بأحلام كبيرة تأتي هزان الى إسطنبول..تدرس الطب و تسعى الى إثبات ذاتها أمام أهل ضيعتها الصغيرة الذين حاولوا الوقوف في طريقها و عرقلة خطواتها..بدعم كبير من أبيها و أمها..و بثقة كبيرة فيها..استطاعت أن تتم دراستها و أن تبدأ فترة تدريبها في مستشفى الحياة...
اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.
تعلّقت عيون ياغيز بشاشة التلفاز دون أن يبدي أية ردّة فعل..نظرت إليه هزان و لم تجد كلمات تقولها له..نادى على النادل و دفع الحساب ثم راح يجمع أشيائه..مفاتيحه و نظّاراته و هو يقول بصوت هادئ" هيا..يجب أن نذهب" وقفت هزان و تمتمت بنبرة حزينة" أكيد..معك حق..لا يجب أن نتأخر..لنذهب" مشت بجانبه فقال" لا بد أنهم ينتظروننا في مستوصف القرية..لا يجب أن نتأخر عليهم..اذا انطلقنا الآن فسنصل باكرا و ننهي عملنا باكرا و .." قاطعته و هي تحملق و كأنها لا تصدق ما تسمعه منه" ماذا؟ أي مستوصف و أي عمل؟ هل هذا وقت المزاح؟ ألم تر الخبر العاجل الذي بثّه التلفاز؟ يجب أن نعود في الحال الى المدينة و منها إلى المطار..لا بد بأن الجنازة ستكون غدا..هيا لنذهب" بقي واقفا في مكانه دون حراك..ثم رد ببرود" لا..لن نعود..سننهي عملنا أولا..لا داعي لعودتنا..لدينا مواعيد نحن مرتبطون بها..أليس كذلك؟ فمالذي يجبرنا على الذهاب من هنا قبل اتمام ما جئنا من أجله؟" اقتربت منه هزان و أحاطت وجهه بيديها و صاحت به بعصبية" ياغيز..انظر الي..أبوك مات..توفي و هو في طريقه اليك..مالذي اصابك؟ هل جننت؟ عن أي عمل تتحدث؟ لا يمكن أن تكون قاسي القلب الى هذه الدرجة..هذا موت..هل تعلم ما معنى هذا؟ يعني أنه لا مكان للخلافات و الغضب و القطيعة بعد الآن..الرجل الذي توفي هو أبوك..و من واجبك أن تكون حاضرا في جنازته و أن تتقبل أنت التعازي فيه..هل فهمت؟ انت ابنه الوحيد و .." ابعد يديها عنه و رد بغضب" نعم..انا ابنه الوحيد..ابنه المنبوذ و الملعون..ابنه المطرود و المتبرّئ منه..ابنه الذي لم يره لسنوات و في الليلة التي رآه فيها مصادفة ترك يده تعلّم على وجهه أمام الدنيا بأكملها..ابنه الذي لم يكن في نظره سوى عبئا و حملا يحاول التخلص منه و من تحمل مسؤوليته..ابنه الذي لم تربطه به أية عاطفة و الذي لم يحبّه يوما..ابنه الذي لم يصدّقه و لم يدعمه و لم يهتم به يوما..و بعد هذا كله أكون أنا قاسي القلب..كيف ذلك؟ هلا شرحت لي؟ ..مات..نعم..ليرحمه الله..و ليغفر له..أما أنا فلا تربطني به أية صلة..فلتحضر زوجته المصون جنازته و لتتقبّل عزاءه و لتستمتع بكل قرش من امواله التي سلّمها لها على طبق من فضّة..أنا لا يعنيني لا هو و لا اسمه و لا امواله و لا حياته و لا مماته..أساسا أبي مات بالنسبة إلي منذ تلك الليلة التي طردني فيها خارج منزله و تبرّأ مني فيها..هذا كل ما لديّ لأقوله..و الآن هيا لنذهب الى عملنا لو سمحت" وضعت هزان يدها على فمها و شهقت بصوت مكتوم بعد أن سمعت كلامه..ثم أخذت حقيبتها من السيارة و قالت بصوت خافت" اذهب لوحدك اذا..أما أنا فسأمتطي أية حافلة تمر من هنا و سأعود الى المدينة..لن أبقى معك بعد كل هذا الهراء الذي سمعته منك..لست أنت ياغيز الذي أحبّه و الذي سامحت أخطاءه و قررت أن أفتح معه صفحة جديدة..الى اللقاء" و تحركت من أمامه و مشت دون أن تلتفت وراءها..بقي هو مكانه للحظات..يتصارع مع نفسه..مع عقله و قلبه..مع ضميره و غضبه..مع ماضيه و حاضره..مع صوابه و خطئه..مع ملائكته و شياطينه..ثم اندفع يركض خلفها و ما ان اقترب منها حتى امسكها من ذراعها لكي يمنع تقدمها و يثنيها عن الذهاب و هو يقول" هزان..انتظري لو سمحت..لا تذهبي و تتركيني..سأفعل ما تريدين..سنعود الى المدينة ثم الى اسطنبول..و سأحضر الجنازة و أتقبل التعازي..المهم ألا تغضبي مني و تتخلي عني" ابتسمت بسخرية و ردت"هكذا إذا..أتظن بأنني أمارس عليك الابتزاز العاطفي لكي تفعل ما أريده أنا..المهم ما تريده أنت و ما أنت مقتنع به..افعل ما تشاء ياغيز..لن أفرض عليك شيئا..و لن أجبرك على القيام بأي أمر لا تريده..الميّت أبوك..و أنت ابنه..رغما عنك..أنت تحمل اسمه..و دمه يجري في عروقك..حتى ولو كنتما على خلاف طيلة هذه السنوات..حتى ولو لم تكونا على اتصال او على مقربة..حتى ولو ظلمك و قهرك و أخطأ في حقك..الحقيقة الثابتة الوحيدة هي أنه أبوك و أنك ابنه..أنا لا أبرئ ساحته..و لا أمحو الأخطاء التي ارتكبها بحقّك..و لا أطلب منك أن تسامحه هكذا ببساطة..أبوك ظلمك و أخطأ بحقّك و خلّف في قلبك جرحا لن يشفى بسهولة..لكنه الآن رجل ميّت..جثة هامدة..بلا روح او نفس..و غضبك منه لا يجب أن يمنعك من القيام بواجبك تجاهه كإبنه الوحيد الذي يحمل إسمه أمام الناس على الأقل..و لا تنسى بأنه اتصل بك منذ يومين و أنت لم ترد عليه..ثم توفي و هو في طريقه اليك..فأية مصادفة هذه؟ ألا تستغرب الأمر حقا؟ فكّر في الأمر مليّا و ستجدني على حق..زوجة أبيك نجحت في ابعادك عن ابيك طوال هذه السنوات..و الآن سيكون من مصلحتها ألا تظهر في الصورة لكي تواصل حديثها بالسوء عنك أمام الناس..حضورك و تواجدك في الجنازة سيزعجها و سيفسد كل مخططاتها..و لا اقول هذا من اجل المال..لأنني متأكدة بانه لا يعنيك و لا توليه أي اهتمام..لكنني أقول هذا من أجل اعتبارك و سمعتك أمام الجميع" جذبها نحوه و عانقها بشدّة و كأنها ملاذه الوحيد و كل ما يعنيه في هذه الدنيا
