20..محاولات جادّة

2.2K 78 20
                                    

التقت شفاه فرمان و نازلي في قبلات عميقة و متتابعة و صارت انفاسهما مشتركة و أجسادهما متلاصقة و نبضات قلبيهما عالية و مجنونة..كانا كالحطب الذي أُلقيت عليه شعلة نار فصار يحترق على مهل و يتصاعد دخانه عاليا و بإمكانه أن يحرق كل ما حوله..تحسست يدا نازلي صدر فرمان العاري و استقرت على قلبه تستشعر نبض قلبه الذي يخبرها بمشاعره الصادقة و القوية تجاهها..اما هو فالتفتّ يداه حول خصرها النحيل قبل أن تتحرك بحرية على جسدها..لحظات و كانا يقعان معا على السرير الابيض الواسع دون أن ينفصل أحدهما عن الآخر..كانت العقول غائبة و متوقفة عن التفكير السليم و الحب و الرغبة و اللهفة هم أسياد الموقف و هم من يحركونهما..لامست شفاه فرمان عنق نازلي و راحت تطبع على جلدها قبلات رقيقة أشعلت النار في جسدها..فأغمضت عيونها و تمتمت بصوت مرتعش" فرمان..أنا..أريدك..و بشدة" واصل هو توزيع قبلاته هنا و هناك قبل أن يضع فمه على جبينها..يقبلها و يهمس بصوت مبحوح" و أنا أيضا حبيبتي..لم يسبق لي أن أردت إمرأة مثلما اريدك أنت الآن..لكنني..لن أفعل هذا بك..لن أؤذيك بهذه الطريقة..أنت خاصة جدا و مميزة بالنسبة إلي..لست مجرد إمرأة أحببتها و أرغب في إقامة علاقة معها..أنت حبيبة روحي و شريكة نبضات قلبي و زوجتي يوما ما و أم أطفالي..هذه أنت بالنسبة إلي نازلي..لهذا..لن يحدث بيننا أي شيء قبل أن نرتبط بصفة رسمية..و أنت تعلمين بأننا لا نستطيع أن نفعل ذلك إلا بعد أن تنتهي فترة تدريبك و تصبحين طبيبة إختصاص..عندها فقط..لن أمنع نفسي عنك و لن أمنعك عني..اتفقنا أيتها الجميلة" تجمعت الدموع في عيون نازلي فرحا بكلماته الصادقة و التي لامست قلبها و روحها..تلك الكلمات التي لطالما حلمت به و هو يرددها على مسامعها و يدفئ بها أوصالها..نظر إليها فرمان و سأل بقلق" حياتي..لماذا تبكين؟ هل قلت شيئا سيئا؟ أرجوك..لا تبكي..لا أحتمل رؤية دموعك" مد يده و راح يمسح دموعها الغزيرة التي سالت على خديها بحنان و رقة أما هي فغمغمت بصوت مكتوم" انا..أبكي..فرحا..كلامك..أسعدني..و جعلني..أشعر..بأنني..مميزة..و لا أشبه بقية النساء..شكرا حبيبي..شكرا لك من كل قلبي" اختطف فرمان قبلة سريعة من شفتيها قبل أن يقول" لا تشكريني..أنت فعلا مختلفة و مميزة في عيوني..و إياك أن تعتقدي غير ذلك مهما حدث" ثم وقف و ساعدها على الوقوف قبل ان يحتويها بين ذراعيه و هو يضغط على جسدها النحيل بيديه و كأنه لا يريدها أن تبتعد عنه..قالت" أنا متعبة و اريد أن أنام..لكن..أظن بأن ياغيز في غرفتنا..و لا اريد أن أقطع عليهما حديثهما" هم بالرد عليها عندما سمعا طرقات على الباب و صوت ياغيز يقول" فرمان..هذا أنا..لقد نسيت مفتاحي..هلا فتحت لي؟" ابتسم فرمان و هو يدرك جيدا بأن ياغيز لم ينسى مفتاحه بل أراد أن ينبههما الى وجوده قبل أن يدخل عليهما لأنه كان يعلم بأن نازلي معه في الغرفة..ابتعد فرمان عن نازلي و فتح الباب فدخل ياغيز و خرجت نازلي و هي تتمنى لهما ليلة سعيدة..جلس ياغيز على حافة السرير فاقترب منه فرمان و ربت على كتفه و هو يهمس" شكرا يا صديقي" غمزه ياغيز بخفة و رد" على ماذا؟ لا تهذي..هل أنتما بخير؟" ابتسم فرمان و أجاب" نعم..على خير ما يرام..و أنتما؟" تنهد ياغيز بعمق و قال" و نحن أيضا..لكنني أحتاج الى تغيير جذري في حياتي لكي أكسب هزان من جديد..يجب أن ترى أمامها نسخة جديدة تملأ عينها و قلبها..هل سأنجح في ذلك يا ترى؟" نظر اليه فرمان و رد" ياغيز..هزان تحبّك..و أنا واثق من ذلك..و يجب أن تكون أعمى لكي لا ترى ذلك في عيونها..لكنك جرحتها و آلمتها الى الحد الذي جعلت معه ذلك الحب يختفي داخلها و تظهر مكانه اللامبالاة و البرود..ستنجح..المهم أن تكون على طبيعتك..لا تتصنع و لا تنافقها..لا تريها نسخة منك لا تشبهك و لا تعبر عنك..كن أنت..بصفاء سريرتك و نقاء باطنك..بعفوية طفل و بإندفاع مراهق و تعقّل رجل ناضج..ابحث في اعماقك عن ياغيز الذي كنت تخفيه عن العيون و اظهره لها..و ستنجح في كسب قلبها و ثقتها من جديد..أنا واثق من ذلك" رمق ياغيز فرمان بنظرة غريبة لم يسبق له أن رآها في عيونه من قبل..نظرة كلها إمتنان و شكر..ثم اقترب منه و عانقه و هو يقول" شكرا لك..يا..أخي" فرح فرمان بعناق ياغيز و بكلمة أخي التي قالها له..و ربت على كتفيه بحنان قبل ان يجيب" لا داعي لشكري يا أخي..لقد تأخر الوقت..هيا إلى النوم..أمامنا يوم طويل و متعب غدا" و خلد كل منهما إلى النوم..
في اليوم الموالي..كان برنامج المؤتمر كثيفا بين محاظرات و عمليات نادرة و تقنيات طبية جديدة تمت متابعتها و التعرف عليها من قبل المساعدين و المتدربين بإشراف الأطباء و الجراحين..و لم يتسنى الوقت للعشاق او الأصدقاء للجلوس او لقضاء بعض الوقت معا..و انتهى اليوم و عاد الجميع إلى الفندق..في غرفتها..استحمت هزان و غيرت ملابسها و همت بالإستلقاء عندما سمعت صوت طرقات على الباب..فتحت فإذا هو باريش..نظر إليها بإستغراب و سأل" ما هذا؟ هل ستنامين؟ مازالت السهرة في أولها" ردت" باريش..أنا متعبة جدا و أريد أن أنام..مالأمر؟ هل تحتاجني في شيء؟" ابتسم و أجاب" نعم..الجميع في الأسفل..جالسون حول المسبح و يجهزون لحفل شواء و لسهرة لطيفة..هيا..لا تكوني كسولة..نريدك معنا" حاولت هزان أن تتهرب لكنه أصرّ عليها و عندما وافقت أخيرا اقترب منها و طبع على خدها قبلة سريعة و هو يردد بحماس" شكرا لك هزان..لا تتأخري" ردت" حسنا..لن أتأخر" و التفتت لتجد نفسها وجها لوجه مع ياغيز الذي كان متكئا على الباب و يراقب ما يحدث في صمت..أمام نظراته الصامتة سألت" مالأمر؟ لماذا تنظر إلي هكذا؟" تقدم نحوها و أجاب بعد صمت" لا شيء..لكنني..حسنا..لا شيء" كان سيتكلم بعصبية و سيظهر غيرته من باريش لكنه صار واعيا بأن هذا لن يحدث أي فرق في علاقتهما..بل سيؤزّم الأمور أكثر بينهما..و هذا ما لا يريده الآن..قطبت هزان جبينها و ردت" جيد..عن إذنك..سأغير ملابسي و أنزل إلى الأسفل" همت بالدخول عندما أمسكها من ذراعها و جذبها نحو و هو يهمس بصوت مبحوح" هزان..لقد افتقدتك اليوم كثيرا..لم تتسنى لي رؤيتك بسبب العمليات و المحاضرات..لو تعلمين كيف اشعر عندما لا تكونين حولي" كانت قريبة منه الى الحد الذي جعلها تشعر بأنفاسه الدافئة تلفح وجهها و رقبتها فارتعش صوتها و هي تسأل و تهرب بعيونها منه" و كيف تشعر؟ هلا أخبرتني؟" تنهد بعمق و وضع ذقنه على جبينها و أحاط خصرها بيده ثم غمغم بصوت جهوري عميق" شعور رهيب بالفراغ..و كأنني لا أرى ما حولي و من هم حولي..أظلّ أتلفّت هنا و هناك لعلّي اراك أو أسمع صوتك..و كأنك الشخص الوحيد الذي يعنيني وجوده..و كأنك الرابط الوحيد الذي يشدّني الى الحياة..و كأنك كل البشر في عيوني..لا أنتمي إلا إليك..و لا أريد غيرك من الأساس" شعرت هزان بأن ساقيها لم تعودا تقويان على حملها و بأن قلبها يكاد ينفر من صدرها من وقع اقترابه و تأثير كلماته عليها..فوضعت يدها على صدره و دفعته بخفة لكي يتراجع إلى الخلف و هي تهمس بصوت مرتعش" ياغيز..هذا يكفي..اصمت لو سمحت..هذا لا يساعد..نحن أصدقاء و .." لم يسمح لها بالابتعاد و واصل كلامه" أعلم..أصدقاء..و أعلم بأنني..لا يحق لي أن أقول هذا الكلام..لكنني..أحارب نفسي لكي أصمت..و لكي لا انفجر..و أفقد أعصابي..من شوقي الدائم لك..و من غيرتي القاتلة عليك..تقفين هنا..بقميص نومك..الذي أتمنى ألا يراه عليك أحد غيري..يقترب منك احدهم..و يقبل خدك..فتشتعل النيران في قلبي..و يضيق صدري..و تثقل أنفاسي..و أحاول أن أهدأ..و أن أخفي ما أشعر به..ثم أعجز عن فعل ذلك..اعذريني هزان..لكنني لست قويا الى هذه الدرجة..و قلبي لم يعد متحجرا..و أنت من عالجته و استقرّيت داخله رغما عني..فلا تلوميني..و لا تطلبي مني أن أصمت..و اعتبريها لحظة مصارحة عابرة..لن تفسد ما اتفقنا عليه..و لن تؤثر على صداقتنا" طبع قبلة طويلة على جبينها بشفاهه الرقيقة الدافئة قبل أن يبتعد من أمامها و يتركها جامدة في مكانها و عيونها مغمضة و أنفاسها متسارعة و كأنها كانت تركض دون توقف..فتحت عيونها عندما سمعت خطواته السريعة و هو يتجه نحو الدرج و سارعت بالدخول الى غرفتها..اتكأت على الباب بعد أن أغلقته و وضعت يدها على صدرها حيث ينبض قلبها بقوة و كأن ياغيز مازال قريبا منها و كأن كلماته مازالت تتردد على مسامعها..تنهدت بعمق و تجمعت الدموع في عينيها و تمتمت بصوت خنقته العبرات" اللعنة عليك أيها القلب!.. اللعنة عليك..مازلت تجنّ و يفقد نبضك صوابه بمجرد كلمة او نظرة او لمسة منه..لماذا؟ هل انت متواطئ معه ضدّي؟ هل تستمتع بإضعافي و بكسر مقاومتي؟ هل أنت مختوم بإسمه و نبضك يأتمر بأمره؟ ألم نتفق على الثبات و القوة؟ ألم تنجرح بسببه بما فيه الكفاية؟ أم أنك لم تتعلم الدرس بعد و مازلت تنتظر منه ضربة قاسمة جديدة لكي تتوقف عن حبه؟ أم تراك لِنْتَ له بعد ما سمعته منه و بعد ما عرفته عن معاناته و عذابه؟ أم تراك جننت و تريد أن تسامحه و أن تغفر له ما فعله معك؟ لا..لن تفعل..لن أسمح لك بذلك..ليس الآن على الأقل..ياغيز وعدنا بأنه سيتغير..و بأننا لن نرى منه من الآن فصاعدا سوى ما يسرّنا..دعنا نتأكد أولا من صدق وعوده..و بعد ذلك سنفكر معا..اما الآن..فأرجوك..اثبت..و لا توقعني في مصيبة جديدة أنا في غنى عنها" ثم مسحت دموعها و اتجهت نحو خزانتها لكي تختار ملابسها..
في الأسفل..و حول المسبح..

المُتدرّبةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن