المشهد
( 28 )
فكلُّ السنوات تبدأ بكِ..
وتنتهي فيكِ..
سأكونُ مُضحِكاً لو فعلتُ ذلك،
لأنكِ تسكنينَ الزمنَ كلَّهْ..
وتسيطرينَ على مداخل الوقتْ..
إنَّ ولائي لكِ لم يتغيَّرْ.
كنتِ سلطانتي في العام الذي مضى..
وستبقين سلطانتي في العام الذي سيأتي..
ولا أفكّرُ في إقصائِكِ عن السُلْطَهْ..
فأنا مقتنعٌ..
بعدالة اللون الأسود في عينيكِ الواسعتينْ..
وبطريقتكِ البَدَويَّةِ في ممارسة الحُبّ..
( مخطط لاختطاف امرأة : نزار قباني )
المـــــواجهة الســـــابعة عشــــــرة
دغدغات مداعبة و محاولات فاشلة لفتح عينيها بأصابع يديه الصغيرتين بالقوة يلصق خده بخدها
كذالك هو الصغير الذي لا يفهم في الحياة شيئاً قد افتقدها
قد شعر ببعدها عنه وانها الآن هنا تدثره بجسدها ضامة اياه بذراعيها بقوة الى صدرها مصدقة انه معها
تفتح عينيها وهي تبتسم و تضمه اكثر حتى تكاد ان تحطم عظامه من شدة قبضتها وهي تتنهد و تتلمس وجهه
قد تغيرت يا حمود
قد كبرت
تعرف الآن كيف تنطق ، حتى اسمي لم تنسه ، وهو يتشبث برقبتها ويعتدل جالساً بعينين مفتوحتين على وسعهما وكأنه لم يستيقظ من النوم تواً فالوقت جداً جداً مبكر و أم وليد لا تزال تشخر في نومها و البيت غارق في الظلام
تحاول ان تسكته وهي تهمس بشفافية : اششش حمود يجب ان تنام لا تزعج جدتك !
ولكنه لم يكف عن الضحك وهو يصيح بصوت عال وهي تحاول ان تكمم له فمه وهي تضحك بسرور و غبطة : ماما هل استيقظتِ !!
يا الهي كل هذا ولم استيقظ بالطبع قد استيقظت وهي توشوش له وهو كما هو كأنهما وحيدان قفز من الفراش ليهرب خارجاً
وهي تنهض بدورها مسرعة خلفه تحاول الإمساك به وهي تهمس و تجري خارجة من الغرفة وهي تنادي بصوت منخفض : حمود ايها الشرير عد الى هنا فالجميع نيام و الوقت مبكر
اوقفتها تلك الشعلة التي انطفأت لتوها على الأرض كي يغمر الظلام المكان وهي تحدق النظر الى الرجل العاري الصدر والذي استكان حمود بين ذراعيه و هو يلاعبه بصوت هامس محذراً اياه من الكلام بصوت مرتفع
صمت و صمتت
يهمس وهو يرى خيالها الأسود : حتى في الظلمة تبدين كخيوط نور يا مريم
كلمة واحدة و همسة واحدة تذيبانها
تسمرت مكانها وكأن الارض قد التصقت بها غير واعية مخدرة تغلق عينيها هائمة
أطلق سراح حمود ليتجه نحوها واقفاً امامها محطماً اسوار العادات و التقاليد أدار رأسها برائحة عطره و سيجاره و همسه و صوته وحرارة انفاسه العذبة القريبة من وجهها اوقعتها في الشرك وهو يمد كفه ليعانق جانب وجهها العذري : هل انام وانت على بعد انشات مني !! هل لرجولتي ان تصمد حتى تشرق شمس الصباح !
مريم
همسة متحشرجة غائبة عن الوعي تخرج من حنجرته بعد ان جرحه قربها : قبّليني !!
دفيء لذيذ وحانٍ وكأنها فوق غيمة قطنية حالمة و ما ان سمعت دعوته حتى استفاقت من حلمها مرعوبة وهي تحدق البصر فيه وقبل ان يمسح وجهها بقبلته وضعت يديها بسرعة
على صدره تبعده عنها وكالقشعريرة التي سرت في بدنه و كهرباء مميتة في جسدها من تلك اللمسة السحرية
فهم مقصدها و ابتعد عنها غائم العينين وهي مكتومة الأنفاس فلو شهقت الآن لخرج كل من في المنزل من غرفهم وهي تغلق فمها بيديها خرساء مشدوهة يجذبها بسرعة من مرفقها قريبة من صدره وهو يخفض رأسه لمستواها ليتبين ملامح الرعب و الخوف و دموع ترقرقت في عينيها ببحة هامساً : سنتزوج .... اليوم !
كان القرار قراره و لن يحيد عنه
فصغيرته جسداً و روحاً عادت فما الذي سينتظره !
يحررها دافعاً اياها في شدة صدمتها و قلبها الذي تخلى عنها ليعلن الولاء و الطاعة وهو يدق في حلقها قارعاً طبول حرب شعواء ناطقاً : ادخلي الآن قبل ان يحصل شيئ ليس في الحسبان !
هل تذكر تلك الملامح الصادمة
لحيته و شانبه و عيني القط تلك و خصلات شعره المبعثرة و جمال جسده !
هل رأت رجلاً قبلاً مكتمل الرجولة و الفحولة مثله ، أبداً ، قد بعثرها ولن تستطيع لملمة اطرافها الموجوعة بلمسته
تكاد تحترق وهي تبتعد و تختفي جالسة في الحجرة متدثرة بقوة بلحافها
اسكرها حتى ما عادت ترى حمود اين هو ؟!!
دوار و حرارة تكاد تشتعل في جسدها وقد اصابتها رجفة السقم !
أحلم أم حقيقة أنت ؟!!
وعاد هو الى جلوسه هناك محتضناً الجسد الصغير الآخر بين ذراعيه فهو سيكون صغيره و سيعلمه الرجولة فكيف به ان يهمل قطعة منها وهي كلها له
يتنهد بحرارة شوقاً الى احضانها
فسيدة حياته تحتاج ان تتعلم الحب !
لن يقبل ان تقف امامه كالصنم فهو سيعطي و يأخذ بالمقابل و ستحبو اليه طالبة .... قُبلة !!
ارتفع آذان الفجر ليوقظ الأنام و يطمئن القلوب و يفتح الأجفان !
يدخل الى الحمام الصغير كي يمسح جُرماً قد أحبه و يتوضأ كي يخرج الى المسجد القريب من الحي للصلاة
وما هي الاّ ثوان حتى استفاق احمد من نومه ليتلاقي الاثنان على عتبات الباب خارجان للصلاة مصبحان على بعضهما البعض وكل منهما قد ارتاح الى الاخر !
من كانت لا تزال مصدومة باهتة الالوان بل ممتقعة فاللون يأتي و يهرب من وجهها مرة تحمر و مرة تبيض ، تنتبه الى العمة عائشة وهي تقول : صباح الخير يا مريم و تنهض من مكانها متوجهة الى الحمام وبعد برهة تقف من مكانها هي الأخرى لتتوجه الى الحمام كي تتوضأ وهي تتسائل بوجل و خوف دمرا قلبها : هل يجوز لها أن تصلي بعد لمسته ؟!!
هل ارتكبت اثما ؟!!
جلست تستغفر ثم اقامت الصلاة .
صباحاً ندياً بهواء نظيف و صوت طيور مغردة و نسائم باردة عليلة ورائحة الشاي بالحليب تعبق في المكان و طعام الإفطار أيضاً قد جهز فرغم ضيق الحال فقد اعدت المرأتين ما تستطيعا من طعام للرجال بينما حمود كان يحوم حولهم ويلعب بالأطباق و كوب الحليب أمامه ونصفه مسكوب على الأرض .
تنظر له مرة اخرى : ها قد رجعنا سوية يا حمود ولن ينتزعنا احد من هنا وهي تبتسم بحبور : إلاّ ذاك الغريب !
وهي تقطب حاجبيها فكيف الى الآن لا تعرف هويته وما اسمه ومن يكون !
استسلمت فقط لمشاعر لم يمنحها لها اي رجل قبله واي رجل هو هذا !
كان كيوم عيد و البسمة تفر من اعين الجميع و الاطفال قد استفاقوا من وقت واول ما فعلوه هو الهروب خارجاً و اللعب في الحي و الصراخ و الجري و تفريغ طاقات صغيرة !
وكتخطيط لهذا اليوم وهو يتحدث الى امه : امي سنزور وداد اولاً في المستشفى ثم سآخذ هدى كي ترى وليد في السجن !
لتعارضه بقولها وهي تنظر الى هدى مستغربة : هدى لن تذهب الى السجن اذا اردت اذهب لوحدك لن تدخل النساء الى السجن !
تنهدت هدى بقلق فرد عمتها هو ما توقعته تماماً لذالك اصرت على الذهاب و زيارة وداد
أما مريم من كانت جالسة وهي متحمسة تريد زيارة وداد و رؤيتها و عناقها حتى تذوبا في بعضهما البعض فطعنتك كانت لأجلي يا وداد هل سأنسى ذالك يوماً !
وقبل ان تنطق تسمع صوت حمحمة رجولية اخافت قلبها لينبض بقوة تكاد توقفه عن عمله وهي توزع نظرها بخوف : هل لاحظ احدهم ما يحصل لي ، هل يسمعون دقات قلبي
بعد قلق و قضم اظافر و رهبة وهي تنظر باتجاه الباب و هدى تغلق ازرار جلبابها و ترتدي حجابها مستعدة للذهاب الى وداد تنظر في وجل الى وجه مريم الممتقع : مريم ما بك ؟! هل اصابك مكروه ؟!!
حركت رأسها بلا ، المكروه هو ما يحدث داخل قلبي وهو يكاد ان يتفجر و خداها يشتعلان نارا وهي تكاد تموت لتسمع ما يقول لأم وليد و أحمد !!
إلاّ أن قالت : كنت اريد زيارة وداد !
بحاجب متسائل ترد الاخرى : إذاً ؟!!
: انتظري قليلاً فقط حتى نرى !!
: نرى ماذا ؟!!
وجه متهلل ومستبشر وهي تكاد تزغرد في المكان لولا ان ابنتها في العناية و موت خالد وهي تقول بصوت مهزوز فرحة لتلك اليتيمة : الرجل قد طلب يدك منا وهو مستعجل وقال ان وافقت الان يريد ان يكون الزواج هذا النهار !!
عينان مفتوحتان عن اخرهما تراقبان نهاية الحديث ولكن لابد وانه انتهى ، وهدى تقول : عمتي لا نعرف اسمه حتى !
من اين هو ومن اي عائلة !! ماذا يعمل ؟!
هل سيطلب يدها و نوافق وفقط دون معرفة شيء عنه
وهل يهم لتلك الصغيرة كل تلك التفاصيل الغبية !
لترد العمة وهي لم تكترث لكل تلك الاسئلة : يقول سيأتي بإحدى قريباته لتخطبك و تجهزك مرة واحدة وهي تعقد حاجبيها من مفاجأتي لم انتبه و لكن اعتقد انه قال ان اسمه يوسف وانه من عائلة معروفة و مهندس يملك الكثير من العقارات والاهم يقول أنه سيهتم لمريم و حمود !
وهي تهمز رجل مريم – من كانت تسبح في الملكوت هائمة - وتقول في حكمة : مريم انتي مثل ابنتي و اخاف عليكي مثلها و انتي تحتاجين رجلاً حقيقياً ليقف بجانبك وهذا الرجل ماشاء الله مال و جمال و اخلاق !
اعرف الناس من وجوههم وهو قد اتى من الباب وليس بطرقٍ أخرى
لا تفوّتي هذه الفرصة
حتى الزواج إن تم اليوم لا تعارضي فنحن لن نقوم بعمل عرس كبير فبالأمس فقط قد جاء الناس لعزاء خالد !
ابتلعت ريقها مراراً و تكراراً وهي تحاول استيعاب ما يحدث
يوسف
يوسف
اسمك يوسف
الله ما اجمل اسمك
تهمس به من بين شفتيها التي قاربت على تقبيله صباحاً فأي جنون يحدث معها اليوم
وهدى قد انفرجت اساريرها أخيراً وهي تضحك و تبارك
فيا لبساطة هؤلاء الناس وجمال روحهم الطيبة !
: يا الهي ماذا سنفعل و كيف ستتزوجين بدون وداد و ما العمل في الزينة و الملابس
كانت تفرك يديها قلقاً وهي تحاول ترتيب افكارها متناسية بتاتاً أن زوجها في السجن حالياً
ولكن الوقت لا زال مبكراً فالساعة لم تتجاوز الثامنة بعد !
وتلك تجلس كالعروس الخجلة الغير مصدقة تهمس من بين شفتين جافتين وعينين اغرورقتا دمعا وهي تحاول مسحهما بطرف فستانها و الاخرتان تنظران اليها في وجل : ليس عندي اي اوراق ثبوتية !
ترتفع ضحكة السيدة عائشة في حب وهي تتجه الى خزانتها لتخرج منها صندوق صغير تعرفه مريم عن ظهر قلب وهي تقول وهي تسمع شهقات بكاء مريم وهي تلم الصندوق الى صدرها و تفتحه لتخرج تلك الأوراق و الصور الصغيرة كلها : حاول الجيران انقاذ ما يستطيعون انقاذه بعد ان ... صمتت لتتجاوز الكلمات ..... المهم انهم قد اخرجوا هذا الصندوق من خزانتك كما اخرجوا لك بعض الثياب .
تتعالى الشهقات وهي تنظر الى صورة جميلة و ضاحكة لحبيب قد غادرها للأبد وهي ترى محياه يملأ الصورة بوجه صبوح جميل تلمه لصدرها بينما لمّتها الحاجة عائشة الى صدرها مواسية لها هي الاخرى .
في الطرف الاخر من المنزل كان في الخارج يجري عدة اتصالات مهمة
اتصال مع مجدي !
اتصال مع هناء التي لم تفهم ما الأمر ولكنها قد قالت السمع و الطاعة لخالها الحبيب وهي تضحك !
و اتصال مع سعد
ونظرة الى المنزل المقابل !
.
.
.
.
قد ضاقت عليه الارض بما رحبت وهو يدور كالمجنون في غرف منزله
لا يريد الصعود ومواجهة الياسمين مرة اخرى فهذه المرة ربما سيتهور و يدفنها في غرفتها ولن يعلم احد
ووجهه مليء بالبقع الزرقاء و شفته متورمه و رقبته وكأن حبل قاتل قد اطبق عليها
هو غاضب حتى الجنون ولم يرى يوسف حتى الان جنونه على اصوله
يرتدي ملابسه سريعا وهو نافر حتى من نفسه فالغاية هي الان ان يحرم يوسف ممن يبحث عنها
سيأخذها من مخبأها الجميل الى مكان آخر اكثر سرية و انفتاحاً !
لن يتغلب عليه يوسف وهو يضرب الباب بقبضته يريد تكسيره و عيناه لو بهما شراراً لكان احرق العالم بما فيه
فكيف به ان ينهزم و يُضرب و يُهان في عُقر داره ؟!!
هو الرجل القوي المقتدر والذي بكلمة منه تعدم الرجال كيف استسلم لتلك الضربات القاتلة الغاضبة فمن حسن حظه انه لا زال على قيد الحياة
يقود سيارته سريعاً وهو يحاول الإتصال على صاحبه من يحتفظ بحبيبة يوسف لتجهيزها و المغادرة سريعا !
ولكنه لم يتلقى اي رد يشفي غليله : ما به هذا الاحمق لا يرد !! وهو يرمي بالهاتف بقوة على المقعد جانبه
وصل ليقتحم المنزل بسرعة و قوة و تصميم فلحظة عقاب يوسف قد اقتربت و بقوة
ولكن قد ابطأ الخطى وهو يشم رائحة كريهة تسد الانوف وهو يرفع كفه الى انفه محدق النظر متقرف ملتوي الوجه ولسان حاله يقول : ما هذا ؟!! ما هذه الرائحة العفنة !
ما كانت الا رائحة الدماء القوية التي عبق بها المنزل ليجد رجل يجلس بجانب جسد صغير مضرجاً بالدماء مرتمياً على الأرض ، للحظة لم يصدق عينيه لينفض رأسه مراراً وهو ينظر الى ذالك المنظر المقزز وعلي يلتصق بأمه و يلمها الى صدره مغمض العينين
يتجه نحوه صارخاً ضاناً انه قد قُتل و عيناه امتلئتا دمعا : علي ، صوته كان عالياً مصدوماً وهو يحاول دفع علي عن ذاك الجسد فلمن هذا الجسد اهو لمريم !
: علي ، ينفضه و يدفعه بقوة وضارباً على وجهه بيده و هو يجس النبض بتوتر يكاد يفقد اعصابه
سيجن ما هذا الجنون
و بقايا الجسد قد التصقت بالجدران
يبحث في خوف و جسده قد تعرق عن اي ضربة تكون قد اصابت الراقد الغائب عن الوعي ولم يجد
يهزه بقوة ممسكا بذراعيه : علي علي هييييييييييييه علي استفق ايها الاحمق ماذا جرى هنا ما هذا ؟!!
يريد ان يفهم يكاد رأسه ان يطير من الصدمة وهو ينظر ببلاهة الى المنظر و الدماء الداكنة المتجمدة
ليستفق الآخر بعينين ناعستين متعبتين وجاف الريق لا يستطيع الكلام يبدو كمن اصابته سُكرة و هو يردد و ابتسامة غبية ترتسم على شفتيه وهو يربت بيده على الجسد الملقى بجانبه : هذه ..... أمي !
ضحكة مجلجلة اصمت اذن الآخر الذي فتح عينيه صدمة وهو يرُجُه : يا الهي ماذا فعلت ايها المجنون قتلتها ، قتلتها
صوتاً معترضاً و اصبعاً مشاركاً في الاعتراض : لا ، لا مخطئ هي قد قتلت نفسها
هي تكرهني و قتلت نفسها بسببي
الصدمة اسكتته و هو ينهض ممسكاً برأسه و عيناه تكادان تتدحرجان ارضا : لماذا ؟ يا الهي ما هذه المصيبة منذ متى ؟!!
: منذ يومين
: ايها المجنون لما لم تخبرني لما لم تتصل
: اتصل ؟!! لما ؟!! امي وقد ماتت بسببي اتصل بك لما ؟!
كي ندفنها بالسر و الخفاء كما فعلنا مع كل من قتلناهم !!
ليصرخ الاخر لبروده : هل جننت ، ماذا اصابك قد قتلت نفسها يعني انها ستدفن مثل غيرها و نقيم لها عزاء
باستفهام وكأنه لا يفهم : عزاء ؟!! لمن ؟!! لن يأتي احد لعزائها انت تعلم وهو يصدر ضحكة استهزاء : فعائلتنا قد تخلت عنا !
يكاد ان يمسك بعلي ليخرج روحه من جسده هو الاخر و يرتاح : لم يتخلى عنكم أحد فأنا هنا ايها المجنون
كان محمر الوجه محتقنا ويكاد ينفجر من الحزن و الهم عليهم !
يتكتف الاخر وهو يلوي ساق على ساق وكأنه في مقابلة عمل و الدماء الجافة تملئه ويقول باستهزاء : نعم انت هنا ، انت هنا فقط من اجلك ، من اجل مصلحتك ، انت لست عائلتي ولم تكن يوما
: علي ما هذا الكلام هل جننت تعلم كم اهتم لك و بخالتي !!
: هممم تهتم لنا ؟!! منذ متى ؟!!
يطرق على صدره طرقا مدمياً متواصلاً وهو يصرخ بجنون و صوته زمجر في المكان غضباً و ارتياعاً : منذ متى ؟!! انتم السبب لما حصل لنا ، منذ ان طردتمونا بعد وفاة ابي لم يعد لنا سند !
اتذكر كيف جررتم امي خارجاً وكأنها قمامة و ضربتني حتى كسرت لي ضلوعي !
اتذكر انني قد جئت لكم زاحفاً راكعاً لاعقاً الايادي ..كالكلب ... حتى ترضون عني !
حتى ان اسمينا لم يعودا موجودان في السجلات لقد محوتومونا !
يضرب على صدر فؤاد المفتوح الفاه بقوة : انتم السبب انتم انتم
اخرج الان من هنا و سأغادر هذا السجن العقيم واغادر قذاراتك ووساختك
يدفع به خارجا بقوة والاخر لا يريد ان يغادر تاركاً اياهما هنا : سأدفن امي و اغادر البلاد للأبد لا اريد رؤيتك اخررررررررررررررررررج
لو كان بيده الان لقتل فؤاد ولكنه لا يريد ان يقتل اخا قد رباه والده الغالي !
اما من خرج من الباب مترنحاً وكأنه قد خسر الدنيا والآخرة و رأسه يدور و يكاد يسقط باكياً
يخطو ببطء تجاه سيارته منبوذاً وحيداً حتى اخاه غير الشقيق والذي احبه دون ان يدري يرمي به خارجاً من حياته
ممتقع اسود الوجه وهو يرفع هاتفه الى اذنه متصلاً بالشرطة و الاسعاف !!
يغادر المكان الى غير رجعة ووجهه تملؤه دموع الخيبة و الحزن موقناً انه الخاسر الاكبر في لعبة اخترعها بيديه !
.
.
.
.
في منزل السيدة عائشة ام وليد وهي تقف في المطبخ تقلب على مهل الوعاء المليء بالسكر و الماء !
فهي قد قررت ان تقوم ببعض عمليات النظافة على جسد مريم ووجهها ستخلصها من كل الشوائب العالقة بها حتى تلمع
وستقوم لاحقا بتنظيف حاجبيها الغليظين !
اما من كانت تجلس في الغرفة الاخرى لا تعلم رأسها من رجليها فهل من الجيد ان تجري الامور بهذه السرعة ؟!!
هل يحق لها ان تفرح و اخاها ميت وغير معروف بعد مكان دفنه ؟!!
كما يدور في خلدها سؤال مهم جدا اقض مضجعها : كيف عرف بمكان حمود ؟!!
على تلك الافكار المقلقة وهي تقبض على شفتيها بأصابع يديها تدخل عليها السيدة عائشة بتلك الطنجرة الكبيرة المليئة بسكر البنات و تأمر مريم ان تخلع ملابسها ، قد تبدأ عملها وتنهيه في ساعة ان استطاعت فمريم ضعيفة و رقيقة و صغيرة الحجم ولن تكلفها وقتا كما عليهما تنظيف المنزل و تجهيزه للضيفة المرتقبة
حاليا قد نسيتا اي مشكلة سوى التجهيز للعرس المفاجيء
بينما كانت تنام على بطنها و الحاجة عائشة تفرد الحلاو على ظهرها ويديها تحت ذقنها : عمتي !!
: هممم ترد الحاجة وهي في اوج تركيزها ويداها تتحركان في سرعة و خبرة حتى ان مريم لم تشعر بألم شديد من خفة يداها !
كذالك وداد يداها خفيفتان كأمها لطالما جلستا سويا كي تقوما بعمليات تنظيف لنفسيهما و جسديهما بأقل الامكانيات الممكنة وممما ساعد ذالك الوقت ان وداد كانت تعمل في المزين فهي خبيرة بالتزيين و التنظيف !
: عمتي ماذا سأرتدي عندما يأتي الضيوف ؟!!
تعرف أنه سؤال سخيف ولكنه ضروري كيف ستقابل هؤلاء الناس من يبدون اعلى مكانة منها هل ستلبس تلك الثياب البالية و تسكت ام ما الحل ؟!! ارقها التفكير في ذالك !!
ولكن طمأنتها الحاجة عائشة وهي تتوقف قليلا و تبتسم في ظهرها وهي تمسح يداها في منشفة جانبها و تقوم من مكانها متجهة الى خزانة وداد و تفتحها لتخرج منها بعض الاغراض
تستقيم مريم في جلستها ناظرة اليها في ود : عمتي ما هاذا ؟!!
بينما الاخرى تناولها الملابس في يدها وفي حبور و فخر تقول : وداد كل فترة كانت تشتري لك الملابس ! ما ان سمعت ذالك حتى اصابتها غصة حارة و عينها تجمعت الدموع بها لتكمل الحاجة : انها كلها جديدة اشترت لكي فستانين للمنزل و اخرى للخروج و صندل ارضي و اخر عال !
تريها الاغراض لتفتح مريم عينيها و فمها ذهولا : وداد لم تفقد الامل في رجوعها بل كانت تُحضّر له !!
يا حبي لكِ يا وداد متى سأراك ؟!!
.
.
.
.
من كانت تستمع في ذهول و تبكي معترضة على بقائها في المستشفى تريد الخروج حالا والان قبل ان تنزع تلك التغذية عنها
فكيف لكل ذالك ان يحصل ولا تعلم
كيف لمريم ان تعود ولم يبلغوها
وهي تصرخ في الدكتور الواقف يريد تهدئتها : آنستي توقفي الآن والا اذيتي نفسك
وهي تصيح في وجهه آمرة : اخرجني الآن الآن لا اريد البقاء هنا هيااااااا
صراخها ازعج الطبيب و احرج هدى و اقلق حازم من كان في الخارج ولم يدخل بعد وهو يجلس مكتف اليدين على صدره وهو يسمع ثورتها الخارجة عن السيطرة ولكنه يسيطر على نفسه بالقوة كي يدخل و يسكتها وفي ذات الوقت لا يريد ان يزيد عليها الوجع بمعرفتها بزواجهم فهو سيؤجل هذا الاعتراف و المفاجأة القاتلة لها لما بعد
وفي الداخل قرر الطبيب ان يطلق سراحها بشرط ان توقع على اوراق تحملها المسؤولية كاملة في حالة اصابها مكروه
وطلب منها الراحة التامة و النوم ومحاولة المشي بعد يوم على الاقل حتى لا يصيبها الدوار
اتسعت شفتيها فرحاً و انتصاراً وهي تنظر الى هدى المحمرة من الخجل !
ينزع الطبيب التغذية من يدها و يخرج ليحدث من يعرف انه زوجها فيدخل الاخر هذه المرة على مهل الى الغرفة محدقا بوجهها البشوش و ابتسامتها الجميلة وهي تزيح الاغطية عنها كي تقوم وقد فاجأها بدخوله لتقول : سيد حازم اما زلت هنا ؟!!
تغضن حاجبيها غير معجبة بالوضع تلوي شفتها امتعاضاً وهي تنظر الى هدى التي خبأت وجهها في تلك الحقيبة التي تلملم بها الاغراض تاركة الامر لهما
فيما اقترب حازم يقف امامها بكل هيبته وطوله وهو يحدق بها في وقار قائلاً : قد صممتي على رأيك و خرجتِ ولكنك لن تمشي على ساقيك !!
لم تفهم وهي تحرك رأسها اعتباطاً ولم تشعر الا وهي بين ذراعيه يحملها وهي تتشبث في رقبته وقلبها اخذ يدق بعنف لم يسبق له مثيل وهي تبلع ريقها وتقول في غضب : ماذا دهاك ؟!اتركني اتريد لأخي الان ان يأتي ليطعنني حتى الموت اتركنيييييي ، اخذت ترفس بين يديه وهي تقول : هدى لقد جُن الرجل قولي له ان يدعني
ولكن هدى من كانت تضحك في سرها وهي تحاول كتم ضحكاتها علناً كي لا تشك وداد في الامر وهي تقول بصوت منخفض رقيق : وداد هو فقط يريد ان يريحك
تنظر لها مصدومة : ماذا يحصل لكما !! اتركني ايها البائس
ينظر اليها بشرر من كلمتها تلك لأول مرة تشتمه وهو يشدد على قدها المياس بين يديه ليقرصها في خصرها بقوة ويهمس في غضب : اصمتي الان و الا غضبت منك !
تتأوه ممتعضة وهي تضرب كتفه غلاًّ
اخرسها بكلامه ولم تجد تفسيراً لما يحصل حولها
فرجوعها اليوم هو من اجل مريم ومريم فقط وعندما ينتهي الامر ستتبين واقعه فهناك شيء ما يجري لا تفهمه !
يضعها برقة في المقعد الخلفي للسيارة هامساً : كفاك تذمراً يا عزيزتي !
كان قريباً منها كثيراً لحد التلاصق و عِرق متمرّد اخذ يضرب عنقها و يدقه دقا وهي مبهورة من قربها له و تبين ملامحه الحادة و تغضن حاجبيه و شفتيه المزمومة و نظارته التي تغطي عينيه التي ولأول مرة ترى لونها عسلية تحيط بها هالة خضراء ، قد ضنت قبلا انها سوداء –الجمها- و هدى تجلس بجانبها وهي مستغربة تصرفات هدى ايضا !!
كانا كالكبريت و البنزين وهما ينظرا الى بعضهما البعض في مرآة السيارة هو يتمنى وبشدة ان تنام هي الاخرى الليلة بين ذراعيه و تقوم وتنام على قبلاته حتى يشفي غليله من نبذها له ، وهي قد تولع خديها بحريق من حرجها وهي تنظر بتحد الى عينيه المعذبتين !!
ولكن لا مريم عادت ولابد لخالد ايضا يكون قد عاد و ستنتهي سنوات الحب العجاف و سيخطبها و يتزوجها
تهمس بكلمات سمعها جيدا : احممم هدى هل عاد خالد ؟!!
تنظر الاخرى نظرتي صدمة في وجه السائق من تغضن جبينه و انتفخت اوداجه و نظرة الى المسكينة التي غُلبت على امرها و تناساها اهلها وهي تقول : عندما نصل ستعلمين !!
تسكت وهي تبتسم ابتسامة شوق و عينيها غائبتين عن الوجود وهو كمن تصنم وهو يقبض على المقود بقوة ونار غريبة تشتعل في صدره !
يصل الجميع الى الحي
هي بحالمية
وهو بغيض و غضب
ولكن من رآه يقف جانب المنزل بطوله و ضخامته وجمال وجهه وحضوره المهيب هو شخص واحد يعرفه بتلك المواصفات
تخرج ركضاً من السيارة غير مكترثة البتة بوجعها و وخز جنبها
اما هو من نظر بذهول الى توقها للدخول ورؤية شخص ما ربما !!
يدير رأسه ليتقابل الرجلان يبتسما في وجه بعضهما البعض بكل فخامة و سعادة ليضرب حازم على ذراع يوسف المغتبط : يا الهي لم ارك منذ زمن ، وهو يشير برأسه الى الدار التي خلفه : ماذا تفعل هنا ؟!! هل تعرف احد هنا !!
ينطق بهدوء و ابتسامة كبيرة : سأتزوج اليوم و زوجتي تقطن هنا ، أنت ماذا تفعل هنا !!
رغم ملامح الصدمة التي غزت محياه الا انه نطق : من خرجت للتو من السيارة كانت زوجتي وهي تقطن هنا
نظر الاثنان الى بعضهما البعض بتساؤل وكل منهما يريد سؤال الاخر الى ان نطق يوسف : لنجلس في السيارة و نتحدث
ما ان دخلا السيارة التي بدت ثقيلة و ممتلئة بهما ليقوم يوسف باشعال سيجارة بين شفتيه ليعترض الاخر : يوسف الم تترك التدخين بعد
يرد بلا مبالاة : بلى !! ولكنه متوتر ويريد ان يفرغ تلك الشحنة الغبية بقبلة سيجارة !
ينظر بحاجب مرفوع الى حازم حسنا اخبرني قصتك : انت متزوج من هنا ؟!! منذ متى ؟!! ومتى عدت ؟!! و عائلتك ؟!!
يبدأ الاثنان في سرد قصتيهما و الاحداث التي حصلت لكل منهما الى ان وصلا هنا
ليفتح حازم عيناه على وسعهما وهو يسمع القصة الغير معقولة من شفتي يوسف الممتعضتين وهو يضرب على مقود السيارة : ذالك البائس الخسيس اذا هو من ادخلنا السجن !!
يا الهي كم اتمنى ان اراه الان سأخنقه حتى الموت الكاذب المنافق
كان يتحدث الي وكأنه بريء لا يعرف شيئاً وهو مسبب كل تلك المصائب
شتائم شتى خرجت من شفتاه متوعداً اياه عقاباً لن يفلت منه او من عائلته !!
ليرد يوسف بوعيد و عيناه تتوعدان شراً : لم ينتهي حسابي معه بعد فهو سيرى ما يسره
يلتفت الاخر له : ماذا ستفعل ؟!!
لقد فعلت و انتهى الامر و فؤاد سيكون محاصراً داخل البلاد و خارجها وهو ميت لا محالة ، ليروي لحازم ما حدث مع البتول و كيف هو سيتصرف الان !!
: يا الهي لا اصدق ما يحصل هنا يوسف كل هذا جنون !
: لا ليس جنونا انما هو العقل بذاته سيندم ولن يجد من يلتقفه بذراعيه بعد كل افعاله لن اسامحه على قتل طفلي او محاولة قتلي او قتل شقيق مريم !
والاهم انه ينتقم لمريم حبيبة قلبه سيتلفت فؤاد حول نفسه كالمجنون !!
في الداخل من اقامتا عزاءاً وهما كأنهما تريا بعضهما البعض لأول مرة وكل منهما تحدق في الاخرى في صمت باكي لتصرخ الاثنتان : وداااااد ، مريم
ترتميا في احضان بعضهما تبكيان بحرارة و فرحة تقبل احداهما الاخرى بقوة و لهفة متمسكتان بثوبي بعضهما البعض
تصرخان تارة و تتحدثان في وقت واحد و تقفزان تارة اخرى فرحاً و ابتهاجاً و تقرص وداد مريم بقوة كي تصدق انها قد عادت لتصرخ الاخرى وجعاً و فرحاً : يا الهي كم افتقدتك يا وداد ، تعلمين في غيبتي تذكرت كل تفاصيل حياتنا معا وهي ما كانت تصبرني على الصمود و الامل في العودة
خفت صوتها و حمود كذالك !
تجلسها وهي تحتضن يدها وهي تبكي و تتلمس وجهها : يا الهي يا مريم لقد تغيرتي !
ماذا الذي حدث قولي لي !!
: سأحكي لكي كل شيء ولكن ليس الان !
تدخل الحاجة عائشة و هدى الى الغرفة وهما تضحكان عليهما من صراخهما الغير معقول وتقول : وداد لا تُبْكي مريم فالليلة هو زواجها ولا نريد لعينيها ان تنتفخا او تحمرا !
تنظر اليها وهي تضغط بيدها على فمها وعيناها تفيضان من الدمع : ستتركيننا يا مريم ؟!! تغمض عينيها متجاوزة لحزنها وهي تقوم ببطء بعد ان اوجعها جسدها من القفز و الحركة وهي تصفق بيديها الاثنتين في حبور : اذا الان سنبدأ العمل وهي تعد على اصابعها : لدينا الثياب و سأتصل بصديقتي كي تزين لك وجهك و تسرح شعرك ، كم اشتقت له اريني اياه لا زال طويلا ام قصصته
: اين سأقصه يا حسرتي !!
لم يتحدثا بعد عن خالد و مكانه او زواجها او وليد من يقبع بالسجن منذ فترة !!
عملن وكأنهن في خلية نحل و الرجال كانوا خارجا يتحاورون و يتناقشون في امر فؤاد وافعاله المشينة التي ستفضح عائلته
ويوسف ينتظر ابنة اخته كي تحضر ومعها كل ما طلبه منها هي وسعد وهو فضل البقاء هنا احترازا على قدوم شخص غير مرغوب و يريد تحطيمه بشدة .
والساعة الرابعة بعد العصر سيكون كتب الكتاب و الزواج معا بهدوء يغمر قلبه و جوانبه و فرح ابى ان يغادر مقلتاه سيحتضن ذالك الجسد الصغير اليوم بين ذراعيه و يفيق وهي بين يديه ، يداعبها و يفرح قلبها و ينسيها كل الامها ان استطاع و سيغير حياتها الى الاحسن ولن يكف عن حملها و تقبيل عينيها لأنهما من اوقعاه في الشرك !
تنظر اليها في ذهول وهي تغلق فمها بيدها وقد علت وجهها الابتسامة الجميلة وهي ترى روعتها و رقتها و تغيرها
نور غريب يغطيها وهي تقف مرتدية ثوبا ازرقا من قطعتين احداهما قصيرة من الداخل و الاخرى تصل للركبة لتكشف عن ساقيها الجميلتين بحذائها الاسود العالي اللامع بفصوص على جوانبه ما اضاف رقة الى ساقيها و شعرها بكرستالات ورد منثورة عليه وطوله الرائع و لمعته و نعومته و غرتها التي على جانب وجهها الذي اضاء بزينة اظهرتها جامحة و شفتيها الحمرواين الممتلئتين و عينيها بظلالها الوردية و الزرقاء و كحلها ورسمة عينيها الكبيرتين السوداوين ، بدت كالملائكة بنعومتها و جمالها الذي اظهره الفستان و الزينة !
: يا الهي ما اجملك يا مريم ،
رغم بساطة الثوب و القدرات الا انها كانت اجمل مما توقعوا بألف مرة فمريم في حياتها لم تجرب وضع على وجهها او ارتداء ملابس ملفتة ، اليوم تبدو مبهرة و متغيرة وكأنها مريم ابنة الاحياء الراقية
حمود من كان يحوم حولها يتلمس ملابسها و يضحك وهو كذالك يرتدي ملابس من ابناء وليد بدا جميلا كثيف الشعر و ممتلئ الوجه وبكامل صحته ترفعه الى صدرها عاليا و تقبله بقوة على خده و تقرصه بمحبة وهو يثرثر بكلمات مفهومة وغير مفهومة في آن ثم تنزله ليجري الى الخارج بساقيه الصغيرتين!
ترد على وداد في خجل ظهر في لمعة عينيها و ارتجاف شفتيها : انا خائفة وهي تضع يدها على قلبها الذي يرفرف بخوف فلحظة الحقيقة قد حانت وستكون لوحدها الليلة مع ذالك الغريب ! يوسف ! تعض شفتيها خجلا و فرحا !
: انتي ايضا تبدين جميلة يا عزيزتي تتقدم ناحيتها كي تقبلها و تشكرها على كل شي فأي بشر سيكون له صديقة مثل وداد ؟!!
وداد كانت متألقة بتنورة قصيرة سوداء من الساتان تضغط على ردفيها و بلوزة من الشيفون الاخضر و قد زينت عيناها بكحل اسود و ظلال خضراء و سوداء و شفاه قانية الاحمرار بعد ان كبرتهما قليلا برسم الشفاه و احمر خديها و جمعت شعرها بعدما كوته في تسريحة بسيطة و نثرت بعض الخصلات على وجهها وعيناها العسليتان تبرقان سعادة
فنعم فوقت الفرح و السعادة و هجر الاحزان قد حان .
بدا الجميع متألقا و في الخارج وصول سعد وهو يحمل اطباق كبيرة من الحلويات و المأكولات و المشروبات و احمد بعد ان رجع من زيارة وليد و طمأنته الى انه سيخرج قريبا قد عاد كي يكون وليّاً لمريم !
طعام كثير و مشروبات و حلويات حتى رائحة الارز بالمكسرات و اللحم قد فاحت في الحي
بعد دقائق وجيزة تصل سيارة اخرى بها هناء ابنة حليمة شقيقة يوسف و الكل في الحي يتسائل ما الموضوع و بعض النسوة قد ارتدين ملابسهن و اتجهن بالفعل الى منزل آل وداد لتبين الامر الجلل
تتقدم تلك الفتاة الطويلة والتي لا يظهر شيئا منها البتة وبالكامل يغطيها السواد تتجه بثقة و بحذائها العالي المفتوح الذي يكشف عن رجلين بيضاوين ليقف الرجلين يتقدما ناحيتها تقبل كل منهما على خده وهي تمزح و تقول : يا الهي خالي و عمي في ذات المكان ؟!! ماذا يحصل لكما ؟!! خالي هل حقا ستتزوج بهذه السرعة ؟!! ولما لم تخبر امي ؟!!
كانت تثرثر وهما يضحكا في وجهها من الجيد فقط ان تكون هناء هنا فهي تتمتع بروح جميلة ولا تتكبر على احد بعكس امها التي ستقوم الدنيا ولن تقعدها وهما لا ينقصهما مشاكل تأتي من تحت رأس حليمة !!فخلقها جداً ضيق رغم طيبتها !
: هل احضرتي كل شيء ؟!!
: نعم ولكن لا ادري ان كان اي من الفساتين سيليق بها فأنت قلت ان مقاسها 36 او 38 على كل سأرى ، ولكن هل حضر المأذون ؟!!
ليرد و ابتسامة تشق وجهه فما اكثر الابتسامات و الضحكات التي ضحكها اليوم : نعم سيصل قريباً عليك فقط تجهيز العروس !
واي عروس هي تلك ، انها الحلم و الواقع ، انها القوة و الضعف ، انها الحنان و الحب ، انها الرقة و العذوبة ، انها مريم !
يوصي حازم بعد ان وثق فيمن سيحمي ظهره هنا : حازم سأذهب لأتجهّز وهو يلقي بنظرة الى المنزل الذي احبه : سنحاول الذهاب و الرجوع بسرعة !
الاخر من كان يهنأه و يبارك له و يدعو له بالذرية الصالحة فهو من اكبر المعجبين بيوسف و يثق برجولته و حميته رغم تربيته الغربية !
و يمني نفسه في ذات الوقت بوصال وداد كما يوسف و مريمه !
الفتاة الطويلة الداخلة توّاً وهي تسلم على اهل البيت ولم تخلع خمارها بعد وهي تمد اصابع يديها بكل مودة الى ام وليد التي استقبلتها امام الباب و الجارات المتهامسات في المطبخ تركنهن وحيدات حتى ترى مريم وهن سعيدات لها ويكدن ان يصفقن و يزغردن و يسمين الله على مريم وعلى ما اعطاها الله رجل مثل يوسف لا يحلمن به ابدا !
تدخل الغرفة الجالسة بها مريم بتوتر و احمرار ووداد ايضا تقف ولكن موجوعة، تسحب الخمار عن وجهها و العباءة الجميلة عن جسدها فيظهر لهن حسنها و جمالها فتاة بيضاء بعيون صغيرة ووجه دائري طفولي و غمازة ضاحكة على خدها وفم كالتوتة ناااااعمة و جميلة كثيرا ذات شعر بني قصير بتسريحة عصرية و زينة وجهها لطيفة تبرز ملامحها الرقيقة
وهي تسأل في فضول وهي ترى الفتاتان و تضحك لهن وهي منبهرة من جمالهن لم تتوقع ان تجد فتيات جميلات في هذه البيئة ولكن خالها يوسف لا يمزح ، ناسية تماماً معرفتها السابقة بوداد فهي جداً متغيرة !
ترد وداد بسرعة بابتسامة تملأ ثغرها و تكشف اسنانها البيضاء وهي تشير بيدها الى مريم الخجولة : هنا .. مريم
كانت منبهرة بذات العينين الكبيرتين الواسعتين برسمهما المحترف و امتلاءة شفتيها و شعرها لوحده قصة لن تنتهي من وصفها وهي تسمي الله عليها وعليه و تغمز لها : لن
تنجي من يدي خالي الليلة وهي تضحك وسط ذهول مريم ، الان اعرف لما هو مستعجل على الزواج لن تصمدي بين يديه لثانية !!
زاد احمرار مريم و ارتباكها و هي تقضم شفتها بتوتر فترفع رأسها مرة اخرى عالياً : احمم شكرا لكي
تجلس الفتيات على الارض بجانب بعضهن البعض لوهلة في صمت يبحثن عن موضوع للحديث ولكن هناء بالفعل كان لديها موضوعاً مهماً وهي تتجه الى الحقيبة الكبيرة التي كانت تجرّها الى الداخل وهي تجرها من جديد الى وسط الغرفة و تفتحها وهي تقول بعفوية : الان سنرى ان كان اي من هذه الاثواب سيناسبك ، خالي قال لي ان مقاسك بين 36 و 38 وهي تتفحص جسد مريم المبهوتة ( فساتين ) ، سنبدأ بقياسها حتى ترتدي احداهن الليلة في الزفاف وهي تضع اصبعا على شفتيها الورديتين سنرى ان كنتي ستحتاجين الى زينة جديدة و تسريحة جديدة فالمزينة ستصل الان قد اتصلت بها ،
وهي تخرج الاثواب واحداً بعد آخر
وداد ومريم كانتا ستشرعا في بكاء بلا نهاية فهن لم يعتقدن انها سترتدي فستان زفاف !!
تضغط مريم بقوة على فخذ وداد تريد ان تطمئن نفسها و تهدأها
حتى رأت ذالك الفستان الذي رفعته هناء عالياً لتتبين تفاصيله الناعمة لفت نظرها وهي تقول : ربما هذا سأراه !
حملته بين يديها لتتلمس قماشه الناعم و تفصيله الراقي و لونه الابيض تمنت في هذه اللحظة ان تدفن نفسها فيه و تبكي حتى تنام لا تعرف لماذا !! فلقد طال لقاء هذا الفستان طويلاً !!
اخذت تقيسه وهي تخلع ملابسها انسدل عليها بنعومة ليس لها مثيل ووداد تغلق السحّاب و تناولُها هناء حذاءاً فخماً مبالغ في عُلوه !
نظرن اليها منبهرات لتهجم عليها الاثنتان في فرح و هن يتضاحكن و يتغامزن و يلقين نكاتا بأن الفستان ايضا لن ينجو هذه الليلة
حضّرتها المزينة بتسريحة جديدة و زينة جديدة و طولها الذي زاده الحذاء جعلت الاعين تبسمل لرؤيتها غاوية و رهيبة بجمالها البارز البدوي !
وصل ونزل من السيارة بكامل اناقته ووسامته وبدلته السوداء التي تبرز جمال جسده وملامحه وقوته و شعره الكثيف الذي تتدلى خصلاته القصيرة على جبهته لتمنحه صورة اكثر حيوية
كان اسطوريا متفجرا و متفردا وقلبه يعجز عن ايقاف ثورانه
ممسكا بعصاه و عرجه الذي جعل منه مهيبا
يتجه الى داخل المنزل الملي بالنساء ولكنه لا يحتاج إلاّ لواحدة منهن فقط هي من ستشفي سقمه و تروي ظمأه و تعذبه ابد الدهر ما عاش معها !
نظرة النساء الى ذالك الرجل المحطم للقلوب و اصوات شهقاتهن و انفراج شفاههن ذهولا ورائحة عطره قد اصابت فيهن مقتلا ، منهن من ابتلعت ريقها غير مصدقة البتة فلقد صبرتي و نلتي يا مريم يا لحظك واي حظ هو ذاك !
وسط ضحكات و فرح و قهوة و حلويات تم عقد القران الذي كاد معه ان يخرج جريا ليسحبها و يطير بها ولن يراها أحد غيره وهو يغمض عينيه في راحة لذيذة ، يشعر أن قلبه قد اصبح خفيفاً خفيفاً جداً يتقبّل التهاني و التباريك من حازم و سعد و أحمد ، غير مصدق بعد ان كل تلك الكوابيس قد انتهت انتهت و قد حقق انتصار حياته ، لمعة عينيه و تقوس حاجبيه وهو يتذكر ذالك البائس ويشعر بغيرة قاتلة قاتلة بمعرفته ان احدهم قد .... ينفض تلك الافكار الخبيثة التي انبثقت الان في رأسه يرفع رأسه عالياً وهو يقرر ان ينهي الامر الآن و يأخذها الى المنزل
يخرج أحمد في سرعة مبًلغاً اياهن عن استعداد مريم للذهاب التي بدت كورقة في مهب الريح ووجهها يشحب و قلبها يدق برهبة و تكاد ان تسقط باكية وهي ترتدي العباءة و الخمار فلا يظهر منها شيئاً و تسلم بحب و هي تحتضن وداد من اخذت تنشج بالبكاء ارجوك لا تبكي يا وداد فقلبي يقرصني ولا احتمل ، سلّمت على الجميع و الفتيات و العمة عائشة التي اخذت بالدعاء لها بقلب صادق كأم تودع ابنتها على باب دارهم و هي تجر حمود خلفها ولكن اوقفتها يد وداد : مريم اتركي حمود هنا الليلة حتى لا يضايقكم لا تقلقي سنعتني به و يلعب مع الاولاد
تمسكت جيدا باليد الصغيرة فكيف بعد ان عاد اليها تتركه وحيداً من جديد مستحييييل : تحرك رأسها بالرفض : لا حمود سيذهب معي اينما اذهب لن اتركه بعد الآن ابداً !
تحتضنها من الخلف بقوة وهي تبكي : انتبهي لنفسك و كوني رقيقة مع زوجك الى اللقاء لا تغيبي عني وهي تودعها عند الباب و هي تراها تركب السيارة السوداء العالية الكبيرة و حمود جانبها و فتحت فمها على مصراعيه حين رأت زوجها !!
لا يدري مالذي يحدث له براكين ثورة لن تخمد تتفجر بين ضلوعه
وهي تنظر الى الكتفين العريضين والشعر الاسود المتفحم شعرت بطرق قلبها في حلقها يا الهي لقد اصبح هذا العملاق رجلها زوجها نصفها الآخر تشعر بفخر يتجذر فيها وبقوة تندفع الى دمائها فلكم حلمت بهذه اللحظات التي هُدمت في ساعة سوداء تتنهد بصوت وصل مسامعه و اذنيه التي ثارت لتلك التنهيدة وهو يضغط بقوة على رأس عكازه
شعر وكأن شعر بدنه قد وقف تبا لها ولتأثيرها علي !
في ذالك المنزل الذي تركوه توا كان يجلس في المجلس الصغير وهو يشرب اخر قطرة من فنجان قهوته ويلتهم معها قطعة حلوى و أحمد الذي بدا غير مرتاح فهو قد اخذ على خاطره من كذبة حازم التي جعلته يزوجه اخته !
اما الاخرى من كانت للتو تتحدث الى هدى وهي تهم بالخروج دون غطاء لجسدها المغري والاخرى تقول : لا تخرجي الان فــ... اممم ... حازم لا زال هنا !!
تفتح الاخرى عينيها على وسعهما مستفسرة : السيد حازم هنا منذ ذالك الوقت ولكن مالذي يفعله هنا ؟!
ترتبك هدى وهي تطلب العون بعينيها ناظرة بجد الى عمتها الجالسة تلاعب الطفلين وهي تنظر اليها وبكل قوة تدفع بالكلمات في وجهها غير مكترثة بصدمتها المحتملة : الرجل اصبح زوجك فلما لا يبقى !
ترنحت في مكانها و الصدمة تغطي عينيها : ماذا ؟!!
: وداد حبيبتي الرجل قد طلب يدك و زوجناك له
لم تعد تصدق اهي في حلم ام كابوس مصدومة : بهذه البساطة طلبني و زوجتموني له
صرخت بكامل قوتها وهي تحرك يديها : لماذا ؟!! لماذا ؟ وانا لم يأخذ احد رأي ، حتى هذا الحق قد سلبتموه مني ، كيف تزوجوني دون موافقتي كيف من اعطاكم الحق
حاولوا تهدئتها ولكن لم تهدأ : هل جننتم مالذي فعلته انا ماذا ، طوال عمري اعمل بشرف كنت اعمل من اجلكم و اذللت نفسي من اجلكم كلكم كلكم –يزداد صراخها و بحة صوتها وهو يعلو منهارة – كيف تزوجوني لرجل كنت اعمل خادمة في منزله كيييييييييييف ؟ ماذا سيقول الناس عني انني اغويته ؟!! هل جننتم ؟ انا لا اريد هذا الزواج لا اريييييييييده طلقوني منه الان الااااااااااااااان اقسم والا تركت البيت و هربت
لم تعد تسيطر على نفسها بعد كل ذالك الاستفزاز، حقها الوحيد في الحياة باختيار شريك حياتها قد سلبوه منها : الذالك قد قام وليد بطعني من اجل ذالك ، وعينيها تتقدان شررا ووعيدا : لن اتنازل عن حقي ولن يخرج من السجن لن يخرج
كانت تندب و تبكي وتصرخ : حقي ان أُحِب و أُحَب لما ، ها امي لما ، مالذي حدث انا لا افهم شيئا – وهي تمسح دموعها و انفها بقسوة على نفسها –وخالد انا احب خالد وهو يحبني و سنتزوج اين هو اين ؟!!
في تلك اللحظة لم تسمع الا صوت تلك الصفعة التي اخرستها وهي تضع يدها على خدها في صدمة وهدى تبكي بحسرة عليها فليس لهم الحق في كل ما فعلوه معها فوداد عاشت حتى توفر لهم لقمة العيش ولم تبخل بأي فلس عليهم بل كانت تمنح بلا شعور فلما يحصل لها ذالك وهي ترى امها التي صفعتها بقوة وهي تقول : خالد انسيه ، خالد ماااات مااات وبالامس فقط كان عزاؤه
لا لا لا لالالالالا لا تكذبين خالد لم يمت لم يمت من قال ذالك مريم لم تقل شيئا
: لم تقل حتى لا تفجعك في ليلة مثل هذه
: كذب كلكم تكذبون قولوا انكم تمثلون علي قولوا لا اصدق ما يحصل خااااااااااااالد يا ربي خاااااااااااالد اخذت تصرخ و تنتحب وكأنها في عزاء و امها تحاول اسكاتها ولكنها لم تسكت
ومن كان في الخارج قد استشاط غضبا و شفقة رغم انه يعرف انه استغلهم لتحقيق مأربه و لكنها الان تنوح على رجل آخر ، آآآآآآآآآآخر ليس هو يقسم انه سيحطم تلك الثقة و ذالك الحب الفارغ فهي زوجته زوجته
وهنا قد قررت هي دون غيرها وهي ترتدي عبائتها و حجابها متحدية : اذا كنتم قد بعتموني فأنسوا تماما ان لكم ابنة تسمى وداد وهي تخرج و تطبق باب الغرفة بقوة لتقع عيناها على تلك العينين الغاضبتين وهو يريد ان يحطم فكها الان لترفع رأسها في تحدٍ قائلة بقوة : حسنا – وهي تفرد يديها على مصراعيهما – انا زوجتك حلالك و سأذهب معك الان
اطبق شفتيه بقوة لا يريد ان يصفعها امام اهلها والا سيخسرها
واحمد من كان جالساً عاجزاً فهو من تسبب بذالك هو دون غيره و من قبله وليد و امها من خلفها التي تبكي وتسألها ان تتوقف عن جنونها وهي كمن اصابها الصمم لا تنظر لهم بل له بالذات في تحد : لنذهب الى بيتك
يقول بقوة وهو يتماسك و مفتاح سيارته بين اصابعه يتلاعب به : هيا اذا
خرجت ولم تكترث لصرخات امها و ترجياتها او بكاء هدى او احمرار وجه احمد فحقا ليس له الحق الان بالتدخل بعد ان فعل فعلته المهينة لشقيقته وهم يستحقون
فكيف تحول هذا اليوم الى كابوس لهم جميعا بعد ان كان من اجمل الايام في حياتهم ؟ !!
.
.
يفتح لها الباب و عيناه تبتسمان بدا مشرقا سعيدا يريد الليلة ان يلمس النجوم وهي لا ترى شيئا من الظلمة الحالكة التي تحيط بها و يرفع حمود بيد واحدة يلقيه عليها وهي تتبعه في
صمت مهيب يكاد ان يغمى عليها من طلته و رائحة رجولته التي تغلغلت في حناياها ، ممتنة و قلبها يرفرف بفراشات صغيرة تداعبه وهي مطمئنة واخيرا قد ارتحت يا مريم
لما ارتاحت له و وثقت به و أحبته !
اما هو من اصبح بين يديه طفل و بجانبه زوجة اخيراً اصبح له عائلة تتسمى باسمه ولن يموت وحيداً و منبوذاً و منفياً !
تسمع طرقات العكاز خلفها و الباب الذي فُتح على مصراعيه للترحيب بالقادمين الجدد
اقشعر جسدها من صوته الهادئ المطمئن الآمر في آن الى الخادمة : خذي الطفل الى غرفته !
حمود الذي كان يتنقل بين الأيادي ولم يستغرب الامر وهو يضرب الخادمة بكفيه على وجهها ضاحكاً و ضاحكة هي الاخرى لشغب الصغير وهي قلبها قد فقدت دقاته وهو يقترب منها حتى كاد يلتصق بها من خلفها هامساً : لنصعد الى غرفتنا وهو يتحرك بجانبها وكأن كل تيار هواء قد عبق برائحته العذبة يا الهي ما اجمله اقسمت بأنها كادت ان ترمي بنفسها بين ذراعيه غير مكترثة لشيء ولكن هي عروس في ليلة زواجها يجب ان تبدو ثقيلة و خجلة ، أما هي فكادت عيناها ان تخرجا من محجريهما عند رؤية وجهه و مداعبة عطره لخياشيمها وهي تلحق به و ترى عرج ساقه مغضنة جبينها ( لم يكن هكذا من قبل ماذا حدث له ) شعرت بالحزن الشديد يغطيها و مشاعر متناقضة داخلها من فرح و حزن وهي لم تنتبه لشيء في ذالك المنزل الكبير جداً كانت مُسيرة تتبعه وقبل ان تدخلها تتفاجأ به يرفعها بين ذراعيه كانت كالريشة بين يديه واخيراً يا مريم لن يمنعني احد عنكي ولو كان طوفانا وهي متشبثة بقوة به و قلبيهما يتسابقان وهي تسمع نبض قلبه القوي تحت لمسة كفها
تعض على شفتيها وهو يضعها ارضاً متمنياً ألاَّ يتركها ولو ترى وجهه الآن على حقيقته لخرت على قدميها من نظرات لهفته
ترددت قبل ان تزيح الخمار و العباءة عن جسدها تريد ان تراه ، ان تتلمس وجهه ولحيته
تريد ان يتناجيا الليل كله ان تدس اصابعها في شعره الغزير و تُقبّل عينيه و شفتيه حتى تنتهي
فيا للحلم
وهو ينظر اليها وهي ليست كمريم التي رآها في كل مرة
فمن تقف امامه وطولها قد وصل قريب منكبيه وعينيها بليلها الليلكي و لمعتها الفتاكة و كتفيها العاريين و جسدها النحيل في فستان خرافي بحزام فضي يلف خصرها و حذاء زجاجي كالسندريلا و شعرها الأخاذ وهو يسترح على قدها بالكامل من رأسها الى قدميها في ظفيرة مليئة بورود بيضاء
وما اجمل شفتيك يا مريم
اقترب اكثر
نزع ربطة عنقه و جاكيته و فتح زر قميصه الابيض العلوي كاد ان يختنق حين رآها فما اجمل رؤياها
ابتلع الكلام و ابتلعت ريقها خجلاً من نظراته التي تكاد تلتهمها
شعرت بأنها صغيرة و مدللة تثق به نعم سيدللها
تمتم بكلمات لم تفهمها ولكن حركت كل خلية فيها وهو يمر بأصابعه على وجهها يتأكد بأنها هنا موجودة و انفاسه الحارة المتلاحقة ، اصبح يلهث وكأنه في سباق
مريم اكبر تحد في حياته و كسبه فلن يثنيه شيء بعدها وهي تشعر بشفتيه الدافئة على نحرها وقبضته التي حاصرت خصرها ليقربها منه بقوة ستكسر لها عظامها كان رقيقا و قويا في آن معا
سيطر عليها و ادخلها في دوار لن تعرف له قرار وهي فقط مستسلمة تشعر بدماء حارة تجري في شفتيها وهي تضع يداها على صدره ترجوه المزيد و المزيد وهو لم يقصر هامسا طلبه منها في الصباح : قبّليني يا مريم !
عيناها النجلاوان غارقتان و ضبابيتان وهو يدفعها اكثر الى صدره مترددة و خائفة و شفتيها ترتعشان و تنبضان وهي تنظر الى عمق عينيه لقد صادها ،هي غزالته و صادها ،وهي تريد تقبيله تريد احتضانه تريد سندها و ظهرها و حب لم تفقد الامل فيه لتندفع واقفة على اطراف اصابعها تلامس شفتيه بكل رقة قد عرفها يوما اغمض عينيه وهو يمرر لسانه بين شفتيه مستطعما تلك القبلة الجبارة التي اطاحت بحصون يوسف
يوسف
يوسف من دافع عن حبه ضد موجة الياسمين الحارة و وقاحة خادمة مغرية و نساء بالغات متفجرات الانوثة يحمن حوله رغبة فقط في لحظات تحطيم !
يوسف قد وقع في شرك لن يخرج منه حيا
انفه يلاصق انفها وهما يتنفسا بقوة و يده تمسك بظفيرتها يلفها حول عنقه حان الوقت للرغبات القهرية ان تنفجر لرجل قد نسي الأنوثة دهرا ، ما كان لرجل ان يلمسك قبلي
قد فقد عقله و افقدها عقلها
لا تجد الا انها قد تنهدت آخر تنهداتها و اغلقت عيناها !
.
.
.
نهاية المشهد الثامن و العشرون .
أنت تقرأ
حارس العذراء # Land of Angels / مكتملة /
Romanceملحمة الحب و الأرض و المنفى يوسف النصف الماني في زمن ما التقى بفتاة سمراء تعلق قلبه بها ، بحث عنها و لم يعد يجدها ياسمين الزوجة السابقة تهرب من زوجها و تلحق بيوسف لإصرارها على عودته لها فهل سيعود لها يوسف و ينسى محبوبته التي تتعذب في مكان ما ! ف...