المشهد
( 20 )
موتك يحمل رائحة الكفن و عناق الغسق
موتك حزن لا يُغتفر وروح لا تُرتجى !
المــــواجهة التــــاسعة
في سلام يجلس على كرسي مكتب صغير و كرسي خشبي فالمنزل لم يجهز بعد
فهو قد القى لـِــوداد بكامل المسؤولية لتجهيزه
يلقي بنظراته على تلك الاوراق الثبوتية يدقق النظر فيها من ثم يحفر جوانبها ليضعها فوق بعضها البعض في ملف اسود
ولكن
اصوات شاحنات عالية و اعصارغبار اخترق الشباك لداخل المكتب الفارغ
و يلحقها اصوات رجال عالية و فوضى
القى بنظارته فوق الملف و استدار قليلا في مكانه متفحصا الخارج بعد ان مدّ عنقه ليراه
ثلاث شاحنات يتقافز من سطحها العديد من الرجال بملابس زرقاء و هم يتصارخون فيما بينهم
بينما همّ العديد منهم بحمل صناديق كبيرة و قطع ضخمة من الاثاث و الفرش الى الداخل
وقف من مكانه ازاح الكرسي الذي اصدر صريرا استدار حول الطاولة وهو يمد الخطوات تجاه الباب ليفتحه و يخرج منه ولكن كل اولئك الرجال المحمّلين بالصناديق و يمرون امامه لم يجعلوا له فرصة للمرور او الحركة اكثر وهو واقف يتفرج وهو يسمعهم يلقون السلام !
يتنحنح و يرد عليهم السلام بصوت اشج بينما يحاول المرور بينهم جانبيا بجسده !
في تلك الصالة الكبيرة كان العديد من الرجال قد توزعوا في كل مكان و منهم من يصعد الدرج محملا بالاثاث و الصناديق !
والانسة وداد تقف في المنتصف تماما تشير لهم بيدها و هي تصرخ بهم ان يضعوا الاثاث هنا و هناك والى فوق
في ذات الوقت عندما وقف بجانبها القت بنظرة جانبية عليه وهي تصفق بيدها و تقفز قليلا من مكانها كانت مبتهجة و عينيها تشعان بريقا فتيا و كأن احدى امنياتها قد تحققت !
تعالى صوتها بين اصوات الجموع : ها ما رأيك اليست قطع جميلة !
بينما تتابع بحماس غير مسبوق : اه يا الهي لو رأيت تلك المحال لكنت اخذت ما فيها جميعا
تنظر مرة اخرى اليه ضاحكة : ولكني قد رأفت بمالك لا طاقة لديك لدفع كل ذاك المال
انظر انظر قطع الاثاث التي سنضعها هنا يا الهي مذهلة
كانوا يفرشونها جميعا في غرفة واحدة مثل هذه وهي تشير بعينيها الى المكان تشمله بنظراتها
قد اخذت الغرفة بأكملها اليست رائعة !
كان واقفا ينظر الى حماسها و بريق عينيها : أكل هذا سعادة من اجل شراء اثاث ليس لها ؟!!
يهمهم امممم جميل جميل سنرى البيت بأكمله عندما ينتهون يبدو انكِ قد حققتِ تقدما في مسئلة الذوق !!
تنظر له بنصف عين وهي تكاد تطير من الفرحة وعينيها تخونانها لتنزل دمعة ساخنة منهما مسحتها سريعا بكم عبائتها السوداء شيء لم يفته وهي تجيب بفكر غائب : نعم نعم انا سعيدة !
تصرخ في احد الرجال وهي تقول له هيا الان تلك القطع هي لغرفة المكتب وتلك احملها لفوق لغرف النوم .،
خذ هذه الصناديق انها خاصة بالحوائط لابد وان ترسل لنا شخصا لكي يقوم بتركيبها اممم
بينما هو لازال يحدق بها فتاة في عمر الزهور و جميلة و قوية تقف هنا بين عشرات الرجال وهي لا تعرفهم في مكان مغلق أهي وائقة مني لهذا الحد ؟!!
غريبة انتي يا وداد !!
ينطق وهو يحاول ان يميل بجسده قليلا لكي تسمع همسه : هل لكي ان تأتي معي الى غرفة المكتب ؟!!
حسنا حسنا سآتي لكن قبلا دعني اعطي الاوامر بتوزيع الاثاث حتى لا نضطر انا و انت و البواب او السائق لحملهم من مكان الى اخر !
انتظرك !!
تنظر الى ظهره وهو يشق طريقه مجددا الى الباب الخارجي والذي بجانبه يقع المكتب وهي تزفر انفاسها بقوة و تلتفت الى الرجال لتعطيهم التعليمات بينما احدهم قد بدأ في حفر الجدار !
قرابة الثامنة و النصف صباحا !
تستدير على عقبيها من المطبخ الذي جهزت فيه بعض الشاي بالحليب و بعض البسكويت ترتبه على بار التقديم مع الاكواب لتتجه الى غرفة المكتب !
دفعت الباب في هدوء وهي تطلق نظراتها باتجاهه وهو يعطيها ظهره جالسا على الطاولة متطلعا الى الخارج
التفت على صوت الطرق الخفيف لتنبيهه انها هنا
فز واقفا واستدار بجسده اليها وهو يحدق بها قائلا بهدوء : تعالي يا وداد اجلسي
تتقدم بتؤدة ليشير بيده الى الكرسي الوحيد في المكان : اجلسي هنا
كانت كالتلميذة تنفذ ما يقوله في صمت دون سؤال
جلست و هي تضم عبائتها الى رجليها و تضغط بينهما بقوة و تكتف يديها امام صدرها وهي تمرر لسانها على شفتيها
بينما هو كان قد اتكئ مجددا على الطاولة ويديه تستندا على حافتها وينظر الى وجهها مباشرة ترى شفتيه يتحركان بسؤال حرك البِرك الراكدة في روحها : حسنا الان قولي لي ما الامر ؟!!
سؤال واحد ليس بالكبير قد تتجاهله قد تجيبه بكذبة قد تخرج وتتركه
ولكن صدرها قد جاش بعبرات قد تنطلق بصمت في جوف الليل او في صلاتها و دعائها الخافت
اصبحت تنام مبكرا فقط لأجل ان تحضر لها في المنام !!
فلربما تخبرها عن حالها
فلربما تتيقن انها لم تغادر دون وداع !!
أخذت تسرد ما في نفسها و دموعها غلبتها لتتساقط في صمت مهيب
صوتها كان غائبا ناظرة الى الفراغ وكأنها تريد ان تخترق ذاك الفراغ لتنظر من خلاله اليها
صديقة طفولتها و روحها
حمود الصغير ذو الوجنتين المتتلئتين وشعره البني الخفيف ونطقه اسم مريم
اسقطت من وعيها خالد الذي فقط يقبع في الذاكرة لن يمسه احد ولا خالد نفسه !
تروي طفولة مليئة بالضحك والشغب و الكلام
تروي قصة مراهقة سرقتها الدراسة و الفقر
تروي قصة غربة في الوطن
ولكنها كانت سعيدة !
تروي خطف مريم !
الاخت و الصديقة الحبيبة
تروي قصص الكفاح من اجل الحياة و اختطاف لقمة العيش !
وكأن يدا دافئة اخذت تمسح على وجنتيها لتلعق الدموع الساخنة
تراجع لمكانه وهو يطبق على يديه ودموعها لم تجف بعد بينهما فهي في عالم اخر ، قد ابحرت بعيدا ولاتشعر !
اطرق برأسه يستمع في شجن
شعر بالشفقة و الحزن على حالها فهي قد بدت تعيسة حتى النهاية و موجعة للقلب !
هو هادئ يحب ان يسمع ولا يحب ان يتكلم !
تلك رياضة اليوجا التي علمته كيف يسيطر على نفسه وعلى اعصابه
التقط انفاسه بعنف ويده مثقلة بدموع حارة غالية !
وهي كانت قد التفتت على صوت رص الاثاث في المكتب وعلى صوت الرجال الذين دخلوا عليهما فجأة !!
ليتوقف حديث النفوس !
نفضت رأسها وهي تعود الى ارض الواقع تشعر انها قد تحررت
يتبادلا النظرات وتفر ابتسامة اضاء منها وجهه
وتبادله ابتسامة امتنان !
منذ اختفاء مريم وهي لم تعد تخبر احد بما يستعر في صدرها
معه شعرت بالسكينة و الهدوء تلفانها !
بين تنظيم و صراخ و طبخ للعمال قضت وقتها اليوم
وهي ترى ان نصف المنزل قد جهز ما عدا ورق حوائط غرفة المعيشة الذي سيبقى للغد فيما الكراتين الورقية و قطع الفرش و اسطوانات الورق قد احتضنت الارض وتملأ الفراغ !!
الساعة الرابعة عصرا
هدوءا ملأ المكان بعدما غادر الرجال ليتركوهما في المنزل المكتظ بالاشياء على الوعد غدا صباحا
منذ الصباح لم تره فهو لم يتدخل البتة فيما يفعلونه
امره عجيب هذا الرجل !
أعدّت بعض سندوتشات التوست مع كوب من الشاي و ذلفت بهما الى صاحب المكان
ولكن المكتب قد كان خاليا الا من الاثاث البني الرائع المصنوع من الخشب الايطالي ورائحته المختلطة برائحة السجاد الاسود اللامع تعبث بانفها مع تلك المقاعد الجلدية الكبيرة تشعر بالفخر لما حققته من انجاز !!
نظرت حولها في ذهول وهي تبسمل و تتحدث لنفسها : اين ذهب ؟!!
خرجت من المكتب عله في غرفة من الغرف وهي تنادي عليه و لكن لا اجابة
فلربما في المعمعة التي كانت هنا قد ترك المنزل و غادر !!
غضنت جبينها : لما لم يخبرني ؟!! فعلا رجل بلا ذوق !!
رأت ذالك الملف الاسود الملقى على المكتب تقترب منه في فضول
تضع اصبعها عليه تداعبه امسكت بطرفه تريد فتحه و رؤية مضمونه
ولكنها تراجعت ليس من حقها التجسس على اعماله و على حياته ؟!! ام لعلها تريد ؟!!
ذيقت ما بين عينيها وهي تزجر نفسها على وسوستها لتترك المكتب كما كان و تخرج !
وضعت الصحن على البار حملت سندويشا بين اصابعها و خرجت الى الحديقة الخلفية التي كانت الوحيدة في المكان مرتبة و جميلة جدا
بحوض السباحة الذي يتوسطها !
مدرجات صخرية تتوزع عليها انواع من الزهور و الورود و الشجيرات الصغيرة
تقف هناك وهي تهم بخلع نعليها لكي تضع رجليها في الحوض المليء بالماء
ما اجمل هذا المكان وسيصبح اجمل حين يجهز !
تحدث نفسها وهي تتمنى لو ان الصغار يستطيعون رؤية ما ترى !
ترى انعكاسها يتراقص على صفحة الماء
ولكن انقلبت ملامحها للخوف و الرعب لرؤيتها خيال اخر يقف ورائها مباشرة
وقبل ان يعطيها فرصة للإلتفاف كان قد دفعها الى الحوض
يراقبها وهي تطير في الهواء لترتطم بصفحة الماء وهي تصرخ عاليا
قلبها قد تسارعت دقاته من الخوف والارتباك تحرك يديها لتصدم الماء و تحرك رجليها حركات عنيفة
لابد ان تمسك شيئا لا تعرف العوم
تتخبط في الماء تريد ان تصرخ ولكن صراخها خرج مكتوما
عينيها غشيها الماء فتوارت الصور الا من ذاك الخيال الواقف يتفرج وعلى شفتيه اعتلت ابتسامة ماكرة خبيثة
ستموت ستموت
لا لا عمران لا لا ارجوك اخرجني ارجوك كلام متقطع غير مفهوم و فقاعات مياه غزيرة بدت تكونها حولها
ولكن وجهها الذي بدا يغوص في الماء بعد ان شربت كمية كبيرة من مياه الحوض وهي تتخبط في الظلام
يداها بدأتا ترفسا سطح الماء بقوة وهي تغوص و تغوص و تشرق بالماء الذي ملأ جوفها
وجسدها بدأ يسترخي ليهب مرة اخرى بحركات عنيفة لتسكن تلك الحركات ببطء وتستسلم للغرق
الجسد الطويل الذي دخل توا الى المنزل بعدما انجز امرا مهما يغلق الباب و يلج لداخل الصالة يلقي بنظرة الى الصحن الملقى على البار و يعدل من وضع نظارته التفت يريد الرجوع الى الدرج للأعلى ولكنه توقف على رؤية خيال ذاك الصبي الاهوج
مالذي احضره
ينادي عليه عمران
لم يلتفت
يقترب منه رويدا وهو ينادي عليه بصوت اعلى : عمرااان
ولكن عمران من كان ينظر الى ضحيته التي اخذت تختفي في القاع لفت نظر عمه لينظر مرة الى الحوض الهائج
ويرى قطع التوست المبتلة تطفو على سطحه
واطراف الاصابع التي اختفت بدورها
ولثانية صرخ صرخة مدوية لااااااااااااا عمرااااااااااااااان
ليقفز الى الماء و يختفي تحته
يجذب الجسد السابح وقد تشبع بالماء الى السطح يحرك رجليه بسرعة واطراد وهو يحتضن الجسد الضئيل بين يديه و رأسها بجانب صدره وهو يكاد يبكي يريد ان ينتحب ويصرخ بأعلى صوته ودااااااد لا لا لا لا يا وداد افيقي
سحبها الى الحافة وهي مغمضة العينين نائمة في سلام
يجذبها بكامل قوته الى اعلى ويضعها على الارض وليقفز هو بدوره لجانبها
وهو يرفع رأسها قليلا ليحركه و يفتح فمها و يضغط على صدرها
بدت مسالمة هادئة وفقيرة
يعد الارقام وهو يضغط مرة تلو الاخرى على صدرها لتخرج الماء الذي بجوفها ووجهه قد تكوم في مكان واحد وعينيه خانتاه لتدمعا و قلبه يعتصر رعبا و خوفا لرؤية فمها الابيض ووجهها الشاحب
يصرخ باعلى صوته في وجه الابله الذي لا زال واقفا متفرجا
عمرااان تبا لك سأقتلك ايها الخبيث
ودااااد لا لا لا تستلمي اعلم انك قوية
اخذ يتنفس بقوة و صدره يرتفع و ينخفض بسرعة جنونية و وجهه احمر قان و منخاراه انتفخا ليجذب اكبر قدر من الهواء ويديه متشابكتان فوق صدرها للضغط عليه يغلق انفها بيد و ينحني ليطبق فمه على فمها لينفث الهواء فيه و تتوالى محاولاته دون جدوى يقلبها على جنبها لمحاولة اخراج الماء من جوفها والذي اخذ يخرج رويدا
نبضها ضعيف و بالكاد تتنفس !
تبااا يصرخ بأعلى صوته تباااا وداااااد
يرفعها عاليا ليحتضنها بين ذراعيه والماء يقطر منهما و نظارته قد فقدها في الحوض ليخرج جريا
كانت بين يديه خفيفة كالريشة
فتح الباب و ذلف الى السيارة وانطلق في سرعة بعد حريق اشعله في العجلات و غبار قد خلفه وراءه !
يتطاحن مع السيارات وهو يضغط على البوق طوال القيادة الغير مريحة
يشعر بالوجع يشق صدره شقا وداد مسكينة لا تبحث الا عن لقمة العيش
لماذا يا عمران لماذا ؟!
يضغط على اسنانه و الوجع قد طال عينيه و هو يضرب على مقود السيارة وهو طوال الوقت يلقي بنظرة الى الجسد الهامد
شعر بكل خلية من خلاياه تفرز عرقا ليتحد مع المياه التي تبلل ملابسه و تبلله بالكامل
اقشعر بدنه وهو يحوقل متضايقا من الازدحام الذي يعطله و يزيد الفزع في قلبه !
ليصل بعد قيادة قد طالت اكثر مما اعتاد الى قسم الطوارئ في مستشفى خاص !
يفتح باب السيارة مناديا على الممرضين الجالسين امام القسم بجانبهم كرسي متحرك و سرير متحرك ليتحركوا بسرعة ينقلون الجسد البارد من السيارة الى السرير و يركضون بها الى الداخل !
وهو يركض بجانبهم وهو يصرخ بهم : لقد غرقت غرقت انقذوها .
تتوارى خلف الابواب المغلقة ويقف هو ويديه على خاصرته و يدور حول نفسه مرتاعا و مفجوعا الى ان ربتت يد على كتفه ليلتفت لصاحبها الذي للحظة لم يتعرف اليه !!
نصف ساعة تمر و الرجلان اللذان يجلسان بجانب بعضهما البعض وكل منهما ينتظر خبرا عله يريح باله من الهواجس التي المت به
ففي تلك الحجرتين المتجاورتين يقبع جسدان ملقيان على سريران ابيضان
مغمضتان العينين مستريحتا الملامح بكمامات تغطي افواههن واجهزة لمراقبة قلوبهن التي ارتحلت بعيدا لتلتقي في الماضي
.
.
.
تقف على عتبة باب الحمام وهي فاردة ذراعيها بين حافتيه و توزع نظراتها بين الرجل الجالس على كرسي صغير
و يمسك بين يديه بمرآة شبه محطمة يدير رأسه فيها بكل اتجاه لرؤية ما تفعله شقيقته بشعره
اما الاخرى التي امسكت بين يديها مشط رقيق الطرف في يد والاخرى مقص صغير وهي متغضنة الجبين و مركزة النظرات وكأنها في مهمة صعبة و العرق يتسلل من جبهتها الى جانبي وجهها
يلتفت خالد التفاتة سريعة الى وداد من كانت تنظر اليه نظرات وله لتغيرها سريعا الى نظرات لا مبالاة وهي تلوي شفتيها احتقارا تسمعه يقول بغضب
: هياااا اما ان تدخلي او تخرجي اشعر وكأنك تقفين فوق رأسي
بينما مريم كانت غاضبة منه وهي تدير رأسه الى الامام تبعثر كلماتها
: لا تتحرك والا لن استطيع ان اقصه جيدا
فهو لا يعلم مالذي فعلته بشعره من الخلف اذا رآه سيقتلها
وداد التي اقتربت منهما وهي ترى ما جنته يدا مريم لتخرج شهقة و بعدها اخذت تضحك وهي تمسك على بطنها
بينما مريم توقفت تماما وهي تشعر بالخيبة و الخوف و هي تضرب وداد على جنبها
وخالد الذي شك فيما اقترفته يدا شقيقته لينزل المرآة جانبا مفزوعا
: يا الهي مريم مالذي فعلته بشعري
رفع المرآة من جديد وهو يحاول ان يدير رأسه مائة و ثمانين درجة وهو ينظر بزاوية عينيه الى قفاه ليجد الكارثة
بينما الشعر كان طويلا من الامام فقد كان شبه محلوق من الخلف في اماكن متفرقة !
كان غاضبا جدا فهو يعشق شعره لولا قلة المال لما ضحى به بين يدي مريم التي بدت انها تتدرب عليه
ولكنه ما لبث ان ضحك ليخفف من توتر مريم التي اقتربت ان تنجلط لفعلتها التي حاولت تصحيحها ولكن في كل مرة تقص منه اكثر
الى ان امسكت وداد بالمشط و المقص بين يديها وهي تدير رأسه على مهل وهي تحسس على شعره و ترفعه ثم تنزله
معجبة به بل متيمة به تتمنى ان تملسه له طوال الوقت وعلى حجرها .
امسك بيدها فوق رأسه فيما بدت انها سارحة شعرت بالكهرباء تسري في جسدها من لمسته وهو يضغط على يدها : حسن الان اصلحي ما افسدته صديقتك !
ترفع حاجبا ماكرا قائلة : وان افسدته اكثر ماذا انت فاعل !
ليقول في همس : انا و شعري كلي لك فضرب الحبيب مثل اكل الزبيب !
ضرب قلبها في جوفها الى حلقها بينما مريم التي كانت واقفة بين الاثنين متكتفة اليدين : الن تنتهيا من الجدال فلدي كمية كبيرة من الكعك علي عجنها وتشكيلها وانتِ عليكِ مساعدتي !
ولكن وداد كانت مشغولة بوضع الماء على رأس حبيبها و هي تباشر قصه له بعناية و خبرة أفليست تلك مهنتها التي امتهنتها منذ سنين .
لم تستغرق الكثير من الوقت لتكمل فهي تمنت ان يطول الوقت اكثر ولكن النهاية كانت بالنسبة لها كارثية عندما امسك بكفها ليجذبه الى شفتيه و يضغط بقبلة طويييلة و دافئة عليه
ليتلقى هذه المرة ضربة على رأسه من مريم التي استشاطت غضبا : اقسم انك قد خلعت الحياء وهي لا تحل لك هيا الان سنخرج وانت خذ حماما دافئا !
خرجت الاثنتان واحداهما ممنية النفس بزواج اخيها من وداد والاخرى تضم كفها الى شفتيها لتبادله القبلة !
سنوات تلك هي التي مرت قبل ان يتزوج بأخرى وقبل ان يرووا حمود وقبل ان يخطفوا في ليلة سوداء !
لتجري الدموع على جفون احدى الفتاتين الممدتين على السرير وهي غائبة عن الوعي !!
يخرج الطبيب المعالج لحالتي الطوارئ اللتين جائتا على التوالي يتجه بصوته الى الاول : سيدي الآنسة مريم تعلم انها منذ البارحة في غيبوبة ولا نعلم متى ستفيق منها !
ويدير رأسه في اتجاه الاخر المتغضن الجبين العابس الوجه : سيدي الآنسة وداد سحبنا الماء الذي تجمع على الرئة ولكنها لم تفق و لا تعطي اي اشارة لا ندري
فالغيبوبة قد تكون ساعات او ايام او شهور او حتى سنوات
سنبذل جهدنا في حال وجود اشارات يقظة
ادعيا لهما بالشفاء !
التقط الاثنان انفاسهما وكأنهما قد التهما كل هواء المشفى في جوفيهما بينما وجهيهما تحول لونه الى السواد فالبنتان في غيبوبة !
جلس احدهما مهدوداً على كرسيه وهو حائر ما الذي سيفعله الآن ؟!!
اما الاخر فقد جر رجله خارجا مودعا صاحبه بكلمات مواساة على امرأة لا يعرف ما صلته بها بعد !
ليتجه الى منزل شقيقه !!
.
.
.
.
.
تفتح له الخادمة الباب و تشير به الى غرفة المعيشة التي يجلس بها الزوجان يحتسيان الشاي الاحمر بالنعناع و بينهما صحن عليه فطائر و صحن عليه حلويات
بينما هو قد هبّ كالإعصار الى الداخل و هو يزفر الأنفاس الحارة في وجه شقيقه الذي نهض من مكانه مسلما بحرارة
- حازم اين انت يا رجل لم تأتي لتزرنا منذ مدة
- بينما تتوالى الاسئلة
- هل انهيت اجراءاتك و اوراقك و هل انهيت المنزل يجذب ذراعه الى الاسفل طالبا منه الجلوس
- بينما الاخر يكاد ينفجر غضبا
- لينفض يد اخاه عنه في عنف اثار استغراب شقيقه الكبير
حازم ما الأمر
ليصرخ حازم الهادئ دائما في وجهيهما مفجرا تلك الكلمات التي ابقتهما فاغري الفاه
- ابنكما الحقير بعد ان حاول المرة الماضية الاعتداء على وداد ولولا انني كنت في المنزل لكان اغتصبها ولكنني كتمت الامر حتى لا تعاقباه
- ولكنه هذه المرة قد دفع بها الى حوض السباحة وهي الان في المستشفى بين الحياة و الموت
اعذراني ولكن لابد وان ابلغ عنه فابنكما هو شيطان ، شيطان لحق بالفتاة من مكان لآخر لكي يقتلها
الوجهان الذي انسحبت الدماء منهما ليتركهما في صدمة مزلزلة جاحظي العينين
لينطق عبدالقادر اخيرا وهو يضع يديه على ركبتيه اللتان وان اراد الوقوف فلن تستطيعا حمله وهو يحوقل و يستغفر ليرفع رأسه الى اخاه
- حازم الامور لا تؤخذ بهذه الطريقة ثم ان عمران فتى صغير
- يالهي لا ادري كيف يقوم بذالك
صدمة لم يستوعبها الاب الذي ظن انه ربى ابنائه احسن تربية فهم لا ينقصهم شيئا لكي ينحرف احد منهم بهذا الشكل
بينما حليمة من كانت جالسة وهي ترتعد و تتخيل ابنها في السجن هبت على قدميها لتواجه سلفها
-ان بلغت عن عمران فلن تدخل بيتي بعد الان
ليأتيها صوت زوجها قويا زاجرا
_ حليمة كفى
تلتفت اليه في غضب
- لا ليس كفى تريده ان يدخل ابني الوحيد السجن وانا اتفرج
يدخل السجن بسبب تلك الخادمة !
- لتنظر في تحدي الى وجه سلفها المفجوع من حديثها
- وانت يا سلفي العزيز لما تدافع عن الخادمة وهي تلوي شفتيها بمكر : ام انها اعجبتك
فأنت هناك معها لوحدكما والله اعلم مالذي تفعلانه !
ولكن الصفعة التي تلقتها من سلفها كانت كافية لإلجامها و وزوجها الذي وقف بينهما يمسك بيد اخاه وهو غاضب و متأسف و يضغط على يد اخاه
- لن اسمح لأحد أن يمد يده على زوجتي أفهمت وان لم تكن اخي لكنت طردتك من بيتي الان
- لا تتعب نفسك سأخرج لوحدي ولكن تلك المسكينة ذنبها في رقبتكما
يلقي بكلماته في الهواء و يخرج مسرعا مطبقا الباب بقوة كادت تكسره
بينما الاخرى تزمجر
- كسرت يداك وهي تصرخ لتجري الى الدرج و تصعده متوجهة مباشرة الى غرفتهما وهي تبكي
- فأحد ابنائها سيضيع منها وهي كالقطة من سيلمس ابنائها بسوء ستخدشه !
ترمي بنفسها على السرير وهي تشهق بالبكاء فهي تلقت صدمتان
صدمة ابنها و صدمة صفعة الجمتها !
ليدخل زوجها عليها في هدوء وهو يرفع رأسها و يبقيه بين يديه
- لينطق بكلمات لابد وان تقال الان لتطور الموضوع
- حليمة تعلمين ان ما قاله حازم ليس بالجديد ولكن الجديد انه حاول القتل هذه المرة
لابد من ادخال عمران المصحة قبل ان تتفاقم حالته هو الان صغير نستطيع تدارك الامر
- بينما الاخرى من كانت تشهق بين يديه وتعلم انه على حق
فـــ وداد هي سادس خادمة يتحرش بها عمران ! ولابد لذالك ان يتوقف قبل ان يفتعل لهما فضيحة لا يستطيعا لملمتها
ليكمل زوجها من كان يغلي في داخله
- لقد فقدتي اعصابك و اتهمتي حازم بكلام تعلمين انه بريء منه كما انك تعرفين وداد جيدا و تحبينها لابد من ان تقفي معها الان لا ضدها فالمسكينة الان تعاني والله اعلم ماذا حصل لها ، اعلم انك نفّستي عن غضبك ولكن لابد من التفكير بعقلانية
- وعمران لابد ان يتعالج سآخذه بنفسي الى المستشفى و سأشرف على علاجه بنفسي
- تمسك يد زوجها في رجاء
- عبدالقادر ارجوك لا تدع احدا يعلم بذالك
- لا تقلقي لن يعرف احد سيتم الامر بمنتهى السرية ولكن اولا اتصلي به اذا اتصلت به انا سيشك في الامر و انظري اين هو و حاولي سحبه الى هنا و من ثم سأصطحبه معي الى المستشفى دون علمه !!
.
.
.
في مكان اخر
ثلاثة اشخاص يجلسون حول مائدة الافطار الغنية بكل ما تشتهيه النفس من اطعمة و فاكهة و مشروبات و خبز !
في حديقة القصر الخلفية بجنائنها الواسعة الخضراء على امتداد النظر و المليئة بالورود و صوت خرير مياه النهر الذي يشق فرعا منه طريقا خلال الحقل القريب و يطرب الاذان
و الشمس مشرقة و النسائم عليلة و الجو هادئ الا من اصوات ارتطام الصحون و الملاعق ببعضها !
ورجل لا زال غاضبا يكتم غضبه
وامرأة قد قرر الافراج عنها في فترات معينة من النهار تجلس قبالته و تغطي عينيها المتورمتين بالبكاء بنظارات شمسية سوداء وهي بالكاد تلمس شيئا
وامه التي جلست بينهما وهي تسكب لهما القهوة بالحليب و عصير البرتقال في الكاسات الكرستالية
كل شيء كان منظما و مريحا و يشرح النفس !
نظرات عينيه التي يصوبها نحوها بين فينة و اخرى كالسهام التي تخترق قلبها فترديها قتيلة
حزينة حتى الموت ففعلتها هنا و امام يوسف لن يغفرها لها
بدت حمقاء و خارجة عن السيطرة
كيف سيثق بها بعد الان ، لقد اضاعت كل شيء بتصرف متهور !
ولكن منذ متى وانا عاقلة !
والاخر الذي كان يدور في رأسه مليون خطة انتقام ضد من اذوه و قتلوا له طفله !
يمسك بين اصابعه بخبز اسمر طري يمسح على سطحه بالزبد ويلقي بقطعة جبن عليها ليقضم منها قضمة
في حين سمع الصوت الذي بدا يكرهه ينطق بما لا يعجبه
- سأذهب اليوم الى المكتب المدني لطلب الطلاق
اذا هي مصممة
القى بالسكين و الخبز الذي كان بين يديه على الطاولة ليحدثا ضجة ودون ان يلتفت لها وهو يكتم غيظه
- اتظنين بفعلتك هذه انك ستحققين انتصارا ، لا والله ، فالطلاق هنا لن يكون معترفا به هناك اي انه في حكم المعدوم - و يشدد على كلماته بينما يقرب رأسه منها – طلاقك هنا سيكون و كأنه لم يكن ، هناك الطلاق يتم بكلمة و لن تقف اي محكمة معك ولن يعترفا بمليون ورقة تحملينها لهم الا اذا قررتِ المعيشة هنا وعدم العودة بتاتا !
- تردف امه موافقة – يوسف معه حق يا ياسمين ، لماذا لم تطلبي الطلاق هناك ؟!!
ياسمين الغاضبة والتي اخذت الدموع تشق مجرى لها على خديها وهي تنثر حممها في وجهها – بل قولي ان ابنك لا يريدني ان اتطلق لكي لا اتزوج به !
ترمي بالكرسي خلفها على الارض و تقف مغادرة المكان الذي ما لبثت ان تغادره الا وسمعت صوت رقيق
يلقي بالسلام عليكم و رحمة الله و بركاته –تستدير مصدومة و سعيدة في آن معا !!
.
.
.
الرجل الذي يجلس في السيارة منذ ساعة وهو يضع اصبعا في فمه
متضايقا حد الموت فكيف الان سيخبر اهلها ان ابنتكم بين الحياة و الموت
قد تكون له كل الشجاعة لكي يخبر اي شيء الا الخبر السيء يا الهي يا وداد
ترجل من السيارة بعد ان ركنها قريبا من الحي الذي اخذ وصفه و عنوانه من سائقه !
بدأ يمشي بين تلك الازقة واضعا يديه في جيبي بنطاله الجينز الازرق الغامق الذي مازال مبللا بالمياه
واشعة الشمس بدأت تتدارى خلف المنازل لتلقي بظلال حمراء توحي بالهدوء فالحي الان شبه هادئ !
لا يدري كيف قطع المسافة ليصل الى المنزل المطلوب وصدره يرتفع لأخذ جرعة هواء ناقصة علها تفيده في المواجهة !
فمن هو ولماذا هنا و لما يخبرهم عن وداد كلها اسئلة سيجد لها جواب عندهم
ولكن الاهم ان يعرفوا ان ابنتهم في المشفى والله اعلم متى ستفيق اذا فاقت أصلاً !
رفع يده مترددا في الطرق على الباب الحديدي المليء بالصدأ
ليسمع بعدها جري و صراخ اطفال يتعاركون عند الباب و احدى النساء تنهر الاطفال عن العراك و تبعدهم عن الباب لكي تفتحه
يطل عليه رأس مغطى بعينين متسائلتان
لينطق في سرعة
- هل احد رجال المنزل موجود ؟!!
لتدخل الاخرى الى المنزل دون كلمة متجهة الى غرفتها والتي كان زوجها يلقي بتحية السلام عن شماله
وهي تنتظره ان ينتهي لكي تخبره وهو يسبح الله
- وليد هناك رجل غريب في الخارج يقول انه يريد احد رجال المنزل !
وليد الذي طوى سجادته وهو يستغفر الله ولسانه يلهج بالتسابيح
- حسنا حسنا سأخرج
يلقي بكلماته لكي يخرج الى باب المنزل ليواجه الرجل الطويل العريض الذي يقف امامه
بدا غريبا و مبتلا !
يتصافح الرجلان بقوة لينطق حازم – هل لنا ان نتكلم ؟!!
- طبعا طبعا تفضل تفضل
يدخل الاثنان غرفة الجلوس الصغيرة التي تلاصق الباب
لينظر احدهما الى الاخر في وجل لينطق حازم مباشرة
- لا اريد ان اطيل فالموضوع مهم وهو يخص – تردد للحظة وهو مضطرب – يخص وداد
تغضن جبين شقيقها قلقا فمن هو هذا الرجل لكي يتكلم بموضوع يخص وداد وقبل السؤال تصله الاجابة
- وداد في المستشفى بعد تعرضها لحادثة غرق في الفيلا التي تعمل بها !
يصمت وهو يبتلع ريقه الجاف و هو ينظر الى الملامح المصدومة التي بعد هنيهة خرت على الارض
متعبا وصدره سينطبق من الغم !
لينزل حازم الى مستواه وهو يشعر بالشفقة و الحزن يهدانه
- سيد – لا ادري ما اسمك – ولكن لا وقت لدينا يجب ان تحضروا لرؤيتها فــــ وداد بين الحياة و الموت .
- كلمات مزقته و مزقت من كنّ خلف الباب يستمعن للرجل المجهول لتسقط امها على الارض و يتعالى الصراخ الذي ايقظ كامل الحي من سباته
- لااااا لاااااا ابنتي ودااااااد
بينما اخاها كان يتحوقل وهو يهم واقفا للخارج حيث امه المفجوعة
دمعة يداريها بعض شفتيه و اغماض عينيه قهرا و غبنا عليهم جميعا
فما ذنب هؤلاء الناس لكي يكونوا ضحايا عجرفة الاثرياء !!
- يخرج من الباب وهو يخبرهم ان يتجهزوا لكي يذهبوا معه الى المشفى !
- فيما اجتمع بعض الاهالي و همت بعض النسوة بالدخول الى البيت الصغير و السؤال عن سبب الصراخ
فيما هرعت هدى الى الغرف لجلب الجلابيب لتُلبِس عمتها و ترتدي هي جلبابها و خمارها
بينما النسوة كن يتحوقلن و يضربن يدا بيد فمن اختفاء مريم و الان وداد !
اخذت المجموعة الصغيرة في الهرولة خارج الحي باتجاه السيارة وهم مثقلون بالعبرات و البكاء
ام مكلومة و اخ مفجوع و اخ اخر يصلي في المسجد ليرجع الى البيت ليجد به بعض النسوة اللاتي ينتظرن خبرا
يطأطأ رأسه مستعجبا فيما احدى النسوة الكبيرات في السن تخبره بصوتها العاجز
- احمد يا ولدي اهلك جميعا خرجوا الى المستشفى فوداد ترقد هناك !!
.
.
.
شهقة قوية خرجت منها وهي تهجم على شقيقتها تقبلها و تحتضنها بقوة
بتول يا حلوتي ما الذي اتى بكِ وهي تمسك كفيها بين يديها
بينما ام يوسف هي الاخرى التي جذبتها الى حضنها تقبلها و تحتضنها
اما يوسف بدا كمن لا يعجبه الامر
فمد يده لكي يصافحها و مرحبا بها !
فتاة في العقد الثاني من العمر نحيفة و طويلة ذات ملامح غريبة
عينان صغيرتان بألوان متعددة و شفتين رقيقتين و انف صغير يغطيه الكثير من النمش الذي يغطي الوجنتين
فيما سحبتها شقيقتها الى الكرسي لكي تجلس وهي تحتضن كتفيها و تقبلها من جديد على و جنتيها
بينما الاخرى قد كانت شبه صامتة و شاحبة !
- امممم انا بخير شكرا لكم .
لتصمت من جديد وهي تدعك يديها ببعضهما البعض و تلعق شفتيها كل ثانيتين
بينما كل الوجوه مسلطة عليها و كانهم ينتظرون منها تقريرا
ولكنها لخيبتهم قد قفزت من مكانها وهي تشير الى الداخل قائلة
- لابد ان ارتاح قليلا فانا متعبة و كذالك احتاج الى حمام بارد !
- ترجلت من مكانها و اعطتهم ظهرها و ولجت الى الداخل فيما الباقون ينظروون الى بعضهم البعض في شك فهذه ليست البتول التي اعتادوها !!
قربت الشمس على المغيب و انطلق الجميع الى اشغاله
فلكل منهم خطة يريد تنفيذها !
بينما ياسمين قد اشغلتها شقيقتها بتصرفها الغريب و كلامها المبهم لتتجه الى اعلى الدرج حيث تتعدد الغرف و احداها مخصصة للبتول !
تدفع الباب لتعبر الممر الرخامي لتطل على الغرفة التي تضيئها الجدران !
و بالمنتصف هناك حيث حوض استحمام حديث الطراز مليء بالرغوة و تفوح منه انواع الاملاح و العطور
تتمدد به تلك الفتاة ذات الشعر الاحمر كالنحاس بهدوء عجيب
بدت تائهة و ضعيفة
جلست على حافة الحوض و هي تجمع بعض الرغوة بأصابعها و تفركها بينهم
- هيا الان انتِ لست طبيعية تحضرين هنا دون اتصال ، و ثم – تدير رأسها في المكان لترجع الى نفس النقطة – اين حقائبك ؟!!لم اراها !
تحدق في شقيقتها تريد سبر اغوارها فهي ليست ذاتها البتول ذات الروح المرحة المشاغبة فهذه بدت اكثر تعاسة و تثير الشفقة
تنطق بصوت متهدج كافحت ليخرج من بين شفتيها : ياسمين اتركيني لوحدي الان ارجوكِ عندما اشعر انني بخير اعدك انني سآتي اليكِ
تنظر لها ياسمين بغرابة وهي تنهض و تنفض الرغوة من يدها
- حسنا كما تريدين وارجو انك لا تخبئين مصيبة !!
تلقي بكلماتها تلك و تخرج من الغرفة بهدوء لتترك شقيقتها لتغمر رأسها تحت الماء لتريحه قليلا جداً.
وتمر الساعات ويسدل الليل استاره على الدنيا و ليكشف عن نور و ضياء بقمر مكتمل يتوسط سماءه
و يحل الهدوء على القصر الذي لم يجتمع اصحابه الا قليلا وكل منهم ينفرد في حجرته
اما يوسف فقد القى بنفسه على السرير بعد ان انهى مكالمة مع سعد ليعطيه الامر بتنفيذ شيء بعينه
ممددا سارحا بافكاره في كل تلك النسوة التي تحيطه
فجميعهن التقاهن فيما عدا المرأة الوحيدة التي يود قربها حقا قد اختفت
يدعو و يلهج بلسان حاله ان الله سيحميك يا مريم و سأجدك مهما طال الزمن
لولا ان ساقه معرضة للخطر و قد تتعرض للبتر اذا ما لم يتبع تعليمات الراحة المفترضة لكان طار اليها سريعا ليبحث بين طيات الارض عنها بيده حتى يعثر عليها !
ليلتفت على فتح باب الحجرة و تدخل تلك التي قدمت حديثا وهي تخبأ عينيها خلف كفها و شفتيها محمرتين بقوة من كثرة العض عليهما و قلبها سينفجر من الخوف
ارتاع من منظرها و هب جالسا على سريره فيما هي قد وقفت امامه بملابس طويلة فضفاضة وهي تجمع شعرها في عقدة كذيل حصان وهي تشهق بالبكاء ولثانية تنهار ارضا تنتحب وهي تضرب على فخذيها بجنون
لقد قتلت عاصم لقد قتلته !
يعلو نواحها وهو ينظر لها بذهول لينهار على مؤخرة السرير فوجودها هنا لم يكن ينبأ بخير
لينطق في تعب – يا الهي
فيما الاخرى قد استمرت في بكائها الذي ينخفض ثم يعلو فجأة !
.
.
.
في المستشفى حيث اجتمع ثلاثة من افراد العائلة و طفلين و امام سرير وداد
امها التي هجمت عليها لتقبلها على شعرها وو جهها و يدها وهي تخنق العبرات في جوفها
- وداد يا صغيرتي يا حبيبتي لا تتركينا
ليرتفع صوتها بالنواح طالبة الله العون
- يارب خذني انا يارب ، يارب احفظ لي ابنتي الوحيدة يارب
تجلس على حافة السرير وهي تمرر يديها المجعدتين بحب على رأس صغيرتها الراقدة باستسلام
وليد الذي امسك باليد الاخرى بقوة مغمضا عينيه التي تجمعت الدموع فيهما وهو يدعو في نفسه ان يأخذ الله روحه و ليهبها لوداد
وداد التي تعمل منذ ان بلغت
لم تترك شيئا الا و قامت به
اذلت نفسها لكي تساعد على العيش
وها هي نهايتها ممدة بين الحياة و الموت
لتنسل دمعة كالسيف تجرح خده ليخرج مسرعا الى حيث يقف ذاك الرجل
- اولا يا سيد هل لك ان تخبرني عن اسمك وما علاقتك بشقيقتي
يا الهي فبدل ان ينقذ وداد سيجعل اهلها يشكون بها لم يستطع النطق بحرف ولا حتى باسمه
ولكن المنقذ الذي حضر جريا مع زوجته وقد استيقظا من سباتهما اخيرا
تلقي بالسلام عليهم وتذلف الى داخل الحجرة الغائمة حزنا و رثاءا
و زوجها عبدالقادر الذي وقف بين حازم و وليد يصافحهما و يعرف عن نفسه انه صاحب الفيلا التي تعمل فيها وداد ليزيد جرعة الالم بتكفله بكامل تكاليف العلاج الى ان تقوم بخير !!
ورجل آخر اراد الولوج الى الغرفة المجاورة لغرفة وداد وهو يشعر انه قد يتورط الان لرؤيتهم له ، فعليه ان يختفي حتى يرحلوا ليختفي بدوره في الممر المؤدي الى الحجرة الى حجرة الطبيب المعالج ليسأل عن اي تقدم في حالة المريضة مريم !!
والتي كانت في لاوعيها تصلها ذبذبات اصوات من الحجرة المجاورة
كم من المؤلم ان يُسلب منك كل شيء و تُجرد من كل شيء حتى الاهل !!
.
.
.
كان يمشي و كأنه يتسابق مع عصاه الى الحجرة المرجوة وهو يكاد ينفجر
ثائرا ناقما حانقا و يريد قتل احد ما بيديه هاتين قريبا و قريبا جدا
يكفي الا يريدوا ان يرحموه
الا يريدوا له ان يحيا بهدوء و سعادة مع من اختارها قلبه و هو بعيد عنها
لماذا كلما خرج من مصيبة يقع في اخرى اكبر منها
لماذا يا الله لماذا انا
هل هذا ابتلاء ام هو جزاء لعمل لا يعرف حتى الان ان اقترافه كان ذنبا لن يغتفر
يرفع المفتاح الذي بين اصابعه و يقحمه في فتحة الباب ليديره ثم يفتح الباب على مصراعيه
الاخرى التي قفزت من سريرها بعد ان كانت جالسة مقرفصة تدير التلفاز و تمضغ العلك راضية بسجنها
طالما يوسف هو من يسجنها فلا بأس !!
وكل هنا يغني على ليلاه
نظرت الى وجهه الغاضب لترفع يديها باستسلام
- اقسم انني لم افعل شيئا حتى انظر – وهي تخرج العلك من فمها لتريه اياه –
حسنا لابد ان هذا الوقت هو ليس وقت المزاح معك ما الامر
- تعالي انزلي تحت فأختك قد جلبت لنا معها مصيبة او فلأقل جلبت لي انا مصيبة
تغضن جبينها و شعرت ان قلبها يقفز بخوف في صدرها فمن ملامح البتول علمت ان ورائها مصيبة ولكن اي نوع من المصائب التي تجلبها الى هنا
تتحرك في اتجاهه و ما لبث ان امسك بعضدها بقوة وهو يدفع بها امامه وهي تحاول ازاحة يده عنها وهي تتلوى
- يوسف انزل يدك انك تؤلمني
- اقسم ان سنحت لي الفرصة سأقتلكن واحدة بعد اخرى
وصلا اخيرا الى غرفته التي جاهد لنزول السلم للوصول اليها فكل هذه الحركات و الانفعالات هي غير جيدة لصحته و لا ينصح بها !!
ولجا الحجرة التي تئن مِن وجع مَن هي جالسة على الكرسي حاضنة نفسها بذراعيها تنوح و ترتعش وكأن بها حمى
لتركض لها شقيقتها وهي تمسك بيدها بين يديها وهي تحاول تهدأتها
تنظر الى عينيها المتورمتين من البكاء حتى النمش بدا اكثر وضوحا واكثر احمرارا وكأن جميع وجهها قد التهب من الدموع
تهزها قليلا لكي تتكلم
- بتول ما الامر ؟ يوسف ماذا يحدث ماذا حصل لها ؟!
يوسف الذي اغلق الباب ليتجه لها في غيظ ووجهه متورم من الغضب ليشير بعصاه الى اختها
- أختك قتلت زوجها !!
شهقة عظيمة جعلتها ترتد من مكانها و يدها على صدرها بعينين مفتوحتين تكادان تخرجان من مكانيهما من عدم التصديق
تهجم على اختها كالوحش بملامح غضب و احتقان
- يا الهي قولي ان ذالك غير صحيح تهزها بعنف بين يديها
- والاخرى التي بدت انها ستنهار لتصرخ بهم وهي تضرب على رأسها و تشده بقوة
- نعم لقد قتلته –لتخفض من نبرة صوتها و تهز نفسها جيئة و ذهابا – لقد غرزت مسمارا طويلا في قلبه –
ليسألها يوسف محققا معها
- واين هو الان ؟!
- في المنزل في حجرة الحمام
غادرتُ مباشرة بلا شيء فأنا هاربة واخذت تمسح بعنف الدموع من عينيها ووجهها و انفها بدت كتلة فوضى
- ولماذا قتلته ؟ لماذا ؟ يا الهي ان عدتِ للبلاد و امسكوا بك سيحكمونك اعدام
يا ربي ما هذه البلوة التي ابتليتنا بها
- ينظر لها يوسف – ومن في المنزل هناك معه ؟!!
- لا احد فقد اعطيت الخادمة اجازة عمل وهي تنظر له بأمل عله ينقذها !!
بدا يدور في الحجرة ثائرا و يتمنى ان يكسر اي شيء امامه ليسمع ياسمين تسأل
- ولماذا قتلته ؟ هل جننتِ ؟ ماذا فعل لك ؟! تكلمي ! فأنت الان مجرمة مجرمة الا تعي ما تفعلين وهي تضرب على فخذيها بقوة
- فيأتيها صوت يوسف – ياسمين ليس هذا هو الوقت علينا الان ان نجد طريقة لنتخلص من المشكلة ؟!!
- ماذا تعني ؟! ينظرا له في تساؤل و رجاء
- علينا ان نتخلص من الجثة اليوم قبل الغد !!
- كيف سنتخلص منها ونحن هنا ؟!!
- اخشى ان الحل هو بين يديك انت ِ!!
- تنظر له وهي لم تفهم شيئا – ماذا تعني بيدي انا ؟!!
- زوجك – يستطيع التخلص من الجريمة بلمح البصر و دون ضجة !!
نهاية المشهد العشرون ..
تابع في المشهد الواحد و العشرون !!
أنت تقرأ
حارس العذراء # Land of Angels / مكتملة /
Romanceملحمة الحب و الأرض و المنفى يوسف النصف الماني في زمن ما التقى بفتاة سمراء تعلق قلبه بها ، بحث عنها و لم يعد يجدها ياسمين الزوجة السابقة تهرب من زوجها و تلحق بيوسف لإصرارها على عودته لها فهل سيعود لها يوسف و ينسى محبوبته التي تتعذب في مكان ما ! ف...