الفصل التاسع والثلاثون

4.5K 119 9
                                    

الفصل التاسع والثلاثون








وجدت أسرار همام جالسا على أحد المقاعد داخل مركز الشرطة .. شاحبا كالأموات .. يشبك يديه أمام وجهه في توتر شديد .. أسرعت إليه دون أن تعرف إن كان عليها الاعتماد عليه لمساندتها .. أم مساندته هو .. إذ كان يبدو رغم ثباته الظاهر .. ضائعا وقلقا عندما رفع رأسه إليها وهو يقول :- أسرار .. أخبرتك بألا تأتي .. ما كان عليك ترك والدتنا وحدها ...
قالت بتوتر :- كيف تتوقع مني أن أبقى في البيت في ظرف كهذا ؟؟لقد اتصلت بنوار.. وقد وصلت إلى البيت لتبقى معها لحظة خروجي ... كما أنني اتصلت بعمتي غالية ...وهي في طريقها إلى هناك الآن ...هل من جديديا همام؟؟ هل من أخبار عن هزار وليلى ..؟؟
زفر بقوة وهو يمرر كفيه فوق وجنتيه قائلا :- لا ... ما من جديد .. ما من أثر لهما في أي من المستشفيات او مراكز الصحة في المدينة .. غير هذا لا أحد هنا يمنحني أي إجابة شافية ... أكد أجن وأنا أفكر في مكان تواجدهما الآن ... أين تراهما ذهبتا ؟؟
هذا إن لم يكن هناك من أخذهما ... من تراه يفعل ؟؟ ولماذا ؟؟ رأى أسرار تخرج هاتفها بدون تردد وهي تبدأ بالاتصال بأحدهم فسألها :- ما الذي تفعلينه ؟؟
:- أتصل بصديقات هزار .. واحدة واحدة .. لدي أرقام بعضهن .. وأستطيع الحصول على أرقام الأخريات منهن .. لابد أن تعرف إحداهن شيئا ..
ليته كان يشعر بالقدرة مثلها على فعل أي شيء لإيجادهما .. لقد كان ذاهلا .. مضطربا .. خائفا بشدة عليهما وحواسه كلها تخبره بأنهما في خطر .. بأنهما في حاجة إليه دون أن يتمكن من فعل أي شيء لإنقاذهما ..
:- همام ... أسرار ..
كان هذا قائد ... وقف همام في حين التفتت أسرار إليه وهو يقبل نحوهما يرافقه رائد .. لم يطل تساؤل همام كثيرا حول معرفة قائد بالأمر ... مادامت والدته على الأرجح في منزل عائلته الآن تحاول تهدئة أمه المنهارة .. لم تتحدث إليه أسرار .. رمقته بنظرة سريعة وهي تبتعد لتبدأ بالحديث عبر الهاتف مخاطبة الطرف الآخر .. بينما نظر إليها قائد للحظة قبل أن يلتفت إلى همام قائلا :- ما الذي حدث ؟؟
شرح له همام ما حدث بصوت مضطرب في حين قال رائد بجمود :- أعرف شخصا قد يساعدنا .. صديق قديم ... سأبحث عنه وأعود إليكما ...
عندما اختفى رائد .. التفت قائد نحوه وهو يقول بجدية :- هل تعرف لإحداهما عدوا قد يحاول إيذائها ؟؟؟ منافس في العمل لديه ثأر مع ليلى.. أو زميل حاقد على هزار ؟؟
رمش همام بعينيه ثم قال بخشونة :- أتفترض حقا أن أحدا أخذهما ؟؟؟
:- همام ... الحادث تم في مكان قريب من منزل عائلتك .. مما يعني أنهما كانتا في طريقهما إليه عندما حدث ... إن كانتا قادرتين على الخروج من السيارة بعده فهما لن تنسيا هواتفهما .. كانتإحداهمالتتصل بالاسعاف أو بأحد أفراد العائلة ... عدم قيامهما بهذا يعني أنهما كانتا مصابتين بشدة .. وهذا يتركنا مع الاحتمال الثاني .. لو أن من أخرجهما من السيارة هو مجرد سامري طيب ... لوجد طريقة يتصل فيها بعائلتيهما .. لوجدت الشرطة أثرا لهما في أي مصح قريب ..
أحس همام بالدماء تجف في عروقه وهو يبتلع تفسير قائد .. رباه .. من تراه يأخذهما .. ولماذا ؟؟ من تراه يرغب بأذيتهما ؟؟
اقتربت أسرار قائلة بتوتر :- لم أصل إلى أي نتيجة مع صديقاتها .. إلا أن إحداهن بدت لي مضطربة وكأنها تخفي شيئا ... أظنني سأذهب لرؤيتها ومواجهتها مباشرة علي أصل منها إلى شيء
قال قائد بدون تردد :- سأرافقك ..
لم تكن في حالة تسمح لها بالاعتراض على مرافقته إياها ... في الواقع .. لقد كانت في حاجة ماسة للإحساس بدعمه لها ووجوده إلى جانبها في ظرف كهذا .. أمسكت بذراع همام وهي تقول :- سأتصل بك إن عرفت شيئا ...
ثم سارت برفقة قائد إلى خارج المبنى ..
عاد همام يجلس ممسكا برأسه بين يديه ... يناجي الله سائلا إياه أن يحفظ كلا من شقيقته وزوجته .. رباه .. أعدهما إلي .. وأنا أتعهد منذ هذه اللحظة بأن أكرس حياتي كلها لأجلهما ... لأجل عائلتي كلها .. أبدا لن أفكر في الرحيل مجددا .. أبدا لن أترك شقيقاتي .. أبدا لن أترك ليلى .. لن أسمح لها بإخراجي من حياتها .. وسأقاتل لأجلها حتى الرمق الأخير مثبتا لها إلى أي حد أحبها ..
:- همام ...
رفع رأسه ليجد آدم مقبلا نحوه .. فأحس بشيء من الراحة لوجوده ... لقد كان بحاجة لمن يتحدث إليه .. لمن يلهيه عن أفكاره السوداء .. جلس آدم إلى جواره قائلا بحزم :- ستكونان بخير .. أنا متأكد من هذا ..
لم يرد همام .. إذ ما كان هناك ما يقال .. عاد رائد في تلك اللحظة ووجهه واجم إلى حد دفع الرجلان للوقوف على الفور ... قال همام بقلق :- هل من جديد ؟؟
قال رائد بتوتر :- ليست أخبارا جيدة .. يقول مصدري بأن التحقيقات دلت على أن الحادث الذي تعرضت له سيارتهما كان متعمدا .. هناك آثار صدمة عنيفة في مؤخرة السيارة ..شخص ما صدم السيارة من الخلف وأرغم ليلىعلى فقدان السيطرة ... الأرض كانت زلقة بسبب الأمطار أصلا مما سهل الأمر وتسبب في اصطدامها بتلك السيارة
أمسك آدم بكتف همام الذي بدا وكأنه قادر على تمزيق أي شيء يقع بين يديه الآن ... وهو يقول مخاطبا رائد :- لماذا لا يفعلون أي شيء إذا ... لماذا لا يبحثون عن الفاعل ..؟؟
قال رائد بإرهاق وهو يلتفت نحو جمع آخر من الناس كان يقف قريبا :- الامر مرتبك بعض الشيء هنا ... الكل مشغول بحادثة قتل حدثت هذا اليوم .. يقولون بأنها حادثة شرف .. فتاة ما تعرضت للقتل على يد شقيقها .. إنها حادثة رأي عام كما تعرف ... والشخص الذي كان يكفل الفتاة ... لديه الكثير من المعارف .. مما يمنحه الأولوية ... افتقار قضيتنا لوجود شهود .. أو أي أدلة مادية لا يساعدنا إطلاقا ..
رفع آدم رأسه نحو الجمع فشحب وجهه وهو يقول :- بالاذن ..
تركهما وابتعد ... فالتفت رائد نحو همام وهو يقول متوترا :- أعرف بأن الوقت غير مناسب لسؤالي يا همام .. إلا أنني بحاجة لأن أعرف إن كنت قد وجدت زين أم لا ... إن كانت بخير ..
قال همام بصوت مكتوم :- بخير ... هي بخير ..
لم يكن قادرا على تلويع رائد وهو يحس باللوعة نفسها تحرق صدره في هذه اللحظة ..من حق أي رجل .. أن يعرف إن كانت المرأة التي يحبها بخير .. إن كانت زوجته بخير .. :- لقد عادت إلى بيت عائلتها .. عائلتها التي ربتها .. ونعم .. هي ترفض التعاطي معي ولكن ليس لفترة طويلة .. أنا أؤكد لك ..
أخذ رائد نفسا عنيفا وهو يمنع نفسه بصعوبة من طرح مزيد من الأسئلة على همام ... لقد أراد أن يعرف عنها أكثر .. إن كانت بخير حقا .. إن كانت تتألم بسببه .. إن كانت تشتاق إليه كما يشتاق إليها .. إن كانت تكرهه بسبب ما فعله بها .. إلا ان الوقت لم يكن مناسبا على الإطلاق .. همام كان بحاجة إليه .. وهو لن يتردد بمساعدته على قد استطاعته .. أمسك بكتف همام ليرغمه على النظر إليه وهو يقول بحزم :- سنجدهما ... سنجدهما يا همام ... أعدك ..





في قلب الشاعر(الجزء الخامس من سلسلة للعشق فصول)مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن