3_العودة للديار

7.4K 555 78
                                    

تَطيرُ رُؤوسُ القَومِ تَحتَ ظَلامِها .. وَتَنقَضُّ فيها كَالنُجومُ الثَواقِب

وَتَلمَعُ فيها البيضُ مِن كُلِّ جانِبٍ .. كَلَمعِ بُروقٍ في ظَلامِ الغَياهِبِ

-عنترة بن شداد.

الذكريات، ما هي إلا مداهمة للعقل لتسلبه، تخرجه من سيل أفكاره وتوجهه لمصير واحد فقط .. ألا وهو الحنين المغلف بالأشواق.

كان يجلس تيام بغرفته على فراشه، تاركًا كتابه بالخارج ويجلس بمفرده، ما زالت والدته منزعجة منه حتى الآن رغم ما حدث لخالته وابنتها.

أمسك بصورة لوالده، يرتدي فيها جلباب أبيض ويبتسم ببشاشةٍ، تاريخ تلك الصورة منذ عشرة أعوام تقريبًا.

ضم الصورة لصدره واحتضنها كأن والده هو من يجلس أمامه الآن، يشتاق له أكثر من أخويه، ويزوره في حلمه دائمًا باسمًا الوجه.

"ربنا يرحمك يا بابا، يوم ١٢ اللي جاي هيبقى عندي ١٤ سنة.. فات سنتين بس كأنهم بعمري كله."

مرت دقيقتان وهو على ذلك الحال، حتى استمع لصوت صخب بالخارج وعلم أنه حمزة قد أتى.

"والله كسبتني بالحظ، البنات مالهاش في الكورة أصلًا!"

قال حمزة وهو يمسد على خصلات شعره الطويلة التي تصل لكتفيه، فنظرت له زينة وسألته بتعجبٍ

"ﺣمزة أنت شعرك بقى طويل أوي."

"ما أنا عارف، هبقى هحلقه لما يبقى عندي ١٠ سنين."

أوضح وجهة نظره وهو يمسك بالكرة، وسرعان ما أتت سندس لتجلس بقربه وهي تمسك بدميتها

"العروسة دي شكلها وحش أوي .. شبهك يا سندس."

تمتم بتلك الكلمات ومن ثم انفجر ضاحكًا، راقبته سندس وانزعجت من سخريته وتشبيهه السيئ بالعروس، فأدمعت مقلتيها ونهضت متحركة لغرفة والدتها وهي تتوعد له

"والله هقول لماما."

"قوليلها، كدا كدا هسيبلكم البيت وأمشي."

أنهى جملته تزامنًا مع خروجه مسرعًا متوجهًا للطابق السفلي حيث عمه كالمعتاد، فتح له عصام تلك المرة وكاد يتحدث فمنعه حمزة وأغلق الباب بسرعةٍ قبل أن تأتي والدته.

***

كانت زينة تجلس بمفردها بالردهة ورأت باب غرفة تيام مفتوحًا، تقدمت لتقف أمام حجرته فوجدته مجرد أن وقع بصره عليها ابتسم، بادلته الابتسامة اللطيفة وتحركت لتجلس أمامه على فراش حمزة.

"أنت خلصت مذاكرة؟"

نفى برأسه يخبرها بعدم صحة حديثها، اعتدل في جلسته فسقطت صورة أبيه على الأرض، انحنى ليلتقطها وتفاجئ بأن القلادة التي أعطاها لها ما زالت بيدها، ابتسم ووضع الصورة على مكتبه وعاد لها يسألها مندهشًا

قمر والميم دالحيث تعيش القصص. اكتشف الآن