الخاتمة
:- يجب أن نتحدث ... الآن ..
محاصرته لها بعيداعن الأنظار في مكان ضيق ومظلم كهذا أعادت إليها الذكريات .. أحست بالدماء تنسحب من أطرافها لتتركها باردة ومرتعشة .. بالعرق البارد يزخ من مسامات جسدها فيبلل قميصها و جذور شعرها المتروك حرا دون قيود فوق كتفيها .. محاصرته أخافتها .. إلا أنها أغضبتها أيضا .. أغضبتها لافتراضه أنه قادر على إرهابها لمجرد كونها فتاة ضعيفة .. هه .. هي ليست ضعيفة ... ليست ضعيفة أبدا .. هي هزار الشاعر .. ابنة أيمن الشاعر .. هي أبدا لن تسمح لرجل آخر بالتنمر عليها ..
رفعت رأسها تقول بجفاف :- لا أجد شيئا واحدا مشتركا بيننا يدفعنا للتحدث بشأنه ..
نزل درجة أخرى وهو يقول بأحرف مشدودة أخبرتها بأن تعاليها قد أغضبه :- بل هناك الكثير لنتحدث عنه .. بداية بخالتي أم ليان والصغيرتين .. هن لسن بحاجة إليك .. وأنا سأكون ممتنا لو تركتهن وشأنهن وتوقفت عن زيارتهن من الآن فصاعدا ..
ساد الصمت ثقيلا ومتوترا بينهما .. بينما كانت هي تحدق به مذهولة .. غاضبة .. وقد أخذها على حين غرة إذ لم تتخيل أبدا أو تتوقع أن تسمع ما قاله لها لتوه ... تذكرت نظراته الحاقدة لها منذ لقائهما الأول وكأنه يكره وجودها هنا ... وكأنه ... وكأنه يغار من توطد علاقتها بعائلة ليان .. الوقح المغرور ... من يظن نفسه .؟؟ يتجرأ أولا على إهانتها في كل مرة بنظراته المحتقرة ... ثم يتجرأ على التأمر عليها بهذه الصفاقة ...
أفاقت من ذهولها وهي تقول بصوت كالفحيح :- أنت لست في موقع يمنحك الحق في التأمر علي أو عليهن .. إن شئت زيارتهن فسأفعل .. وإن شئن الاتصال بي فسيفعلن ..
قال بصرامة :- أنا هو المسؤول عنهن من الآن فصاعدا ... السيدة هدية غارقة في شجونها ومصابها .. والفتيات أصغر وأكثر هشاشة من أن يدركن حقيقتك .. وما جئت لتفعليه عندهن .. وواجبي أنا حمايتهن من أمثالك ..
رمشت بعينيها وهي تستوعب كلماته .. قبل أن تقول من بين أسنانها :- أمثالي !! هلا وضحت لي ما عنيته بأمثالي بالضبط ؟؟
قال بازدراء :- أمثالك من الفتيات الثريات والمدللات اللاتي اعتدن العيش لأجل لا شيء .. والحرص على الحصول على كل شيء في الوقت ذاته .. أظننت أنني لا أعرف أي شيء عنك يا هزار الشاعر ؟؟
شحب وجهها وهي ترتد إلى الوراء مصدومة بهجومه .. والكراهية العميقة المتجذرة بين كلماته وهو يتابع :- لا تحسبي أنني كنت في غفلة عما كان يدور في حياة ليان الجامعية ... أنا أعرف كل شيء عن صداقتها معك ومع تلك الفتاة الأخرى التي لا تقل عنك ثراءً وتدللا .. أعرف كيف تمكنتما من التأثير عليها وتغييرها فما عاد أي شيء يعجبها ... لا حياتها .. لا بيئتها .. لا ..
قاطعته بخشونة :- و لا خطيبها على ما يبدو ... إذ أنها لم تذكرك لنا ولو لمرة ... ألا يدل هذا على وهمك الكبير في حسابك لقيمة نفسك ؟؟؟
شهقت عندما امتدت يده لتمسك بأعلى ذراعها بأصابع قاسية وهو يقول كابحا غضبه :- ليان تغيرت في الآونة الأخيرة .. تغيرت تماما .. لقد استحالت إلى امرأة أخرى لم أكن وحدي من عجز عن التعرف إليها .. بل عائلتها أيضا ..
لم تستطع كبح تلك النظرة المدركة التي أطلت من عينيها ... ليان تغيرت بالفعل .. وهزار تعرف السبب جيدا .. للأسف .. كانت أقل حذرا من أن تسمح له بالتقاط تلك النظرة .. إذ اشتدت أصابعه قسوة حول ذراعها وهو يقول كازا على أسنانه :- آه ... نعم .. أنت تعرفين جيدا ما أتحدث عنه .. أنت بالذات يا هزار الشاعر ... عندما ماتت ليان جعلت معرفة ما حدث لها حقا هدفي الأكبر .. ليان كانت ذكية وواعية .. ما كانت لتستسلم لإغراء المخدرات بتلك السهولة .. وموتها بجرعة زائدة لم يقنعني على الإطلاق .. فبحثت في الأماكن المناسبة حيث استطعت نبش ما حرصت عائلتك ذات السلطة على إخفائه .. نعم .. أنا أعرف بأنك أنت المسؤولة عن موت ليان .. أنت وحدك ..
شحب وجهها وهي تعجز عن إخفاء الذعر والذنب اللذين ارتسما على صفحة وجهها الرقيق .. فأكدت له ما كان يشك به منذ البداية ... فتلاحقت أنفاسه بعنف وهو يقول :- ذلك الشاب الذي قتلها ... كان مهووسا بك .. وقد استخدم ليان للوصول إليك .. صحيح ؟؟ لقد جررتها إلى حياتك الماجنة والرخيصة .. تلك التي سمحت لك أموال ومكانة عائلتك أن تختبريها بدون أي حساب للعواقب .. تلك التي كنت تستعرضينها أمام عيني ليان فتغرينها بمتع حياة لا تطولها .. أنت من أغراها نحو السقوط ... وأنت من تسبب بموتها .. في حين أنك أنت وحدك من استحق أن يموت ..
كانت هزار تشعر بأنفاسها تضيق ... وبالرؤية تتشوش أمام عينيها بحيث لم تعد تراه ... لم تعد ترى سوى تلك الغرفة الصغيرة حيث كانت حبيسة برفقة ليلى الفاقدة الوعي ... وعلى بعد أمتار من جثة ليان لا يفصلها عنها سوى جدار رقيق .. هو لم يرى في ذهولها أكثر من اعتراف وضيع بصحة ما يقول .. فضغط على ذراعها أكثر منتزعا منها آهة .. وهو يقول بصرامة :- أنت ستخرجين من هنا ... ولن تعودي من جديد ... أبدا .. أنا لن أسمح لك بأن تلقى بالطعم ذاته للصغيرتين .. فتغريهن بجمالك .. وملابسك .. وثرائك .. والإثارة في حياتك الفارغة ... لتنتهيا كما انتهت شقيقتهن .. ربما ماتت ليان .. إلا أنني أقسمت أمام قبرها على أن أكمل مسيرتها فأرعى عائلتها .. وأنا لن أتوقف عن رعايتهن حتى تذوى الأنفاس في صدري .. أتسمعين ؟؟
الألم الذي أحست به في ذراعها أعادها إلى الواقع ... نظرت إليه وهو يشرف عليها من علو .. يهددها بضخامة جسده .. بالغضب العنيف الذي كان يفوح منه .. عرفت هزار أنه لن يتورع عن استخدام العنف معها إن ظنه ضروريا لقمعها .. إلا أنها لم تكن خائفة ... ليس منه على أي حال .. إذ أنها ما عادت تحسب أي حساب لسلامتها أو أمانها منذ انتفى أي معنى للحياة من حولها ...
سحبت ذراعها من قبضته ... ورفعت رأسها نحوه لتجفله ببريق عينيها العنيف وهي تقول بصوت كان مناقضا لذلك العنف في بروده :- أنت لا تعرف أي شيء عني ... أي شيء ... ورأيك بي لا يهمني على أي حال .. والتزامي مع عائلة ليان ماضي كما هو .. فلا أنت .. ولا عشرة غيرك .. يستطيعون إخافتي كما تحاول أن تفعل .. الدببة الهائجة ما عادت ترهبني منذ فترة طويلة .. إذ أنني بت أعرف أن وراء هياجها لا شيء سوى الفراغ التام ..
تراجعت وهي تقول بابتسامة حاقدة .. وشيء متوحش لم تعهده ينمو ويعشش داخل فؤادها الذي كان جامدا لأشهر :- إن كنت سيئة حقا كما تقول ... فعليك أن تعرف ... بأن تهديداتك الخاوية هذه ... لن تؤثر بي مقدار ذرة ... أنا سآتي إلى هنا كل يوم ... أتسمعني ... كل يوم .. وعائلة ليان ستكون عائلتي من الآن فصاعدا .. شئت أم أبيت ..
زمجر قائلا بغضب :- لن أسمح لك ... أنا سأخبر أم ليان بكل ما أعرفه عنك .. عما فعلته بليان .
قالت بلؤم :- نعم ... أخبرها ... وأنا سأخبرها بأن ليان قد أخبرتني قبل وفاتها بأنك تخنقها بمحاصرتك .. بأنها ما عادت تحتملك .. أو تحتمل وجودك في حياتها إلى حد اليأس .. سأخبرها بأنك أنت السبب في إدمانها المخدر .. لقد أرادت مخرجا من مطاردتك لها فلم تجد سوى العبث بعقلها كوسيلة للتخلص منك ... أستطيع أن أخبرها بأنها بأنك أنت .. أنت وحدك سبب ضياعها ثم موتها .. وسنرى من منا ستصدق أم ليان .. اختلاق الحقائق ليس بالأمر الصعب ... والتهديد سلاح ذو حدين كما تعلم ...
لم تعرف هزار ما الذي أصابها ... ما الذي دفعها لإلقاء كلماتها القاسية والظالمة في حق ليان في وجهه .. كانت وكأن ضغط الأسابيع الأخيرة قد انفجر مرة واحدة .. فكان هو ضحيتها ... هو الرجل الجريح لوفاة حبيبته .. هو الباحث عن كبش فداء يفرغ فيه غضبه وإحباطه فلم يجد سواها ...
تمكنت رغم الظلمة من رؤية وجهه الأسمر يشحب تماما وهو يهتف من بين أنفاسه :- أيتها الساقطة الحقيرة ..
خلال لحظة وجدت نفسها مثبتة إلى الجدار .. أصابعه تحيط بعنقها في غضب هادر ورغبة عارمة في قتلها .. كانت تشعر بضغط أصابعه .. باللهب العنيف في عينيه وهو يتنفس بصخب .. في حين رفضت أن تزيح عينيها عن عينيه وكأنه تتحداه أن يفعلها .. اقتلني .. هيا اقتلني .. لنر إن كنت شجاعا بما يكفي كي تفعلها ..
انتفض كلاهما عندما دوى صون انفتاح باب على بعد طابق منهما ... مصحوبا بهدير من كلمات وداع تخللتها ضحكات مرحة .. تراجع عنها على الفور وهو يحدق بها زائغ العينين .. وكأنه قد أدرك فجأة ما كاد أن يفعله .. في حين ذوت قوتها تلك مرة واحدة كما برزت لتترك روحها خاوية ..متعبة ومريرة .. وهي تشيح بوجهها لئلا يرى دموعها قائلة بصوت أجش :- إلى اللقاء يا سيد عزيز ... لقاء قريب كما أؤكد لك ..
عندما منحته ظهرها وتابعت طريقها نحو مخرج المبنى ... لم يحاول إيقافها هذه المرة ...
أنت تقرأ
في قلب الشاعر(الجزء الخامس من سلسلة للعشق فصول)مكتملة
Romansaرواية بقلم المبدعة blue me الجزء الخامس من سلسلة للعشق فصول حقوق الملكية محفوظة للكاتبة blue me