وإني لأُعطي الحقَّ مَن لو ظلمتُه .. أقرَّ وأعطاني الذي أنا طالبُ
وآخُذُ حقّي من رجالٍ أعزّةٍ .. وإن كَرُمَتْ أعراقُهم والمَناسِبُ.-الأفوه الأودي.
لم يصدق عمر أذنيه، آلاء؟ ستذهب إلى زينة؟ والسبب؟ أنها تريد مساعدتها؟ لم يكن في مخيلته، حتى في أكثر أحلامه غرابة، أن يشهد مثل هذا التحول، كيف للأمور أن تتغير بهذه السرعة؟ كيف للعداوات أن تنقلب ظاهريًا إلى شيء يشبه المودة؟ لكن هذه هي الدنيا، لا أمان لها ولا ثبات، تدور بالناس كما تشاء، فتقلب حالهم بين عشية وضحاها.
ازداد داخله حماسٌ طفولي لم يستطع السيطرة عليه، ترك الأمور تسير كما يبدو لها، دون أن يُفسد المفاجأة على صديقه الذي كان يتوق أن يرى فرحة تُضيء وجهه عندما يعلم بانصلاح الحال بين والدته وزوجته، قاد سيارته صوب منزل آلاء واتصل بها، لم يمر سوى دقائق قليلة حتى ظهرت أمامه، كانت ترتدي قناعًا من الابتسامة، تخفي وراءه ما لا يظهر بسهولة.
قاد عمر السيارة، وكلما ألقى نظرة جانبية على آلاء، وجدها تغرق في صمتها؛ كأنها تدرس خطواتها القادمة بعناية، أما هو، فمشاعره خليطًا من الأمل والارتباك.
بعد ساعتين ونصف من القيادة، توقف أمام منزل زينة، التفت إلى آلاء وعيناه تتوسلان منها الرحمة، رغم أنه لا يدري لماذا شعر بحاجة إلى قول
"بالله عليكي ما تزعليها... علشان خاطر تيام."
طالعته آلاء بابتسامة زائفة أشبه بطعن ناعم، وردت عليه وهي تخفي نواياها خلف نبرة مطمئنة
"ما تخافش يا عمر، امشي أنت بقى."
هزّ رأسه موافقًا، دون أن يدرك أن تلك الكلمات البسيطة تخفي ما لا يمكن للعقل أن يتخيله، فقال وهو يشير نحو البناية
"تمام، على العموم هي في الدور التالت، الشقة اللي على إيدك اليمين."
غادرت السيارة بخطى ثابتة، بينما تابعها بعينيه، غارقًا في أفكاره، لم يستطع الانتظار، فضوله وغريزة الحماية بداخله دفعاه إلى التسلل خلفها، مترقبًا من بعيد ما الذي سيجري بين الاثنتين.
في ذات الوقت، كانت زينة في شقتها الصغيرة غارقة في لحظة هدوء نادرة، جلست على الأريكة، بين يديها كتاب تقلب صفحاته ببطء، تحاول أن تعوض نفسها عن يوم طويل ومرهق في المستشفى، الوحدة كانت رفيقتها الدائمة، خاصة بعد أن سافرت دعاء، جارتها الوحيدة التي كانت تُشعرها بالألفة لزيارة أقاربها، حتى جنى رفيقتها كانت تمضي أيامها مع أسرتها؛ فأصبحت وحيدة تمامًا، لا يكسر رتابة حياتها إلا مرور تيام كل ليلة ليطمئن على أحوالها.
الهدوء الذي كانت تنعم به انكسر فجأة على صوت طرقاتٍ متتالية على الباب، وضعت الكتاب جانبًا ونهضت متعجبة، لم تكن تنتظر أحدًا، فتحت الباب، لتصدمها رؤية الوجه الذي طالما تمنت ألا تراه أبدًا، آلاء.

أنت تقرأ
قمر والميم دال
Romanceمِن خَيبَتي أَسمَيتُكَ أَمانًا .. وَنَسيتُ بأن الثِقةِ بَينَنا تَنعَدِمَا يَا سَببْ قَهرةِ فُؤادِي وحَسرَتي .. أُذرِفُ كُل يَومٍ بَدلِ الدِّمُوعِ دَمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بدأت في ٢٥ مارس ٢٠٢٢ والنسخة ال...