المشهد
( 23 )
لبستُ الرِداء و تلثمتُ بالعزاء
فحبكِ هو داءٌ و دواء يجلبُ الشقاء
.
.
.
المـــــواجهة الثــــــانية عشــــــرة
السابعة و النصف صباحا
في تلك الغرفة التي يملأها الهدوء و السكينة و رائحة المطهرات بعد أن اتمّت العاملات مهمتهن بالتنظيف حولها
وهي لم تشعر بعد أن فتحت عينيها أخيراً أنها تريد إغماضهما مجدداً
تشعر بالفرحة تغمرها و تحررها فها هي حية ولم تمُت
لا زال هناك أمل ما لم يكن أحدهم قد قتله !
رغم الوهن الذي يجتاح جسدها منذ أن فتحت عيناها
تنظر بكسل و قلق و حزن في عينيها الى اشعة الشمس المتسللة الى الغرفة
لم تحب يوما الخريف القادم بثوراته التُرابية ولكنها سعيدة به الآن ولو كان بركاناً ثائراً كل سنة !
تذكر أنها متسخة الجسد و الفم و تريد الاستحمام لساعات لا تنتهي حتى تلمع نظافة و ترتب شعرها المثير للسخط
تتأفف بغيظ فترسم ابتسامة شحيحة على شفتيها الرقيقتين
ترفع رأسها للسقف تتفحص كل زاوية فيه وتنظر باتجاه الباب بقلق متزايد
رغم أنّ الوقت لازال مبكراً على الزيارة إلاَّ انها تعلم إن اهلها لن يغفروا لها فالأكيد أنهم قد علموا بما تفعله !
تطلق تنهيدة حارة من جسدها المتعب والذي لا يقوى على الحركة بعد
ذالك الشيطان عمران قد افسد كل شيء وها هي تجلس تنتظر لحظة العقاب
ولكنها على يقين انهم سيتفهمونها إن علموا أسبابها !!
ولكن في غمرة تفكيرها يأتيها صوت شيء يتكسر ثم يلحقه صوت صرخة انثوية ضعيفة
دق قلبها في جوفها وهي تفتح عينيها اكثر بخوف وهي تحاول ان تلصق اذنيها بالباب كي تسمع شيئاً آخر
في الغرفة المجاورة
ينظر اليها في خبث وهو يبتعد قليلاً عن مدى شفتيها الممتلئتين وهو ينفث انفاسه في وجهها
كنتُ أعلم أنكِ مستيقظة
وهو يعقد يداه خلف ظهره ويفتح رجليه قليلاً في وقفة عسكرية مهيبة
وهو يرفع حاجباً : اممم يا صغيرة لم اكن اعرف أنكِ خبيثة !!
كنت انتظر إستيقاظك بفارغ الصبر فلم يعد هذا المشفى مكان آمن ، يجب ان نغادر !
يلقي بكلماته الهادئة الملتوية بلهجة قاطعة أنها ستخرج اليوم .!
بينما مريم كانت كمن اصابها الخرس
انعقد لسانها وهي لا زالت جاحظة العينين وهي تحرك رأسها يميناً و يساراً
تريد ان ترفع رأسها ان ترفع نفسها عن رقدتها التي تجعلها بكامل ضعفها أمام جلاّدها
بينما الآخر كان قد اعتدل في وقفته وهو يلوي رقبته قليلاً ويبدأ بحك ذقنه بفم ملتوي
امممم صغيرتي ماذا حصل لكِ هل أكل القِطُ لسانكِ الطويل ؟!!
وهو يدور للجهة الأخرى من السرير ليقترب رويداً و يجلس على حافته بجانبها
وهي تبتلع ريقها بأسى ورعب وبالكاد استطاعت النطق بصوت هامس : مالذي تريده مني ؟!! ألم تنتهي بعد من تعذيبي ؟!! أما آن لك ان تعتقني ؟!! ارجوووك أُقبّل يديك اتركني و شأني وارجع لي حمود ، ليهتز صوتها على آخر الكلمات وهي تذرف الدمع بهدوء واحمرت حدقتيها و شفتيها وهي تغمض عينيها بقوة مرددة : ارجوك اتركني و شأني ، قد قتلت اخي و شردتنا ماذا تريد بعد ؟!!
تتغير ملامح الجالس جانبها لتصبح اكثر هدوءاً و حناناً وهو يمسك بأطراف اصابعها و يحملها الى شفتيه ليقبلها وبصوت متخاذل هامس وبعينين تمتلآن حبا : اريدك انتِ !!! مريم تزوجيني !!
لم يشعر يوماً أنه يخرف كهذه اللحظة
رؤية الخوف في عينيها تشعره أنه رجل حقيقي وامرأة امامه تحتاج ان تكون بين ذراعيه
من اين اتاه هذا الجنون لا يعرف
يعرف فقط انه يحتاجها و يريدها منذ أن رأى عيناها آخر مرة قبل ان تسقط بين يديه !
ظنت انها تحلم او تتخيل او تهذي فلربما اصابتها حمى
وهي تدير رأسها محاوِلةً سحب يديها بعنف من بين يديه الغادرتين
فمنذ متى و القاتل يحب ضحيته او الضحية تحب جلادها ؟!!
محال أن يحب الشيطان الملائكة !
وهي تتمتم : مجنون ، انت مجنون ، مختل عقلي !!
وهي تضيف بقرف اغاضه بعد ان كان هادئا : وهي تضحك ضحكات متتابعة تكاد ان تجلجل في المكان
تريد الزواج مني ويداك ملوثة بدماء اخي ؟!! ترفع يدها الى صدرها وهي تشير عليه بإصبعها : انا اتمنى موتك ، بل لم اتوقف عن الدعاء عليك ليل نهار !!
ألا تخاف الله في و في الصغير الذي حرمته من أحضان آخر فرد في اسرته
ألم يكفينا الفقر و القهر لتأتي أنت يا من لا اعلم من اين خرجت لنا حتى تريد أن تكمل الباقي ؟!!
تصدر صوت تهكم من شفتيها التي تقاوم كلاماً بذيئا لأول مرة تريد أن تقوله و لا يكون حبيس صدرها حتى يقتلها !!
أنت احقر و أنذل – تحرك اصبعها اعتراضا – حتى اني لا اقوى على قول كلمة رجل – فأنت فاقد للرجولة معي – وتدير رأسها بنظرة مكر – أو مع زوجتك التي عاشرها أخي !!
تتكلم بحقد وإن اجتمع كل العالم للحقد على هذا الرجل فلن يكون بمقدار حقدها و كرهها له !
ولكنه كان قد ارتمى على حجرها وهي راقدة يدفن رأسه بين ثناياها وهو يكبلها بيديه
وهي قد استجمعت كل ما في جوفها كي تصرخ صرخة ثانية هزيلة مليئة بالرعب و الصدمة وصلت مسامع الجالسة في الغرفة المجاورة
فلا احد هنا ويبدو ان هناك اوامر بعدم دخول القسم !
فلا طبيب و لا ممرضة ولا احد هنا في هذا الصباح سوى صوت الصرخات الضعيفة في كل مرة
شعرت بالقشعريرة و الخوف و تجلدت بالشجاعة وهي تهم بالإستقامة في السرير و هي تحاول الجلوس
بينما في الغرفة الأخرى من كانت تقاوم الرأس الاصلع المعتدي على طهارة جسدها وهو يدنسه
ويُحكم سيطرته عليها بصوت نادم : اقتليني ، فأنا استحق القتل
انتقمي مني ، انتقمي لكل الناس الذين قتلتهم
اقتلي ذاك الغل و الحقد الذي في قلبي
وللمرة الثانية يتحول هذا الرجل بين يديها الى طفل يذرف الدموع
وصوته الغليظ يخيفها فالرجل غير متزن و مخبول يا الهي
احتاجكِ انا يا مريم
احتاج لبرائتك و طهرك و حنيتك
احتاج لإمرأة لا تشتكي وهي بين ذراعي
إمرأة لا تخونني ولا حتى في تفكيرها !
أقسم انني اتعذب ولا أحد يدري بي
اريد ان ارحم نفسي و ارحم الخلق
ولكن لا استطيع فكأن قتل الناس قد خُلق معي و مكتوب بإسمي
او كأن عزرائيل تمثل فيّ بهيئة الرجل
لك القدرة على سحبي من الظلام يا مريم
اسحبيني
اسحبيني
قد صار مكشوفا أمامها وكأن تلك الوريقة الوحيدة التي يغطي بها عورته قد سقطت فجأة !
ضيّق الخناق عليها
وهو يرفع رأسه ليرى و جهها المحموم الباكي بصمت وكأنها تريد الصراخ فلا تستطيع وكأن يد قد كتمت على انفاسها و صدرها يتحرك بسرعة جنونية
: تزوجيني و اعيد لك حمود و سأربيه مثل ابني اعدك !!
نظرات عطف و ترجي وكأنها أملُه الذي يتمسك به و سيخرجه من قعر الحفرة التي يحفرها بيديه !
ولكنها قد بدأت بالدخول في حالة من الجنون و الإنقلاب وهي تضرب بقوة على السرير بيديها
لتخرج منها بعد ذالك صرخة مدوية : آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه يا الله يا الله
مهتاجة فهو يساومها اما الزواج او لا شيء : قااااتل ، مجرم ، سفاح
اقسم ان كنت اخر رجل على وجه الارض لن تلمسني بإرادتي ايها القذر و بسرعة البرق كانت قد استقامت لتتحامل على ضعفها و آلامها و تبصق في وجهه و تنهال عليه ضربا و خربشة ووجها ينبض كرها و حقدا ليس لهما قرار
وهو من كان قبل هنيهة يبوح بمكنونات نفسه لتصدمه برفضها حتى وهي اضعف من الضعف ليتحول وجهه من جديد الى ذالك الذئب البشري الغير مبال وعينيه في وجهها تفترسانه وهو يمسك بكلتا يديها عن الهجوم الضعيف : إذاً تحملي ما سيحصل لك ِ!!
يقف سريعا من جلسته و يزيح الغطاء عنها ليزيل كل تلك الوصلات من جسدها و يرفعها بين ذراعيه وهي تتقلب و تصرخ و تبكي : اتركني اتركنيييي ، النجدة ، النجدااااا
صوتها يتعالى و يتردد صداه في المكان الفارغ
وهو يتجه بها الى الباب ويهمس في اذنها : الان اما ان تصمتي او ان حمود سينام الليلة بجانب والده !!
سكين حفر عميقا في روحها لتنهار فحمود نقطة ضعفها و ستموت من اجله وهي تبتلع العبرات و الخيبة و الذل
وهو يتابع بحقد ملأ قلبه: كلكن خائنات ساقطات فأناااااا استطيع الحصول عليكِ دون زواج !!
اتركني ايها الحقير البائس اقسم انك ستندم ان مسستني بسوء !
وهي ترفسه و تضرب رقبته ووجهه بعنف
المريضة التي وصلت للباب بعد جهد جهيد وهي في كل مرة تقع ارضاً و تقف مجدداً مقاومة الضعف الذي يعتري جسدها
ولكنها موقنة انها تعرف هذا الصوت تعرف هذه الهمسات وهذا الصراخ
تعرفه تعرفه وهي بصعوبة تلتقط انفاسها المتسارعة
وهي تستند على حافة الباب لتخرج رِجلا منه وفي آخر اللحظات ترى ذالك الرجل الأصلع الذي يعطيها ظهره
وذالك الشعر الذي لا تملكه الا فتاة واحدة تعرفها و تفتقدها
تتهاوى رجلاها على الارض من الصدمة وهي تهمس : هذه مريم ، انها مريم
تجمع صوتها وبكامل قوتها تصرخ ، مريااااااااام
تنهض من مكانها و عيناها غير مصدقتين و باكيتين انها مريم
يا الهي لست احلم كان صوت و صراخ مريم
تصرخ من جديد وهي تحاول النهوض من مكانها بسرعة اصابتها بالدوار ولكنها ستقاوم حتى تصل لمريم
استندت بكامل قوتها على الجدار و بدأت المشي بسرعة فوق طاقتها وهي تتعرق و تشعر بالدوار يزداد
اين هم ؟! اين الاطباء ؟!! اين عمال النظافة ؟!! لا احد هناك لا احد وكأن المكان اصبح مهجورا الا منها و صراخها
وهي بلباس المشفى القصير ورأسها المكشوف
ولكن لا ، لن تستسلم ستجري و تلحق بمريم شقيقتها مريم هي حية وكانت هنا آآآآآآآآآآآآه يا مريم
اخذت بالعدو تعباً تريد الوصول الى الباب الذي توارى خلفه الإثنان و ليس ببعيد عنه ساحة السيارات
الرجل الذي كان يحمل تلك المريضة المنهكة المستسلمة بين ذراعيه وهو يلهث جريا وهو يسمع صوت انثوي يصرخ باسم مريم التي كانت في عالم آخر يتهيأ لها اسمها يتردد في المكان مذهولة و مستسلمة لجلادها ، هذه المرة قد خارت قواها ولن تقاوم !
فكل شيء انتهى يا مريم ، كل شيء انتهى !
واثنان من حراس امن المستشفى لم يتدخلا البتة فرجل بلباس عسكري رفيع المستوى هو فوق طاقتهما لسؤاله عما يجري هنا ؟!!
وهو يخرج من الباب كي يتجه لسيارته
ورجل آخر كان قد اوقف سيارته توّاً وهو يشعر بالسوء الشديد و الخزي وهو يجلس في سيارته وهو يحاول التفكير مائة مرة فكل شيء امامه اصبح مشوشا ولم يجد نفسه الا هنا من جديد كي يراها وهو ينظر الى اصابع يديه نظرةُ مَن أراد كيّها !!
ولكن رنات هاتفه الجوال اخذت تعلو شيئا فشيئا ليرد على الصوت القلق على الطرف الاخر ويبدو انه مستعجلا : حازم اين انت ؟!!
ليرد في هدوء مريب و ضيق : في المستشفى !!
ليأتيه صوت شقيقه قلقاً فيما يبدو انه يتكلم مع زوجته حليمة القلقة كذالك و نحيبها قد وصل مسامعه : حازم منذ الحادثة و عمران مختفي لا ندري اين هو !! ربما انت تعرف
ليرد بكل قوة و عصبية لم يتوقعها عبدالقادر الذي كان مصدوما من رد اخاه : لا ادري اين ذاك الاحمق اتركوني و شأني !!
ليقفل الخط بذات العصبية في وجه اخيه وهو يرمي بالهاتف على المقعد المجاور بكل قوة ثم يبدأ بالضرب على مقود السيارة
هو فاقد السيطرة على نفسه وهو يضع اصابعه على صدغيه فالصداع يكاد يفجر رأسه
يترجل من السيارة وهو ينفث انفاسه بقوة ويغلق الباب بصوت عال و يتجه ناح الباب الرئيسي
الذي وما ان وصله حتى رأى تلك الفتاة التي تكاد تتهاوى ارضا بملابسها التي لا تسترها وهي تبكي و تنتحب
تراه فتكاد ان تركض له وهي تدفعه باتجاه الخارج وهو مستغربا منها فهو لا يفهم ما يجري وهي تشير كالمجنونة الى مكان ما : انها مريم ، قد كانت هنا وقد خرجت للتو ، انها مريم
وهي تحاول تجاوزه وهو يمسك ذراعها في قسوة و غضب من مظهرها : هل جننتِ الى اين ؟!! مالذي تفعلينه هنا ؟!!
وهو يقلّب بصره بينها وبين القسم الغارق في الهدوء بشكٍ و حيرة
نفضت ذراعها من يده بقوة استغربها وهي تتابع طريقها الى الخارج وهو يتبعها محاولا تهدأتها فرؤيتها اصبحت تثير المشاكل و اشياء اخرى في نفسه الغاضبة الثائرة الخائنة !
وهي في الخارج تدير رأسها بسرعة و توتر في كل اتجاه وهي تتطاول برقبتها و ترفع أصابع قدميها للرؤية
وآخر من كان خلفها يتبع جنونها الى ان صرخت فجأة : هناك
ولكن حين استدار لم يرى شيئاً
وهي تشير بيدها في عزم وعينيها تحاولان اقناعه فما رأته ليس خيالاً : هناك تلك السيارة بها مريم لقد رأيت الرجل هناك
اخذت بالجري في اتجاه السيارة وهي تنادي : مرياااااام ، مريااااام
اما حازم الذي اخيرا قدّر وضعها أتكون الفتاة التي اخبرته عنها يومها ؟!! المخطوفة مريم؟!! يا الهي
يجري الى سيارته و يطلق العنان لها ليقف لها بسرعة كي تصعد و هو يحاول تثبيت نظره على السيارة السوداء العالية التي كان صاحبها يقودها كالمجنون الى الخارج
ووداد التي لم تكن تريد الجلوس بل الطيران وهي تبكي و تنتحب و تضحك في آن معا فمريم حية حية قد رأتها و ستلحق بها وهي تضرب على فخذيها و حازم الذي اخذ بالجري وراء السيارة السوداء التي زادت سرعتها
مريم من كانت ملقاة بلا حول ولاقوة في المقعد الخلفي للسيارة وهي تتأرجح بها يمينا و يسارا حتى تكاد تقع و سائق السيارة التعيس كان يتلفظ بشتائم شتى وهو يحاول تجاوز اشارات المرور و السيارات وهو ينظر في المرآة كل مرة ليلاحظ تلك السيارة الرمادية التي تلحق به اينما ذهب ليضرب على المقود بقوة وهو يزيد السرعة و يضغط المكابح حتى كادت السيارة ان تنقلب بهم ومريم من رفعت اصبعها للسماء وهي تتشهد وشعرها يتطاير بجنون حولها و تصرخ بصوت مبحوح وهي متشبثة بالمقعد كي لا ترتطم بالزجاج : ايها المجنووووون ماذا تفعل تريد قتلنا ، لم ارى حمود يا الهي !
وداد التي لم تعد تحتمل الجلوس اكثر لتفتح الشباك و تخرج منه في غفلة من حازم الذي صرخ بصوت عال وهو يحاول ان يمسك بطرف فستانها القصير الذي يكشف عن ساقيها : وداد ماذا تفعلين ستسقطين و سيدوسونك انزلي هيا ايتها المجنونة ، هياااا كان غاضبا و ثائرا فهو لا ينقصه هذا التصرف المتهور بهذه الملابس التي تثيره و تكشفها للناس!
لم تعد تسمع لشيء فهي في مطاردة مهمة وراء مريم وهي تضرب على سقف السيارة وهو تشير له : هناك هناك لا تضيعه
بينما الاخر من كان يفك ازرار قميصه و جسده بدأ يتعرق وهو واثق انها على حق
فسائق تلك السيارة يجري وكأنه في الجحيم وكأنه خائف من شيء
وداد من كادت تطير مع الريح القوية التي تضرب وجهها وهي تصرخ و ابواق السيارات الاخرى منهم من يعاكس ومنهم من هو مفجوع ومنهم الغاضب !
بعد نصف ساعة من المطاردة وبين طرق المزارع فجأة في ذالك الطريق الترابي خرجت لهم ثلاث سيارات سوداء معتمة كبيرة تحيط بهم و تجبره على تخفيف السرعة الى ان توقف تماما و قلبه يطرق كالمطارق في جوفه فالوضع لا يُطمئن وهو يضيق ما بين عينيه في وجل
وهو يرى كل اولئك الرجال باللباس العسكري يترجلون بسلاحهم من سياراتهم و يتجمعون حولهم ووداد من كانت مصدومة لم تستوعب بعد الأمر إلا بعد أن قام احدهم بسحبها من الشباك الذي تجلس عليه ليأتيها صوت متعجرف آمر : هنا تقدمي هنا !!
يشير الى مكان وقوفه
اما حازم من اخرجوه بالقوة من السيارة وهو يحاول الدفاع عندما رآهم يمسكون بوداد ويصرخ بهم ووجهه يحتقن غضباً رادعاً: لا تلمسوها !
ولكن من تجمهر حوله وهمّ احد منهم بضربه بقوة على ركبته حتى تهاوى ساقطا ولكنه كان قد وقف بسرعة ليسدد لكمة لأنف ذاك الرجل اسقطته ارضا والدم يتقاطر من انفه ،
لكي ينهالوا عليه بعدها جميعا ضربا بأطراف سلاحهم كالدبابير التي تغرز ابرها في جسده ليسقطوه ارضا وهو يتلوى و يقاوم صارخا : اوغاااد فيجمع احدهم يديه خلف ظهره يكبله و يضع كمامة على فمه و يغطي عينيه بقطعة سوداء
ليحملوه و يضعوه بسياراتهم هو و وداد التي تنظر فاغرة الفاه جاحظة العينين منكوشة الشعر مرتعدة الفرائص و انطلقوا بهم الى مكان لا يعرفونه !!
خارج المدينة في تلك المزرعة الكبيرة التي وصل اليها قاصدها بعد جهد و بعد ان تخلص ممن كان يتبعه و يلاحقه
ليدخل للمزرعة وهو يثير عاصفة ترابية بقيادته المجنونة لتقف السيارة امام مدخل المنزل الذي لم تتعرف عليه من الخارج
وهي تشعر بدوار وتكاد ان تتقيأ ما في جوفها و تشعر بالحرارة تستعر في جسدها فهي لم تكن و ليست بخير !
يفتح بابها بعنف وهو يجذبها من ذراعها بكل قسوة وهو يكاد يدوس عليها حين يمشي
وهو يزمجر غضباً و انفعالاً
وهي كانت تتحرك كالدمية يديرها كيفما شاء
يخرج مفتاحا من جيبه و يلج للداخل الذي عرفت تفاصيله فهو قد اعادها الى ( علي )
وهي تنظر بعينين خائفتين وهي ترى ( عَلِي ) من خرج مسرعا من غرفة الرجال و رأسه ملفوف بشاش كبير وبعينيه ضحكة شيطانية
تلتفت الى الرجل الآخر غير مصدقة وهو يرمي بها الى ذراعي (علي ) الذي تلقّفها بكل رحابة وهو يطبق عليها وكأنه سيخنقها
لينطق الآخر بحقد و أمر : إنها لك !!
.
.
.
امام باب القصر تقف تلك المرأة المتشحة السواد من رأسها الى اخمص قدميها وهي تضع نظارة سوداء على عينيها الباهتتين اللائمتين للرجل الواقف لا يقوى على النظر اليها و صدره يتصدع ألماً و شفقة وهو يراها تغادر
وهي تضم شقيقتها الى صدرها تحتضنها بقوة هامسة في اذنها بكلمات يجب ان تبقى سراً بينهما
ليأتي دور خالتها التي حتى اللحظة لا تعلم بما يدور في منزلها وبين أحبائها وهي تحتضن ياسمين بقوة و توصيها : ياسمين يا صغيرتي انتبهي لنفسك جيدا و لزوجك ، قبّلي شقيقتي عني !
رفضت النظر الى وجه يوسف لأنها ستتحطم كموج بين الصخور ، ستثبت حتى النهاية ولن تريه ضعفها و انهيارها و عيناها الحمراوان
التضحية مسمىً لمن يستحقه وهي تضحي لمن يستحقون !
دانيال من كان في السيارة منتظرا نهاية الفراق وهو مستغرباً من سرعة رحيلها و تصميمها على الرجوع اليوم ولم يعارض احد قرارها فتخرج له .
كان يرى تلك الصغيرة بضفيرتيها و خصلاتها المتطايرة
بفستانها الوردي المنفوش و حذائها الابيض بورود وردية وهي تخرج ركضاً للحديقة لتلعب
تلك البراءة و النقاء
هي ذاتها الصغيرة التي احبها و تزوجها والآن يضحي بها و يستخدمها كــطُعم !!
يغمض عينيه بأسى و هو يسمع صوت عجلات السيارة تنطلق مودعة و يضغط على شفتيه بقوة و يحمّر وجهه بؤساً
ليعرج الى غرفته و يدخلها لينظر الى كل ركن فيها و صدره يضيق حتى يختنق ليحرر صرخاته وهو يحمل عكازه و يرمي به بكل قوة الى الجهة المعاكسة ليرتطم بزجاج المكتبة فيحطمه و يتناثر الزجاج على السجاد الأحمر القاتم كالدم
تدخل البتول خلفه وهي تبكي وتنظر الى ما فعل وهي تقول معاتبة : لما تركتها ترحل ؟!! لما ؟!! حرام كل ما يحدث لياسمين حراااام
يصرخ في وجهها بوجه ازرق منتفخ بالغضب و عيناه تقدحان شرراً : اصمتي ، ما فعلناه كان لحمايتك ، من أجلك ؟!!
لجريمة قتل لم تكتمل !!
من كان سينظف الجريمة غير شخص يجب ان يكون مجرما مثل فؤاد من ؟!!
كلاما مبهما لم تفهم منه شيئا وهو لم يوضح لغاية في نفسه
واللوم يتآكله فكان من الممكن أن يخبرهما و يُثبت الجرم على الفاعل الحقيقي و لا ترجع ياسمين
يشعر بأنه اصبح لئيما و مخادعاً لمصلحته !
: ولكنك ظلمتها و رميت بها من جديد الى رجل لا تحبه وهي تحبك انت !!
: كل ما حدث هو بسببها
سكوتها و خوفها هو من ضيّعها و ضيّع حياتنا معا
لم تكن صادقة معي !
يتكلم بحسرة تقتله على ماضٍ مليء بالكذب و الأسى و الخذلان و الخديعة !
بعد اربعة عشر عاماً تعود لتخبرني أنها كانت تحمل بطفل لي و قد قتله زوجها ؟!!
لما ؟!! يصرخ وصدره ينطبق ويضغط عليه بيده ليعتصره مغمض العينين يتآكله الحزن و الوجع
لما يجب علي الآن ان اتخيل هذا الطفل الذي يجب ان يكون رجلاً الآن يعيش في احضاني اتخيل اسمه و رسمه و حياته و ضحكاته و زواجه و اطفاله
في أي عُرفٍ هو ما فعلته أخبريني ؟!!
لما قررت قتلي بهذه الطريقة ، ياسمين لم تكن منصفة معي
هل يجب الآن ان تدور حياتي حول ياسمين ؟!!
ينهي حديثه بجلوسه المتعب على كرسيه المتحرك الذي نسيه منذ أن خرج من المستشفى لتصدمه كل الحقائق
ياسمين لم تكن لي و لن تكون يوماً لي فما بيننا انتهى للأبد !!
أنت تقرأ
حارس العذراء # Land of Angels / مكتملة /
Romanceملحمة الحب و الأرض و المنفى يوسف النصف الماني في زمن ما التقى بفتاة سمراء تعلق قلبه بها ، بحث عنها و لم يعد يجدها ياسمين الزوجة السابقة تهرب من زوجها و تلحق بيوسف لإصرارها على عودته لها فهل سيعود لها يوسف و ينسى محبوبته التي تتعذب في مكان ما ! ف...