الفصل الخامس

5.8K 150 3
                                    

الفصل الخامس



:- أحضرت لك الشاي ...
تخلت زين أخيرا عن معانقة ركبتيها عندما دخلت ريا حاملة معها صينية عليها كوب تصاعد منه البخار من الشاي المعطر .. كان مظهر ريا ببطنها المنتفخة مثير جدا للعطف خاصة وهي تجد صعوبة حتى في حمل صينية خفيفة الحمولة .. مما دفع زين إلى النهوض لتتناول الصينية منها وتضعها على منضدة القهوة التي توسطت غرفة الضيوف التي خصصتها ريا لمنامة زين خلال وجودها في شقتها الصغيرة والمكونة من ثلاثة غرف لا أكثر ..
عندما فتحت لها الباب قبل ساعتين لتجدها واقفة أمامها مبللة حتى العظم ... متورمة العينين والوجه ... ترتعش كورقة في مهب الريح .. لم تتردد قبل أن تحتضنها بقوة وتدخلها إلى شقتها حيث الدفء والجفاف ..
عرفت زين فور دخولها إلى الشقة ومواجهتها ارتباك زوج شقيقتها وتحاشيه التام للنظر إلى عينيها أن الخبر قد سبقها إليهما ... لحسن الحظ لم يتحدث أحدهما عن الموضوع ... في البداية على الأقل .. إذ أخذتها ريا على الفور إلى غرفة نومها مغلقة الباب ورائهما ..و خلال ساعة كانت زين قد جففت نفسها .. وارتدت إحدى منامات ريا القطنية القديمة ... وتناولت وجبة ساخنة ... ثم استقرت في غرفة الضيوف حيث فرشت لها ريا الأرض كي تنام بارتياح ...
جلست ريا إلى جانبها فوق الأريكة وهي تحبس أنفاسها خوفا من أن يختل توازنها ... وفور أن استقرت بارتياح ... ظهرها مستند إلى الوراء ... التفتت إلى زين التي أدركت بأنه ما عاد من مهرب من الحديث عن الأمر
قالت ريا بدون مقدمات :- أنا لا أهتم ...
أخفضت زين عينيها لتحدق في يديها المعقودتين في حجرها فكررت ريا :- أنا لا أهتم بما تقوله أمي ... بما يقوله ذلك الرجل ... أنت شقيقتي .. وستظلين كذلك ..
صمتت زين للحظات طويلة قبل أن تقول :- هل كنت تعرفين ؟
رمشت ريا بعينيها بارتباك وهي تردد :- أعرف ؟
:- أنني لست ابنة العائلة !! لا تبدين مصدومة بما يكفي بالنسبة إلي ... وكأنك كنت تعرفين .. أو تشكين على الأقل ... لقد كنت في الثالثة عندما أحضرني أبـ .... عندما انضممت إلى عائلتكم ... ربما تذكرين شيئا ..
تنهدت ريا وهي تقول :- لا يا زين ... أنا لا أذكر شيئا عن تلك الحقبة ... أنت كنت موجودة منذ بدأت تتشكل لدي الذاكرة ... ولا ... لم أكن أعرف .. وصدمتى كانت شديدة جدا عندما اتصلت بي دلال وأخبرتني عن الأمر .. إلا أنني وجدت الفرصة للتفكير في الوقت الذي فصل بين مكالمة دلال ووصولك .. معرفتي أنك لست شقيقتي صدمني ... إلا أنه بدا منطقيا للغاية بالنسبة إلي ..
حدقت فيها زين باستنكار وهي تردد :- منطقي !!
:- نعم منطقي ... فكري معي يا زين ... أنت دائما كنت مختلفة عنا جميعا ... بداية في الشكل الخارجي .. أنت شقراء ... نحن سمراوات ... أنت أكثر جمالا منا بمراحل .. حتى أنني كنت أغار منك في حداثتي .. وأتساءل عن السبب الذي جعلك أنت وحدك من تحظى بالجمال في العائلة .. حتى قوام جسدك مختلف .. أنا وربا ودلال .. نشبه أمنا تماما ... قامتنا أقل طولا .. مع خشونة عند عظام الأوراك .. أنت كنت تبدين فعلا وكأنك ...
تمتمت زين باقتضاب :- وكأنني لا أنتمي إلى العائلة ..
تنهدت ريا مجددا .. ثم صمتت للحظات قبل أن تقول :- الأمر لا يتعلق بالشكل وحده يا زين ... أنت تختلفين عنا حتى في طباعك ... أنت أكثر هدوءا ... تتعاطين عادة مع مشاعرك بصمت .. تكبتينها داخلك .. كما حدث عند وفاة أبي ... لقد بدوت الأكثر قوة بيننا .. الأكثر تماسكا ... في حين أنك لا تقلين عنا هشاشة وألما ... نحن فقط كأمنا ... نتعاطى مع مشاكلنا بعنف وصخب .. كما أنك كنت دائما ابنة أبينا المفضلة ... كان هناك شيء مميز في علاقتكما ... شيء ... لا يشبه العلاقة التقليدية بين الأب وابنته .. لقد تضمنت صداقة .. وثقة .. لم تتوفرا في علاقته بنا .. إذ أنه ما كان يعنفك كما كان يفعل معنا ... ما كان يحاصرك كما كان يحاصرنا .. وكأنك ..
همست زين :- وكأنني أقرب إلى ضيفة في منزله من إبنة له ..
ظهر التأثر على وجه ريا وهي ترى الحزن والاضطراب على زين ... تعرف بأنها ضائعة الآن .. إلا أن المجاملة لن تساهم إلا في مضاعفة ضياعها هذا .. تمتمت :- لا تتوقعي مني ان أزيف الحقائق معك يا زين ... أنت أختي .. وهذا بيتك .. إلا أنك مضطرة للملمة شتاتك بأسرع وقت ممكن كي تتمكني من المضي قدما ..
نظرت زين إلى ريا بامتنان وهي تتمعن بكلماتها ... لقد كانت مفضلة بالفعل لدى وا...... أغمضت عينيها بقوة للحظات وهي تؤكد لنفسها .. نعم ... والدها ... والدها الوحيد .. وهي لن تعترف بغيره أبدا والدا لها ..
لقد كانت مفضلة لديه .. إلا أنها لم تكن الأكثر تميزا كما تحاول ريا إخبارها ... ربا ودلال كانتا التوأم الذكي والحيوي في العائلة ... دلال المحبة للفنون والموسيقى ... العنصر الحالم والعاطفي في المنزل .. وربا .. طالبة الصيدلة المجتهدة .. العقلانية والرزينة .. وقليلة الصبر في الآن ذاته ... حتى ريا .. كانت طالبة هندسة مجتهدة عندما تعرفت إلى قصي .. أستاذها الخجول الذي خطبها فور أن قابلها في الجامعة ... للأسف .. حمل ريا الفوري بعد الزواج دفعها لترك الدراسة وتأجيلها إلى حين ... كان من المفترض بها أن تعود إلى الجامعة فور دخول طه الصغير إلى الحضانة إلا أن حملها الثاني جاء بمثابة صدمة كبيرة لها ... تسبب بتأجيل متابعتها الدراسة مجددا ... وإلى أجل غير مسمى هذه المرة ..
كما أن شقيقاتها لم تكن أقل منها جمالا ... ليس كما تحاول ريا أن تخبرها ... بشعر فاحم السواد وشديد النعومة ... وعينين بسواد ليلة صيفية دافئة .. وملامح كما كانت شديدة الأنوثة ... كانت شديدة الصلابة .. بدليل على التميز في شخصية كل منهن .. ربما هي الأكثر هدوءا .. الأكثر تماسكا .. إلا أنها ربما لا تمتلك شجاعتهن وقوتهن وثقتهن في إظهار مشاعرهن على الملأ ...
أترى اضطهاد والدتها لها منذ الصغر كان عاملا مهما في انزوائها ؟؟؟
والدتها .... اغرورقت عيناها بالدموع وهي تشعر باليتم يكاد يمزق قلبها ... ربما هي لم تحظ قط بحبها .. إلا أن زين لم تتوقف يوما عن الأمل في أن تحظى ذات يوم برضاها ... حتى الآن وهي منبوذة ... مطرودة من منزلها ... تتوق كالمدمن إلى مخدره ... شوقا إلى حضنها ..
قالت ريا برفق :- سأتركك لترتاحي .. من الأفضل أن تنامي باكرا إذ أن طه على الأرجح سيوقظك فجرا فور فتحه لعينيه ..
خرجت تاركة زين وحيدة تحدق في الفراغ .... عقلها جامد تماما .. أصم عن أي أفكار .. وقد كان هذا علاجا ناجحا لاضطرابها الشديد و إحساسها بالضياع .. إنما علاج مؤقت ... علاج إلى حين





في قلب الشاعر(الجزء الخامس من سلسلة للعشق فصول)مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن