المشهد
(25)
قولي لي
ماذا افعل فيكِ انا في حالة ادمان
قولي لي
قولي ما الحل فأشواقي وصلت لحدود الهذيانِ
.
.
.
المــــواجهة الرابــــــعة عشـــــرة
بين الساعة العاشرة صباحاً و السادسة عصراً
كان وكأنه يرى خيالات و اطياف تتطاير حوله و حركات خاطفة واصوات شهقات و زمجرات راعدة واعدة بالموت
كان وكأنه عاش هذا سابقا وها هو يتكرر مرة اخرى امام عينيه ولنفس الفتاة !
لم يكاد يصدق ما يراه وهو يتكرر بالحركة البطيئة كل مرة امامه
لم يشعر بنفسه الا وهو يطير من فوق السيارة كي يهجم على شقيقها من تلوثت يداه بدماء شقيقته :أيها الحقيييييير ، لمااااذا ، لماااااذا ؟!!
يهجم عليه وبكل ما اوتي من قوة يسدد لكمات متتالية لذالك الوجه الذي فقد معنى الاخوة
يتقاتلا كالوحوش فتتطاير الاحذية و تتقطع الثياب و يتجمع حراس المستشفى لفض الاشتباك العنيف الذي سوف يودي بأحدهما فكلاهما غاضبان حتى الجنون !
ليجدو تلك الفتاة ثانية ممدة على الارض و بقعة كبيرة من الدم تتجمع تحتها وبالكاد تتنفس
كي يصرخ احد الرجال : هناك فتاة مصابة نادي الإسعاف بسرعة !!
فيركض مجموعة من الاطباء و الممرضين الى خارج المشفى كي يحملوا تلك الفتاة على اياديهم وهي شاحبة شحوب الاموات بعينين شبه مفتوحتين زجاجيتين بالدموع التي تجمعت بهما فشقيقها قد طعنها !!
ساعات تمُر ينتظرون خارج نفس الغرفة ثانية مصير من واجهت الموت ثلاث مرات في ايام !!
و اصحاب الوجوه المتورمة المدمية بالكاد يسيطران على نفسيهما كي لا يهجما على بعضهما مجدداً في عُقر المستشفى
فـــ حازم رفض المغادرة و يقسم أن هذا الأحمق لابد وأن يلقى جزاءه !
ووليد يريد ان يُقيم الحدَّ على شقيقته و عشيقها !!
اما ام وليد و اخاه احمد من غادرا بأمر من وليد مبكرا كي ينتظراها فلعلها تعود الى المنزل وفي حال رجعت الى المشفى فهو سيكون لها بالمرصاد !
لم ولن يشعر بالذنب لقتل العار الذي تسببت به وها هو يقيم فضيحة و عار اكبر بمحاولته قتلها و الشرطة التي هي على وشك الوصول للتحقيق في الاشتباك و حادثة الطعن !!
كي يسمعا صوت باب الغرفة يفتح و يخرج منه الطبيب متنهدا براحة : الحمد لله استطعنا السيطرة على النزيف وهي بخير الان وثانية ينظر بشك الى الوجوه المحتقنة : لا يُسمح لكما انتما الاثنان التواجد في الغرفة معها الا بعد وصول الشرطة للتحقيق ارجو منكما الالتزام !!
يتمتم حازم بالحمد و الشكر لله الذي نجاها من الموت
اما وليد فقد قادته رجله ثانية الى تلك الغرفة ولكن حازم من وقف امامه محذرا : اقسم ان مسستها بسوء سأقتلك بيدي هاتين
ينظر له وليد بغضب وهو يكور يديه بعصبية : ومن تكون انت كي تعطيني الاوامر ؟!! ليقترب منه اكثر يرفع رأسه له مهددا : وانا ان لم تخرج الان من هذا المستشفى سترقد في الغرفة المجاورة لها أيها الحقير !!
يفتح حازم عيناه على وسعهما استغرابا وهو يصدر ضحكة قصيرة مستهزأة : أحقاً ؟!! اذا هيا اريني ما عندك !!
ولكنهما فقط قضيا الوقت في النظر الى بعضهما البعض في تحد و غضب مستعر و كل منهما يريد الإطاحة بالآخر
فما يجول في بال حازم ان ما يهم هي فقط وداد الخادمة التي اثارت زوبعة في حياته لتغيرها تماما !!!
.
.
.
في مكان اخر من العالم في المانيا في قصر ارنبرج الذي يقطنه يوسف و عائلته
يعتريه القلق و يشعر بالخيبة وهو يصول و يجول في كامل ارجاء القصر
يشعر بشيء يستفزه ويثير السخط في نفسه ويريد ان يسمع شيئا يطمئنه فيرفع هاتفه ليطرق عليه ارقام سعد فيرن الهاتف مباشرة وقبل ان يتكلم سعد : سعد اذهب الان الى الحي حاول مرة اخرى التحدث الى الجيران فلا يعقل ان لا احد حتى الان لا يعلم شيئا وهو يرجع خصلات شعره الى الوراء : اكاد اجن هنا اذهب الان يا سعد !!
تسقط يده بجانبه وهو يحاول السيطرة على اعصابه يشعر بأنه يريد ان ينفجر وسوف يفعل !!
يخرج الى الحديقة ليمشي على الممر الحجري متتبعا اثار الاصوات القادمة من الجلسة العائلية فها هو موعد الغذاء قد حان وهناك امه تجلس ومعها البتول المتغطية تماما بلباس ابيض ووجهها يبدو حزينا و باكيا فهي لازالت منهارة !
ولكن ما فاجأه هووجود دانيال في هذا الوقت جالساً مقابلاً لهن وهو يدفن صديقته تحت ابطه ويميل عليها لتقبيلها في شفتيها بنهم كل ثانيتين
شعرت بالنار تشتعل في جسدها و الحرج يتآكلها وهي تتهرب بنظرها الى كل الاتجاهات ووجهها محمرا بقوة بينما ام يوسف لم تشعر بالارتياح فهذه اول مرة دانيال يفعل شيئاً مخجلاً كهذا امامهم ولكنها لم تنهره فهو حر !!
اما من كان في طريقه اليهم وهو يخطو بخطوات متسارعة وهو يصرخ بقوة : دانيال !
يلتفت الجميع الى يوسف الذي كان وكأنه في صراع مع عصاته ليتقدم نحوهم وهو يكمل وهو يشير بعصاه الى صدر دانيال الذي ضيّق ما بين عينيه تساؤلا : ألا تخجل من نفسك !! كيف تفعل تلك الافاعيل المشينة امام امي و ابنة عمتك ؟!! انت هنا احترم نفسك !!!
كلاما كان قوياً و صادماً لمن كن يجلسن مستمعات في خوف من ردة فعل يوسف الغير متوقعة وهو بالكاد يسيطر على نفسه لأ لا يضرب دانيال على صدره بعكازه بقوة حتى يستفيق
يتابع في غضب : منذ متى تحضر صديقاتك الى المنزل و تقوم بتقبيلهن امامنا ؟!!
دانيال من وقف في مكانه وهو يضع يديه في جيبيه متواجها مع يوسف الذي يماثله ضخامة و طولا يعلم تماما ان ما فعله كان استفزازا !!
الجو كان مشحونا و صاعقا الى ان مد دانيال يده الى صديقته الشقراء القصيرة الجذابة : هيا لنخرج من هنا !
وهي ايضا كانت غاضبة فيا لهذه الاهانة فهما لم يفعلا شيئا غير قُبلات بريئة لا تفهم لما يكبّرون الموضوع !!
اخذت حقيبتها لتضعها بين يديها و تسبق دانيال الى الخارج الذي سمع آخر كلمات من فم يوسف : ان اردت ان يكون مرحبا بك في هذا المنزل لا تفعل ذالك مجدداً لن اكون متسامحاً المرة القادمة !!
يراقبه وهو يرحل بينما الان يريد ان يصب جام غضبه على تلك الفتاة وهو يضرب الطاولة بعصاه بقوة : وانت ِ ؟!! ألستِ في العدة ؟!! كيف تخرجين من المنزل ؟!!
كانت ترتعش مكانها وهي تتلعثم : لم اعرف انه سيأتي ؟!!
يرفع حاجبه في تعجب : حقا ؟!! ولما لم تغادري حين اتى ؟!!
ترتعش شفتيها بقوة تريد البكاء وهي تنهض من مكانها لتركض نحو الداخل وهي تتمتم : اسفة اسفة اسفة !!
بينما رجينا كانت مصدومة من كل هذا الغضب : يوسف ما بالك ؟!! لما قسوت عليها ؟!!
جلس على الكرسي بجانبها بتعب مغمض العينين المتحلقتين بالسواد : امي البتول الان في العدة فزوجها قد توفي !!
بينما فتحت امه فاها وهي لا تفهم شيئاً !!
الاخرى من كانت في غرفتها تندب حظها فلما التعاسة ترافقها وهي تستمع الى صوت الهاتف يرن ترفعه فترى رقم والدتها تتنهد في حسرة و ترفع الهاتف الى اذنها فتسمع
صوت البكاء و العويل و الصراخ عاااليا وصوت امها الباكي ايضا : البتول يا الهي لم اعرف انكِ في المانيا ماذا تفعلين عندك هناك مصيبة هنا !!
ترد عليها بكل برود عرفته يوما بها : ما هي المصيبة ؟!!
تتردد الاخرى في الكلام وصوتها يعلو بالبكاء : بتول ... بتول ابنتي ... عاصم تعرض لحادث توفي على اثره !!
لم تسمع اي استجابة من الطرف الاخر وهي تنادي : البتول ... البتول ... الو ... البتول ... يا الهي لابد انها قد صدمت !!
ترمي بالهاتف بعيدا عنها وتدفن نفسها تحت اللحاف و تغمض عينيها و تنام !!.
اما الشقراء القصيرة فقد كانت تهز رجلها غضبا و انفعالا بجانب الرجل الذي يحاول السيطرة على نفسه في القيادة : سعيد الان بعد ان اذللتني ؟!! وتسدد ضربة الى كتفه
تنهد وهو يريد الحفاظ على هدوئه الاني : ماذا تقصدين ؟!!لم يحاول حتى النظر اليها
بينما هي كانت ثائرة : اتظنني حمقاء كي لا الاحظ انك فعلت كل ذالك من اجل تلك الفتاة ، لقد رأيت بأم عيني كيف تنظر لها لم تكن نظرات اخ لأخته كما تحاول ان توهمني !!
بدأ في القيادة وعلامات الضيق تحفر عميقا في وجهه : اخرسي الان وكفاك هراءاً
: اوقف السيارة لن اذهب معك الى اي مكان ايها البائس !!
امسك بعضدها بقوة يريد ان يخلعه لها : احفظي ادبك والا اقسم انكِ سترين وجها آخر انزلي هيا !!
نفضت يدها بقوة : لاداعي لطردي وقبل ان تغلق الباب : وقتاً طيباً مع .... شقيقتك !!
صرخ بقوة : تبا لكِ !!
.
.
.
.
.
حازم من توجه الى البيت بعد نقل وداد الى قسم العناية المركزة وترك شقيقها تحت رحمة الشرطة فليقل لهم ما يريد ذالك الاحمق اثار سخطه و غضبه وهو يدعك جبينه بيديه ويفتح الباب يريد ان يستحم و يغير ثيابه الملوثة بالدم و الغبار و المقطعة ايضا !!
ولكنه قد سمع صوت خطوات مسرعة على الدرج استنفر جميع جسده وهو يتقدم بهدوء و ريبة رغم ان الخطوات قد اختفت : من هناك ؟!! ينادي بصوت عال فهو متأكد ان شخصا ما كان هنا
بدأ يصعد الدرج بهدوء وهو ينظر للأعلى يستمر في الصعود ليصل الى النهاية يلقي نظرة على الممر فلا يجد احداً
اخذ يتقدم رويدا وهو يصيخ السمع ليقوم بفتح الابواب بابا بعد آخر وينظر الى الداخل كانت اربع ابواب لغرف النوم و باب لحمام الاولاد !
تقدم من الباب الاخير وهو يدير المقبض بهدوء ثم يفتح الباب بقوة و فجأة فــــ يرى حركة الستائر المريبة يتقدم بسرعة منها ليزيحها فتصدمه رؤيته : عمران !!!
.
.
.
.
العم سعد الذي وصل الى الحي بالسيارة السوداء الكبيرة و يوقفها تماما امام منزل عائلة مريم
بينما كان الحي في فوضى و عمال المنزل لا زالوا يعملون فهناك تقدم مذهل
فبناء المنزل مختلف تماما و جميلا ومن طابقين لصغر مساحة الارض
الطابق السفلي هو غرفة معيشة صغيرة و و حمام ، و الطابق العلوي هو غرفتا نوم وحمام مع استراحة صغيرة امام المنزل
هل ستطير مريم فرحا حين ترى ان منزلهم المحترق قد غدا كمنزل من المنازل الراقية !!
واحمد من كان جالسا مهموما امام باب منزلهم ينظر الى ساعته تارة والى هاتفه تارة اخرى منتظرا اتصالا مطمئنا من وليد !!
العم سعد قرر الاقتراب اكثر من هذا الرجل الذي يبدو متدينا يرفع يده للمصافحة : السلام عليكم
فيرد عليه احمد بابتسامة : وعليكم السلام وهو يشير الى المنزل الذي امامه فهو حتى الان لم يتدخل في اي امر يخص المنزل فلربما هو امر عائد الى الحكومة !!
: منزل جميل !! هل تسمح لي ان اسأل لمن هو ؟!!
نعم فهذه الاحياء عشوائية فاليوم قد تكون لك وغدا قد تنام على ارصفة الشوارع لا احد يعلم فليس هناك اي ضمانة !!
ولكن العم سعد اجابه مبادلا اياه الابتسامة : انه للعائلة التي كانت تسكن هنا !! قد تبرع به احدهم !!
علامات استغراب جلية على محيا احمد المصدوم : تقصد لعائلة خالد ؟!!
: نعم انه لهم !!
: يا الهي رائع بارك الله فيكم ، ومن هو المتبرع ؟!!
يرد عليه هذه المرة بهدوء غريب : شخص يريد ان يعرف من اخذهم من منزلهم ؟!!
كان ينظر الى وجه احمد الذي شحب و اصبح ابيضا وكأنه يرى شبحا امامه حتى سقط على الارض جالسا
فكل مرة يتذكر ذاك الرجل تعود الى ذاكرته كل تلك العذابات البشعة
ولن ينسى ابدا انه فاقد للرجولة بسببه !!
بالكاد استطاع النطق و العم سعد الذي بالكاد استطاع السمع : نعم .... اعرفه !!!
انطلق العم سعد باقصى سرعة خارجا من الحي متوجها الى المدينة وقلبه يقرع كالطبل في جوفه خائفا بل مرعوبا حين يعلم يوسف سيقلب الدنيا
بينما سيارة اخرى كانت للتو تتوجه الى داخل الحي محتضنة الفتاة التي نُفيت عن حيّها و عائلتها لتلج السيارة الى الحي و تقف امام المنزلين المتقابلين تدير مقبض الباب في صدمة
فها هو الحي وها هو منزل عائلة وداد امام عينيها ومنزل اخر جديد مكان منزلها !
جسدها بدأ يرتعش و دموعها اغرقت لها عينيها و جسد المرأة الاخرى يسندها من الخلف لمساعدتها على الوقوف
كان الباب مفتوحا فأحمد للتو قد دخل المنزل
تقدمت رجليها ببطء وهي تجمع يديها حول جسدها الذي غطاه الوشاح الثقيل الذي وهبته اياها العجوز و خصلات من شعرها تتسابق كي تتمرد لتخرج من تحت الغطاء
تمد يديها كي تمسح كم الدموع الهائل الذي ملأ وجنتيها و شهقاتها اخذت تغلبها وهي تتابع التقدم
توقفت رجلاها عن الحركة وهي ترى الحاجة عائشة تخرج من غرفتها وهي تُسبّح ووجهها حزين و غارق بالدموع
فها هي الام البديلة لها ها هنا ستعوضها عن كل شيء حتى عائلتها !
تلتفت لها وهي واقفة هادئة فقط شفتاها المهتزتان و عيناها الحمراوان من تحكيا قصة عذاب
صرختان معذبتان
يا الهي مريم
ترتمي في حضنها تضغط عليها متشبثة بها تقبل وجهها و تعيد النظر اليه وهي تبكي بحرقة موجعة يا رب لك الحمد
تعالت اصواتهما بالبكاء : آآآآآآآآآآآآآآه يا عمة آآآآآآآآآآآآآآآه
قد قتلوا خالد يا عمة قتلوه ودفنوه دون ان اعرف اين
اخذوا مني حمود ولم اراه يا عمة يا عمة لن اراه
تعالى صوتها بالنواح و الشهيق فلحظات بكاء خالد و حمود قد حانت ستبكيهم حتى اخر يوم من حياتها
هدى التي كانت في الغرفة تُلبس الصغيرين وهي تسمع صوت النحيب و البكاء شعرت بالفزع و الرعب فربما شيء ما حصل لوداد لم تستطع لثوانٍ النهوض من مكانها من شدة الخوف شعرت وكأن الدم ينسحب من عروقها حتى استطاعت الوقوف و التجلد بالشجاعة و الخروج من الغرفة وكل خلاياها قد استنفرت وهي ترى ذالك الجسد الصغير الذي يسكن احضان عمتها منهارة بالبكاء وضعت يديها على فمها تقاوم تلك الارتعاشة القوية التي اجتاحتها وهي تركض لها و تصرخ : مرياااااام تحتضنها و تبكيا الموت و الخراب و الحزن
شعور الغبن و المرار لن يغادرهم ما حيوا
فها قد رجعت مريم و اختفت وداد !!
صوت النواح وصل البيوت المجاورة لتخرج النسوة من البيوت يتجهن في خوف ووجل الى منزل الحاجة عائشة يقتحمن المنزل ليجدن مريم هناك في احضانهن اجتمعن عليها يردن عناقها فرحا بعودتها الى ان علمن بموت خالد تحول الفرح الى النواح و الصراخ و اللطم حتى استيقظ الحي بأكمله
أحمد الذي لم يقترب كان يسمع و يرى وعيناه امتلأتا بالدموع وهو غير مصدق : قد قتلوا خالد ؟!!!
يعقد حاجبيه بقوة و لوم أنا السبب كله بسبب جُبني و خوفي لما لم أُبلّغ عن الفاعل من فوري لمااااا !
اراد ان يبكي هو ايضا و يصرخ حتى يضيع صوته و يشارك النسوة النحيب و وجهه امتلأ بالدموع الحارة التي حرقت له وجنتيه اذا خالد قد مات ، مات
خرج من فوره الى الخارج امام باب المنزل وجسده يهتز من شدة البكاء خالد قُتل ؟!! لم يصدق لالالا غير معقول لالالالا
الى ان اخذ هاتفه في الرنين يرفعه بأياد مهتزة لا يكاد يرى الرقم يرفعه الى اذنه ليأتيه صوت وليد القلق : احمد
: وليد !! هل عادت وداد !! صوته اثار القلق في نفس وليد الذي سأل : ماذا ؟!! ماذا حدث لك ؟!!
: مريم عادت يا وليد وخالد قد قُتل !!
: ماذا ؟!! صرخة غير مصدقة مذهولة وهو يحاول ان يتماسك : أحمد انا بالسجن !!!
: نعم ؟!! بالسجن ؟!! ماذا تفعل هناك ؟!! حاول بقدر استطاعته ان يخفض صوته كي لا يسمعه احد ليأتيه الجواب قاتلا
: أحمد ..أنا ...أنا ... تخرج منه تنهيدة حارة : قد طعنت وداد
يسقط الهاتف من يد احمد الذي لم تستطع رجلاه حمله بعد الان وليد طعن وداد ؟!! اي جنون يعيشه الان ؟!!
يرفع قفطانه الناصع البياض و يأخذ في الجري كالمجنون الى خارج الحي منطلقا الى المستشفى !!!
بينما الرجل صاحب السيارة النصف نقل كان يُنزل خروف من السيارة كي يهبه للفتاة التي جلبوها الان ويبدو ان هناك عزاء في المكان بسبب الصراخ و النحيب اللذان لم يتوقفا بينما اجتمع رجال الحي و العم حامد يتحرون الامر الى ان علموا بموت خالد تعالت الحوقلات و الاسف و الضيق وكل انطلق الى بيته كي يجلب شيئا يُعين على العزاء !!
.
.
.
.
العم سعد الذي كان يصول و يجول في المنزل لا يعرف كيف سيوصل هذا الامر الجلل ليوسف
فخبر كهذا سيصرعه !!
يمسك بالهاتف بين يديه يقلّبه وهو يشعر بأنه سيحطمه بين اصابعه فيوسف ليس على ما يرام وعودته وعلمه بهذا الامر في هذا الوقت ستزيد حالته سوءاً !!
كان يجلس حينا و يقف حينا : تبا ولكن يوسف لابد ان يعلم
يضغط بسرعة قبل ان يتردد على رقم يوسف الذي كان يجلس مغمض العينين لا يشعر بخير و يشعر بقلبه يريد ان يقفز من بين ضلوعه لازال شعور القلق الشديد يعتريه يفتح عينيه على رنة هاتفه يرفعه الى اذنه بهدوء : سعد مرحبا !
بينما سعد يكاد الا يعرف كيف ينطق بتلك الكلمات وهو يتنفس بسرعة وكأنه كان في سباق للجري : يوسف
نبرة صوته اثارت كل حواس يوسف وهو يضيق ما بين عينيه متسائلا : سعد ما الامر ؟!! ماذا هناك ؟!!
تردد على الجهة الاخرى وهو يقضم شفتاه بأسنانه ورأسه يدور في كل اتجاه : يوسف لقد عرفت من أخذ عائلة مريم من البيت !
قام من مكانه ببطء شديد لا يشعر بنفسه وهو يهمس : من ؟!!
يعلو صوته غضبا : انطق يا سعد من ؟!!
: إنه السيد فؤاد !!
صاعقة حلت عليه يحتقن كامل وجهه و جسده بالغضب العارم وهو يصرخ و هو يقلب الطاولة التي امامه : لااااااا اللعنة تبااااا فؤاااااااااد
زمجراته و صراخه اخافت والدته التي خرجت له راكضة و البتول التي كانت تنظر من خلف الشباك وهي ترتعد خوفا وهي تراه يحطم كل شيء في طريقه مهتاجا غاضبا لاعنا كالبركان الثائر ويريد قتل احدهم !!
.
.
حازم الذي كان يرى ذالك الفتى الشاحب الضعيف المتلعثم وهو يحاول حماية نفسه من يد عمه الضاربة
: عمي اقسم ... اقسم ... ليس ذنبي ... كنت اظن انها تستطيع السباحة ... لالا .. لالا .. لم اقصد اقسم لك
اخذت الدموع تأخذ مجراها على خده
وعمه يحدق اليه في عدم تصديق وهو يمسك به من طرف قميصه : منذ متى وانت هنا ؟!! يجره الى وسط الغرفة و يرمي به بقوة على السرير الذي يتوسطها يسقط عليه ووجهه يتلون من الرعب : منذ الحادث !!
يغلق الاخر عينيه في صبر : ايها الاحمق !! أتعرف مدى القلق الذي يعتري والديك !! ألن تشعر يوما بالمسؤولية ؟!!
يكفي انني اواجه المشاكل بسببك الآن !!
كان متعبا جدا حتى انه لا يستطيع ان يناقش هذا الاحمق في اي شيء
جلس على كرسي مقابل له : لما تريد ايذاء وداد ؟!!
الاخر الذي كان يلعق شفتيه الشاحبتين فهو منذ الحادث يعيش هنا على شرب الماء و بعض الخبز ويختفي داخل الغرفة حتى ان عمه لم ينتبه في ظل كل تلك المشاكل الى وجوده هنا معه !!
يتابع في هدوء و هو يعقد يديه ببعضهما البعض امامه : هل تعلم ان والديك يريدان وضعك في مستشفى للأمراض النفسية ؟!!
: مستشفى امراض نفسية ؟!! يقول بارتباك وشحوب : لما؟!! انا لست مجنونا ، وهو يحاول ان يمسح دمعة تسللت الى وجنتيه
يضيف عمه ببرود : لتحرشك بالخادمات ام انك ستنكر ذالك ايضا ؟!!
يهز رأسه بسرعة : انا لم اتحرش بالخادمات
تحولت لهجته الى الشدة وهو يضيف : انا فقط اردت مضايقتهن كي يرحلن عن المنزل ، اردت من امي ان تهتم لي اكثر بدل كل تلك الخادمات اللواتي يهتممن بي و بالمنزل فلم اجد طريقة الا هذه !
حازم من رفع حاجبيه استغرابا كل ذالك كان بسبب انه يريد لفت الانتباه و الاهتمام من والديه ؟!!
: هناك طرق اخرى غير التحرش ، كأن تواجه والديك مثلا ؟!!
: أخجل من طلب ذالك منهما بالاضافة الى ان والدتي ستهزأ من كلامي و لن تعتبر له !!
: انظر الان الى ما جنته يداك كدت ان تقتل فتاة بريئة لا ذنب لها في كل ترهاتك و حياتك كانت فقط تريد ان تعيش ، ان تعيش كما انت تعيش !!
لم يكن يريد ان يغضب على ذالك الفتى فهو يبدو مريضا و لايبدو بخير ابدا : حسنا سأستحم و اغير ثيابي و نخرج معا الى والدتك فهي جدا قلقة عليك ايها الاحمق !
تركه يرمي نفسه براحة على السرير وهو ينظر الى السقف ولكنه ايضا قلق فهل والديه سيرسلانه الى مستشفى نفسي حقاً ولن يستمعا الى تبريره ؟!!
.
.
.
أحمد من كان جسده ينتفض نفضا وهو يريد الطيران الى المستشفى كي يرى شقيقته وما فعله وليد بها وهو يدعك عيناه بشدة ووجهه يحتقن باحمرار يقسم انه يريد البكاء كالأطفال الصغار حتى وصلت به سيارة الاجرة الى مدخل المستشفى فتح الباب بقوة و اخذ في الجري الى الداخل بحثا عنها عن شقيقته الوحيدة ليجدها في ذات الغرفة ممددة كما السابق شاحبة شحوب الاموات وصلات التغذية موصولة بعروقها يكاد ان ينهار لرؤيتها هكذا
انكب على يديها يقبلها وهو يبكي بحرقة و شهقات متتابعة تدافعت الى حنجرته يريد تحريرها : تبا لنا ، تبا لوليد و تبا لحياتنا وتبا لكل شيء ، آآآآآآآآآآآآه يا وداد
امسك بيدها بقوة وهو يجلس مقابلا لها يكاد يحرر صرخة وهو يضرب على صدره بقوة و عنف : الى متى يا الله ، ارحمنا ارحمنا يارب ارحمنا لما يحدث لنا ذالك لما ؟!!
سمح لدموعه ان تنهمر كالشلال ليرفع رأسه فجأة على وقع الخطوات التي توقفت امام الباب ينظر الى ذالك الرجل
اثار غضبه و اعصابه ليصرخ فيه : من سمح لك ان تدخل اخرج الان اخرج !
استدار حازم على عقبيه وهو يبتلع ريقه الذي جف من كل ذالك الهراء فما ذنبه هو في كل ما يحصل
بل ذنبه أنه يريدها !! يريدها لنفسه !! يريد ان يحميها منهم ومن غدرهم !! فهم لا يريدونها كما يفعل هو ، هم يريدون قتلها !! وهو يريد حمايتها !!
احتقن وجهه في تصميم لابُد وان ينتزعها منهم !! لابُد !!
ليدخل ثانية الى الحجرة مصمما على مواجهة شقيقها الاخر الغاضب وهو ينطق بقوة و اصرار: زوجني منها !!!
.
.
.
.
الساعة الخامسة بعد العصر موعد هبوط طائرة الياسمين المتشحة بالسواد على عمرها و حياتها و طفلها و يوسف و اخيرا البتول !!
حقيبة صغيرة تتأبطها و نظارتها الشمسية التي لازالت تغطي بؤس عيناها و خذلانها وهي تمشي بثبات كي تواجه الرجل الاخر الذي كان في انتظارها ببدلة سوداء بقميص ابيض لا يظهر اي شيء على محياه سوى الامتعاظ وهو يدس يديه في جيبي بنطاله كان لقاءاً بارداً لم يصحبه اي قُبلات او كلمات او دموع محبة بل كان العكس تماماً مليء بالكره و الحقد و الرغبة في الموت !
جسدان متنافران لن يلتقيا ابداً ما حييا فهما لم يُخلقا لبعضهما البعض ، احدهما على يقين بذالك والاخر بكل قوته ينكره !!
فلو انها لم تكن من نصيبه لما تطلقت من يوسف !!!
تتطلع الى خارج الشبابيك ناظرة الى المدينة لا تشعر بشيء
لا تشعر بشيء يربطها بمن هو جالس بجانبها يقود السيارة في هدوء مريب ولكنها لا تكترث مهما كانت النتائج اليوم
فهي خاوية
خاوية المشاعر وقلبها لم يعد ينبض الا كي تتنفس و تعيش الباقي من حياتها كما عاشته سابقاً
لن يتحدثا او يتخاطبا عن عاصم او البتول او يوسف او عنهما !!
كما المنزل الفارغ الذي دااائما و ابدا سيتسقبلهما بالأحضان الباردة ، تصعد الدرج و يصعد خلفها بذات الهدوء
تتقدمه الى غرفة النوم وهي متبرمة الملامح باردة الأطراف ترمي بحقيبتها على الفراش و تلتفت لتواجهه
واذا بصفعة مدوية تلهب خدها و تسقطها ارضا
يمسك بشعرها بقوة وهو ينفث انفاسه اللاهبة في وجهها غضباً و احتقاناً : سافلة خائنة و حقيرة !
يرمي بها على الارض مجددا وهي لم تنبس ببنت شفة فهي قد توقعت الأسوء من ذالك فليضرب كما يريد و ليُهنها كما يرغب أليست هي ذاتها المرأة التي طلقها من زوجها كي يحصل عليها ؟َ!!
تخرج من شفتيها ضحكة مستفزة
لم يستطع مواجهتها كما العادة ليتركها تواجه الفراغ و يخرج ليغلق الباب خلفه بالمفتاح فهي كما اعتادت سجينته الى حين أن تقرر أن تُخضِعَه !!
.
.
.
مريم من كانت مرمية على الفراش و الجميع حولها لا زالو يبكون كل النساء و الفتيات
وخيمة كبيرة تغطي مدخل المنزل الذي اقيم به العزاء
ورائحة طعام العشاء تُعد في القدور الكبيرة و الفتيات يدُرن في الخيمة بكؤوس الشاي الصغيرة و الكعك و الحليب و التمر
وهي لا رغبة لديها في اي شيء
حتى حاسة التذوق قد فقدتها
دموعها قد جفت على خديها بعد ان حفرت فيهما خندقا لن يُردم ابداً ابداً
ولكنها تفتقد لوجه لم تراه حتى الان : وداد !! أين وداد !!
اين من هي تعشق خالد و ستبكيه معها و تشعر بها
اين من ستبكي معها حمود لأنه يذكرها بوالده
تلتفت الى هدى الجالسة بجانبها تساندها في هذه المصيبة : هدى اين وداد لم ارها منذ ان حضرت ؟!!
السؤال الذي كان الجميع يتجنبه منذ ان عادت لا يريدون ان يفجعوها في اول يوم لعودتها اليهم
حتى انهم لم يصلهم اي خبر مطمئن عنها حتى اللحظة وامها تبكيها بحسرة و تبكي مريم !
تبرمت من الإجابة وهي تحك رقبتها وفجأة وقفت متعذرة بالبحث عن الأولاد الذين اختفوا !!
نظرت لها في براءة فربما وداد لا زالت في عملها و ستعود لاحقا !!
كم اشتاق لكِ يا وداد و احتاجك بجانبي بشدة !!
تجمع يديها حول نفسها منكمشة على ذاتها وكأن البرد يحاصرها تنظر الى نظرات الشفقة من كل العيون المحيطة بها
تغلق عينيها لوهلة متحسرة على نفسها ودمعة اخيرة يتيمة تسقط على ظهر يدها تنعى التشرد و الوحدة !!
.
نهاية المشهد الخامس و العشرون !
أنت تقرأ
حارس العذراء # Land of Angels / مكتملة /
Romantizmملحمة الحب و الأرض و المنفى يوسف النصف الماني في زمن ما التقى بفتاة سمراء تعلق قلبه بها ، بحث عنها و لم يعد يجدها ياسمين الزوجة السابقة تهرب من زوجها و تلحق بيوسف لإصرارها على عودته لها فهل سيعود لها يوسف و ينسى محبوبته التي تتعذب في مكان ما ! ف...