المشهد الرابع والعشرين

70 1 0
                                    

المشهد

( 24 )



هستيريا هي حياتنا

هستيريا الضحك و الجنون و الغضب


هستيريا البكاء و الصدمة و الالم و الموت
.
.
.


المــــــــواجهة الثــــــالثة عشـــــرة

بين الساعة الثامنة و النصف و العاشرة صباحا

تقف هناك بعدما رُمي بها في هذا المكان المظلمة جنباته وهي لا زالت تحدّق بنظرات غير مصدقة

تحدّق الى تلك الجدران الرمادية الباهتة والتي عليها قد دوّن احدهم تاريخه المأساوي هنا طولاً و عرضاً

تنظر الى وجوه تلك النسوة والتي بدا لونهن مماثل للون الجدار بل أشدُّ قتامة و بؤساً و حزناً

نظرن لها نظرة لا مبالاة فكل يحمل همّه هنا على كتفيه !

فيما تقدمت قدماها رويداً كي تختار زاوية في المكان الضيق لتجلس فيه

وهي تلتفت لتنظر مجددا غير مصدقة لنفسها

اخذت شفتاها تتسع و تتسع حتى انطلقت منها ضحكات مجنونة

مجنونة و عالية تكاد تخر ساقطة على قدميها من الضحك و الهستيريا التي اجتاحتها

وهي تمسح على عيناها الدامعتان ضحكاً



فيما بدت النساء الأربع الأخريات مأخوذات بجنونها ولم تفت دقيقة حتى شاركنها الضحك المهووس

فـــ شرُ البليةِ ما يُضحك

اخذت تلتقط انفاسها ببطئ و ضحكاتها تخفت تدريجياً الى أن جلست على الأرض الباردة بفستانها القصير المخزي لها

فكيف خرجت من المستشفى مع حازم و ركبت السيارة و امسك بها هؤلاء و زُج بها في السجن بهذه الملابس ؟ !!

تمسح على رأسها بكلتا يديها في قلق اخذ يستعر في صدرها و خوفاً قد بدأ يقرع طبول عقلها و جسدها

اليوم إمّا أن تموت على ايدِ هؤلاء

أو أن تموت على أيادِ إخوانها الذين لن يترددوا في نحرها على اعتاب الحي !

تكاد ان تشدَّ شعر رأسها من الغيض و الجنون و تقضم شفتاها بقوة حتى ادمتهما و دموعها قريبة ، قريبة جداً لكي تنهمر و تملأ المكان ، تضرب على فخذيها بقوة و حسرة وهي تردد يا الهي !!

تعددت الأسباب و الموت واحد !!

ولكن حركة سوداء امامها بشيء يتطاير قد ارعبتها و اطلقت صرخة

وما كانت إلاَّ عباءة قد رمتها لها احدى النساء وهي تردد : هذه العباءة كانت لسجينة هنا !!

ويتوقف الكلام .!

تبتلع ريقها في رعب و خوف و هي مترددة أتلبس العباءة أم تتركها و في رأسها تدور مليون فكرة عن مكان صاحبة العباءة !!

تلتقطها بأصابع مرتجفة وهي تردد شكر لم يصل للمسامع وهي تجلس على ركبتيها لتلبس العباءة و تغطي جسدها العاري

!!

فيما سمعت صوتا قاتماً ناطقاً بتساؤل : ما تهمتك ؟!! وهي تنظر لها بعينين تضيقان على مهل

فيما هي قد رفعت كتفيها بعدم معرفة و صوتها بالكاد قد خرج من حنجرتها : لا اعرف ، تهز رأسها بعنف : لا اعرف ؟!!

تسند رأسها على الجدار و تغمض عينيها وهي تسمع الاخرى تسترسل في الكلام : اما انا فقد اتى بي سائق سيارة الاجرة بعد ان ثرثرت معه عن احوال البلاد و العباد و اشتكيت له الحال ومنذ تلك اللحظة وانا فقط اتعذب و لا ادري اذا كنت يوما سأخرج من هنا كي ارى اطفالي مرة اخرى

اخذ صوتها يهتز بالبكاء : تركت طفلة بعمر الثلاثة اشهر بين ذراعي شقيقتها ذات الحادية عشرة عاماً و اختفيت !!

خرجت عبراتها في كمد و حزن يدميا الفؤاد : قد يتّموا اولادي وانا على قيد الحياة !!



اما المرأة الاخرى فقد خرجت من شفتيها ضحكة مستهزأة بحالها وهي تقول بصوتها الساحر الجميل البحوح فهي تبدو فتاة في مقتبل العمر متفجرة الانوثة التي تظهر من بين شقوق فستانها المتقطع ليكشف عن بياض بشرتها و نعومتها : اما انا اسمي الرسمي هو المومس !!

بين عشية و ضحاها و جدت نفسي في شقة لا اعرف من صاحبها لا اعرف في الأصل كيف وصلت لها هل أُختطفت ام ماذا لا ادري !!

بعد ان استيقظت وجدت امامي صوراً و فيديوهات تهدد حياتي و مستقبلي وكان ذاك الرجل يتاجر بالنساء و الرجال على السواء و لسوء حظي كنت من بينهم ، يتسلى بجسدي اصحاب النفوذ

تخرج منها ضحكة هستيرية وهي تمسح دموعها بكفيها : قد كنت عشيقة الرئيس نفسه !!

فتتردد ضحكاتها مجدداً وهي من بين ضحكاتها المجنونة تخرج الكلمات متقطعة : كلما هربت اجدهم امامي الى ان يتم ترحيلي لمن يرغب بي مجدداً ، حتى اهلي لا يعرفون عني شيئا ، لن ولم اذهب اليهم ، ربما قد سمعوا بي وعن حالي الذي تردى فأنا ابنة الليل وهم يرضون بحكم الحاكم لعنه الله !

ولكن لا زال في قلبي أمل ، لا زال هناك أمل ، لا زال !!

.

.

.

في زنزانة اخرى منفردة يحضرون الرجل المكبلة يديه و ذراعيه ليُفَكُ وثاقه و يدفعون به الى الداخل



وقف عاجزاً وهو يزفر بشدة و غضب تكاد تتطاير منه الجدران

اقسم انهم سيندمون هؤلاء الأوغاد !

وهو ينظر الى السقف و يمسح على رسغيه ليحرر الدم فيهما وقد همّ بخلع قميصه ليرى آثار الضرب الوحشي بألسنة بنادقهم الغادرة فيجد تلك البقع الداكنة والتي قريبا ستتحول الى حمراء و زرقاء و خضراء

ما هذا لم يفهم بعد ؟!! ولما احضروهم هنا و ما هذا المكان ؟!!

بدا الشك يتسلل رويداً الى قلبه وهو يقلّب الأمر في رأسه

فذالك الرجل قد اعترض طريقهم بهؤلاء ، رجال أمن الدولة !!

تلتوي شفتيه بابتسامة هازئة : هه أمن دولة !!

اذاً الرجل الذي خطف مريم هو من أمن الدولة ؟!!

لماذا ؟ ماذا سيفعل بفتاة فقيرة مثلها ؟!!

ضيّق ما بين عينيه في توتر و تساؤل مميت !!

اقترب من الباب بعد ان اتخذ قراره بالهجوم وهو يضرب بكامل قوته بحذائه على باب الزنانة مصحوباً بدقه العنيف عليه

وهو ينادي : هييييييه ، انتم !!

يزداد الطرق و الضرب على الباب و لم يهدأ البتة وهو يكاد ان يكسر الباب من الغضب و الشرر الذي يتطاير من عينيه

ليطل وجه احد الخبثاء من الشباك رافعاً حاجباً متسائلاً : ماذا ؟!! ماذا يحدث هنا ؟!! ما كل هذه الضجة ؟!!

فيضرب حازم بحذائه الباب بقوة قد هزته وهو ينظر لنظيره عبر الشباك متوعداً شراً : افتح الباب اريد ان أُجري بعض الاتصالات !!

ليرد الاخر ببرود وهو يصدر ضحكة لا مبالية : انت ضيف عندنا و راحة الضيف واجب ، يضيف باستهزاء : بمن تريد الاتصال و حاااالاً ستجده هنا !!

فيخرج الإسم المطلوب من شفتي حازم فيما الآخر كان قد ضيق ما بين عينيه بقوة ووجل و لم يكمل حازم كلامه حتى كان الاخر قد اختفى من امامه !!



يصرخ في الحجرة الصغيرة : تباااااا وهو يصر على اسنانه بقوة و يكوّر يديه في لكمة يريد تسديدها للجدار الذي امامه !!



بقي واقف في الزنانة لن يهدأ او يكِّن حتى يخرج اليوم من هنا فالدنيا ليست فوضى فما هي تهمتهم؟!! ولما اوقفوهم وجرجروهم بهذه الوحشية ؟!!

شيء مقزز حقاً لم يرى له مثيل في حياته

فهكذا امور لن تحدث الا في الدول العربية يُقبَض عليك و تُسجَن و تُعذَّب او قد تُعدم حتى دون ان تعرف ما كان ذنبك ؟!!

فلو كان الآن في بريطانيا ما كان سيجرؤ اي شرطي على الإمساك به بهذه الطريقة إلاّ بعد ان يتلو عليه حقوقه

همجية ووحشية لم يعرف لهما مثيل !!

وهو يضع يداً على خاصرته أمّا الأخرى فكان قد اسند بها جسده على الجدار ورأسه مطأطئ في الارض مفكراً

الى ان سمع صوت الباب يُفتح و يزعجه صريره و صوت الحارس الملثّم يقول بهدوء مستغرَب : اتبعني !!

.

.

.

موعد الزيارة الى غرفة وداد الخالية منها بعد افاقتها من الغيبوبة بعدة ساعات فقط

تتقدم الاسرة المكونة من الرجلين و الام يريدون الاطمئنان عليها و رؤيتها وقد فتحت عينيها من جديد لتعود الحياة الى مجاريها في قلوبهم التي قد افتقدتها بشدة

والأم التي استطاعت السيطرة على غضب ابنيها على شقيقتهما الوحيدة الى حين !

يدخلون الى القسم الذي لا زال هادئا لا يُسمع فيه صوتا غير اصوات احذيتهم التي تطرق الارض طرقا رويداً رويداً الى ان وصلوا حجرتها ليدخلوها ولم يجدوا بها احداً

ينظر الجميع الى بعضهم البعض في قلق بينما الأم كانت تتقدم بخطوات وئيدة الى السرير وهي تتلمس مكان ابنتها لتخونها عينيها بدموع ساخنة تخط وجنتيها بصوت مهتز ضعيف : يا الهي اين اختكما ؟!!

تلتفت لهما الاثنان اللذان ينظران اليها وهما غير مصدقين فتخرج من احمد كلمات متقطعة : امي لا تقلقي ربما نقلوها الى غرفة اخرى سأخرج لأسأل الطبيب

يلحقه صوت اخر اكثر قلقاً وقلبه يخفق بعنف بين جنبات صدره : وانا ايضاً سآتي معك !!

يخرجون بأرجل تكاد تطير الى غرفة الطبيب المعالج ليفتحا الحجرة فلا يجدا احداً !!

يقلّبا بصرهما في المكان فيما خرج احمد وهو يركض خارجاً بلباسه التقليدي و يدخل المدخل الرئيسي للمستشفى يجد بعض الناس و الممرضين ليوقف احدهم على عجل وهو يمسك بذراعه وهو يزمجر في وجهه وهو يكاد ينفث ناراً من صدره : اين الطبيب المسؤول عن حالة الطوارئ ، اين شقيقتي التي كانت في حجرة الطوارئ في غيبوبة ، هل ماتت ؟!!

كان يصرخ بصوت عال اثار فضول الناس حوله و الممرض الواقف امامه وهو يردد : لا اعرف عما تتحدث اسأل المشرفين على الحالة ، ينفض ذراعه بقوة من يد احمد و يتركه غاضبا فما شأنه في تلك الحالات !!

يرتد بصره الى اخاه الذي كان واقفا خلفه ووجهه محمر من الانفعال و صدره يرتفع و ينخفض بسرعة جنونية !

يخرج مرة اخرى الى الخارج متوجهاً لذالك القسم و أمه الي تنوح و تندب ابنتها التي ربما تكون قد ماتت ولم يبلّغهم احد عنها !!

يجري نحو حراس القسم الذين يجلسون يشربون الشاي و يأكلون الفطورامام حجرة البواب يرونه قادماً نحوهم بسرعة وهو يركض بلباسه الابيض التقليدي وعلى وجهه امارات الامل و التساؤل وهو يلقي السلام ويقول في سرعة : الا يعرف احدكم اين الفتاة التي كانت في حجرة الطوارئ رقم 6 ؟!!



يلقي احدهم بلقمته من يديه وهو يقف امامه وهو يمسح يديه في بنطاله الاسود : لا اعرف بالضبط عمن تتكلم ولكن – يقترب منه اكثر وهو شبه يهمس – كان هناك اثنتان احدهما حملها رجل على ذراعيه للخارج و اخرى ركبت مع رجل في سيارته و غادروا المكان !!!



فتح عينيه على وسعهما غير مصدق لما يقول الحارس وللحظة كان قد تهجّم عليه و هو يمسك بقميصه بقوة بين يديه وهو يكز بأسنانه : ماذا تقول ؟! ما هذا الهراء ؟!! هل جننت ؟!!.

ينفض الرجل يديه وهو يردد : سيدي انا لا اختلق شيئا فما رأيته قد قلته لك الان ، لا اعرف ايهما تخصك ولكن كلتاهما خرجتا مع رجلين !!



يا الهي يا الهي يا الهي وهو يردد في غضب : وداد خرجت مع رجل في سيارته ؟!! يا الهي ما الذي فعلته و تفعلينه يا وداد ؟!!

بينما وليد من كان مستمعا فقد خرّ على ركبتيه من الصدمة وهو يهمس : يا الله !

فضحتنا يا وداد !!

بينما الاثنان كانا قد التفتا الى الام الواقفة من بعيد تراقب ما يجري وهي لا تفهم شيئا !!


يفتح بابها بعنف وهو يجذبها من ذراعها بكل قسوة وهو يكاد يدوس عليها حين يمشي

وهو يزمجر غضباً و انفعالاً

وهي كانت تتحرك كالدمية يديرها كيفما شاء

يُخرج مفتاحا من جيبه و يلج للداخل الذي عرفت تفاصيله فهو قد اعادها الى ( علي )

وهي تنظر بعينين خائفتين وهي ترى ( عَلِي ) من خرج مسرعاً من غرفة الرجال و رأسه ملفوف بشاش كبير وبعينيه ضحكة شيطانية

تلتفت الى الرجل الآخر غير مصدقة وهو يرمي بها الى ذراعي (علي ) الذي تلقّفها بكل رحابة وهو يطبق عليها وكأنه سيخنقها

لينطق الآخر بحقد و أمر : إنها لك !!

يلقي بكلماته اللامبالية و كأنها حقا ملك لهم كي يتدافعوا عليها و يلقوا بها الى احضان بعضهم البعض !!

يدير ظهره لهم و يخرج وسط ذهولها فربما هي لعبة اخرى منه حتى تخضع و تتزوجه ؟!!

ولكن رائحة التراب و صرير عجلات السيارات القيا بالحقيقة في وجهها الى ان صرخت بخوف : لاااااا ارجوك لا تتركني بين يديه لاااا اتركني ايها القذر اتركني










صارت تتحرك دون هوادة بسرعة بين ذراعيه وهي تتلوى كي تفلت من بين يديه القابضتين عليها بقسوة وهو يحاول جرّها الى الداخل الى حجرتها كي يرمي بها على السرير و يقضي على ما تبقى منها من عفة و شرف و الدموع الحارقة بدأت الهطول وهي تمسك بكلتا يديه وهي تبكي بحسرة بصوت عال مفجع وهي تتوسل : لااااا ارجوك لا تلمسني ارجووووك



ولكن لا حياة لمن تنادي لمن هو قرر ان ينتقم منها على كل تمردها عليه و ضربها له فــــ وقت النصر عليها قد حان !!

وهي تحاول التمسك بأي شيء في طريقها بالأبواب وتضع رجليها تارة على الجدار كي تعترض طريقه الى ان قامت بالإمساك بيده بقوة و عضها بكامل طاقتها وهو قد صرخ عاليا و افلتها لثوان اتاحت لها الجري الى غرفة امه

فتحت الباب بقوة و دخلت جريا لها ، الى المرأة الممدة على السرير مغمضة العينين و عينيها تبكيان !

ويدها الملفوفة المجبسة ، دخلت عليها كالمجنونة وهي تستنجد بها وهي تقع بجانبها وهي تقبل يديها : عمّاااااا ساعديني ارجوك ارجوك

ولكن اليد التي قبضت على شعر رأسها في بأس وهو يشتمها و يركلها على ظهرها ويسحبها وهي تحاول التشبث بيدي امه و عيناها تكادان تتدحرجان من الخوف و الصدمة وهي تصرخ في وجه تلك العجوز قبل ان يختفيا وراء الباب : عمة ارجوووك ساعديني لتجهش بعدها في بكاء مرير و صراخ و عواء و عراك لم ينتهي



اما الاخر الذي كان وجهه ينبض كرها و حقدا وهو قد ادخلها الى غرفتها المجاورة لغرفة امه وهو يلقي بها على السرير لتزحف بسرعة الى نهايته وهي تتمم : لا تلمسني ان لمستني سأقتلك

لتصلها الضحكات الماجنة وهو يخلع سرواله و قميصه فيبقى بلباسه الداخلي ويعتلي السرير ليصبح مقابلاً لها

امسك بها من يدها و يقرّب وجهه منها كي يقبّلها وهو قد اصبح مثل الثور الهائج فالليلة هي ليلة مريم

تصرخ وهي تضرب يداه بعنف : ابعد يداااااك ، امييييييييييييييييي

لأول مرة تنادي امها لحمايتها فربما روحها هنا تراقبها و تحميها من غدر من كانوا من المفترض ان يكونوا الامان !!

يضغط على رقبتها بيد ليدفعها ناحية الجدار محاولاً كتم انفاسها كي لا تنطق او تستنجد مجدداً !!



يقفز فوقها و يمددها على السرير و فستانها القصير كان قد ساعده في مهمته وهو يقطعه فيكشف عن جسدها وهي تتلوى تحته وهو يقبض على يديها على السرير وهي تحرك رأسها بعنف تسمعه يضحك و يقول : لم اكن ادري ان تلك الملابس الفضفاضة تخبأ تحتها جسد صبي !!

ولكنه لم يهتم وهي تصرخ و تبكي لااااااا لاااااا لاااااااااا يا عمةااااااا

وللحظة فقط كان صوت دوي عال يخترق اذنيهما لتستقر الرصاصة في الجدار الملاصق للسرير لتهدأ الحركة المجنونة على السرير و ينظر الى يساره فيجدها وقد حملت مسدسا بين يديها مصوبا نحوه وهي تقول من بين اسنانها : اتركها والا فرّغت المسدس في جسدك !!

ينهض مسرعاً ليخطو خطوة نحوها ولكن الرصاصة الاخرى التي اصابت ذراعه كانت كفيلة بإيقافه وهو يصرخ كالمجنون بها وهو يراقب الدم يسيل من ذراعه و مريم التي حاولت لملمة ملابسها حولها و شعرها يلتصق بجانبي وجهها مفزوعة و مصدومة وهي تريد السجود شكرا لله وهي تراقب فالوضع لم ينتهي كي تفرح بعد

: امي ماذا تفعلين هل جننتي ، يمد يده لها وهو يقول بذهول : اعطني المسدس !!

تنطق الام بحقد لم يكن يوماً في قلبها لابنها الوحيد ولكن اليوم ستضع حداً له : اعطها المفاتيح لتخرج !! تصرخ بصوت عال : هياااا اعطها المفاتيح

الان يصدق ان امه قد جن جنونها وهو يرفع كفه اليها : حسنا سأعطِها ولكن ضعي المسدس جانباً !

: اعطها المفاتيح اولاً هيااا !!

: حسناً حسناً لا تتهوري وهو يقلّب في جيوب سرواله الملقى على الارض الى ان وجد المفاتيح يلقي بهم في وجه مريم التي اخذت تنظر لهما دون وعي الى ان نطقت امه : الان اخرجي هيا و غادري هذا المكان و المسدس لا زال مصوب باتجاه ابنها الوحيد

تتحرك مريم في سرعة و المفاتيح بين يديها وهي تركض خارج الغرفة المثقلة بالدماء و الالم وهي تركض الى الباب الرئيسي ترتعش و فستانها المشقوق من الامام تحاول لملمته بين يديها و يداها بدأتا الارتعاش بقوة كادت تقع المفاتيح منها وهي تنظر بخوف كل ثانية الى الوراء فربما يلحق بها و يمسكها

ادخلت المفتاح و طقتين فقط وكان الباب قد فُتح امامها وهي تجري لباب المزرعة الكبير والذي كان مفتوحا لتخرج منها


تخرج من تلك الدار وتنظر خلفها باصقة عليها تمسك برقبتها : يا الهي ذلك الشيطان كاد ان يقتلني .!


تجري بين الطرقات وهي تكاد تقع على وجهها تلهث و تبكي في آنٍ معاً فها هي قد اصبحت حرة ولكن دون وِجهة !!

طريق المزارع الترابي الذي لا تعرف عنه شيئاً و قلبها يوشك ان يقف من الخوف و السرعة باحثة بعينيها عن اي دابّة قد تركبها و تخرج نهائيا من هذه النار التي وُضِعت فيها قصراً لشهور !!

الى ان ترائى لها في البعيد سيارة واقفة تحمل على جزئها الخلفي عدد من رؤوس الاغنام

اخذت بالجري القوي نحوها قبل ان يتركوها وهي تنادي : انتظر انتظرني ارجوووك انتظر.

فتتوقف السيارة على جانب الطريق تصلها لاهثة بالكاد تتكلم : خذني الى المدينة ارجوك .!

كانت تنظر الى الرجل الكبير في السن تجلس بجانبه زوجته التي ترتدي الرداء التقليدي الذي يظهر منه فقط عين واحدة لترد عليها وهي ترى حالها و فستانها المشقوق وهي تحوقل : اركبي يا ابنتي اركبي تفتح لها الباب و تركب معهما لينطلقا بها الى المدينة .!!





في ذالك البيت الذي يتواجه فيه الابن مع امه وهي لازالت تحمل المسدس الذي أبى أن يترك اصابعها فهي بكل قوتها تحاول جاهدة ان لا تطلق رصاصات المسدس كاملة في جوفه بعد ان تحررت من خوفها منه وهو ينظر اليها في ذهول : امي ما هذا لما فعلتِ هذا انتي تؤذينني !!

وهو ينظر الى ذراعه الذي يؤلمه بشدة و الدموع قد وصلت الى مقلتيه وهو يردد : كدتِ ان تقتلينني !!

: يا ليتني قتلتك منذ زمن ما كنت سأواجه شرك الذي استوطنك فأنت لم تعد منذ زمن طويل ابني الذي انجبته و ارضعته و اهتممت به و ضحيت بحياتي من اجله انت لا تستحق الحياة لا تستحقها

وقبل ان ينطق بأي كلمة كان صوت رصاصة اخرى يدوي في المكان يغلق عينيه بشدة فها هي لحظة موته قد حانت ولكن بعد هنيهة فتح عينيه ليجدها ممدة على الارض وسط دمائها يصرخ عااااليا كالمجنون وهو في سرعة يجلس جانب الجثة الهامدة لأم ضحت بأغلى ما تملك في سبيله آثرت الموت بدلاً عنه و رأسها قد فجّرته الرصاصة وهو ينظر بذهول وهو يحاول لملمة تلك الاشلاء المتطايرة من ذالك الرأس الصغير المغلق العينين

وهو يولول و ينتحب وقد لمّها بشدة الى صدره يبكيها بين ذراعيه : اميييييييي لاااااااا لماااااااا اميييييييييييي صرخات لم تعد تجدي نفعاً



فأمه قد غادرت الحياة اخيراً غاضبة عليه الى يوم القيامة !!





.

في مكتب امن الدولة حيث حازم لا زال جالسا منتظراً احد ما بعدما قاده الحارس الى هنا منذ اكثر من ساعة

ولكن كان الباب قد فُتح ليدخل منه صديقه الذي كان يضع قبعته العسكرية تحت ابطه الذي تقدم بخطواته الثابتة نحوه رافعاً كفاً له محيياً : حازم كيف حالك

يتصافحا بقوة وحازم يرد : فؤاد كيف حالك !

يجلس فؤاد خلف مكتبه و يتكيء عليه ليجلس حازم ايضاً وهو يقول : لا ادري ماذا اخبروك ولكن اريد الخروج من هنا اليوم فأنا حتى لا اعلم ما تهمتي فيوم بعد يوم يُثبت لي ان هذه البلاد لن تتحضر ابداً !

يسمع صوتاً معترضاً وهو يهمُّ بإشعال سيجاره الكوبي و ينفثه في الهواء : هيه هيه هيه مهلك يا صاح تعلم ان اي كلمة تمس الدولة ستُعاقب عليها !!

يرد الآخر في حزم : اي دولة تلك أرأيت كيف جلبوني الى هنا دون تهمة و دون اي حقوق ودون سؤالي ان احتاج الى محامي او هاتف كي اتصل بأي احد اي دولة تجر رعاياها كالخراف الى حيث شائت !!

تعلم انني دبلوماسي ولدي حصانة و بإستطاعتي الاتصال حالاً بالسفير البريطاني بصفتي بريطاني ، الدنيا ليست فوضى !!

يطرق الآخر بأصابعه على الطاولة امامه في قلق فلربما يقعون بمشكلة كبيرة بسبب ذالك و تسبب ازمة دبلوماسية بين البلدين فنطق في حذر : ولكنك قد اخطأت اخبروني انك كنت تجري في الشارع كالمجنون فكان من المفترض ان يوقفوك !!!

: ماذا ؟ ما هذا الهراء ، هممم اعلم جيدا لما امسكوا بي ، من اجل تلك الفتاة المخطوفة التي كنا نلاحقها لا ادري مالذي يجري بالضبط ولكن زُج بي في السجن بسببها !!

اما بالنسبة لوداد الفتاة التي كانت معي في السيارة اريدها ان تخرج حالاً معي من هنا والاّ سأُضطر الى اثارة المشاكل !!

تهديد علني و صريح فهو لن يعترف ابدا الا بحقوق البشر

واضحاً و مباشراً و مُصرّاً ولن يثنيه أحد عما سيفعله بخصوص الإهانة التي تعرّض لها ضرب و شتم و خطف في وسط النهار و على مرأى من الناس !!

: على مهلك يا صاح كل شيء سيكون بخير و ستخرج الآن !

و يُلقي بمفاتيح على الطاولة و يردد : هنا مفتاح سيارتك تجدها في الخارج بانتظارك !!

و الفتاة ستخرج معك لا تقلق




: شكرا لك رغم ان ما فعلوه يستحق ان ارفع به قضية عليكم بالإضافة الى انني أريد ان أُحرر محضر بخصوص الفتاة المخطوفة !!

يضيّق الآخر عينيه بقلق متزايد وهو يطفئ سيجاره بعنف : المحضر تستطيع تحريره في مخفر للشرطة و ليس هنا

و لكي ينهي هذا النقاش بسرعة يهم واقفاً وهو يمسك بقبعته و يضعها على رأسه وهو يمشي ليغادر الغرفة امام عيني حازم المستغربتين

يفتح الباب يزمجر بصوت راعد في المكان : اخرجوا الفتاة وداد من السجن و اصحبوهما الى الخارج !!

ليبتعد بعدها عن المكان !

فكل قلقه الآن ينصَّب على عودة ياسمين الى البلاد بعد العصر !!

.

.

.



وجهان مكفهران في السيارة التي تشق طريقها بين الأحياء و سائقها غاضباً مفكراً في الفتاة التي تجلس بهدوء غريب بجانبه

ينظر الى تلك التفاصيل التي بات يحفظها !!

وهو يريد سؤالها رأيها : وداد هل آخذك للمنزل او المستشفى ؟!!

وتلك الفتاة الغائبة عن الوعي فهي قد اصبحت حرة ، حرة ولم يمسها احد منهم ، قد خرجت من هناك بأعجوبة

قد كتب الله لها حياة جديدة !

وهي تنفض رأسها و صوته يصل مسامعها فتتردد : للمشفى افضل فلربما عودتنا معا الى البيت ستثير المشاكل !!

ارجو الا تغضب مني !! كلمات ضمّنتها اسفها فهي لم تتوقع ان يسقطا في المشاكل بسبب تهورها

و اضاعتها مريم !!




يوميء برأسه موافقاً غير معترض البتة ، فنعم فعودتهما الى المستشفى ستجنبهما العديد من المشاكل !!

قضيا الوقت في التفكير و الهدوء التام فهو يفكر أنّ من الأفضل له ألاّ تكون له علاقة بوداد بعد الآن سيتركها في المستشفى و يكون هناك لقائهما الأخير و يرحل و يتركها !

وذنب عظيم يتآكله فليس من حقه بعدما فعله ان يتركها هكذا !

وهي قد كان عقلها فارغاً كلية لا يعبث به شيء سوى أنها لا زالت حية و عذراء !!



يصلا الى المستشفى يدخلا من البوابة الرئيسية وهو يدور بين السيارات المرصوفة هناك كي يجد مكاناً جيداً يوقف فيه السيارة الى ان يصطحب وداد للداخل و يودعها للأبد وهو يتلكأ في اطفاء المحرك و اغلاق النوافذ و العبث بأدراج السيارة يريد ان يُطيل لحظات الوداع و رؤيتها قدر استطاعته ولكن من الحكمة ألاّ يراها مجدداً في حياته قبل ان تحل كإعصار يحيل حياته دماراً !!

فتحت الباب لتخرج منه و فجأة تجد وجها غاضباً اسوداً حاقداً في وجهها يرفع يداً ليغرسها في بطنها

شهقة عالية و قد جحظت عيناها و فغرت فاها و امسكت بمكان طعنته الغادرة تتلمس اللزوجة الحمراء القاتمة لتسقط على الأرض و يسقط المقص الملوث بالدم بجانبها !!





نهاية المشهد الرابع و العشرون !



حارس العذراء  # Land of Angels / مكتملة /حيث تعيش القصص. اكتشف الآن