14..الوجه الآخر

2.3K 75 24
                                    

في اليوم الموالي..وصلت هزان برفقة نازلي إلى المشفى قبل موعد المناوبة بنصف ساعة تقريبا..دخلتا الى غرفة المساعدين و غيرتا ثيابهما ثم ذهبتا معا الى الكافيتيريا و جلستا تحتسيان القهوة و تتحدثان..نظرت نازلي الى وجه هزان الشاحب و همست" عزيزتي..اطردي هذه الكآبة من ملامحك و أظهري للجميع اقبالك على العمل الذي تحبين..صدقيني..العمل من شأنه أن ينسيك كل همومك و مشاكلك..و لا تنسي..أنت وعدتني برؤية هزان جديدة لم أرها من قبل..ليس أنا فقط..بل كل من في المشفى يجب أن يراها..اتفقنا؟" وضعت هزان يدها على يد صديقتها و ردت و هي تبتسم" لا تقلقي..أنا جاهزة لأريكم الوجه الآخر لهزان..وجه لم تروه من قبل..و سيفاجئكم جميعا..أعدكم بذلك" ابتسمت نازلي و قالت" أحسنت حبيبتي..هذا ما يجب أن يحدث" نظرت هزان إلى ساعتها و وقفت و هي تقول" سأذهب إلى الطوارئ و أستعد لاستقبال الحالات..أنهي أنت قهوتك و الحقي بي" هزت نازلي برأسها و راقبت ابتعاد هزان..أحاطت فنجان قهوتها بيديها و ظلت تحدق في خيوط الدخان المتصاعدة منه..شردت و هي تفكر في هذه الحياة..في رحلة الإنسان فيها..في المطبات التي يتعرض لها..في الآلام التي يعاني منها..في الحكايات التي يعيشها..في التجارب التي يمر بها..في قصص الحب التي يرسمها في خياله..و التي يسعى الى تحقيقها..و في الآمال التي يغذيها و يكبرها في أعماقه..في الخيبات التي تحرق روحه و تحطم قلبه..في حبها الذي تعيشه من طرف واحد..ذلك الحب الخاص فيها و الذي لا يشاركها فيه أحد..لكنه بقدر خصوصيته و اختلافه إلا أنه لا يخلو من الوجع و الألم و القهر..في هزان و انجرافها السريع وراء مشاعرها تجاه رجل لا يؤمن بالحب..و الثمن الباهظ الذي دفعته جراء اندفاعها هذا..في اليوم..و في الغد..و في ما يخفيه المستقبل من مفاجآت..كانت تنظر في الفراغ و هي شاردة فلم تنتبه إلى الكرسي الذي تم سحبه و لا إلى فؤاد الذي جلس قبالتها..حرك يده أمام وجهها يلفت انتباهها اليه و لما رفعت عيونها نحوه قال" صباح الخير آنسة نازلي..محظوظ هو من يحظى بتفكيرك العميق هذا..لقد كنت شاردة و كأنك في عالم آخر..هل أنت بخير؟" رسمت على شفتيها ابتسامة رقيقة و ردت" أنا بخير استاذ..شكرا لك..لم أكن أفكر في أمر بعينه..في الحياة بصفة عامة" طلب فؤاد لنفسه فنجانا من القهوة و رد"من الجيد أن يفكر الانسان في الحياة لكن المهم أن يعيشها..الحياة..عيشيها..لا تُحلليها..و ستجدين نفسك مرتاحة و سعيدة..هذا هو السر برأيي" زمت نازلي شفتيها و قالت"هذه وجهة نظر..و أنا أحترمها..لكنني شخصيا لم أجد الوقت الكافي لكي أعيش الحياة..فوجدت نفسي أنشغل بالتفكير و التحليل بدلا عن ذلك" رفع فؤاد حاجبه استغرابا و أجاب" غريب..أيعقل ألا يجد أحدنا الوقت لكي يعيش الحياة و يستمتع بها؟ يبدو بأنك فتاة غريبة الأطوار و غامضة إضافة إلى جمالك الأخاذ" طأطأت نازلي رأسها بخجل و تمتمت" شكرا لك أستاذ..و الآن عن إذنك..يجب أن أذهب" وقف و رافقها و هو يقول" لنذهب معا..لدي عملية مهمة اليوم..سأصلح الضرر في فك فتاة شابة تعرضت للضرب..هل تريدين أن تكوني مساعدتي؟" ردت نازلي بحماس" طبعا..بكل تأكيد..إنها المرة الأولى التي سأشارك فيها خلال عملية تجميل..شكرا لك أستاذ" ابتسم و مشى بجانبها في صمت..اعترضتهما بيليز مصحوبة بفرمان الذي ارتسمت علامات الانزعاج و الضيق على وجهه..قالت بيليز" صباح الخير دكتور فؤاد..كيف وجدت الأجواء في مشفانا؟" رد بسعادة" انها رائعة..سأجري عمليتي الاولى اليوم..و نازلي ستكون مساعدتي" هربت نازلي بعيونها من عيون فرمان التي تحملق فيها بغضب و قالت" سأسبقك استاذ لكي أجهز المريضة" اومئ لها برأسه و هو يبتسم..قالت بيليز" عملا موفقا دكتور..و أنا في مكتبي ان احتجت إلى أي شيء" صافحها و هو يقول" شكرا لك..عن اذنكما" قال فرمان" سأذهب الى قسم الطوارئ" ردت بيليز" بالمناسبة..نسيت أن أخبرك بأنني أحضرت طبيبا خاصا بالطوارئ..و هذا سيخفف من وطأة ضغط العمل عليكم..ستجدون وقتا اكثر للاستشارات و العمليات" ابتسم فرمان و أجاب" اوووخ..هذا رائع..سأذهب إلى مكتبي إذا" و قبلها على خذها بخفة قبل أن يمشي بإتجاه مكتبه..

المُتدرّبةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن