الفصل الثاني والعشرون

5.1K 131 6
                                    

الفصل الثاني والعشرين




قبضت أصابعه القاسية على يدها التي كانت تلامس كتفه بدون أي مقدمات .. واعتصرتها منتزعة آهة ألم ممزوجة بالصدمة منها .. قبل أن يدفعها بقوة أسقطتها أرضا بعنف لترتطم مؤخرة رأسها بحافة طاولة القهوة الخشبية التي واجهت الأريكة ... الألم لم يكن شديدا .. إلا أنه كان كافيا بالمساعدة مع هول المفاجأة لزلزلة كيانها وتشتيت تركيزها للحظات جعلتها تتساءل إن كانت قد فقدت الوعي .. أم أنها تتقي أي خطر متوقع بتظاهرها بالسكون ... كما يتظاهر الصياد بالموت اتقاءا لهجمة دب ثائر ..
:- رباه .... أسرار ..
أحست بيديه تمسكان بها فدفعتهما عنها بدون تفكير وهي تقول مغمضة العينين :- أنا بخير .. أنا بخير ..
إلا أنه كان أكثر عنادا منها وهو يجذبها ليحملها عن الأرض فتجد نفسها خلال لحظات ممددة فوق الأريكة حيث كان هو نائما قبل دقيقة .. فتحت عينيها باتساع تام وهي تشعر بيده فوق وجنتها تربت عليها وصوته يقول بجزع :- هل أنت بخير .. أسرار .. يا إلهي ... ماذا فعلت ؟؟
راقبته وهو يستل هاتفه الذي كان مرمي قبل لحظات فوق منضدة القهوة ... ويطلب رقما في الوقت الذي تمكنت فيه من النظر إليه وملاحظة اللون الرمادي الذي كسى وجهه .. والخوف الخالص الذي ظهر في عينيه السوداوين وهو يهتف عبر الهاتف :- الطواريء ..
هبت جالسة فور فهمها لمعنى الكلمة وانتزعت الهاتف من يده مجفلة إياه وهي تهتف به باستنكار :- الطواريء !! رباه .... أنا بخير قائد .. اهدأ ..
رأته يتنفس بعنف وهو يركز اهتمامه عليها قائلا بلهفة :- هل أنت متأكدة ؟؟ لقد دفعتك بقوة ... ورأيتك تصدمين رأسك ... يا إلهي .. ما الذي فعلته ؟؟
هب من مكانه مبتعدا فتمكنت من رؤية جسده الطويل يرتعد .. وهو يغطي وجهه الشاحب بيديه وكأنه يحاول حجب حقيقة ما فعل عنها .. قالت بتوتر وقدماها تستقران فوق الأرض أخيرا :- أنت لم تفعل شيئا ... أنا من فاجأك وأجفلك أثناء معاناتك من حلم سيء .. أنا آسفة يا قائد ..
نظر إليها حائرا .. فقالت :- ألا تذكر ؟؟ لقد كنت تبدو وكأنك تتألم .. كان علي أن أوقظك .. إذ أنني ...
صمتت ... إذ أنها لم تحتمل رؤيته يعاني ... حتى لو كان سبب معاناته مجرد حلم سيء ... ابتعلت ريقها وهي تنظر إليه باضطراب عاجزة عن تحليل مشاعرها الوليدة في تلك اللحظة .. في حين كان هو ينظر إليها عابسا .. وكأنه يدرس الأمر كله من جديد .. ثم قال فجأة :- ما الذي تفعلينه هنا ؟؟
آه ... هاقد حدث ما كنت تخافين منه .. وقفت .. فأصابها الدوار للحظة .. وترنحت لتجده قد وصل إليها .. أمسك بذراعيها مجبرا إياها على الجلوس مجددا وهو يقول متخذا مكانه إلى جوارها قائلا باهتمام :- امنحي نفسك بعض الوقت .. ربما الضربة كانت أسوأ مما تظنين ..
بدون أن يسألها الإذن .. مفاجئا إياها بتصرفه .. تحركت يده فوق رأسها لتتسلل عبر خصلات شعرها الكثيفة محررة إياه من رباطه ... متفحصة فروة رأسها بأنامله .. بحزم وحرص .. بحثا عن موضع الإصابة ...
كان قريبا منها جدا ... إحدى يديه تمسكان بذقنها مثبتة إياها مكانها ... والثانية كانت تدلك فروة رأسها برقة بالغة .. بينما كان وجهه قريبا منها إلى حد إحساسها بحرارة أنفاسه تلفح صفحة وجهها .. إلى حد استنشاقها عطره الرجولي المميز .. وتأملها ملامح وجهه الخشنة بانبهار وهي تدرك لأول مرة إلى أي حد هو وسيم ..
لم يكن مدركا لتخبط مشاعرها على الإطلاق وهو يقول بتركيز :- هل تؤلمك إن ضغطت عليها ؟؟ هل أنت متأكدة من عدم الحاجة لاستدعاء الطبيب ؟؟
قالت بصوت اجش :- أنا .. أنا بخير .. قائد ..
لم تعرف لم احست وكأن اسمه قد صدر من بين شفتيها كالمناجاة .. وكأنها تسأله أن يخرجها من حيرتها.. من ضياعها .. أن يساعدها في تثبيت الأرض التي اهتزت تحت قدميها ..
وكأنه استشعر نبرة الضياع في صوتها .. أخفض رأسه لينظر إلى عينيها العسليتين الواسعتين .. الناظرتين إليه كنظرة طفل عند ظهور بابا نويل أمامه وقد بدأ يؤمن بعدم وجوده ..
جمد مكانه .. وللحظات ... ظل كل منهما ينظر إلى الآخر .. ساكنا .. يلفهما الصمت التام ... إلا من صخب أحاسيس صحت فجأة وأشرقت بعد غروب طويل .. بدون تفكير ... امتدت يدها لتلامس يده التي ما زالت حتى الآن ممسكة بذقنها الدقيق .. فانتفض فجأة بدون إنذار ووجهه يعود ليشحب من جديد .. هب واقفا .. نازعا يديه عنها وكأن بشرتها قد أحرقته .. وخلال لحظات كان يقف إلى الجانب الآخر من الغرفة .. يتحاشى النظر إليها وهو يقول باقتضاب :- مادمت بخير ... من الأفضل أن تعودي إلى مكتبك ..
إحساسها بالإهانة كان شديدا وهي تقف بدورها ببطء ... تنظر إليه مرتجفة وهو يأبى حتى النظر إليها .. الاشمئزاز الذي رأته على وجهه وهو يدرك قربه منه كان واضحا لها تماما ... انتزاعه يديه عنها بتلك الطريقة وكأن مجرد لمسه لها يؤذيه جرحها حتى الصميم .... تمتمت بخفوت :- أنت حتى لم تسألني عما أتى بي إلى مكتبك
:- تستطعين القدوم في وقت لاحق ... أو التحدث عنه لعدنان .. فلا وقت لدي ..
رمشت بعينيها مكافحة الدموع التي قاتلت لتتجاوزهما وهي تقول :- أتكرهني إلى هذا الحد ؟؟
أجفل ملتفتا نحوه وهو يهتف بارتباك :- ماذا ؟؟
:- أنت لم تسامحني قط على ما فعلته قبل سنوات ... صحيح ؟؟ أنت تكرهني لأنني اضطررتك لفعل ما فعلت .. تحتقرني لأنني ذهبت ذلك المساء للقاء آدم ..
هز رأسه بتوتر :- هذا غير صحيح ..
قالت بمرارة :- لست بحاجة للإنكار ... لقد رأيت نظرة عينيك كلما تلامسنا عرضا .. أنت تزدريني .. وربما لم تكن ردة فعلك عندما صحوت ودفعتني ناتجة عن حلم سيء كما ظننت... بل عن رؤيتك لي أنا بالذات ..
كان مبهوتا بكلامها بحيث عجز عن الرد عليها وهي تنحني لتحمل الأوراق التي جاءت بها فأسقطتها عندما دفعها .. ثم تتجه نحو الباب قائلة بغلظة :- أعدك بأنني لن أزعجك مجددا يا سيد قائد ..
وعندما خرجت تاركة إياه وحده ... لم يستيقظ من ذهوله قبل فترة طويلة





في قلب الشاعر(الجزء الخامس من سلسلة للعشق فصول)مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن