الفصل التاسع والعشرين
لقد كانت نائمة ...
وقف رائد عند باب غرفة نومه .. دون أن يجرؤ على التوغل أكثر داخلها .. ينظر إليها نائمة باستغراق فوق سريره .. دون أن تعي وجوده .. أو تعي عذابه ... والألم الحارق المتعاظم داخله في شوقه ليها ..
كيف فعلها وادخلها حياته ؟؟ كيف تورط معها مغامرا بكل عزيز لديه .. بكل ما حافظ عليه بمعجزة لسنوات .. ؟؟ أي سلطة لها عليه منذ رآها أول مرة .. لقد علق حقا في المصيدة ... صحيح ؟
تذكر عندما فتح باب الشقة ودخل عند عودته هذا المساء من عمله ليستقبله الهدوء التام مخيما في أنحائها ... عندما انقبض قلبه مرة واحدة وهو يرمي الأكياس التي كان يحملها على الأرض ويدخل هاتفا :- زين !!
رآها قبل أن تتاح له الفرصة لمناداتها مجددا ...
فوق الأريكة المريحة لغرفة الجلوس كانت نائمة .. كما هي الآن ... ممددة باسترخاء على طولها .. تريح إحدى يديها فوق خصرها .. بينما تدلت اليد الأخرى خارج الأريكة ... شعرها العسلي كان محررا من عقاله ومتناثرا حول وجهها بإهمال راسما هالة ذهبية من الرقة والبراءة حولها
تلاشى توتره مرة واحدة عندما رآها ... هي لم ترحل .. لم تختفي من حياته كما دخلتها فجأة ..
لم يدرك إلى أي حد كان خائفا من هذا الاحتمال حتى خطر له عندما فاجاه صمت شقته ... لأول مرة منذ اشترى هذه الشقة قبل سنوات يدرك إلى أي حد يكره صمتها .. خلوها .. عريها .. لقد بدت له عارية .. مجردة من الألوان .. مجردة من الروح .. حتى رآها .. وكأنها ما كان هذا المكان بحاجة إليه كي يمتلك هوية
اقترب منها .. وجلس إلى جانبها .. على حافة الأريكة .. لم يجرؤ على لمسها .. عارفا بانها مغامرة غير محمودة العواقب وقد منحها كلمته .. إلى أي حد يمكنك أن تصل بغبائك يا رائد ... تريدها .. وتكاد تموت شوقا لضمها إليك .. ثم تعدها بألا تلمسها .. في أي جحيم رميت نفسك بكامل إرادتك ..
ظل ينظر إليها بشيء من الافتتان .. افتتان جرحه .. وآلمه .. وكأنه قد عاد شابا يافعا و ساذجا في العشرين .. عندما صدق لوهلة بواقعية قصص الفرسان والأميرات العذارى ... عذارى الروح لا عذارى الجسد .. عندما صحى فجأة من وهمه الكبير .. ليتعلم أول دروسه في الحياة ... عندما كبر ونضج مرة واحدة ... وها هو يعود من جديد مجرد فتى يفتنه وجه ناعم بريء .. وروح يكاد يقتله ما استشفه من طهارتها .. ليتني أصدق .. ليتني أثق .. ليتني أؤمن .. وقد توقفت منذ سنوات طويلة عن الإيمان ... عن القدرة حتى على التفكير بالإيمان ..
تململت مكانها فاحتك فخذها المغطى بسروالها الجينز الذي كانت ترتديه صباحا بفخذه ... فلسعته الرغبة قوية وجامحة .. ضاربة إياه في الصميم ... قبل أن تفتح عينيها مرة واحدة ... وتحدق فيه مباشرة فور أن أحست بدفء جسده يلامسها ..
انتفضت مستيقظة تماما وهي تهب معتدلة .. ويدها تمتد تلقائيا لتتشبث بمقدمة قميصها بدفاعية تلقائية وهي تقول باضطراب :- لقد .. عدت ..
كان عليه أن يبذل جهدا خرافيا كي يحتفظ بيديه لنفسه وقد لاحظ خوفها الغريزي فور أن رأته إلى جانبها .. ألهذا الحد تجده بشعا ؟؟ ألهذا الحد تنفر من لمسته ومن قربه منها ؟؟
يعرف أنها متأثرة به ... يعرف بأنها تريده .. خبرته في النساء تؤكد له ذلك .. إلا أنها تنفر منه .. تخافه .. لا تثق به .. ولا تحبه !!
فاجأه إلى أي حد صفعته الفكرة الأخيرة .. أتراه يريدها أن تحبه ؟؟ أتراه يتوق حقا لرؤية العشق خالصا في عينيها نحوه ؟؟ أتراه ينتظر بلهفة لحظة تخبره إلى أي حد تحتاجه .. وتريده ؟؟ لماذا إن كان لن يبادلها حبها ذاك يوما ؟؟ لماذا إن كان فعلها هذا بالضبط هو ما سيبعده عنها .؟؟
أي مريض متناقض أنت يا رائد ؟؟ أي أناني مغرور وظالم أنت لتطالبها بتقديم ما تعجز أنت عن تقديمه لها ؟
أرغم نفسه على أن يردد بهدوء :- لقد عدت ..
أخفضت رأسها متحاشية النظر إليه .. فقال بلطف محاولا فتح حديث بينهما :- هل أنت جائعة ؟؟
تمتمت ووجهها يتورد تلقائيا ... وهي تصر على أن تحتفظ بعينيها مركزتين نحو حجرها :- لا ... لقد أكلت شيا بسيطا مما وجدته في الثلاجة ..
عبس وهو يحاول تذكر ما تحويه ثلاجته ... هو حتى لا يذكر آخر مرة دخل فيها متجرا لشراء أطعمة أو محفوظات غذائية .. قال :- لقد أحضرت معي طعاما .. علنا نأكل معا ... هل تأكلين برفقتي ؟؟
لمح فمها يتوتر ... وهي تقول :- لا ... لا أشعر بالجوع ..
تتحاشاه ... إنها تتحاشاه .. وتخاف من مجالسته ... أحس برغبة جامحة في كسر خوفها هذا ... في إرغامها على أن تعترف بوجوده .. على أن تمنحه شيئا ولو بسيطا من الاهتمام .. فقال :- لقد أحضرت لك شيئا ..
رفعت عينيها إليه عندما نهض واتجه نحو الباب حيث سقطت أكياسه هناك ... حملها واضعا إحداها فوق منضدة قريبة .. ثم اقترب منها حاملا بقية الأكياس نحوها ..
اعتدلت أكثر في جلستها وهي تنزل قدميها على الأرض بتوتر وهو يضع الأكياس أمامها فوق منضدة القهوة قائلا :- افتحيها ..
جلس إلى جانبها تاركا مسافة بسيطة بينهما ... بسيطة جدا .. إنما كافية لمنحها إحساسا مؤقتا بالأمان ..
مدت يدها بتردد نحو الكيس الأول ... فتحته ومدت يدها لتجذب الأغراض القماشية منه .. لقد كانت ملابس .. سروالين احدهما من الجينز والثاني من القماش الأسود ذي الخامة الممتازة ... رفعت عينيها المتوترتين نحوه فقال بهدوء :- افتحي البقية ..
وجدت في الكيس الآخر قميصين .. أحدهما حريري أزرق اللون ... والآخر عملي بلون عينيها .. همست بتشنج :- ما هذه الأغراض ؟؟
:- ملابس ...
:- أهي لي ؟؟
:- أتتخيلينني أرتدي ملابس نسائية في نزوات مجنونة أثناء اختلائي بنفسي في الشقة ؟؟
تورد وجهها وهي تقول باقتضاب :- لماذا ؟؟؟ أنا لا أحتاج لأن تشتري لي شيئا ..
قال بهدوء :- لقد لاحظت صغر حجم حقيبتك ... وخمنت قلة مقتنياتك .. كما أنني أستطيع عد القمصان التي تمتلكينها على أصابع إحدى يدي منفردة ..
رفعت رأسها إليه مجفلة .. فقال معترفا :- أنا ألاحظ كل ما يتعلق بك ... منذ رأيتك أول مرة ..
ارتبكت وهي تعيد النظر نحو الملابس المتناثرة فوق منضدة القهوة .. ثم تمتمت :- لم أمتلك الوقت لجمع كل أغراضي عندما طردتني أمي من المنزل ...
أغمضت عينيها بقوة للحظة وهي تصحح :- أعني المرأة التي ربتني ... وأنا ... كرامتي لم تسمح لي بأن أطلب من شقيقاتي إحضارها لي ..
ثم توتر فمها وهي تقول :- وهذا لا يعني أنني أحتاج لأن تشتري لي أي شيء ... انا لست من الفتيات المهووسات بالملابس على أي حال .. كما أن الموضة لا تهمني أبدا ..
قال برقة :- أعرف ... أنا اردت ان أحضر لك شيئا ... أن أقدم لك هدية بمناسبة زواجنا ... وعرفت بأنك سترمين أي قطعة مجوهرات أبتاعها لك في وجهي ..
رمشت بعينيها مصدومة بفهمه لها ... لقد كانت لتفعل هذا بالضبط لو أنه اشترى لها شيئا يزيد من إحساسها برخص وضعها .. قال مشيرا نحو الكيس الأخير :- افتحيه ..
مدت يدها نحو الكيس لتخرج محتوياته ... لتستشعر أصابعها القماش الحريري الناعم ... سحبته وفردته أمامها محدقة بالمنامة الحريرية الخضراء اللون ... منامة جميلة جدا ... ناعمة ... وأنثوية للغاية .. ومحتشمة أيضا .. عندما نظرت إليه .. قال بابتسامة مرتجفة :- لو عاد الأمر إلي لاشتريت لك أكثر ملابس النوم أنوثة وإغراء ... لا لشيء ... فقط لأنك لا تستحقين سوى الأجمل .. إلا أنني خشيت أن تسيئي فهم دوافعي ..
ازداد احمرار وجهها وهي تهمس :- شكرا
:- أهذا يعني أن هديتي قد لاقت قبولا لديك ..
هزت رأسها إيجابا ... فقال بأمل :- أهذا يعني أنك قد غيرت رأيك حول تناول العشاء برفقتي ...
نظرت إليه باضطراب قبل أن تقف هامسة :- أنا .. أنا حقا متعبة .. وارغب بأن أنام ..
أمسك يدها قبل أن تتحرك .. فنظرت إليه من علو بارتباك فقال مخفيا مشاعره عنها :- أنت ستنامين في غرفتي ... على سريري .. أتمنى أن تكوني قد رتبت أغراضك بالفعل داخل خزانتي ..
احمر وجهها وهي تقول :- لا .. لا أستـ ...
قاطعها قائلا بهدوء :- لا تقلقي .. لن أشاطرك السرير .. أعرف بأنني ما كنت لأحتمل قربك مني دون أن أحتضنك إلي .. وما كنت لأحتضنك دون أن أقاوم حصولي عليك .. أنا سأنام هنا ... على هذه الأريكة ..
قبل أن تقول شيئا رفع يدها نحو شفتيه .. وقبل ظهرها وعيناه لا تفارقان عينيها وهو يقول :- تصبحين على خير .
ثم تركها .. فوقفت مكانها للحظات مترددة .. قبل أن تهمس :- تصبح على خير
كيف تراه ظن للحظة عندما اشترى المنامة أنها محتشمة ؟؟؟
لقد كانت ترتديها .. خطا إلى الداخل .. كي يتمكن من إلقاء نظرة أقرب نحوها ... لتظهر له انسيابية قوامها من فوق القماش الرقيق .. اللون الأخضر الزيتي لائم بشدة بشرتها الحليبية الناعمة .. ولون شعرها الذهبي المتماوج .. لكم يريدها .. ويحتاج لأن ينالها .. وفي الوقت ذاته .. يخاف بأن يتورط فيها .. حتى وجزء منه ينبهه شامتا بأنه قد تورط وانتهى الأمر .. والأدهى أنه يستمتع إلى أقصى حد بالعذاب الذي كان يلسعه بسياطه نتيجة هذا التورط ..
أنت ... أنت سر مازوشيتي يا قطتي ذهبية العينين .. من تراه يمتلك القوة فينا لإخراج الآخر من حياته أولا .. أنا .. أم أنت ..
أنت تقرأ
في قلب الشاعر(الجزء الخامس من سلسلة للعشق فصول)مكتملة
Romanceرواية بقلم المبدعة blue me الجزء الخامس من سلسلة للعشق فصول حقوق الملكية محفوظة للكاتبة blue me