتي؟" التفتت اليه نازلي و أجابت" طبعا..انها قادمة..لا يعقل أن تتركني لوحدي في ليلة كهذه..هزان ليست مجرد صديقة بالنسبة إلي إنها أختي التي لم تنجبها أمي..فيها كل الصفات المميزة..قلبها كبير و روحها نقية..عندما تكون قريبة منك تشعرك بأنك أهمّ إنسان على وجه الأرض..تعطي بلا حساب..و تحب بلا حدود..إنها حقا من أحب الأشخاص على قلبي..و أنا سعيدة جدا لأن الحياة وضعتها في طريقي" تنحنح فرمان و هو يرمقها بنظرة عاتبة ثم قال" خيرا ان شاء الله آنسة نازلي؟ نحن هنا..ألن يصيبنا من الحب جانب نحن أيضا؟ أعتقد بأنني صرت أغار من هزان" اقتربت منه و لفت ذراعيها حول عنقه و هي تهمس" لا تهذي حبيبي..هزان أختي..أما أنت فالرجل الذي أحب و الذي سأكون زوجة له و أمّا لأبنائه..فلا داعي لغيرتك هذه" ابتسم و رد" أنا أمازحك حياتي..فعلا..هزان فتاة مميزة و صديقة وفية..و ياغيز أيضا..أتذكرين كيف كانت علاقتنا في البداية؟ من كان يقول بأننا سنصبح أصدقاء و بأن الجليد الذي بيننا سيذوب هكذا؟ و لأكن صريحا معك..هزان هي من غيرت ياغيز و أخرجت أفضل ما فيه..لولاها لكان مايزال نفس الرجل المتعجرف و المغرور الذي يبني حوله جدرانا عالية تمنع أي شخص من الاقتراب منه..هي التي عالجت جروحه و أعادت الحياة إلى قلبه..بعد أن أحبها..صار إنسانا طيب المعشر و صديقا صدوقا يمكن الاعتماد عليه..حبه لها أظهر ذلك الجانب الخفي الذي كان يدفنه خلف قناع البرود و العجرفة..جانب إنساني رائع حولنا من شخصين لا يطيقان بعضهما إلى أعز الأصدقاء..و أنا أيضا مسرور جدا لأن الحياة وضعت ياغيز في طريقي..أشعر بأنه أخي و ليس مجرد صديق لي" طبع قبلة رقيقة على أنف نازلي ثم سألها" كيف تسير التحضيرات لحفل الليلة؟ هل تحتاجين إلى شيء؟" أجابت و هي تحمل أكواب القهوة إلى الصالون" أعتقد بأن كل شيء على ما يرام..و سأتأكد من ذلك عندما تأتي هزان..لأنها هي المشرفة على كل التفاصيل" جلس فرمان و قال" هذا جيد..و أنا سأكون في المنزل اقيم حفل وداع العزوبية مع أصدقائي الشباب..أتمنى بألا ينفذوا الاقتراح الذي قالوه لي" سألت نازلي" و ما هو هذا الاقتراح؟" ابتسم بخبث و أجاب" لقد أصر الشباب على إحضار راقصات متعريات إلى المنزل..حاولت أن أقنعهم لكنهم لم يستمعوا إلي..ماذا أفعل؟" ردت نازلي بهدوء" لا تفعل شيئا..استمتع بوقتك..و نحن أيضا سنستمتع بوقتنا مع الراقصين الرجال المتعريين أيضا..ما رأيك؟" قطب جبينه و قال" تمزحين أليس كذلك؟" ابتسمت و قالت" لا..أنا جادة فيما أقول..الفتيات مصرّات على ذلك..فماذا أفعل؟" مرر فرمان يده على جبينه و راح يفكر في صمت قبل أن ينتفض واقفا و يقول" لا..لن أقبل بهذا..سنلغي فكرة الراقصات و أنتن أيضا..دعينا لا نفعل هذا بأحدنا الآخر..أقسم بأن الفكرة فقط تصيبني بالجنون" انفجرت نازلي ضاحكة و رفعت يديها باستسلام و هي تردد" لا تقلق..لا تقلق..أنا أمازحك فقط..لكن هذا لا يعني بأنني قد أرضى بوجود راقصات في حفل توديع العزوبية خاصتك..اتفقنا؟" أجاب" نعم..اتفقنا..كدت أجن..ليسامحك الله" ضحكا معا ثم جلسا يشربان قهوتهما..
في المساء..أوقف ياغيز سيارته أمام منزل نازلي..حمل حقيبة هزان و رافقها إلى الداخل..عانقتهما نازلي و شكرتهما لأنهما لم يتركاها لوحدها ثم عادت إلى المطبخ تشرف على آخر لوازم الاحتفال..نظر ياغيز إلى هزان و قال" حياتي..لا أريد أن أفترق عنك..ألا أستطيع البقاء هنا معك؟" ضحكت هزان و أجابت" ممنوع حبيبي..إنها حفلة نسوية..لكن العريس يستطيع أن يفاجئ العروس في آخر الحفل بهدية يحضرها لها..تستطيع مرافقته عندما يأتي..و سنضع لك بعض الحناء على اصبعك مثله هو" وضع جبينه على جبينها و همس" افعلي بي ما تشائين..المهم أن أكون معك" طبعت هزان قبلة سريعة على فمه ثم دفعته دفعا نحو الباب و هي تقول" هيا إذهب..يجب أن أساعد نازلي و أتأكد بأن كل شيء جاهز لحفل الليلة" قبلها على خدها ثم خرج..ركب سيارته و انطلق بها..اتجه مباشرة إلى مكتب المحامي يشار..طرق الباب و دخل عليه فإعترضه الرجل معانقا إياه بحرارة و هو يقول" أهلا و سهلا بني..لقد اشتقت إليك" رد" و أنا أيضا عماه..كيف حالك؟ هل أنت بخير؟" جلس الرجل و أشار اليه لكي يجلس قبالته ثم أجاب"الحمد لله..كيف كان لقاءك بحمويك؟ أتمنى بأن يكون كل شيء قد سار على ما يرام" ابتسم ياغيز و قال" لقد كان لقاءا رائعا..هزان محظوظة بأبويها..إنهما مميزان حقا..يحبناها كثيرا و يسعدان لسعادتها..و لعل الأمر الأهم هو أنهما زوجان يعرفان قيمة الحب و يقدّرانه و يعيشانه في كل لحظة..علاقتهما مدهشة..عندما تعرفت عليهما صرت أفهم هزان أكثر..و أقدّر إصرارها على الحصول على زواج يكون أساسه الحب و التفاهم و الثقة..لهذا سأحرص على أن أكون لها الرجل الذي تحلم به و تتمناه..لن أخيب أملها أبدا" ربت يشار على يد ياغيز و رد" أحسنت بني..هزان فتاة رائعة..لقد غيرت حياتك الى الأفضل..و كأن القدر وضعها في طريقك لكي تشفيك من جراح الماضي التي تركت ندوبا بشعة في قلبك و روحك..لقد آن الأوان لكي تكون سعيدا..و لا تسمح لأحد بأن يسرق حقك هذا منك" قطب ياغيز جبينه و سأل بقلق" هل من أخبار عن تلك الحقيرة الفارّة؟" زم يشار شفتيه و أجاب" مع الأسف..ليس بعد..لكن ابني يشرف بنفسه على البحث عنها في كل مكان..لا تقلق..سيجدها و سيعيدها إلى السجن حيث يليق بها أن تكون" رطب ياغيز شفتيه بلسانه و قال" لست قلقا على نفسي..أنا خائف على هزان..تلك المعتوهة ستفعل كل شيء لكي تحرق روحي و صارت تدرك تماما بأنها ستقتلني بأتم معنى الكلمة إذا آذت هزان..لن أكون قادرا على تحمل ذلك..عقلي يعجز عن استيعاب دقيقة واحدة أمضيها من دونها فكيف إذا لا سمح الله تعرضت لها تلك المجرمة..أقسم بأنني سأقتلها بيدي إذا تجرأت على ذلك" نظر يشار إلى ياغيز و قال" اهدأ بني..و لا تشغل نفسك بهذه الأفكار السوداء..ستكونان بخير..و ستتزوجان قريبا..و لن يستطيع أي أحد أن يفرق بينكما..و الآن..أحتاج توقيعك على بعض الأوراق..ثم سترافقني للإطلاع على سير العمل في الشركة و المعمل..و لا أريد اعتراضا..أعلم أنك تثق بي لكن لا تنسى بأنك صاحب هذه الأملاك و واجبي أن أبقيك على إطلاع بكل المستجدات" ثم وضع أمامه رزمة من الأوراق لكي يوقعها قبل أن يغادرا سوية إلى الشركة..
في المنزل..أخذت هزان تعلق الزينة على الحيطان ثم راحت توزع أقراص الحنّاء على الأطباق الصغيرة المملوءة بالحلوى و الشوكولا و التي ستقدم كهدايا تذكارية للنسوة الحاضرات..ألقت نظرة أخيرة على المطبخ قبل أن تطرق الباب على نازلي و تدخل عليها..وجدتها قد أنهت ارتداء قفطانها الأزرق اللون و أتمت وضع مساحيقها و لبست التاج على رأسها..قالت هزان و هي تتأمل صديقتها" ماشاء الله..أنت كالحورية في هذه الملابس..ليحميك الله أختاه" تنهدت نازلي بحرقة و أجابت و الدموع تلمع في عيونها" شكرا لك هزان..لولا وجودك أنت معي لكنت وحيدة في هذه الليلة الخاصة..بلا أُمّ أو عائلة..أتعلمين..رغم كل ما عانيته منها..و رغم أنني لم أرتح يوما معها..لكنني أفتقدها الآن..و أفتقد وجودها..ليتها كانت معي..ليتها شاركتني فرحتي و أمسكت يدي لكي تقدمني لعريسي..لكن..أوف..لا أريد أن أبكي" عانقتها هزان و قالت" لا تبكي..ستفسدين مساحيقك..هيا..النسوة يملأن غرفة الضيوف..و داملا تهتم بهنّ..لكن..يجب أن أنظم اليها..دقائق و سنأتي إليك لكي نخرجك بالشموع كما جرت العادة..هيا ابتسمي أيتها العروس الجميلة" رسمت نازلي على شفتيها إبتسامة رقيقة و راقبت صديقتها و هي تخرج بنظرات كلها إمتنان و شكر و محبة صادقة..في الخارج..كانت داملا توزع الحلويات على الضيوف و انظمت اليها هزان لكي تساعدها قبل أن تحمل الفتيات الشموع و يرافقن العروس إلى قاعة الجلوس حيث غطين لها وجهها بوشاح أحمر و أجلسنها على كرسي و رحن يلتفنن حولها و يغنين بصوت عذب..و من وقت لآخر كانت هزان ترفع الوشاح عن وجه نازلي لكي ترى ان كانت قد بكت أم لا..و هو ما حدث سريعا بعد أن تأثرت نازلي بكلمات الأغنية التي يغنينها عن الفتاة التي تفارق أهلها لكي تنتقل الى حياة أخرى..ذكرها ذلك بوحدتها و بقهرها و حزنها فسالت دموعها غزيرة على خديها و لم تعد قادرة على كتم صوت بكاءها العالي..وضعت لها هزان الحناء في كفها و معها قطعة ذهبية ثم رفعت الوشاح عن وجهها و عانقتها مطولا قبل أن تقول" هيا..الى الرقص يا فتيات..داملا..ضعي الموسيقى..لا أريد أن أجد واحدة منكن جالسة..قمن و اهززن خصوركنّ..هيا" و سرعان ما غصّت القاعة بالراقصات و أولهن نازلي..
في منزل فرمان..جلس ياغيز و باريش و جينك و يافوز مع العريس و أخذوا يحتسون مشروبهن و يتبادلون أطراف الحديث..إلا ياغيز الذي اكتفى بشرب كأس من العصير..نظر جينك إلى وجوه الحاضرين و علّق ساخرا" ما هذه الأجواء الكئيبة يا سادة؟ ليسامحكم الله..لو أننا أحضرنا الراقصات لكانت السهرة ممتعة أكثر" هز فرمان رأسه و أجاب" لن نفعل ذلك..الفتيات هددننا بأنهن سيحضرن راقصين متعريين رجالا..هل تحتمل بأن ترى حبيبتك داملا و هي ترقص مع رجل متعرّي؟" رفع جينك يديه بإستسلام و رد" لا..أكيد لا..سحبت كلامي" وقف ياغيز و قال" بما أن سهرتنا مملّة هكذا..ما رأيكم أن نداهم حفل الفتيات؟ فرمان..ألم تحضر هدية لنازلي؟" أجاب" بلى..فعلت" وضع ياغيز  كأسه على الطاولة و قال بحماس" رائع..هيا لنذهب إذا" وقف الشباب و خرجوا الى سياراتهم و توجهوا مباشرة إلى منزل نازلي..
هناك..كان الرقص على أشدّه و الأجواء ممتعة و رائعة..سمعت هزان صوت طرقات شديدة على الباب فأسرعت تفتح لكنها لم تجد أحدا..نظرت يمنة و يسرة ثم همت أن تغلق الباب عندما تعثرت ساقها بمغلّف صغير وضع على العتبة..أخذته و عادت إلى الداخل..قرأت إسمها عليه فانزوت لوحدها في المطبخ و فتحته..وجدت فيه صورة لها و لياغيز ..و رأسها هي مقطوع فيها..و على ظهر الصورة مكتوب" أرقصي و غني و استمتعي الآن لأن هذا سيكون آخر ما تقومين به في حياتك..لن أسمح لك بأن تتزوجي ياغيز و تأخذيه مني..نهايتك ستكون على يدي..صدف"..انقبض قلب هزان و هي تقرأ تلك الكلمات القاسية لكنها سرعان ما تجاهلت الأمر و أحرقت الصورة لكي لا تعكر صفو فرح صديقتها..عادت إلى القاعة فوجدت الشباب قد انظمّوا الى الحفل..اقترب منها ياغيز و طبع قبلة رقيقة على جبينها ثم سأل" أين كنت؟ و لماذا يبدو وجهك شاحبا هكذا؟" ابتسمت و أجابت" كنت في المطبخ أشرب بعض الماء..لقد أتعبني الرقص..هذا كل ما في الأمر..كيف كانت سهرتكم؟" ابتسم ياغيز و رد" كانت مملة و كئيبة لهذا حرضتهم على المجيء اليكم لكي أراك و أكون بقربك" عانقته هزان و حاولت ألا تبدي له تأثرها بتهديد صدف التي أظهرت في أكثر من مناسبة ما هي قادرة على فعله..اقترب فرمان من نازلي و أخرج من جيبه علبة بها عقد ذهبي و أقراط و خاتم و ألبسها إياهم ثم قبل جبينها بحنان و عانقها مطولا..عادت الجموع إلى الرقص و الاستمتاع أما باريش فكان هو مصوّر الحفل بالكاميرا الرقمية التي أعطاها له فرمان..و مع انتهاء الحفل و انصراف المدعوّين..اهتم ياغيز و هزان بترتيب المنزل بينما جلس فرمان صحبة عروسه يتحدثان عن بعض التفاصيل الخاصة بحفل الزفاف..راقب ياغيز هزان و هي ترتب الأطباق و الكؤوس على الرفوف..كانت شاردة و صامتة على غير عادتها..و نظراتها تائهة و كأنها تفكر في أمر خطير..اقترب منها بخفة و وقف خلفها ثم لف يده حول خصرها و جذبها نحوه و هو يضع ذقنه على كتفها و يهمس" هزان..حياتي..هل أنت بخير؟" ابتلعت ريقها و ردت" أنا..أنا بخير..لماذا تسأل؟" مرر أرنبة أنفه على خدها و هو يقول" لأنك شاردة و صامتة على غير عادتك..و كأن أمرا ما يشغل بالك..و يلهيك عني..أريد أن أعرف حالا مالذي يشغلك عني" ابتسمت و أجابت" و مالذي قد يشغلني عنك حبيبي؟ ..لا تقلق..أنا بخير..لكنني متعبة فقط..هذا كل ما في الأمر" دفن وجهه في عنقها و غمغم بصوت مبحوح" هل نذهب إلى منزلنا؟ دعيني أهتم بك و أخبرك عن مدى اشتياقي اليك..ماذا قلت؟" تنهدت و قالت" أتمنى ذلك..لكنني لا أستطيع..لدينا حمام العروس في الغد و يجب أن أكون مع نازلي و أعتني بها..كما تعلم..انها وحيدة و أنا كل عائلتها..لا أريدها أن تحزن في أيام فرحها الذي لطالما حلمت به..لينتهي الزفاف على خير ثم سنلتفت أنا و أنت لأنفسنا..اتفقنا؟" تأفف بضيق ثم رد على مضض" حسنا..اتفقنا..كما تريدين..لكنك ستعوضينني عن هذه الأيام الثقيلة التي سأقضيها من دونك..و لا تسأليني كيف..لأنك تعلمين جيدا كيف" التفتت اليه هزان و ضربته بقبضة يدها على صدره و هي تقول" أيها المنحرف..ألا يفكر عقلك سوى في هذا؟ تعلم أن تمضي بعض الوقت من دوني لكي لا تحزن كثيرا اذا حدث و اضطررت أن أغيب عن عينك..حاول أن تشغل نفسك بأمور تحبها..لا أدري..تجول..التقي بأصدقاءك..مارس الطب الذي تجيده و تبرع فيه..المهم ألا أكون أنا محط اهتمامك الوحيد" لمس ياغيز بعض الجدية و الخوف في كلامها فقطب جبينه و سألها بإرتياب" هزان..لماذا قلت هذا الكلام الآن؟ و لماذا بدوت خائفة و أنت تقولينه؟ هل هناك ما تخفينه عني؟" هزت هزان رأسها بالنفي و أجابت" لا..لا أخفي عنك شيئا..لكنني أخشى عليك من شدة تعلقك بي..صرت ألاحظ بأنك تعجز عن البقاء من دوني..و تريدني أن أكون معك في كل مكان تكون فيه..حتى اهتمامك بالطب صار أخف من السابق..لا تستمتع بقضاء الوقت مع أصدقاءك..و لا يحلو لك لا النوم و لا الطعام من دوني..صرت أشعر بأن حبك لي يتحول إلى أمر خطير يشبه الهوس و .." تراجع مبتعدا عنها ثم قاطعها بعصبية" لا أكاد أصدق ما أسمعه منك..هزان..هل تسمعين هذا الهراء الذي تقولينه؟ متى صار الحب أمرا يقاس بالكمّ و الكيف؟ متى أصبح الحب أمرا يمكننا التحكم فيه و التقليل من حدته و كأنه سيارة نضغط على فراملها متى أردنا التوقف؟ أخبريني هزان..أجيبيني بصراحة..هل صرت ترين حبي لك كثيرا عليك؟ هل صرت أحاصرك و أخنقك دون أن أنتبه؟ هل صرت أضغط عليك و أفرض نفسي عليك لكي تقولي هذا الكلام الغريب الذي قلته لي؟ هيا أجيبي" نظرت اليه هزان و قد تجهم وجهه و اختفت الابتسامة التي كانت تزين شفتيه و قالت و هي تقترب منه" لا..ليس هذا ما قصدته" تراجع الى الخلف لكي لا تلمسه و سألها بنبرة حزينة" ماذا قصدت إذا؟ هلا شرحت لي لو سمحت" أجابت و هي تمرر يدها على عنقها" أنا..كل ما قلته..كان لمصلحتك..لا أريدك أن تتأذى..لا ادري..صرت أراك تنشغل عن الدنيا بسببي..و كأن كل حياتك متعلقة بي و بوجودي..و هذا أمر لا يجوز..لديك حياتك أيضا..و اهتماماتك..عائلتك..أمك..أخوك..أصدقاءك..الطب..كل هذا تتناساه و تتجاهله و تربط كل شيء بي..أعلم أنك تفعل هذا لأنك تحبني..لكنني أخاف عليك..من شدة تعلقك بي..و .." قاطعها من جديد" هزان..سبق و قلت لي هذا الكلام..و ها أنت تكررينه..و الموضوع صار مستفزا صراحة..و كأنك تستكثرين حبي عليك..و تريدين مني أن أقلل اهتمامي بك..و أن أشغل نفسي عنك..أو ربما تريدين لنفسك بعض المساحة الخاصة..تريدين بعض الراحة مني و مني حبي الذي صار يضغط عليك و يخنقك..معك حق..يبدو بأنني أبالغ في حبي لك..معك حق..أتعلمين ماذا..سأريحك مني..و سأمنحك المساحة التي تريدينها..و لن أخنقك و أحاصرك أكثر..خذي وقتك..و فكري فيما تريدينه مني بالضبط..هل تريدين هذا الحب أم لا..و هل ترينه مناسبا لك أم كثيرا عليك..و الآن عن اذنك..سأذهب الى منزلي..و سأدعك على راحتك..تصبحين على خير" قالت هزان تحاول أن تستوقفه" ياغيز..حبيبي..أرجوك..لا تذهب ..أنا.." لكنه لم يلتفت..خرج و حمل معطفه و مفاتيحه و غادر..كانت تعي جيدا بأن كلامها كان فيه شيء من القسوة لكنه كان واقعيا أيضا..و ما دفعها لقوله هو خوفها عليه أن ينهار و يسقط سقوطا مدوّيا إذا حدث و غابت عنه أو فقدها للأبد..و لم تكن قادرة في ذات الوقت على اخباره بذلك التهديد المخيف الذي وصلها من صدف لكي لا يقلق أكثر و يتملكه الخوف و الرعب..فتركته يذهب و لم تلحق به لأنها كانت تريده أن يتعود على قضاء بعض الوقت من دونها..اتصلت به كثيرا لكنه لم يرد..و أرسلت له العديد من الرسائل النصية لكنه تجاهلها..كانت تدرك تماما أنه غاضب منها لهذا يعزف عن الرد عليها..
مر اليومان المواليان و هي مشغولة مع نازلي..ذهبتا معا صحبة الفتيات الى الحمام و قضين وقتا ممتعا و في المساء اجتمعن و أقمن حفلا صغيرا كوداع للعزوبية..و حاولت هزان أن تبدو على طبيعتها و ألا تجعل صديقتها تحس بقلقها و حزنها..و لعل ما ضاعف شعورها بالذنب من ثقل الكلام الذي قالته لياغيز هو أنها اشتاقت اليه كالمجانين..و الفراغ الذي تركه لم يكن أي شيء و لا اي أحد قادر على سدّه..و جاء اليوم الموعود..يوم الزفاف..لازم ياغيز صديقه فرمان و رافقه إلى الحلاق و اعتنى به و كأنه أخوه..و فعلت هزان ذات الشيء..ارتدت هزان فستانا أحمرا بقماش حريري لامع..له ذراع مغطاة و أخرى مكشوفة و به شق يمتد على طول الساق اليسرى

المُتدرّبةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن