"كُنّا نَغارُ عَلى العَواتِقِ أَن تَرى
بِالأَمسِ خارِجَةً عَنِ الأَوطانِ
فَخَرَجنَ حينَ ثَوى كُلَيبٌ حُسَّراً
مُستَيقِناتٍ بَعدَهُ بِهَوانِ
فَتَرى الكَواعِبَ كَالظِباءِ عَواطِلاً
إِذ حانَ مَصرَعُهُ مِنَ الأَكفانِ."-الزير سالم.
بليالي الشتاء والبرد القارص الذي يتحتم بها عدم مغادرة المنزل لسلامة المواطنين، كانت الساعة تشير للواحدة ظهرًا، بيومٍ عاصف والأمطار لا تهدأ بل تزداد وكأن السماء بسباقٍ عنيف وإذا توقفت عن البكاء ستخسر، كانت تقف إيمان أمام غرفة الطبيبة بانتظار دورها، وبعد مرور بضع دقائق نادت عليها الممرضة، فطرقت على الباب قبل أن تدخل.
استقبلتها الطبيبة ببسمةٍ وأشارت لها بالجلوس على المقعد الذي يوضع أمام مكتبها، فنظرت لإيمان وسألتها
"نتيجة التحاليل اللي طلبتها منك طلعت؟"
أومأت إيمان محركة رأسها بالإيجاب وهي تخرج من حقيبتها بعض الأوراق وأعطتها للجالسة أمامها، أمسكت الطبيبة بالورق وبدأت تقرأ النتيجة وسرعان ما نظرت لتلك الفتاة الصغيرة التي تقف بالقرب من والدتها، لا يتعدى عمرها العشرة أعوام، ترتدي فستانٍ من اللون الوردي الرقيق وشعرها منسدلًا على كتفيها.
شردت الطبيبة وطال صمتها مما أدى لقلق إيمان فسألتها بحيرةٍ "في إيه يا دكتورة؟ طمنيني."
قضمت الأخرى شفتيها ونظرت لها تجيبها بحزنٍ وهي تحاول جاهدة أن تنفي ما بنتيجة التحليل أمامها
"أنتِ حالتك صعبة يا إيمان، الورم بدأ ينتشر ودا مش مؤشر كويس ... لازم العملية وتلتزمي بالجلسات."
حلت الصدمة على إيمان وشعرت بأنفاسها تنقبض، داهمها الشعور بالشلل وكأن هنالك من يكتفها ويمنعها عن الحراك، حاولت الطبيبة أن تخفف عنها وقالت
"رب الخير لا يأتي إلا بالخير، خلي إيمانك قوي."
حاولت إيمان التحدث وخرج صوتها مبحوحًا وهي تمسح عينيها "شكرًا يا دكتورة.." ثم نظرت لابنتها التي تمسك بيدها ونهضت قائلة "يلا يا زينة عشان نمشي."
"ماما، هو إيه دا؟"
أشارت زينة على لوحة معلقة لثعبان يحتسي الدواء، ولكن إيمان لم تكن بحالة تسمح لها بالإجابة، فجذبتها وتحركت بها نحو الخارج.
كانت خطواتها بطيئة، تمامًا كأنفاسها المسلوبة منها بعد تأكدها من انتشار الورم الخبيث بخلايا جسدها، ولكن السؤال هنا، من سيعتني بصغيرتها إذا فارقت الحياة؟
عادت للمنزل أخيرًا وحمدت ربها أنها وصلت بأمانٍ، وجدت زوجها يجلس أمام التلفاز يشاهد أحد الأفلام القديمة ويضع بفمه لفافة تبغه، تحركت لتجلس بالقرب منه ولم تتفوه بحرفٍ، فسألها دون النظر لها ومازال بعلق عينيه على شاشة التلفاز

أنت تقرأ
قمر والميم دال
Romanceمِن خَيبَتي أَسمَيتُكَ أَمانًا .. وَنَسيتُ بأن الثِقةِ بَينَنا تَنعَدِمَا يَا سَببْ قَهرةِ فُؤادِي وحَسرَتي .. أُذرِفُ كُل يَومٍ بَدلِ الدِّمُوعِ دَمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بدأت في ٢٥ مارس ٢٠٢٢ والنسخة ال...